عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-28-2010, 06:00 PM
 
القلب النازف/:ماريسي

السلآم عليكم أنا روائي ولا أحب أن أفصح عن اسمي حاليا معروف كتبت روايتي الرابعة التي لم اطبعها كسابقاتها.. ارجو ان تنال استحسانكم لأواصل العطاء



"شعار"

عقبة القلب النازف

.......................................................................
أي عسير النازف.. أزف إليك تهاني رحيلي.. أزف إليك رحيل قلبي الذي تمزق تحت سماءك.. أزف إليك تهاني جنازة روحي لتدفن بعيدا عن تراب أرضك..
شعرت بالحب والكره بين أرجاءك.. أبدعت وفي المقابل تحطمت.. وتمنيت وخاب رجاءي.. عشقت وهلكت.. ومازلت يا عسير.. عذرا.. أعني " شعار" عقبة قلبي النازف..
تلك العقبة المليئة بالـ"كباري"..كم أهرقتني تلك الـ"إكسات" المرسومة كحضارة فرعونية منحوتة..
"انهار الجبل".. "حادث بوسط الـ (كبري)".. عبارات ترددت حتى أصبحت كابوسا يؤرقني.. " لا كهرباء.. والحر قاتل" عبارة أثارت شجني..
إلاهي.. كم تناثرت قطرات عرقي الشفافة على جسدي الناعم في محافظة "محايل النازف".. محايل الذي بشماله قريتي.. قريتي التي ما ذقت طعم الانتماء اليها.. قريتي قرية قلبي النازف..
أتراني أقول هذا بعد أن سكنت بكندا.. أتراني أتكبر على أرضي ومسقط رأسي.. أتراني أتذمر من حياتي القديمة..
"اللي ما له أول ماله حاضر" لطالما رضيت أن أكون بدون حاضر .. لطالما خدعتني المظاهر.. و جذبني بريقها الزائف.. لطالما عشقتك يا كندا.. ورغبت السفر إليك.. لكن.. أيقنت حينما هبطت على أرضك.. أنك "كندا النازفة " كعسير النازف وعقبة قلبي النازفة.. وأدركت أن قلبي نازف حتى على سطح القمر..
...........................................................
كنت اراقب أمي وهي "تمز" السجائر.. سجاره وراء سجاره.. ووالدي الملتحي يشتريه بنفسه لها.. كم حاولت تجربتها.. لكنها لم تتركني افعل ذلك.. عشرون سنه أمام ناظري.. تلك المرأة وقد بلغت الخمسين.. تمز السجائر لتصنع مع الظروف ابداعي واستعبادي.. طموحي وتحطيمي.. أملي وألمي..
لطالما عشقتك يا كندا.. لأبتعد عن أسره ظننت انها اهملتني.. لطالما استبعدت وصولي إليك ولو بالأحلام.. عقليتي المبدعة.. وظروفي المادية القاتلة.. وحظي الذي يتعاون مع أقدار الزمن ليقهرني..
حظي الذي جعلني اتنازل عن كل شيء في حياتي الا انت.. معاذ الذي كتبت فيك روايتي .. وأفصحت للمرة الاولى عن حبي لك.. تمنيت ان اخسر كل شيء أملكه الا انت ..
أرسلتها لك مع والدك لتقرأها.. لتعرف بما اعاني.. أحببتك دون ان تعلم.. وشعرت بك دون ان تشعر.. ربما اردتني كما اردتك لكنه القدر.. وحظي العاثر..
...............................................................................
منذ عشرين سنه استيقظ على رائحة سيجاره نتنه.. لأقضي معظم وقتي الصباحي أمام المرآة.. ومع صباح أبها الصحو.. ينزف قلبي دون أن أعلم.. ليبدأ الجرح ولأنزف بلا حدود..
لطالما رددت تلك العبارة كل ليله" غدا يوم أجمل" ظننت حقا أنه سيأتي اليوم الأجمل.. أحببت جامعتي.. لوحاتي.. اشعاري.. كنت متفائلة.. كنت سعيده.. كنت في قمة السعادة حتى تزوجت.. أجل تزوجت يا معاذ وانت الشخص الذي تمنيت فعلا ان ارتبط به..
