اتسم منتصف القرن التاسع عشر بتحول حاسم في ميدان الفن ، ففي هذه المرحلة بدأ ظهور الآلات الحديثة في الإنتاج فأدّى إلى انقلاب هائل في حياة المجتمعات البشرية في أوروبا نتيجة الانتقال من الحضارة الزراعية والتجارية إلى الحضارة الصناعية، وأيضا نتيجة إلى نجاح العلم في تعليل الكثير من الظواهر الطبيعية، وكان العلم وقتها لم يزل في مرحلته الأولى المادية لا يؤمن إلا بالأشياء الواقعية المحدودة الملموسة، فكان من الطبيعي أمام هذه الانتصارات التي حققها العلم أن يلجأ الأدب والفن إلى اقتباس أساليب هذا العلم للوصول إلى انتصارات مماثلة؛ فجاءت الواقعية في الأدب والفن. فكان من نتيجة ذلك أن أهملت الذات في سبيل الموضوع؛ فلم يعد الاهتمام بالخيال بل رصد الواقع دون تدخل للمشاعر والوجدان والإلهام والميول الشخصية لدى الفنان. أهم فنَّانِيها :
"إدوارد مانييه"؛ فقد اهتم بتناول الحياة العصرية بدلاً من الموضوعات التاريخية أو الأسطورية، ومع أن هذه النزعة كانت قد ظهرت في أعمال الكثير من الفنانين السابقين إلا أن هذه الموضوعات كانت تصاغ في الغالب صياغة تقليدية؛ أما مانييه فقد اهتم بروح العصر، وليس فقط بمظاهره، ومن هنا أصبح لفنِّه طعم آخر لأن أسلوبه قد تضمن شيئًا من التحرر من فكرة النقل عن الطبيعة ومحاكاة ظلالها وأضوائها وتجسيماتها، لقد خرج عن محاولة تكوير الأجسام بواسطة التظليل، هذا التكوير الذي كان يحرص عليه الفنانون الأوربيون أشد الحرص منذ عصر النهضة من أجل الإيهام بالبعد الثالث، وباستغنائه عن التكوير استغنى كذلك عن التظليل.
فاستخدم الألوان في صورة مساحات مسطحة تقريبًا؛ فاستطاع بالاعتماد على اختلاف المساحات في شكلها ونوعية الألوان ودرجة كثافتها أن يوحي مجرد إيحاء بالتجسيم، فاستطاع أن يوحي بالضوء، فهو في لوحاته كأنه ينبع من الأجسام نفسها وليس مسلَّطًا عليها من مصدر جانبي. ومن أهم فناني هذه المدرسة أيضًا "هونوريه دومييه Doumier" ، حلقة بين الرومانتيكية والواقعية فلم يكن عالمه عالم الطبيعة بمعناها العام كأصحاب مدرسة الباربيزون؛ وإنما عالم الإنسان، فإذا كان فنُّه قد اتسم بالواقعية فلم يكن ذلك اعتمادًا على فلسفة معينة أو جريًا وراء أسلوب خاص في الفن، وإنما تأثرًا بواقع مجتمعه البورجوازي (الطبقة المترفة صاحبة النفوذ) الذي كان يصدمه كل يوم بسخفه وفساده وغروره. من الناحية الأخرى فالواقعية كانت سلاحه الطبيعي المشروع للدفاع عن النفس ولفضح المجتمع، إنها لَوَاقعية إنسانية صادرة من القلب فامتزجت بالشاعرية، ومن ثم كان أقرب إلى جويا منه إلى الواقعيين الماديين. عازف الفلوت
هذه اللوحة للفنان إدوارد مانييه وتسمى عازف الفلوت، فلنتتبع خصائص المدرسة والفنان: - إهمال الذات في سبيل الموضوع: فاللوحة ليس بها أي مشاعر أو أي تعبير عن إحساس الفنان، وإنما هي لواقع ملموس ومرئي لولد صغير يعزف على الفلوت ليس أكثر.
- اهتمامه بروح العصر والبعد عن القصص الأسطورية وبعيدًا عن المواضيع التقليدية.
- الخروج من تكوير الأجسام بواسطة التظليل من أجل الإيهام بالبعد الثالث؛ فاستخدم الألوان في صورة مساحات، واعتمد على نوعية الألوان ودرجة كثافتها؛ ليوحي مجرد إيحاء بالتجسيم.
