كاس العالم ...الكثير من العزاء والقليل من الاعتبار كاس العالم ...الكثير من العزاء والقليل من الاعتبار بقلم طارق الجعبري كاس العالم هذه الاحتفالية العالمية التي يعشقها العالم اجمع ،وتتبارى الدول ويتنافس اللاعبون لينالوا شرف الحضور فيها والاستمتاع في تجمع العالم من شرقه لغربه،أما نحن العرب فما زلنا نتجرع المرارة تلو الأخرى، كون موقع لاعبينا على شبه الدوام مقاعد الجمهور أو البديل والملحق ...أما المواطن العربي فيكتفي باختيار منتخب عالمي يهديه مشاعره ساعيا لخلق كيمياء من التفاعل والتلون بعلم هذا المنتخب أو ذاك ، ويفتعل سجال وحماس للمنتخب الأجنبي مع زملائه وأصحابه الذين يماثلوه أو يخالفوه...ويصر كاس العالم أن يذيقنا نحن العرب كأس مرارة الغياب عن احتفالاته أو اقتصار استقباله لنا في المقاعد الخلفية والأدوار الأولى.فهل أصبح هذا الكأس عدوا لنا أم انه ما زال يترفع أن يقترب منه أو يشرب نخوته عربي ... بامتياز يؤكد هذا المهرجان العالمي انه منتج غربي ،خرج من رحم حضارة تحكم العالم ،فترفها ولهوها فيه طبيعي من بعد ما اجتهدت وبنت وتفوقت ومن ثم سيطرت واستعمرت ،وما كرة القدم إلا أنظومة وفعالية في سياق أنظمة وفلسفة العالم الرأسمالي،حيث تصبغه كاملا بماديتها وتبدع يوما بعد آخر في جني عوائده . فهل التفوق الرياضي حقا يمثل انعكاسا للتقدم الحضاري ،وهل كرة القدم تعد نموذجا للرقي والتطور والعالمية ،هل حقا الرياضة ومن خلفها الكرة ميزان الذهب للأمم ،وان كان ذاك فأين نحن العرب من السوق وما تصنيفنا على سلم الكرة ،وهل ينقصنا الرجال أو المال،على العكس تماما فلأجل الكرة خذ ما تشاء وانفق ما تشاء ولو مات الملايين من شعبك جوعا ومرضا فهم راضون إن أسعدتهم بهدف أو فوز ،أو لربما تنقصنا الخبرات والكفاءات وما أكثرها من الغرب كفاءات في دولنا واتحاداتنا وفرقنا ،قد يكون ما ينقصنا شيئا ليس مما ذكرناه وقد يأتينا به من لم يولد بعد . كم مؤلم هو غياب العرب عن منافسات كاس العالم ،ناهيك عن وجع عدم التأهل له ،لكن المؤلم أكثر غياب العرب عن ركب الحضارة ،وتسليمهم كاس الهداية والإمامة والقيادة إلى أهل الغرب الذي لوّثوا الكأس وصبوا فيه نبيذا احمرا بطعم الدم، وملئوه مادية مجردة من كل عدل واستقامة ،ومؤلم أكثر أننا لا نشعر أن غيابنا كأمة عربية إسلامية تحمل الرسالة للعالم قد أصبحنا اثرا بعد عين ، وكرة في أقدام سائر الدول ،نتوجّع لعدم التأهل لكاس العالم ونبكي لخسارتنا مباراة وما يوجعنا وما يبكينا حالنا الذي وصلنا إليه ،و الأشدّ مصيبة وألما أن نغرق في أحلام الكأس ومرارة غيابنا عنه ونتجاهل وننسى أحوالنا المقيتة ونحيا اللامبالاة تجاه أوضاع امتنا المأساوية ناهيك عن غيابنا عن قيادة العالم بل ركبه حتى. ومع كل الآلام ومرارة الآمال ففي كاس العالم أيضا الكثير من العزاء لنا ،لسنا وحدنا من يغيب عن هذه الاحتفالية العالمية ،ولسنا وحدنا في ذيل طابور كرة القدم ،الكثير الكثير من عظام الدول وكبار الأمم مثلنا أو اقل شانا، ولنا في الصين وماليزيا والهند وباكستان وروسيا وغيرهم الكثير الكثير، لنا فيهم عزاءا وفي حالهم الكروي ما يخفف مصابنا ،لكن هل لنا من اعتبار في حال هذه الدول بعيدا عن كرة القدم ،هل لنا اعتبار فيما وصلوا إليه من تقدم وتطور تكنولوجي واقتصادي وسياسي وعسكري وثقافي واجتماعي وما وما وما .. .ومع ذلك هناك أيضا الكثير من الدول المتأهلة ليس حالها بأحسن من حالنا،فليست هي إذا نهاية الآمال. جميل الاستمتاع بالكرة ومتابعتها والإثارة التي تصنعها ،وجميل أكثر أن نتعلم ما وراء الكرة ،وان لا نكتفي بمقاعد الجمهور وان يكون دورنا فقط( نظّارة ).ففي صناعة كاس العالم الكثير الكثير أيضا لنتعلمه من حسن التخطيط والتنظيم والدعاية والتسويق والسياسة والاقتصاد وغيره.إن المتفكر في أحوال كاس العالم ،وفيمن حضره من الدول وفيمن غاب عنه يبصر الكثير من العبر والاعتبار ويرى أيضا الكثير من العزاء ،لكن هل من معتبر وهل من منتبه . 19/6/2010 |