زواجك جعلني انظر لكل شيء بعينين نازفة.. زواجك قتلني.. بعدي عنك عذاب.. وقربي منك هلاك.. احببتك مع انك عشت طوال حياتك بعيدا في الاحساء .. تعذبت بحبك رغم بعد المسافات وتزوجت لتقترب مني.. وتتنفس معي جو أبها فكان هلاكي..
زواجك قلب حياتي الى جحيم.. وعلى الرغم من ايماني بمسألة النصيب.. لم اقتنع بأنك لست من نصيبي.. وكنت ادعو عليك في داخلي بأن تكون تعيسا.. لتعود الي.. و تكون ملكي..
.......................................................................
رن هاتفي المحمول.. كانت صديقتي فاديه.. رقصت مع نغمة جوالي بأسى ثم رديت:
- آلو..
- سوسو؟؟
- ايه سوسو.. ما عرفتيني يا فدو؟؟
- صوتك اختلف علي .. انتي تعبانه؟؟
بمجرد احساسي بمعرفتها عن تعبي صمتت لأمسح دموعي النازفه على خدي واصطنعت الضحك وقلت:
- تعبانه شوي..
- كأنك تبكين..
- أي بكاء.. لا ما أبكي.. اطمني..
- بس بصراحه سوسو.. صوتك يهبل وانتي تعبانه.. اش ها النعومه..
- خلاص اذا يرضيك رح اتعب ع طول..
- سلامتك.. الا قولي لي.. ما قمت تكتبين شعر بعد ما تخرجنا من الجامعه.. كنتي تخبريني عن جديدك اول بأول..
- والله يا حبيبتي بعد ما ارسلوني باول طيارة قصدي مدفع الوزاره على قريه مدري وين بالسعودية.. ما قمت افضى اسوي الا اساسيات حياتي..
- سوسو.. ما عودتيني تكونين محطمه.. وين طموحك.. نسيتي روايتك اللي كتبتيها ومعارضك اللي الكل تكلم عنها.. تكفين لا ينقطع ابداعك..
مع الاسف تحملت كثيرا الا انني انفجرت باكيه.. وفدى تحاول معرفة ما يحصل لي.. سكتت تستمع لبكائي.. وانا بطبيعتي لم اشكو لها منذ ان تعرفت عليها.. الا هذه المرة.. صحت بالسماعة:.." فادية انا قدمت ع البعثة وترشحت لها.. بس اهلي رفضوا.. حاولت قد ما اقدر.. بس عييوا.. قلت لهم بدل الاربع سنوات اللي انا متغربة عن ابها بعيد عنهم.. امشي ع الجلد.. صحتي راحت ونفسيتي انعدمت.. وهم ولا حاسين.. ع بالهم انا آله.. يحطوني وين ما يبغون.. الكل وافق.. الا اخوي.. تركني الين جهزت كل شي.. وراح يقول لأهلي.. انا متبري منها.. لانها رح ترجع وهي حامل.. تخيلي يقول هالكلام.. "
كنت أتأوه.. أبكي بحرقه.. كنت المبدعة والطموحة.. كنت المتميزة التي بعثت الحماس بقلوب الآخرين.. وفي النهاية تدمرت.. بعد حلمي بالحياة في كندا..ها أنا اصارع الحياة في قرية "غرغرة" الترابية.. مع أهلها البسطاء..
انا الكاتبة التي يسعى للحصول على توقيعي القراء.. انا الفنانة التي يسعى الجميع لاقتناء لوحاتي.. لطالما بعثت الأمل في قبلك يا فادية.. أغلقت الخط.. لم أعد احتمل سماع انفاسها التي تكلمت بدلا عن صوتها.. اسندت ظهري على المرتبة.. وأضفت حديثا مؤلما بيني وبين نفسي.. " كانت أمالي عليك يا معاذ.. لترحل بي الى كندا....." قطع تفكيري اصابع والدي التي تدق على زجاج السيارة برفق.. غطيت عيني الدامعة.. وفتحت له الباب..
