عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 07-10-2010, 07:20 PM
 

الفصل التاسع عشر
وضع سعد فنجان القهوة من يده، ثم تناول الجريدة وراح يتصفح عناوينها شأنه كل صباح.. قرأ عناوين الصفحة الأولى، فلم يجد خبراً يستحق الاهتمام فتحول عنها إلى الصفحة الأخيرة حيث يحلو له أن يتأمل كل يوم الصورة ((الكاريكاتيرية)) التي تتصدرها دائماً... وبعد أن انتهى سعد من الصفحة الأخيرة، أخذ يقلب صفحات الجريدة، وما إن وصل إلى صفحة الحوادث حتى لفتت نظره صورة لحادث مروع وقد كتب فوقها عنوان كبير يقول: ((الطيش والغرور كانا وراء هذه المأساة)).
وشدَّه الحادث فراح يتأمل الصورة في أسف وقد ظهر فيها منظر لسيارة مقلوبة كان من الواضح أنها انقلبت بعد أن اصطدمت بالجانب الأيمن لسيارة أجرة بدا بابها الأمامي الأيمن وقد انسحق بشدة، وكأن مقدمة السيارة الصادمة قد اخترقته بزاويتها الأمامية اليسرى فعجنته عجناً، وهمس سعد بلا شعور:
- لا بد أن كارثة قد وقعت!..
واستحوذ الحادث المروع على اهتمامه، فراح يقرأ في إشفاق...
(( في ساعة متأخرة من ليلة أمس وقع حادث مروع على طريق ((السلام)) حيث صدمت سيارة مسرعة من نوع ((داتسون)) سيارة أجرة من نوع ((تويوتا)) وذلك عندما خرجت الأولى فجأة من شارع فرعي بسرعة هائلة لترتطم بسيارة الأجرة التي كانت تمضي على الشارع الرئيسي بانتظام، وقد كانت المحصلة مقتل سائق ((الداتسون)) على الفور نتيجة لانقلاب السيارة بعد الاصطدام، وهو شاب صغير لا يتجاوز العشرين من العمر، بينما أصيبت الفتاة التي كانت تجلس بجانبه بجراح خطيرة، أما ركاب ((التكسي)) وعددهم ثلاثة بما فيهم السائق فقد أصيبوا بجراح مختلفة كان أخطرهم الراكب الذي يجلس بجانب السائق حيث تلقى الجزء الأكبر من الصدمة وقد علمت الجريدة من مصادر موثوقة أن الراكب الذي يجلس في الأمام طبيب شاب تخرج هذا العام وأنه قد حاز على أعلى معدل درجات في تاريخ كلية الطب، كما علمت أن الراكب الثاني طبيب أيضاً.
إن الجريدة تهيب بالمواطنين الكرام أن يلتزموا بقواعد المرور وأن يتجنبوا السرعة العالية التي .. ))
ولم يعد سعد يتبين الكلمات، فقد انفجرت الدموع من عينيه وتسمرت نظراته الهلعة المذعورة فوق السطور الدامية الحمراء وهتف في ذهول وهو يضرب جبهته في ذعر وجزع:
((- عصام وعرفان.. عصام.. آه، يا للكارثة.. إنه عصام.. ومن غيره الأول على كلية الطب؟.. والوقت.. لقد وقع لهما الحادث بعد أن خرجا من عندي.. آه.. يا للمأساة)).. وألقى الجريدة من يده، وهرع إلى الهاتف كالملسوع، فرفع السماعة بيد مرتعشة وقلب واجف، وأخذ يدير القرص في اضطراب وإصبعه لا تكاد تجد طريقها إلى الأرقام المطلوبة، وبينما هو كذلك، مرت به أمه وهي تمضي لبعض شأنها فرأته على هذه الصورة من الهلع والاضطراب فسألته في ريبة:
- سعد.. لماذا أنت مضطرب هكذا؟.. والدموع؟!.. ما الذي يبكيك يا بني؟.. أخبرني بالذي جرى أرجوك؟...
أجابها سعد بصوت متهدج ونبرات مرتعدة:
- لقد وقعت كارثة.. كارثة يا أماه...
سألته وهي تتهالك على كرسي قريب بأعصاب مهدودة خائرة:
- عن أي كارثة تتحدث؟.. هل حدث لأبيك مكروه؟..
- عصام يا أماه... عصام وعرفان... لقد أصيبا في حادث سيارة.. عصام في خطر يا أماه.
