06-25-2010, 10:52 PM
|
|
عندما يصبح تحرير القدس هدف الحياة! [ 25/06/2010 - 05:11 ص ] أ. د. سليمان صالح تخيل معي أن تحرير القدس أصبح هدف حياة مليار ونصف من المسلمين، وكل فرد منهم يمتلك عقلاً يستخدمه في إبداع الوسائل لتحريرها، وفي التفكير من أجلها، وفي تعليم الآخرين لتأهليهم لتحقيق هذا الهدف. وتخيل معي أن ملياراً ونصفاً من العقول قد انتفضت فتعلمت وعلمت وفكرت وأبدعت، وبنت أكبر مجتمع عالمي للمعرفة وإنتاج الأفكار. وأن كل عقل قد ابتكر فكرة واحدة، وتلاقحت الأفكار فأنتجت ابتكارات، وتحولت تلك الابتكارات إلى وسيلة لإعمار الأرض وتحقيق التقدم ومضاعفة الثروة المادية والثقافية. وكل عقل قادر على إنتاج آلاف الأفكار، والكون مازال غامضاً رغم كل جهود البشرية لاكتشافه، ومازالت ملايين الأسرار لم تعرفها الإنسانية... وقد يقلب اكتشاف سر واحد الاقتصاد العالمي والعلم والحضارة الحديثة. وعندما تعمل عقول المسلمين بكل طاقتها، فإن الله سيفتح لها أبواب العلم والمعرفة والثروة والتقدم. قاوم بعقلك وقوى الاستعمار عملت بشكل متواصل حتى لا نصل إلى تلك المرحلة، ولكي نظل مجرد مستهلكين للمنتجات الغربية. ولكي تصاب عقولنا بالكسل نتيجة ما تعانيه من إحباط بسبب استبداد حكامنا وقهر أجهزة أمننا. قوى الاستعمار أرادت أن تفرض علينا الجهل والخوف والهزيمة النفسية حتى لا نستخدم عقولنا، فنفكر ونتحدى النموذج الغربي بنموذج إسلامي أكثر تقدماً وتحقيقاً للحرية والعدالة. لذلك فإن نقطة البداية للتقدم هو تحدي هذا المخطط الاستعماري، بأن يتعلم المسلم فن المقاومة، وأن يواجه خوفه وإحباطه وشعوره بالهزيمة والعجز. أنت لست عاجزاً وتستطيع أن تستخدم عقلك لتغيير الواقع.. ولتحويل ضعف الأمة إلى قوة، وعندما يستقر هذا الشعور في نفسك فستنطلق قدراتك وستنتج أفكاراً تساهم في تغيير واقعنا، وبناء مستقبلنا. ولأن الإنجازات تتناسب دائماً مع الأهداف والتحديات فإن هدفك لابد أن يكون عظيماً لكي تنتج أفكاراً لها قيمة وأهمية، ولكي تحقق إنجازات كبيرة.... وهل هناك هدف في هذه الحياة أفضل وأجمل وأعظم من تحرير القدس؟. وعندما يكون هذا التحرير هدف الحياة، فسيعمل عقلك بكامل طاقته فيبتكر ويبدع، ويومئذ ستجد لحياتك معنى، وستشعر بأن الحياة نعمة من الله يجب أن تستثمر كل لحظة فيها لتحقيق الهدف الكبير. وتتعب الأجسام لكن الشاعر العربي قال يوماً: إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.. لذلك لا يمكن أن يكون هدفك كبيراً ثم تظل ساكناً وصامتاً بل لابد أن ينتفض العقل فتنطلق القدرات ويتحرك الجسد بكل ما فيه من جوارح وحواس وإمكانيات. تخيل معي أن عقلك قد انطلق يفكر، وجسدك تحرك... فأطلقت لخيالك العنان، وشحذت إرادتك، وقررت أن تساهم في الحضارة الإنسانية، وأن تعيد مجد أمتك، وأن يكون تحرير القدس هو هدف حياتك؟. لا تحاول أن تجيب قبل أن تعيش التجربة. لكنني أستطيع أن أؤكد لك أنك ستشعر لأول مرة بسعادة حقيقية. وعندما تعود إلى فراشك ستنام ولن تعاني من الأرق، ولن تهاجمك ذكريات الماضي المريرة وآلام التجارب القاسية التي عشتها من قبل، ولن تشعر بالندم على ما فات. أستطيع أن أؤكد لك أيضاً أنك ستشعر بأنك إنسان ميزه الله عن كل المخلوقات وكرمه وأعلى شأنه ومنحه من القدرات ما يستطيع بها أن يبني الحضارة، وستشعر أن حريتك هي منحة من الله وحده ولا يجوز لأحد في الأرض أن يقيدها. عندما يصبح تحرير القدس هدف حياتك فستحرص على هذه الحياة الغالية، ولن تضيع لحظاتها في ارتكاب المعاصي والآثام، وإنما سوف تستثمر كل لحظة في إرضاء الله سبحانه وتعالى