مرت نصف ساعة ونحن صامتون.. وهذه عادتي بالسيارة.. سأل والدي يقول:
- ليه ما تاكلين؟؟
- رح آكل.. بس انت اشبك ساكت!!
- هه.. انتي اللي ساكتة.. قلت ما ازعجك.. شكلك تعبتي من الدوام والطالبات.. يله اليوم ربوع.. انسي هالـ"غرغره" وخل نروح ابها ننبسط هناك مع الاهل..
لما ازلت الغلاف الورقي عن الساندوتش , انسدت نفسي لما قال والدي:
- معاذ ولد خالك مرتاح مع زوجتة..
- ماشاء الله الله يهنيهم..
- بس خالك يشتكي منها.. يقول لاعبة في حسبته..
- سمعت انه هو يحبها كثير..
- يموت فيها.. بغى ينجن عشان يتزوجها.. بس مشكلة الحرمة اذا عرفت ان زوجها يحبها.. خلاص تصعب السيطرة عليها..
ذرفت دموعي دون ان اشعر بها.. كنت اسمع والدي يكمل حديثه عن سفرهم سويا الى استراليا.. كانت الدموع تحجب الرؤيا بيني وبين والدي.. اظنه سمع شهيقي غير انه تجاهله.. بكيت ليس لحبه.. بل على حالي.. اسكن في منزل شعبي في ابها.. واقضي اجازاتي بقريتي في "محايل النازف" والآن ادرس في "قرية غرغرة".. وانت يا معاذ.. ايها الحلم الذي تمنيت ان يوقظني من كابوس حياتي الأليمة رحلت بلا عودة.. وتركتني لأصارع عذابات حياتي وحيده..
....................................................................................
جلست على احدى طاولات بمطعم "مركز عسير مول " بأبها.. وصلت صديقتي وجلست على الطاولة.. بينما أخي على الطاولة الأخرى.. كنت اتمنى ان أحضنها لكن الوضع لم يسمح بذلك.. كنت أتأمل المارة بينما هي تمهد لبداية
الحوار معي قلت لها: ورده.. تكلمي.. اش الموضوع اللي تبغين تقولينه..
- كنت ابغي اشوفك بس..
- تعلمينني فيك يا ورده.. المهم كيف اهلك وافقوا انك تقابليني..
- خليها على ربك.. بالقوة اقنعتهم.. بس انتي ليش ما تجين البيت..
تهربت من الموضوع وقلت لها بعد ان اخرجت مجموعه من الاوراق وقلت "إقرأي.. هذا آخر ما كتبت" قرأت الابتسامة في عينيها من تحت النقاب.. ونطقت بهدوء" شعرت بحبك.. احسست بألمك.. وعشقتك حتى الممات.. قفزت إليك.. أدركت عينيك.. واستنشقتك كالهواء.. تلمست يديك.. عانقتك بحنان.. لأغرق بين خصلات شعرك.. أحبك.. أجل أحبك....." سكتت ورده وقالت:
-احساسك غريب يا سلوى.. تتغزلين ببنت.. بديت أشك انك ولد..
تبسمت ثم مددت يدي اليها وضغطت على يدها.. وقلت بمكر" هذي الحقيقة اللي اخفيتها عنك.. انا فعلا ولد.. هههههههه" ضحكت تقول:
- لا تلمسين يدي.. نسيت انك كنتي شاذة ايام الجامعة.. كنتي اغراء لبنات الجامعة.. الله اكبر عليك اش كثر قطعتي قلوبهم عشانك..
- ذكرتيني.. ههه..
- كنت دائما أسألك كيف تخققينهم.. وما تقولين لي كيف..
- سر المهنه..
أجل ..كنت أعرف كيف أجذب أنثى.. لكن لم أعرف كيف حصلت زوجة معاذ على حبه.. وكالعاده.. ورده لا تقابلني الا بوجود شيء يؤرقها.. إما للحصول على شريحه مجهولة.. أو لشراء أغراض لا تستطيع طلبها من أهلها.. مع انها تفوقني ماديا.. الا ان والديها متحفظين للغاية.. لكن لكل شيء مقابل.. هي تعرف ما احتاج اليه.. وستنفذه.. اقتربت بكرسيها مني.. وبدأت تتكلم بنعومة.. هي صديقتي لكن في بعض الاحيان التي احتاج الى حنان.. تصبح حبيبتي.. لكن ببراءه.. ذرفت دمعتين أمامي.. ووضعت رأسها على صدري.. أحطتها بذراعي فقالت" سلوى تكفين.. أحتاج حبوب مخدره.. ما عد اقدر اتحمل مشاكلي أكثر.. انا أموت كل يوم ..