- ماذا؟.. كان الله في عون أمه.. الله يصبرها. وبمن تتصل؟!..
- اتصلت ببيت الدكتور إياد ولا أحد يرد.. سأتصل بالعيادة علني أجد من يجيب...
وراح يدير القرص من جديد، بينما راحت أمه تذرف الدموع في صمت حزين. وردت الممرضة على سعد فصاح في عصبية واضطراب:
- آلو.. آلو.. الدكتور إياد هنا؟
- الدكتور إياد مشغول اليوم ولا سبيل إلى..
- أعرف بالذي حدث.. فقد أخبريني إلى أي مستشفى نُقل عصام؟
- إلى المستشفى الوطني..
وألقى سعد السماعة في ضيق، وأراد أن يمضي لكنه فكر أن يتصل بمجدي، فعاد واتصل به، وما أن رد عليه حتى قال بدون مقدمات:
- عصام في خطر يا مجدي.. إنه في المستشفى الوطني.. سنلتقي هناك.. أخبر بقية الأًصدقاء فقد نستطيع أن نفعل شيئاً.. ثم ألقى السماعة تاركاً مجدي فريسة لهول المفاجأة وصدمتها
* * *
أوقف سعد سائق السيارة التي أقلته إلى المستشفى، ورمى له بورقة نقدية كبيرة ومضى دون أن يسترجع منه البقية، وهرع مسرعاً إلى قسم الطوارئ يبحث عمن يخبره الخبر اليقين، وما إن وصل حتى صدمته الوجوه الباكية المغتمة واخترق سمعه صوت حزين واه فالتفت إليه في إشفاق وهو يشعر بالكآبة تشيع في صدره وتضغط على أنفاسه وما إن وقع بصره على صاحب الصورة حتى خفق قلبه بعنف وأحس فيه توجعاً يقرض شغافه الملتهبة وانبثقت الدموع من عينيه.
لقد رأى الأم المسكينة وقد هدتها المأساة ولوعها المصاب فراحت تبكي في حرقة وصمت وتدعو الله في ضراعة لو مست الصخر الأصم لصدعته، وتتوسل إليه من بين الدموع في نبرات كبيرة حزينة مبحوحة:
((يا رب.. لقد وضعته عندك أمانة.. يا رب.. لقد سلمته لك فأعده لي سالماً.. رباه.. هو أملي ورجائي.. هو روحي وعمري.. يا لطيف.. يا قادر.. أنقذه بقدرتك، قد كان مؤمنا عابداً.. اللهم لا اعتراض على قدرك.. دائما تبتلي المؤمنين.. سبحانك لا اعتراض على حكمتك، لكني أتوسل إليك يا رب أن تنقذ لي وحيدي.. يا كريم..)).
ولم يعد سعد يطيق الانتظار، فأشاح بوجهه الحزين عن الأم المحطمة وهو يشعر بالاختناق، وأخذ يبحث عمن يزوده بآخر الأخبار، ولمح طبيباً يعرفه فهرع إليه في سرعة ولهفة:
- دكتور أحمد.. لحظة أرجوك...
- أهلا دكتور سعد...
- عصام.. ما هي أخبار عصام؟.. طمئنِّي أرجوك؟
قال الدكتور أحمد وهو يتنهد في أسف:
- عصام يصارع الموت، والأمل ضعيف..
- ما إصابته بالضبط؟
- أخطر ما في إصابته الكسر الذي أصاب قاع الجمجمة.. هناك كسر في كتفه الأيمن، وكسر في يده اليمنى ورضوض مختلفة.. هذا غير النزيف.. إنه كتلة من الأشلاء.
هتف سعد وهو يضرب وجهه بكلتا يديه:
- يا للكارثة.. لا بد من معجزة لإنقاذه.. واأسفاه...
قال الدكتور أحمد وهو يحملق في حزن:
- في غرفة العمليات تحتدم الآن معركة ضارية بين الموت والحياة...
ألا أستطيع أن أدخل لأساهم بشيء؟
- ماذا ستفعل أمام أساطين الطب والجراحة الذين اجتمعوا لإنقاذه؟
- يجب أن أفعل شيئاً.. أيّ شيء...
- كلنا نتمنى أن نقدم شيئاً، ولكن...
- ومن هم الأطباء الذين يشرفون عليه في الداخل؟
- هناك الدكتور جهاد مدير المستشفى وكبير الأطباء.. وهناك الدكتور إياد طبعاً..