وتحقيق إنجازات عظيمة. عندما يصبح تحرير القدس هدف حياتك، فلن تضيع هذه الحياة في البحث عن متع تافهة، ويومئذ ستقاوم الثقافة الاستهلاكية الغربية، وستساهم في التحرر الاقتصادي للأمة، ولن تكون عبداً للشركات الأمريكية عابرة القارات ولن تتفاخر على الناس بامتلاك السلع الترفيهية وعندئذ تزداد قوتك وقيمتك بين الناس، وتزداد أمتك قوة. وعندما يصبح تحرير القدس هدف حياتك فستحرص على أن تحصل كل يوم على علم نافع... وستنقل هذا العلم للآخرين فتزداد قوة الأمة عندما يصبح الناس يتبادلون المعرفة ويزداد وعيهم فيحرصون على حقوقهم ويشاركون في بناء مجتمعهم وفي تحقيق الديموقراطية. أفكار تحت الحصار عندما يصبح تحرير القدس هدف حياتك ستفهم كيف صمد أهل غزة في وجه الحصار، وسوف تشعر بالغبطة لهم، فهم يجوعون ولكن عقولهم تعمل بكفاءة عالية، وقلوبهم امتلأت إيماناً، وتحررت نفوسهم من العبودية لغير الله، وشحذوا همتهم وإرادتهم الإنسانية فتحدوا كل الطغاة الذين فرضوا الحصار. وكل مسلم يحتاج إلى أن يتعلم من أهل غزة فن مقاومة الحصار بإنتاج الأفكار والمجتمع الذي ينتج الأفكار يسير في طريق النهضة والتقدم. وأنا أعتقد أن أهم مؤشرات تدهور الإمبراطورية الأمريكية أن عملية إنتاج الأفكار الجديدة في أمريكا قد تناقصت خلال العقد الأخير ذلك أن الأمريكيين قد أصابهم الخوف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وساهمت الحكومة الأمريكية في زيادة خوفهم لإقناعهم بتأييد الحرب على العراق. وكانت أخطر نتائج عملية التخويف أن فقد الناس القدرة على إنتاج الأفكار، وكان ذلك أحد أهم العوامل التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية.. حيث أصبح المواطن الأمريكي يقترض من البنوك ليتمتع بحياته المحدودة التي يخاف أن تنتهي في أي وقت، وهو يريد أن يحصل على أكبر قدر من المتعة، لذلك أصبح اقتصاد المتعة والرفاهية والتسوق والخدمات هو أهم مجالات الاقتصاد بينما تناقص الاهتمام بالاقتصاد الإنتاجي. أما أهل غزة فإنهم تحت الحصار ينتجون الأفكار، ولأن أفضل الأفكار ما يتم إنتاجه في مواجهة تحديات تهدد بقاء الإنسان، فإن الغزاويين قد دافعوا عن حياتهم بإنتاج أفكار جديدة يمكن أن تساهم في تغيير الواقع العالمي كله. أهل غزة لم تصلهم أية مادة يمكن أن تستخدم في إنتاج السلاح، ولم تصلهم أي قطعة سلاح طوال سنوات الحصار، ودعك من الأكاذيب الإٍسرائيلية والأمريكية حول الأسلحة الإيرانية، فالذي حدث هو أن الغزاويين قد أنتجوا أسلحتهم بأنفسهم من المواد المتوفرة في أرضهم، وأنهم اخترعوا وابتكروا وفكروا وأبدعوا: أي أن الحصار أنتج نهضة في التفكير وأعلى شأن الإنسان وأعاد للمادة وضعها الطبيعي كأداة ووسيلة وهو ما يتناقض تماماً مع الفلسفة الغربية، وأصبح يشكل إمكانية لإعادة مجد الحضارة الإسلامية التي تعتبر أن الإنسان هو هدف الحضارة، وهو الذي يحقق التنمية والتقدم، وأن المادة هي مجرد وسيلة تساعد الإنسان على تحقيق أهدافه. لكن الإنسان لا يعبد المادة، ولكنه يعبد الله الذي خلق له المادة ليستخدمها في إعمار الأرض وتحقيق التقدم. ولعل تلك أخطر الأفكار التي أنتجها الغزاويون تحت الحصار، والتي يمكن أن تؤدي إلى تغيير شامل في كفاح الشعوب لتحقيق الحرية من الاستعمار والاستبداد والطغيان خلال العقد القادم. أخي إن شئت أن تجعل لحياتك معنى وقيمة وأهمية فليكن تحرير القدس هو الهدف الوحيد للحياة ويومئذ ستنتج أفكاراً يمكن أن تغير الواقع، وتساهم في عودة الحضارة الإسلامية ففي ظلها يتحقق للبشرية العدل والحرية والتقدم.
__________________ |