عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 05-23-2010, 11:01 PM
 


الضابط الخامس:


التحلِّي بالأخلاق الفاضلة:

قال الله جل وعلا وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)القلم
تأمَّل في شهادة أبي سفيان عند هرقل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقِ والوفاءِ بالعهد وأمرِه بالخير، وقد كان أبوسفيان رضي الله عنه آنذاك عدوَّاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
فالداعية يؤثِّر في النفوس بأخلاقه وأفعاله أعظمَ مما تؤثر أقواله؛ ولذا كان لِزاماً على كل داعٍ إلى الله أن يتمسَّك بأخلاق أهل الإسلام بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده وعباداته وهيئته وكلامه، قال الله جل و علا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)
ومن أهم تلك الأخلاق: الحِلم واللين والرفق بالإخوان، وألا يكون في قلبك غلٌّ للذين آمنوا، وفتِّش في قلبك أهو سليمٌ من الحسد والكِبر والغِلّ؟

اعلم ـــ بارك الله فيك ـــ
أن منهاج السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم : عقيدة ٌ وعبادةٌ وأخلاق،
كانوا يسعَون في تصحيح العقيدة ومحاربة الشركيات والبدع، ويعتنون بإصلاح العبادات وبيان هَدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ومع هذا وذاك كانوا يجاهدون أنفسم لتستقيم
على الأخلاق الفاضلة؛
فالإيمان قولٌ وعمل،
وشُعَب الإيمان أعلاها قول « لا إله إلا الله »، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياء شُعبةً من الإيمان.

وإذا أردتَ أن تعرفَ خُلُقَ الرجل فراقبه عند اختلافه مع إخوانه في أمرٍ ما.

إن سوءَ الخُلُق مرضٌ خطيرٌ يضرُّ بالأمة، وخطورته تكمن في إفساد القلوب، وفشل الجهود، وقطع الأرحام، وانتشار الشحناء، وبه تعمُّ البغضاء، وتتكدَّر النفوس، فلا تصفو القلوب للمحبَّة، ولا تتهيأ النفوس للتعاون والأخوّة، ولا تأنس الأرواح للتفاهم والأُلفة:قال تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً).

وخطورتُه تكمن أيضا في أن المريض بسوء الخُلُق لا يُدرك أنه مريض،
فتراه يعلم ضرر سوءِ الخُلُق لكنه لا يعلم أنه هو سيءُ الخُلُق.
*********
الضابط السادس:
كسرُ الحواجز بين الداعيةِ والناس:

قال الشيخ ابن عثيمين: « إن كثيراً من إخواننا الدُّعاة إذا رأى قوماً على منكر قد تحمله الغَيرةُ وكراهةُ هذا المنكر على ألا يذهب إليهم ولا ينصحهم، وهذا خطأ، بل ينبغي للداعية أن يَصْبِرَ نفسه، وأن يُكرهها، وأن يكسر الحواجز بينها وبين الناس؛ حتى يتمكَّن من إيصال دعوته إلى مَن هم بحاجةٍ إليها، أما أن يستنكف ويستكبر ويقول: إن جاءني أحدٌ بلَّغتُه الدعوة، وإن لم يأتني أحدٌ فلستُ بِمُلزَم، فإن هذا خلافُ ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يذهب في أيام منىً إلى المشركين في أماكنهم، ويدعوهم إلى
الله عز وجل... » قال: « فأحثُّ الإخوان على إقامَةِ الزيارات فيما بينهم؛ حتى تتوطَّد الأُلفةُ والمحبَّةُ، ولدراسة أحوالهم وأحول أمتهم، وما أعظم ثمرةَ تلك الزيارات، وإذا قُرِنت برحلاتٍ قريبةٍ أو بعيدة فإن لها أثراً كبيرا » انتهى كلام فضيلته رحمه الله.
********

الضابط السابع
عدم اليأس من كَثرة المفاسد:
علينا ألا نيأس من إصلاح الأُمَّة، إذا رأينا كثرة الشرور، وقوة أهل الباطل، فإن الأمر كما

قال ابن القيم رحمه الله وغفر له:

الحقُّ منصورٌ وممتحنٌ فلا



تعجل فهذِ سُنَّةُ الرحمنِ





لابد من معاداة أهل الباطل لحزب الله، قال الله جل وعلا: (ِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً{15} وَأَكِيدُ كَيْدا) إن المؤمن الواثق بالله ووعده الحق بنُصرة هذا الدِّين يمضي في دعوته إلى الله لا توقفه كثرةُ معاصي الخلق، وقوة حزب الشيطان؛ لأن العاقبةَ للمتقين والبقاءَ لهذا الدين، قال الله جل وعلا ُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
فإظهار دين الله ونصرُه على الأديان كلها يُفهم منه نَصْرُ المؤمنين وتأييدهم على عدوهم؛ لأن الدِّين إنما يقوم بأهله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الأملُ دافعٌ قويٌّ للمُضي في الدعوة والسعي في إنجاحها، كما أن اليأس سببٌ للفشل والتأخّر في الدعوة، وانظر إلى أمل النبي صلى الله عليه وسلم الكبير ونظره البعيد في أشد يومٍ وجده من قومه وذلك يوم رجوعه من الطائف حين دعاهم إلى الله فردُّوا عليه، وأغْرَوا به سفهاءهم، فلما بلغ (قرن الثعالب) ناداه جبريل عليه السلام فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: قال: فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد إن شئت أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَيْن، فقال عليه الصلاة والسلام: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئاانتهى كلامه.
فإيَّاك واليأس من رَوْح الله، وعليك بالبذر وصلاح الثمرة من عند ربنا جل وعلا، فلا تكُن خوَّاراً جبانا، واعلم أن الباطل وإن كَثُرَ وعظُم فإن الحق أعظم منه


الضابط الثامن

العِبرةُ بالدليل لا بالرجال:

ولقد أتقن صلى الله عليه وسلم غرس هذا الأصل في نفوس أصحابه رضي الله عنهم، فأخرج جيلاً يُدرك معنى الدليل، ويفهم حقَّ الرجال أيضاً، فيُعطي كُلَّ ذي
أن العِبرة بالدليل وأنه مقدَّمٌ على آراء الرجال التي تُخالف الدليل، فيا سبحان الله كيف غفل بعض الناس عن هذه الوصايا التي كان عليها سلفنا الصالح؟!!

إن تربية النَّشء على التعلُّق بالرجال يعني إبطالَ الدليل، وإهمالَ العلم، وإماتةَ روح البحث العلمي النزيه، وجعل دليل المتناقشين الرجال، وهذا باطلٌ بكل حال.
قال الإمام الشاطبيُّ في الاعتصام: «ولقد زلَّ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال، زلَّ أقوامٌ خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلُّوا عن سواء السبيل»انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
************
معاشر المؤمنين : يقول الله عز وجل: قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
فالبصيرة في الدِّين من الفرائض، سُئِل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له: هل الدعوة إلى الله واجبةٌ على كل مسلم ومسلمة أم تقتصر على العلماء وطُلاب العلم فقط؟ وهل يجوز للعاميِّ أن يدعو إلى الله؟ فأجاب بقوله: إذا كان الإنسان على بصيرةٍ فيما يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يُشار إليه، أو طالبَ علمٍ مُجِدَّاً في طلبه، أو عاميَّاً؛ لكنه علم المسألة عِلماً يقينا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: بَلِّغوا عني ولو آية
ولا يُشترط في الداعية أن يَبلُغَ مبلغاً كبيراً من العلم؛ لكن يُشترط أن يكون عالماً فيما يدعو إليه، أمَّا أن يقوم عن جهلٍ، ويدعو بناءً عن عاطفةٍ عنده، فإن هذا لا يجوز؛ ولهذا نجد كثيراً من الأخوة الذين يدعون إلى الله وليس عندهم من العلم إلا القليل، نجدهم لقوّة عاطفتهم يُحرِّمون ما لم يُحرِّمه الله، ويوجِبُون ما لم يوجبه الله على عباده، وهذا أمرٌ خطيرٌ جِدّا؛ لأن تحريم ما أحلَّ الله كتحليل ما حرَّم الله؛ لأن الله يقول:
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ

أما العاميُّ فلا يدعو وهو لا يعلم، بل لابد أولاً من العلم؛
لقوله تعالى:

(

ُقلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

فلابد أن يدعوَ إلى الله على بصيرة، لكن المنكر البَيِّن، أو المعروف البَيِّن، فله أن يأمر به إذا كان معروفا، وينهى عنه إذا كان منكرا، أما الدعوةُ فلابد أن تُسبَقَ بعلم؛ لأن مَن دعا بلا علم فإنه يُفسدُ أكثرَ مما يُصلح كما هو ظاهر، فالواجب أن يتعلَّم الإنسان أولاً، ثم يدعو ثانيا »
رد مع اقتباس