- المسكين.. كان يتعهده كابنه..
- هناك أيضاً الدكتور عدنان والدكتور فايز إنه فريق ممتاز كما ترى، ويحوي كل الاختصاصات اللازمة.. هناك الدكتورة سامية أيضاً.. لقد أصرَّت على الدخول.. المسكينة.. لكم آلمني منظرها الحزين.
- وأمه؟.. كيف تلقت النبأ؟..
أجابه الدكتور أحمد في شرود حزين:
- لا أدري كيف تلقت النبأ، لكني رأيتها عندما أحضروها إلى هنا.. كان منظرها الكئيب يمزق القلب ويفتت الفؤاد... كانت منهارة تماماً وكانت تهذي كالمجنونة.. هل تصدق؟.. لقد أصبحت أتمنى أن أموت قبل أمي وأبي من هو المنظر الذي رأيتها فيه ليلة أمس، ألم ترها الآن؟...
- أجل رأيتها.. مسكينة.. لقد كان الأمل الوحيد الباسم في حياتها.
ثم هتف سعد وقد تذكر:
- وعرفان؟.. لم أسألك عن عرفان؟.. أرجو أن تكون إصابته خفيفة.
- إنها أخف بكثير من إصابة عصام، فقد كان جالساً في الخلف ولم يصب إلا ببعض الرضوض في رأسه وصدره.. يمكنك أن تراه.. إنه في الغرفة رقم سبعة.
- هلم بنا إليه... أريد أن أعرف تفاصيل ما حدث.
* * *
مضى سعد مع الدكتور أحمد إلى غرفة عرفان، والحزن يلون قسماته، والأسى يثقل خطواته، والهم لوح في نظراته، فالمصاب في عصام أليم، وهو من الذي يشعرون أكثر من غيرهم بعمقه وإيلامه، فقد عرف عصاماً عن قرب، وسبر أغوار شخصيته الفريدة، وأحبه من الأعماق، فكان أعزَّ أصدقائه وأغلاهم وأقربهم إلى نفسه وفي الممر صادق سعد بقية الأصدقاء وقد حضروا ليستطلعوا جلية الأمر، وما إن رأوه حتى هرعوا إليه في ذعر ولهفة، فاستقبلهم بعينين دامعتين بعثت عبراتهما الذكريات القريبة الحبيبة، وسأله ((بهاء)) في توسل:
- أخبرنا يا سعد.. ما هي أخبار عصام؟.. ما الذي حدث بربك؟
أجابه سعد وهو يغمض عينيه في ضيق وألم:
- كسر في قاع الجمجمة يا بهاء، وكسور أخرى، ونزيف لا ندري كم استمر...
صاح مجدي وهو يضرب جبهته في التياع:
- هذه كارثة... أين وقع هذا؟، ومتى؟، وأين؟.
- ليلة أمس... بعد أن خرج من عندي.
همس عثمان وهو يلوح بيد مرتجفة:
- أيحدث هذه بهذه السرعة.. بالأمس كنا معاُ .. أكلنا وضحكنا وتحدثنا.
ثم وقد طفرت الدموع من عينيه:
- المسكين... لكم حدثنا عن طموحاته وأحلامه!!.
قال الدكتور أحمد وهو يحاول إخراجهم من هذا الجو الكئيب:
- هدئوا من روعكم أيها الزملاء... هلموا إلى الدكتور عرفان فهو أفضل من يروي لنا القصة.
هتف مجدي :
- هل أصيب عرفان أيضاً؟.. أيحدث هذا بين عشية وضحاها؟
قال الدكتور أحمد مهدئاً:
- لا تقلقوا إنه بخير.. تفضلوا معي..
* * *
وصل الأصدقاء إلى غرفة عرفان فوجدوه ممدداً على سريره وقد أحاطت بوجهه هالة كثيفة من الشاش الأبيض، وما إن رآهم قادمين حتى اغرورقت عيناه، ففجرت دموعه مراجل الحزن المكتوم في صدورهم فأجهشوا بالبكاء والنحيب...
قال الدكتور أحمد محاولاً تبديد حزنهم اللاهب:
- تماسكوا يا شباب... أنتم أطباء، ولا يصح أن تبدوا أمام الناس هكذا...
ثم سأل عرفان:
- هل ذهب أهلك؟.. لقد شاهدتهم هنا منذ قليل!
