05-23-2010, 09:40 PM
|
|
أدعوا إلى الله .. أنا ومن اتبعني قال تعالى{ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
} ( يوسف 108) . ما أحوج الأمة ـ فى دور انتقالها إلى قادة حكماء، ومرشدين أدلاء، وهداة فضلاء، يسلكون بهم سبل السعادة، ويجنبونها أضرار الإندفاع، لايزالون يتحسسون طريق النجاة بكل ممكنة وغير ممكنة من الطرق، أحياناً باستخلاص العبرة التاريخية، وأخرى بالمقارنة بين الحوادث الكونية، وثالثة بما هدتهم إليه التجارب الطويلة والفطرة السليمة، وما أرشدهم الله إليه من طرق الإصلاح وسبل النجاح، كما يفعل الربان بسفينته إذا خفيت عليه المعالم، وترامت به الأمواج، وضلت فى فضاء المحيط بين السماء والماء، أتراها تهتدى بغير هاد، أم تسلم بدون إرشاد ؟ ! أولئك القادة هم صفوة الله من خلقه، وأمنائه على عباده، وهم المجددون حقاً الذين أشار إليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى كثير من حديثه الشريف . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير الهداة، وإمام المرشدين وعلى آله وصحبه، الذين كانوا مثل الفضيلة الحية، ونماذج الخلق الطيب الطاهر، ومعجزة الدهر وطفرة الأمة العربية ـ بل العالم إن شئت ـ من أحط مراتب الهمجية إلى أرقى منازل المدنية . أولئك آبائى فجئنى بمثلهم إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ ولا أظنك تجد ـ وإذا قلبت صحائف الدهور، وفتشت فى بطون العصور، واستنبأت التاريخ واستوحيت الحوادث ـ عصابة حق كتلك التى غذيت بلبان النبوة، وتربيت فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم . الأمة فى أشد الحاجة إلى دعوة قوية فعالة فلست فى حاجة إلى أن اقول إن أمتنا المصرية ـ بل الإسلامية ـ بما تقلبت فيه من أطوار، وما مر عليها من حوادث سياسية واجتماعية استبدت بدينها وأخلاقها فتركتها كالمعلقة، لست فى حاجة إلى أن أقول أن هذه الأمة فى أشد الحاجة إلى دعوة قوية فعالة تردها إلى رشدها إلى معالم دينها، وتنقذها مما هى فيه من الانحلال الأدبى والفساد الخلقى. فأنت أينما وجهت وجهك لاتجد إلا فساداً ظاهراً، وتهتكاً مزرياً، بل الفوضى فى العقائد والتخبط فى الآراء والمذاهب، وإلا من يتهجم على عامتنا فيجرحهم فى دينهم، ويسرق منهم إيمانهم من مرتزقة التبشير وما إليه، تسير فى الشارع فترى ما يؤذى ويؤلم، وتستعرض حياة الأسرة فتجد ما يُمض ويؤسف . تولى وجهك شطر المدارس ومعاهد العلم فتلقى مايُزرى ويُخجل، وقل مثل ذلك فى كل مرافقنا وشؤننا، حتى لقد أصبح الداء عام يئن تحته الفرد والجماعة، ويستغيث منه الصغير و الكبير . لا يغرنك القول الباطل ولا يغرنك قوم من الكتاب يقولون : هذا عصر مدنية وتجديد، ورقى فى المدارك والأفكار، وثقافة حرة وحرية شاملة شخصية وغير شخصية، وغير ذلك من الألفاظ التى يرصونها رصاً، وينمقونها تنميقاً، ويخدعون بها البسطاء، ويخبلون بروائها الضعفاء، فذلك تعبير له تعبير . ولو أن هؤلاء القائلين ممن يستول عليهم الافتات والأعجاب بما يرون إلى حد لايفقهون معه دليلاً ولا يذعنون لحجة قال تعالى { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ (23)
} ( النجم : 23 ) لناقشناهم دليلاً بديلاً، وساجلناهم حجة بحجة، وبينا لهم أن الحق غير ما يظنون، وصلاحالأمة بغير ما يفهمون، ولنا معهم موقف آخر ـ إن شاء الله ـ بالرغم مكن ذلك كله يرون فيه الحق حقاً والباطل باطلاً . إلى من يحس بداء هذه الأمة ويشعر بين جوانحه هماً مبرحاً وأما الآن فأوجه هذا النداء الصادق الحار إلى من يحس مثلى بداء هذه الأمة ويشعر بين جوانحه هماً مبرحاً، وجوىً لاصقاً . إن أمة هذا حالها، حرام على المؤمن فيها أن يسكت على ما يرى، وأن يجد مس الداء ويتوسم الألم فلا يبدى حراكاً ولا يرفع صوتاً، وهو يتلو فى كتاب الله قال تعالى{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
} ( التوبة : 111 ) وقال تعالى { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) الأحزاب قال تعالى { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
