الموضوع: ونطق الصمت
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-07-2010, 03:05 PM
 

2 (ونطق الصمت) - الحلقة الثانية
كانت البداية قبل ثلاثة أسابيع تقريبًا، وبالتحديد يوم الاثنين، عندما أحسست بأن صوتي ليس على ما يرام، أعتقد بأن ما أعاني منه هو بداية زكام صيفي، يحدث للكثيرين، غير أنه في اليوم التالي يوم الثلاثاء أحسست بأن صوتي يزداد سوءًا، بالرغم من عدم شعوري بأعراض البرد الأخرى، وبناءًا على نصيحة زميلي في العمل، رفعت سماعة الهاتف واتصلت بمركز النخبة الطبي لأحجز موعدًا، كان الموعد في المساء مع الدكتور ياسر، خرجت من ذاك الموعد بكيس يمتلئ أدويةً ومضادات حيوية لمعالجة آثار الزكام، وبإجازة مرضية، أخرجت هاتفي وضغطت أزرار مديري في العمل، وأجريت اتصالا به، لأخبره بشأن الإجازة، لم أنس ذاك الاتصال أبدًا، فمازالت تفاصيله محفورة في ذاكرتي، فلقد كانت تلك هي البداية، بداية كل شيء!

كنت مازلت واقفًا أمام مركز النخبة في شارع التحلية بالرياض، أحمل في يدي كيس الأدوية، وبيدي الأخرى هاتفي المحمول، أحاول جاهدًا أن أشرح له بأني لن أحضر غدًا، غير أنه لم يكن يسمع أو يفهم ما أقول له … والسبب أن صوتي بدأ يفقد كل مقوماته، وكل قدراته، وبعد عدة محاولات متعبة، طلب مني أن أرسل له برسالة نصيّة قصيرة ما أريد، وهو يعتذر ويخبرني بأنه لم يفهم شيئًا، أغلقت سماعة الهاتف، وابتسامتي تتلاشى من على شفتي، وبخطوات مرهقة تقدمت نحو سيارتي، وبداخلها بدأت اكتب رسالة له أشرح فيها ما حدث، وبعد أن أرسلتها له، سرعان ما جاءني منه الرد، يدعو لي بالشفاء، ويوصني بعصير الليمون، والامتناع عن شرب البارد!

في تلك الليلة لم أذهب إلى منزلنا مباشرة، بل توجهت إلى حيث يجتمع بعض الأصدقاء دائمًا في (وقت القهوة)، والذي بالمناسبة كتبت فيه بعض هذه السطور، نزلت من السيارة أحمل في يد كيس الأدوية، وفي اليد الأخرى كتابًا، لم يكن هناك أحد بالداخل، وفي مكاني المعهود جلست هناك، وبعد أن مررت بجميع الأدوية التي صُرفت لي، فتحت كتابي وبدأت أقرأ، بعد مدة أطل صديقي (بسام) برأسه وألقى بالسلام علي، رفعت رأسي إليه ورسمت ابتسامة على وجهي، ورددت السلام بصوت لا يكاد يسمع، جلس مقابلاً لي وسألني: “كيف حالك؟”، تنحنحت محاولاً أن أظهر صوتي في أفضل حالاته وقالت:”الحمدلله … تمام”.

عندما سمع (بسام) صوتي، علت وجهه نظرة قلق واهتمام، وقال لي” سلامات .. ؟”، مرة أخرى تنحنحت وقلت:”الله يسلمك من كل شر .. ” وأشرت إلى الكيس الذي وضعته بجانبي، فقال لي متفهمًا: ” الله يعينك .. برد وفي عز الصيف! .. انتبه تشرب بارد، وعليك بعصير الليمون والعسل”.

ابتسمت له وأنا أفتح له هاتفي المحمول وأريه الرسالة التي وصلتني من مديري في العمل. بعد مدة توافد العديد من الأصدقاء، والنصائح تنهمر علي ” حبة سوداء .. برتقال بالليمون .. عسل على الريق .. وغيرها الكثير من الوصفات الشعبية التي نسيتها”، كنت في تلك الليلة محط اهتمامهم، وحرصهم، وعنايتهم، وعندما عدت إلى المنزل أصرت والدتي بعطفها الرائع وبحرصها الممزوج بحنانها إلا أن تجهز لي كل ما هو معروف وغير معروف لعلاج مثل هذه الحالات وهي تردد: “ياسفابك على الصخونة يا وليدي”، في تلك الليلة وجدت التدليل والاهتمام والرعاية من كل من حولي، زملائي في العمل، ومن أصدقائي، ومن والديَّ، وعندما أردت النوم أصرت علي والدتي أن أطفئ جهاز التكييف، وبالرغم من عدم إحساسي بأي أعراض البرد، إلا أني لبيت طلبها، وبت تلك الليلة التي تجاوزت درجة الحرارة فيها السبعة وثلاثين درجة دون أي جهاز ملطف للحرارة.
.
.
وللحديث بقيّة