عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-24-2010, 04:29 PM
 
هل يجوز القول بأن الله في كل مكان ؟

هل يجوز القول بأن الله في كل مكان ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الكريم
ورد إلي هذا السؤال من أحد الأخوة هل يجوز القول بأن الله في كل مكان ؟؟
جزاكم الله خيرا .



الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا

أعوذ بالله من هذا القول ، ومن ذلك المعتقد الباطل ، ومِن لوازمه . أعني به القول بأن الله في كل مكان بِذاتِه .
فإن من يعتقد مثل ذلك الاعتقاد يلزمه القول بأن الله في كل مكان ، سواء كان لائقا بالله أو غير لائق ، وهذا قول باطل ، بل مقتضاه كُفْر بالله تبارك وتعالى ، وتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

وعقيدة الْجَهْمِيَّة والقَدَرِيَّة والْمُعْتَزِلَة أن الله في كل مكان .
قال ابن القيم : فحصروه في الآبار والسجون والأنجاس والأخباث ، وعَوَّضُوه بهذه الأمكنة عن عَرشه المجيد . فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق ، وضحكه عليهم ، واستهزائه بهم . اهـ .

فعقيدة المسلم أن الله مُسْتوٍ على عرشه فوق سماواته ، بائن عن خلقه .
قال عثمان الدارمي في كتاب النقض على بشر المريسي : قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سماواته .
وقال الإمام القرطبي في تفسيره : وقَد كَان السَّلَف الأول رضي الله عنهم لا يَقُولُون بِنَفْي الْجِهَة ولا يَنْطِقُون بذلك ، بل نَطَقُوا هُم والكَافَّة بِإثْبَاتِها لله تَعالى ، كَمَا نَطَق كِتَابه ، وأخْبَرَتْ رُسُله ، ولم يُنْكِر أحَد مِن السَّلَف الصَّالِح أنه اسْتَوى على عَرْشِه حَقِيقَة ، وخَصّ العَرْش بِذلك لأنه أعْظَم مَخْلُوقَاته ، وإنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الاسْتِوَاء ، فإنه لا تُعْلَم حَقِيقته . قال مالك رحمه الله : الاسْتِواء مَعْلُوم - يَعْنِي في اللغَة – ، والكَيْف مَجْهُول ، والسُّؤَال عن هذا بِدْعَة

وقال أيضا : والذي ذَهَب إليه الشيخ أبو الْحَسَن وغيره أنه مُسْتَوٍ على عَرْشِه بِغير حَدّ ولا كَيف ، كَمَا يَكُون اسْتِوَاء الْمُخْلُوقِين .

وقرَّر أن " مَعْنَى (وَهُوَ مَعَهُمْ) أي : بِالعِلْم والرُّؤْيَة والسَّمْع ؛ هذا قَوْل أهْل السُّـنَّة . "

وقال رحمه الله : وقالت الجهمية والقدرية والمعتَزِلة : هو بِكُلّ مَكان ، تَمَسُّكًا بِهَذِه الآيَة ومَا كان مِثْلها ؛ قالوا : لَمَّا قَال : (وَهُوَ مَعَهُمْ) ثَبَت أنه بِكُلّ مَكان ، لأنه قد أَثْبَت كَوْنه معهم - تعالى الله عن قَولهم - فإنَّ هذه صِفَة الأجْسَام ، والله تعالى مُتَعَال عن ذلك . ألا تَرَى مُنَاظَرة بِشْر في قَول الله عَزَّ وَجَلّ : (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ) حين قال : هو بِذَاتِه في كُلّ مَكان ، فقال له خَصْمُه : هو في قُلُنْسُوتِك ، وفي حَشْوك ، وفي جَوْف حِمَارِك ؟ - تعالى الله عما يقولون - حَكى ذلك وكيع رضي الله عنه " .

وبيّن القرطبي أن " مَعْنَى (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة:40] أي : بِالنَّصْر والرِّعَاية والْحِفْظ والكَلاءَة
" .

روى اللالكائي من طريق مَعْدان قال : سَألْتُ سفيان الثوري عن قَولِه : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) قال : عِلْمُه .
وروى من طريق سريج بن النعمان قال : حدثني عبد الله بن نافع قال : مُلْك الله في السَّمَاء ، وعِلْمه في كُلّ مَكَان ؛ لا يَخْلُو مِنه شَيء .
قال : ورَوى يوسف بن موسى البغدادي أنه قِيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : الله عَزَّ وَجَلّ فَوْق السَّمَاء السَّابِعَة على عَرْشِه بَائن مِن خَلْقِه ، وقُدْرَته وعِلْمُه في كُلّ مَكَان ؟ قال : نَعَم ، على العَرْش ، وعِلْمُه لا يَخْلُو مِنه مَكَان .

قال صلى الله عليه وسلم : يَنْزِل رَبُّنا تَبَارَك وتَعالى كُلّ لَيْلَة إلى السَّمَاء الدُّنيا حِين يَبْقَى ثُلُث الليل الآخِر . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وفي هذا الْحَدِيث دَلِيل على أنَّ الله عَزَّ وَجَلّ في السَّمَاء على العَرْش مِن فَوْق سَبْع سَمَاوَات ، وعِلْمه في كل مكان ، كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَة أهْل السُّـنَّة أهْل الفِقْه والأثَر . وحُجَّتُهم ظَوَاهِر القُرْآن في قَولِه : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . اهـ .

وقال الطَّلمنكى أحْد أئمَّة الْمَالِكِيَّة ... في كِتَاب " الوُصُول إلى مَعْرِفَة الأصُول" : أجْمَع الْمُسْلِمُون مِن أهْل السُّنَّة على أنَّ مَعْنَى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ونَحو ذلك مِن القُرْآن أنَّ ذلك عِلْمه ، وأنَّ الله فَوْق السَّمَاوَات بِذَاتِه مُسْتَوٍ على العَرْش كَيف شَاء . وقال أيضا : قال أهْل السُّنَّة في قَوْل الله تَعَالى : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) : إنَّ الاسْتِوَاء مِن الله على عَرْشِه الْمَجِيد على الْحَقِيقَة لا على الْمَجَاز .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
رد مع اقتباس