- انتي تعرفين رأيي في ها الموضوع.. مستحيل أدمرك بيدي..
- اهلي كشفوني وانا اتفق معه وين نتقابل عشان آخذ منه الحبوب.. وسحبوا مني الجوال.. وما اقدر اوصل له.. بس ابغاك تخليني اكلمه عشان اعرف وين آخذ الحبوب.. وخلي الباقي علي..
- ورده.. انتي تستخدمين الحبوب من متى!!
قلتها وأنا أرفع رأسها تجاهي.. التقت عيني بعينها.. حركت رمشيها وقالت:
- لين الحين.. لا.. بس ابغاها.. رح اموت من المشاكل.. ابغى انسى..
- رح تزيد همومك يا ورده.. ما رح تستفيدين شي.. رح تدمنين.. وتتبهذلين.. اش هالجنان..
دفعتها عن صدري.. فتمايلت على كتفي.. وقالت:
- ما رح استنى لحد الادمان.. رح آخذها دفعه وحده.. عشان ابي امووووت..
بدأت تبكي باندفاع.. هي في غير وعيها.. بالتأكيد.. انا أتلكم مع فتاة لا أعرفها.. ليست ورده التي عرفتها منذ ثمان سنوات.. احطت رقبتها بذراعي.. لأحضنها بينما انتفضت عندما لمحت أخي يقترب منا من بعيد.. أشرت له بأن يذهب بينما تكلمت:
- علمني طارق.. كيف اسوي خمر بالبيت..
- طارق اللي بالشات؟؟.. يعني ما تركتي الشات زي ما وعدتيني!!
- طارق رحمني.. وانتي ما رحمتني.. رح الجأ لها الحل.. دام انتي ما رح تساعديني..
- ..
- لا تقولين شي يا سوسو.. انا عارفه انك تسوين كذا عشان مصلحتي.. خلاص.. ما ابغي تعبك أكثر..
وقفت.. ووقفت معها ورفعت حقيبتها.. مشيت معها إلى المصعد.. وهناك.. لمعت عينيها .. وقالت" أحبك .. سوسو" قفزت إلي لتحضنني.. وتركتني خلفها..
.........................................................................
جلست اختي الصغرى نادين التي تدرس بالصف الاول ثانوي.. تفتش بحقيبتي.. وتأكل ما بها من حلويات دون إذن.. كنت اتبسم لها.. وهي تأكل.. في كل مره تزداد بدانتها.. وبعد ان تنهي أكل الحلويات.. تسأل كعادتها بعد ان تستعرض بطولها :
- سلوى.. انا نحفت؟؟
وفي كل مرة تسألني أكذب عليها وأقول لها " ايوه نحفتي" لانني لو جاوبت بغير هذه الاجابة ستعتبره موضوع شخصي.. رائعه يا انتي يا نادين.. كم اشتقت لملامحك الباكستانية وشعرك الاشقر.. تبسمت كعادتها وقالت بخجل:
- سلوى.. سمعت ابوي يقول انه في واحد خطبك؟؟
- طبعا اكيد شريف من اشراف عائلتنا.. هه
- يعني ما تبغين تتزوجين؟؟
- انتي شايفة احد فالح من العائلة الكريمة تقدم لي ورفضت!!
- أوه صح..
- خطبني واحد يشتغل بإدارة تعليم ابها.. وقال يبي وحده مثقفة.. تخيلي قال بيكتب البيت بإسمي .. عمرك شفتي سعودي جنوبي يسوي كذا.. وبلآخر ابوي رفض..
- طيب ليش ابوي يسوي كذا..
- اسأليه؟؟
- لا بجد ليش؟؟
- يخاف على عرقنا النبوي لا يصير فيه شي..