أجابه عرفان بصوت واهن خنقته العبرات:
- لقد طلبت من أن يقفوا إلى جانب أم عصام، فـ.. فذهبوا إليها بعد أن اطمأنوا على حالتي..
ثم وهو يجهش بالبكاء من جديد:
- عصام يصارع الموت يا سعد.. إنه يصارع الموت..
تقدم سعد من عرفان في هدوء وقال وهو يمسك بيده مواسيا:
- ليكن أملنا في الله كبيراً، ولنتذرع بالصبر.. كيف تجد نفسك الآن؟
أجاب بنبرات لاهثة حزين، والدموع تنساب من وجنتيه اللتين خدشتهما الجروح الصغيرة:
- ما يهمني هو عصام.. عصام يا سعد.. إنني أخشى.. آه.. لا أستطيع تصور ما حدث.. في لمحة بصر حدثت الكارثة.. كان عصام أخطرنا.. لقد تحول إلى أشلاء..
قال بهاء وهو يغالب دموعه:
- كن واثقاً بالله، لندع له جميعاً...
تابع عرفان في ألم:
- أنتم لم تروا ما حدث.. كنّا.. كنّا نسير في هدوء... نتحادث مع السائق.. كان المسكين يحدثنا عن مشاكله وهمومه.. ينصحنا بأن نكون أطباء صالحين.. كان عصام يصغي إليه باحترام.. ثم أراد أن يقدم له عنوانه ليساعده.. وما.. وما كاد يخرج البطاقة من جيبه حتى حدثت الكارثة.
وصمت قليلاً ريثما ارتاح، ثم تابع وسعد يجفف له دموعه:
- كنا نسير في شارع ((السلام)).. بالقرب من المتحف.. وفجأة.. خرجت سيارة مسرعة من شارع فرعي على يميننا.. كانت تنهب الأرض بسرعة جنونية.. وتتلوى في مشيتها كحية رقطاء.. وما إن رأيتها حتى صرخت فزعاً مذعوراً وبأعلى صوتي.. لأحذر السائق كي يتفاداها.. لكن.. لكن قضاء الله كان أسرع...
ثم أردف بعد أن ازدرد ريقه:
- لقد صدمتنا السيارة المسرعة من الجانب الأيمن... حيث كان يجلس عصام... فاهتزت بنا السيارة هزة عنيفة.. ارتطم رأسي على إثرها بزجاج النافذة، فأغمي علي ولم.. ولم أغف إلا هنا.
- الحمدلله على السلامة...
قال الدكتور أحمد:
- لقد قتل سائق السيارة التي صدمتهم على الفور، وقد علمت من المحقق أن رعونته وسرعته الطائشة اللا مسؤولة هي التي سببت الحادث، كما أن صديقته قد أصيبت بكسور مختلفة أخطرها الذي أصاب العمود الفقري فأودى بها إلى الشلل...
علق عرفان محتداً حانقاً:
- كان يتباهى بنفسه أمامها.. يريد أن يثبت لها أنه رجل. وهي هي الحصيلة.. والسائق؟.. كيف حاله الآن؟
- لقد أصيب بكسور مختلفة.. المسكين..
هتف سعد بلهجة غاضبة وهو يلوح بقبضته في الهواء:
- يا للمأساة!!.. الانحراف والضياع والعبث يعصف دائماً بكل ما ينجزه العقلاء والمخلصون.. التربية الفاشلة الفاسدة تكمن دائماً وراء تخلفنا وانحطاطنا. عصام.. الطاقة النادرة في بلادنا.. الشاب الذكي الطموح الذي كان يحترق كشمعة ليصنع لأمته شيئا يفيدها ويطورها، يذهب ضحية للطيش والرعونة والجنون!!!...
ثم وهو يهوي بقبضته على الجدار في أسف عميق:
- إن عاش عصام، فسوف يعيش مشلولاً مقعداً.. مكبلاً بعجزه وآلامه وأحزانه.
ثم هتف بصوت متهدج يفيض بالانفعال:
- نحن لا تنقصنا التكنولوجيا المتطورة والخبرات الماهرة، بقدر ما تنقصنا التربية ويعوزنا الضمير...
ثم همس عد أن مال إلى الهدوء:
- اعذروني يا شباب، فالمأساة فضيعة كما ترون، والمصاب في عصام رهيب أليم.
قال عثمان وهو يتحسس صدغيه من شدة الصداع:
- لا أكاد أصدق ما حدث..