- الضوء ليس مسلطًا على العازف من مصدر خارجي، ولكن ينبع من جسمه ومن تباين المساحات ودرجات الألوان.
و بحث ثاني .. المدرسة الواقعية
جاءت المدرسة الواقعية ردا على المدرسة الرومانسية، فقد أعتقد أصحاب هذه المدرسة بضرورة معالجة الواقع برسم أشكال الواقع كما هي ،وتسليط الأضواء على جوانب هامة يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب يسجل الواقعبدقائقه دون غرابة أو نفور .
فالمدرسة الواقعية ركزت على الاتجاه الموضوعي ،وجعلت المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات فصور الرسام الحياة اليومية بصدق وأمانة، دون أن يدخل ذاته في الموضوع ، بل يتجرد الرسام عن الموضوع في نقلة كما ينبغي أنيكون ، أنه يعالج مشاكل المجتمع من خلال حياته اليومية ، أنه يبشر بالحلول .
لقداختلفت الواقعية عن الرومانسية من حيث ذاتية الرسام ، إذ ترى الواقعية أن ذاتيةالفنان يجب أن لا تطغى على الموضوع ، ولكن الرومانسية ترى خلاف ذلك ، إذ تعد العملالفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين .
أن المدرسةالواقعية هي مدرسة الشعب ، أي عامة الناس بمستوياتهم جميعا ، ويصفها عز الدينإسماعيل عندما يتحدث مقارنا فنانا رومانسيا بفنان واقعي قائلا : كان (ديلاكروا) وهوفنان رومانسي يرى أن على الفنان أن يصور الواقع نفسه من خلال رؤيته الذاتية في حينذهب كوربيه وهو فنان واقعي إلى ضرورة تصوير الأشياء الواقعية القائمة في الوجودخارج الإنسان ، وأن يلتزم في هذا التصوير الموضوعية التي تنكمش أمامها الصفةالذاتية ، وان يستخدم في هذا التصوير أسلوباً واضحا دقيق الصياغة وأن يختار موضوعةمن واقع الحياة اليومية، فينفذ بذلك إلى حياة الجماهير ، يعالج مشكلاتهم ويبصربالحلول ، ويجعل من عمله الفني على الإجمال وسيلة اتصال بالجماهير.ويعتبر الفنانكوربيه من أهم أعلام المدرسة الواقعية فقد صور العديد من اللوحات التي تعكس الواقعالاجتماعي في عصره ، حيث أنه أعتقد أن الواقعية هي الطريق الوحيد لخلاص أمتهوالجدير بالذكر أن الفنان كوربيه فنان فرنسي ريفي بدأ حياته بتصوير حياة الطبقاتالغنية ثم سار على النهج الباروكي في الفن ، وهو فن أهتم بتصوير حياة الطبقاتالغنية ، ثم سار على نهج الروامنسيين ، وفي عام 1848 م بدأ يفكر في ترك الحركةالرومانسية ، بعد أن أقتنع أنها هرب من الواقع ولجوء إلى الخيال والذاتية ، إذ يقولأنني لا أستطيع أن ارسم ملاكا ؛ لأنه لم يسبق لي أن شاهدته ).
وعلى أية حال فقدصور الفنان كوربيه العديد من الأعمال الفنية ومن أشهرها لوحة ( المرسم ) ولوحة (الجناز ) وهي من أشهر أعماله إذ صور فيها كنازه لشخص وفي الجنازه صورة لكلبالمتوفي ، وكانه يحس بالحزن ، وقد وقف مع المشيعين وكأنه يشيع صاحبه ، فالصورة تعكسواقعية صادقة لذلك المشهد .
وكذلك يعد الفنان (كارفاجيو) فنانا واقعيا ، والجديربالذكر أن الفنان (كارفاجيو) إيطالي الجنسية ، ظهر في القرن السادس عشر ، في فترةسابقة لعصر كوربيه ، ومن أشهر لوحاته (العشاء ) ويشاهد بها مجموعة من الأشخاص ، وقدأمتاز أسلوبه بتوزيع الأضواء الصناعية في اللوحة
للاسف ما قدرت اطلع غير هي المعلومات