- استغفر الله.. اقول لك شي.. بس لا تتحطمين..
- قولي..
- خطبك واحد قبيلي بس مو من قبيلتنا.. من مواليد لندن.. وعايش بلندن.. ورفضه ابوي.. اصلا ما رد عليه حتى..
امتلأت عيني بالدموع.. وقلت:
- مو جديد.. رفض اللي كان بيعشني زي الملكة.. خل يرفض هذا.. مو بأحسن منه.. بس ليش رفضه..
- سمعت امي تقول ان اصله من رجال المع اللي يلبسون"وزرة وقميص"
- ههههههههه.. بالله.. يعني محايل افضل من رجال المع.. كلهم زي بعض.. ترحمنا امي ..
قطعت والدتي الحوار الذي يجمعني بنادين.. وجلست معي.. أشارت لنادين فخرجت
وقالت لي بعاطفة الأم الرءوم..
- سلوى يا حبيبتي.. انتي رفضت ولد عمك بدون سبب ورفضتي ولد عمك الثاني بدون سبب.....
- بدون سبب!! الاول وجهه يسد التفس.. وانا حلوه.. واش ذنبي اتزوج واحد بشع.. من حقي اتزوج واحد حلو.. والثاني راعي غنم.. وبيسكنني في الـ"عشة".. امي حرام عليك.. ارحميني..
- يا بنتي الثالث مافيه عيب.. ولد عم ابوك.. (مرعي)..
- أيـــــــــــش!!! امي هذاك عمره 45 سنه.. يشتغل فراش.. كيف بنعيش.. امي لازم يكون فيه تكافؤ.. انتي ناسية انا ايش وهو ايش؟؟
- يا سلوى خل عنك الكبرة.. هذا رزق من الله لا ترفضينه.. وبعدين رح تعاونينه بوظيفتك.. يقول رح يترك شغل الفراش ويصير لك سواق يوديك ويجيبك.. اش عاد تبغين..؟؟ اش قلتي!!
- يعني اصرف عليه.. ما خبرتك قاسية يا أمي.. اش هذا اللي تسوونه فيني... ما ابغاه.. ما رح اتزوجه..
- ترى ابوك بدى يشك في وضعك؟؟
- يعني ايش؟؟ بيغصبني اتزوج؟؟ خل يغصبني.. والله لأسويلكم فضيحة.. انتم تعرفوني انا قد كلامي.. المرة اللي فاتت لقيتوني وانا احاول انتحر ومنعتوني.. المرة هذي والله.. لتلقوني ميتة خالصة..
- تقولين هذا الكلام لأمك.. خلاص.. انتي رح تجنين اللي تسوينه..
خرجت امي وانا اتذمر "عائلة نكد.. اجيكم عشان ارتاح.. وتنكدون علي.."
.................................................................................
أتذكر عندما وصلني المسج بجوالي.."ستهطل أمطار غزيرة بمدينة (أوتاوا) بعد يومين.. نود اعلامك بأن الكهرباء ستنطفئ خلال فترة المطر.. نعتذر لإزعاجكم ونرجوا..بقاءكم في المنازل للحفاظ على سلامتكم"..
"أوتاوا" العاصمة الكندية.. أتذكر عندما كان قلبي يخفق فرحا لما مشيت أول خطواتي بالمطار.. التاج الأحمر المرسوم على علم كندا.. وشعار أوتاوا الأخضر المزرق.. وكأنه علامه تشير إلى تلك المدينة الهائلة الطبيعة..
ظلمة المنزل تلك الليلة وانطفاء الشموع.. أعاد بي الذاكرة إلى الوراء.. عندما كنت بمحايل النازف.. فوق سطح منزلي بقريتي النازفة.. كنت أقضي إحدى إجازات آخر اسنة.. والكهرباء منطفئة لمدة 3أيام لعدم وجود "فيوز" يكفي جميع منازل القرية.. في شهر رمضان المبارك.. كنا نبكي من الحر الذي قطر بجميع السوائل التي تحتويها أجسامنا....