وأردف مجدي:
- يا له من كابوس رهيب...
بينما قال سعد وهو يتجه إلى جهاز الهاتف:
- يجب أن نعرف آخر أخبار عصام... سأطلب غرفة العمليات..
وبعد أن تم الاتصال قال سعد للمرضة التي ردت عليه:
- أريد الدكتور إياد من فضلك...
- انتظر لحظة لأرى فيما إذا كان يستطيع التحدث معك ومضت لحضات قصيرة ريثما رد الدكتور إياد:
- آلو، نعم.. الدكتور إياد يتحدث...
قال سعد بصوت متهدج بعد أن اخترقت سمعه نبرات الدكتور إياد نابضة بالحزن والأسى:
- دكتور أنا سعد.. نريد أن نطمئن على عصام.. أرجوك أن تصارحنا فنحن أطباء ونقدِّر الموقف.
هيجت نبرات سعد المرتعشة الحزينة آلام الدكتور إياد وألهبت جراحه فاجتاحته موجة من الانفعال وكان أن يبكي، لكنه تمالك نفسه وقال بعد صمت أثار المخاوف في نفس سعد:
- لا أكتمك يا بني.. الموقف عصيب جداً.. أنت طبيب وتعرف ماذا يعني كسر في قاع الجمجمة.. لقد فعلنا ما في وسعنا والباقي بيد الله...
قال سعد وهو يبكي في لوعة وصمت:
- دكتور نحن على استعداد لعمل أي شئ... نردي أن نفعل شيئاً.. أي شيء...
- إني أقدر مشاعركم يا بني.. لست أنت أول من يطلب هذا.. الكل يعرض المساعدة، فقد كان محبوبا من الجميع... من أين تتحدث؟
- من غرفة عرفان...
- وكيف هو الآن؟..
ونما إلى سمع سعد صوت إحدى الممرضات وهي تنادي في ذعر:
- دكتور إياد... إنهم يريدونك في الداخل...
فألقى السماعة من يده، وهرع ليعرف ماذا حدث؟
* * *



الفصل العشرون
في تمام الساعة العاشرة والدقيقة الثالثة والخمسين من صباح ذلك اليوم المشؤوم فرغت كنانة الأمل، وحانت لحظة رهيبة من لحضات القدر القاسية العصيبة، فجاءت مترعة بالألم، مفعمة بالأسى، مثقلة بالدموع... فطوت بمرورها حياة واحد من سكان هذه الأرض لينضم إلى قافلة الفناء...
حدث ذلك عندما هوى الموت بقبضته على عصام، فخفق قلبه الخفقة الأخيرة وأسلم الروح...
وقبيل الرحيل بلحظات فتح عصام عينيه الذابلتين وقد جاشت في صدره حشرجة متصاعدة وغمغم بنبرات واهنة متقطِّعة وهو يحملق بالمجهول: ((ما.. ما)). ((ما.. ما)). ((ما.. ما)). فهرعت إليه سامية ومن ورائها الجميع وحضنت رأسه بين ذراعيها في حنو وإشفاق، فتعلقت بها نظراته الكليلة المرهقة ولاحت على شفتيه شبه ابتسامة سرعان ما خبت، فانطفأت بأفولها شعلة الحياة اللاهبة العظيمة التي كانت تتوقد متلألئة في أعماقه تسطع وتتألق وتضيء... وأسبل جفنيه في هدوء، فكانا هما الدفة الأخيرة لكتاب عمره الحافل الذي يروي قصة طموح واعد لم تكتمل ورحلة مجد انتهت عند السفوح، وفاضت الروح فأفلتت من بين أمهر الأيادي لأساطين الطب والجراحة وتسللت من بين أحدث الأجهزة العلمية والطبية متحدية عجز الإنسان وضعفه أمام قدر الله، وانطلقت إلى بارئها متخففة من كل الجواذب والأماني والأحلام، يحدوها الشوق إلى الحبيب الأعظم الذي برأها أول مرة وقد أدت الأمانة وفارقت الدنيا على قيم الحق والإيمان والعطاء.
وندت عن سامية صرخة هائلة، حمَّلتها كل حزنها وألمها المكبوت، وأكبَّت على وجهه المهشم تعانقه في حب ولوعة، وترويه بالقبلات والدموع، وراحت تصرخ وتنادي في صوت هادر مجنون:
- عصام.. عصام.. لا تذهب أرجوك.. لن تفارقني بهذه السرعة.. عصام.. هل تسمعني؟.. أنا سامية يا عصام.. سامية التي تحبك.. زوجتك التي نسجت معها الأحلام.. لا تفارقني أرجوك.. لا تتركني وحدي فالحياة من بعدك سراب.. سراب.. سراب...
