أخـــــي أخــــــــي
شاءت القدرة الإلهية أن تضعك بجوار المسجد الأقصى حارسا لأولى القبلتين ومدافعا عن كرامة وشرف
ومجد الأمة الإسلامية بأسرها .
ولحكمة ربانية خفية ، رضعت لبن اليتم ، وتجرعت شراب الحرمان ...
وألهب جسدك النحيل سوط الجلاد منذ صباك .
ولست أول من عانى الهوان والمرارة والعذاب بسبب جبروت المستعمر ،
لأن يده الغادرة امتدت نحو أمتنا على عصر جدك وأبيك أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبداية قرنه
العشرين ، موظفة آليات استراتيجية وأيديولوجية وعسكرية متنوعة منها :
آلية الدبابة والأسلحة الفتاكة في الغزو العسكري.
وآلية السلعة ونهب الخيرات الطبيعية في الغزو الاقتصادي .
وآلية التسرب إلى التحكم في أصناف الكتب ، وبرامج التعليم ومناهجه بكل المؤسسات والأسلاك في
الغزوالتربوي و الثقافي والفكري .
وآلية انتقاء الرجل الموالي المناسب في المنصب السياسي المناسب في الهيمنة ووضع اليد على مصدر
القرار في العديد من البلدان .
فعملت بذلك على إسقاط دولة الشريعة في كثير من ديار المسلمين . واستبدالها بدويلات ذات مرجعيات
وضعية متناقضة متضاربة .
ثم أصرت على تنحية اللسان العربي وباقي الألسن الوطنية عن ممارسة وظائف الإدارة والاقتصاد
والإعلام والبحث العلمي . واستبدلتها بألسن دخيلة غريبة مستوردة .
و عمدت إلى تفكيك دار العروبة والإسلام فأصبح الوطن الإسلامي ستا وخمسين موضع قدم ، والوطن
العربي اثنين وعشرين عشا .
وبذلك رسخت التشرذم ووطدت التبعية وأسست للتخلف والضعف والتناهش والتنابز .
فمهدت السبيل لبروز وعد بيلفور المشؤوم ، وخلقت مناخا تبريريا تضليليا خاصا مكن من الانقضاض على
البقية الباقية من كرامتك وحقوقك وشرفك .
وتوهمنا بعد اندلاع انتفاضات التحرر ، أن ظل الاستعمار هنا وهناك ، أخذ ينحسر .
لكننا نفاجأ نهاية القرن الماضي وبداية القرن الجاري بلون آخر يفاجئنا به العدو
تحت عنوان العولمة تارة والشرعية الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان تارات أخرى .
بالإضافة إلى اصطناع ودس توترات شكلية فارغة ، تضخ الدم في شرايين هيمنته واستمراره .
ذلك ما تفتقت عنه عبقرية المكر والخداع والاستغلال ، كأداة تضمن استمرار التبعية والخنوع . |