كان انطفاء الكهرباء.. بالنسبة لي اعلان لبداية كتابة روايتي.. كنت أمسح عرق
جبيني وأكتب رواياتي.. أكتب عن عوالم مختلفة.. أقضي ليلي بالسهر لأشعر بالبرد الذي اكتب عنه على شاشة حاسوبي بينما أقطر عرقا.. وأنتهي إذا اقترب الفجر.. لأرى خط الانطلاق لبدء الصباح.. بعد أن كانت النجوم تشهد وفاءي للكتابة.. ما أكبر الفرق..
..................................................................................
سألني أخي عبدالرحمن ذات يوم.. عن إحدى صديقاتي المنتمية إلى الطبقة المخملية.. بعد أن سمعها تتكلم عن شكلي وأناقتي على سماعة الهاتف.. "يسرا" التي التقيتها لما تركنا الجامعة واتجهنا الى لنخضع للإختبار الميداني.. تلك الفتاة.. التقيتها وأنا أقسم أن لا أتكلم معها.. لبعد المستوى المادي بيننا..
كانت خفيفة ظل.. دافئة لسان.. حنونة وطيبة.. إختلط الجميع بها إلا انا.. كنت ارى فيها غرورا يختبئ خلف شخصيتها المحبوبة.. اقتحمت هدوءي.. وكسرت حاجز صمتي.. ذات يوم .. سكبت لي فناجنا من القهوة و اقتربت تقول:
- عادي ارقمتس.. يا حلو..
ابتسمت بخجل: طبعا..
- انتي من وين؟؟
- بني شهر.. وانتي؟؟
- من الرياض.. من عائلة المنصوري..
ابتسمت يسرا بمكر وقالت: يله دام تعرفنا.. خل نتمشى شوي بالساحة
ضحكت ثم قلت: كأنك ولد.. اش هالتصرفات..
- ههه وانتي كأنك بنت.. اقول.. طسي بس..
ضحكت كثيرا من كلامها الخفيف الظل.. بينما سحبتني بيدي إلى الخارج.. وأخذت جوالها معها.. وبدأت تقلب الصور.. تقول:
- شوفي.. هاذي صورتي وانا لابسه قبعة الـ"كوبوي".. وهذي يوم كنا.....
كانت تتكلم معي بسهولة.. ولما إنتهت.. عادت إلى نفس الموضوع:
- عادي ارقمتس..
هزت كتفي بقوة وهي تقول" يله قولي عادي.. يله"
- شوي شوي علي.. طبعا عادي..
تفاجئت بها تحضنني بقوة لصدرها.. قزامتي جعلتني أصل إلى عنقها.. ابتسمت تقول: ملامحتس تذكرني بالـ"تشينيز"
- هاه.. "تشينيز" دايم يقولونها..
- بس بصراحه تهبلين.. تشبهين جميلاتهم.. شعر منسدل.. عيون ناعسة....وأكثر شي لبتستس.. الظاهر انتي متأثرة بحضارتهم..
- بصراحه انا اقلدهم.. يعجبوني الشرق بصفة عامة..
.................................
تسألني عن يسرا يا عبد الرحمن .. تسألني عن سبب انقطاع علاقتي بها.. ماذا عساي أن أقول.. هل تريد أن أخبرك ان السبب لأحافظ على كرامتي أمامها.. لأصبح في نظرها خائنه لصداقتها أهون من أن تنظر إلي بشفقه.. هل أخبرتك لما عرضت علي التوصيل الى المدرسة بواسطة سائقها الشخصي وان اهلي تكلموا في شرفها وانها غير متربية.. هل أخبرك عن منزلها الذي تبلغ مساحته أضعاف منزلنا المليئ بالعقارب.. أتريدني أن أستضيفها .. هل تتوقع أنها ستشرب القهوة وهي ترفع ثوبها عن الصراصير.. ماذا سأقول لها عندما تفتح صنبور المياة و خرج الدود من الصنبور.. عندما تطلب رؤية غرفتي.. هل أخبرها أنني أنام كل يوم وأنا خائفة من خروج الأفن.. لأن المزرعة المقابلة لمنزلنا قريبة من غرفتي..
تسألني يا عبد الرحمن وكأنك لا تعيش معي بنفس المنزل..
.....................................................................................