} ( التوبة : 24 )، أما الأحاديث فلا يحصيها عد، وموقف الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وصادقى الإيمان من بعدهم فى الدعوة إلى الله مذكورة معروفة، فاين الإيمان من قلوبنا، والدين من نفوسنا، إن لم نؤد الأمانة ؟! أين النداء بكلمة الله والقيام بحجته والدعوة إليه .. أين ؟. أفلست ترى أولئك الذين ما يفتأون يرمون الأنفس البريئة والعقيدة الحقة الثابتة بسهام من الشك ونبال من الأوهام ؟ ويكا أنها كلمة أمير المؤمنين على ( كرم الله وجهه " والله إنى لأعجب من تضافر هؤلاء على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم". واستأسدت النعاج لما غاب حاميها ما جرأ هؤلاء و أظهر كوامن نفوسهم إلا أنهم رأو الميدان خالياً وأنسوا من أهل الحق تغافلاً، فاندفعوا يطالبون الطعن وحدهم والنزال، وما هو إلا أن يقوم أهل الحق بتأييده وبيانه، حتى ينجزر مد هؤلاء، وينحسر طغيانهم، ويتقهقروا إلى مراكزهم أذلة صاغرون. ومن جهلت نفسهُ قدرهُ راى غيرهُ منهُ ما لا يرى وأعلم أيها الأخ الغيور ( أيدك الله ) أنه لم ينل من هذه الأمة أحد ما نال منها يأسها من نفسها وسكوت قاداتها الغيورين عن إصلاحها، فلا يخدعك ما يُخدرون به الأعصاب وينيمون به الحمية ويثبطون به العزائم، من قولهم طبيعة العصر، وهذا تيار لا يغالب، وقد استفحل الداء، وغير ذلك من نبات اليأس، وولائد الخمول، وسلف الموت والفناء . وفيم اليأس، وقد وعدنا الله النصر، وكتب على نفسه المؤازرة للهداة والمرشدين، وأنظر ذلك جلياً فى ثنايا الكتاب العزيز وفى تضاعيف صفحاته ومرامى سطوره وآياته حادثت مرة أحد الدعاة إلى الله بلهجة اليأس، فقال لى : حنانيك يا أخى، لو أن حماية هذا الدين للخلق لتمكن الخلق من نقضه، بل لا زال وهو فى مهده، ولكنه فى حماية الله، والله غالب على أمره، فلا تبتأس بما كانوا يصنعون، فقلت رحمك الله ياسيدى، لقد نبهت منى غافلا ومن أصدق من الله قيلاً ؟ صفوة القول إن الدعوة واجبة علينا معلقة بأعناقنا، فإن ظفرنا منها بما نحب من خير هذه الأمة وهدايتها فذاك، وهو المامول بحول الله وعونه، وإلا فحسبنا أن نكون قنطرة تعبر عليها فكرة الدعوة والإرشاد إلى من هم أقدر منا على التنفيذ، أو بعبارة أخرى حسبنا أن نكون حلقة اتصال بين من تقدمنا ومن سيأتون من بعدنا، وإلا فحسبنا أن نعذر إلى الله وأن نؤدى الأمانة وأن نقوم بالواجب، والقيام بالواجب غرض يقصد لذاته ـ أولاً ثم لفائدته ـ ثانيا . وتأمل قول الله تعالى : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
} ( الأعراف تلك ثلاث مراتب من أغراض الدعوة، أعلاها وأولها، وما ذكرت الآخرين عن يأس من النجاح أو شك فى الفلاح والفوز أو استبعاد النصر، ولكن ليتضح لنا كيف أن الدعوة إلى الله علينا فريضة لا يخلصنا منها إلا الأداء، ولا يقبل فيها عذر ولا هوادة . وليت شعرى أية كارثة ألمت بنفوس المصلحين، وهفت بأرواح القادة، وطارت بحمية الغيورين على هذه الأمة، فجعلتهم يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، ويثاقلون إلى الأرض ويستوعرون سبيل الجهاد ؟ واية حادثة نالت من موضع إبائهم وهزت مواطن الشجاعة فيهم ؟ أصوحت شجراتُ المجد أم نضبت عذر الحمية حتى ليس من رجل قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
} ( التوبة: 38). وأنتم أيها السراة الأغنياء قال تعالى { هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ۖ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
} محمد بوادر النجاح وإنى لأشم بوادر النجاح، وأستنشق عبير الفوز من تلك النهضة الإرشادية التى تمشت فى نفوس الشباب فخلقت منهم دعاة صادقين، وإنا لنرجو بعد إن شاء الله ـ من الدعاة أعمال تتلوها أعمال، وتحقيق آمال بعدها آمال، والعهد بأدبائنا وسراتنا بعد ما أنهضتهم الحادثات، أن يثابروا على إمداد هؤلاء الدعاة بما يعينهم من تحقيق أغراضهم في الدعوة حتى تكون دعوتهم دانية الجنى، وارفة الظلال، عميمة النفع، والله الهادى إلى الصواب . |