ثم أجهشت في بكاء شديد...
ومال الدكتور إياد على ابنته المحطمة في حزن، فشدها إليه، لكنها تشبثت بزوجها الراحل وكأنها تمسكه خشية أن يهرب، بيد أن أباها قاوم ضعفه وانهياره وجذبها إليه جذبة قوية فضمها إلى صدره في ألم، وقال بصوت دامع حزين:
- ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).. تماسكي واهدأي يا ابنتي، فهذا قدر الله ولا راد لأمره.
وتعالى بكاؤها ونحيبها، فأردف الدكتور إياد وهو يربت على ظهرها مهدئاً ومواسيا:
- تماسكي أرجوك.. من أجل أمه على الأقل.. يجب أن نقف إلى جانبها في هذا اليوم العصيب.. اللهم اجعلنا من الصابرين... يا رب.
وتقدم الدكتور جهاد من جثة عصام، فسحب الغطاء الأبيض وأسدله على وجهه في هدوء حزين، ثم أمر بنقله إلى غرفة الوفيات وقال وهو يجول بنظراته الكئيبة بين وجوه الأطباء التي امتزج الحزن والأسف فيها بالتعب والإرهاق الشديد:
- من سينقل النبأ لأمه؟
أجابه الدكتور إياد وملامحه الكئيبة تحتقن بالحسرة والألم:
- ومن غيرك يا جهاد؟.. أنت مدير المستشفى وكبير الأطباء...
تنهد الدكتور جهاد وهو يغمض عينيه في أسى ثم قال:
- أخشى أني لا أستطيع.. أقولها لأول مرة منذ أمد بعيد.. لقد مرَّ عليَّ في هذا المستشفى عشرون عاماً أو تزيد، رأيت فيها الكثير من الكوارث والمآسي، فلم أتأثر بها كما تأثرت بهذه المأساة، ورأيت الكثير من الأمهات وهنَّ يبكين أولادهن، لكن منظر أمه المسكينة كسر قشرة الاعتياد التي غلفت قلبي عبر السنين لتخلف في فؤادي جرحاً غائراً لن أنساه!!...
همس الدكتور إياد وقد علا نحيب سامية:
- دكتور أرجوك أن تتصرف... يكفيني مصابي...
أرسل الدكتور جهاد تنهيدة خائرة، ثم قال في رضوخ:
- حسناً.. كما تريد...
قال الدكتور علي:
- لكنها ستطلب رؤيته.. إني أخشى عليها من الانهيار...
علق الدكتور عدنان قائلاً:
- رؤيتها له أمر لا مفر منه، وهو أدعى لتفريغ شحنات الحزن والأسى التي ترهق أعصابها.
قال الدكتور جهاد وهو يمضي مطرقاً حزيناً:
- لنستعد لكل الاحتمالات، والله معنا.
* * *
اكتضت قاعة الانتظار في قسم الطوارئ بالكثيرين ممن هزَّهم المصاب وآلمهم، فهرعوا إلى المستشفى في ذعر وذهول ليكونوا قرب الإنسان الذي أحبوه واحترموه وأعجبوا به، وليقفوا بجانبه في محنته الدامية الرهيبة.. حتى صفوان.. صفوان الذي عرف بحقده على عصام وكرهه له وهزئه بأفكاره ونبوغه وطموحه.. صفوان الذي لا يفكر إلاّ في نفسه وملذاته ورغباته... حتى صفوان اهتز للمأساة وتأثر بها بعد أن علم بها من أحد أفراد شلته الذي أيقضه من نومه ليسأله بالهاتف قائلاً:
- هل قرأت جريدة الصباح؟...
فأجابه منزعجاً غاضباً:
- ما هذا السؤال التافه عند الصباح؟.. أنت تعرف أني لا أحب قراءة الصحف والمجلات...
- إذن اقرأها اليوم وادعُ لي...
- ماذا تقصد؟.. ماذا حدث؟!
- صاحبك عصام...
- ما شأنه؟... لعلك ستقول لي أنه نال مكافأة أو هدية أو وساما... سألعن صباحك إن كنت أيقظتني لتقول لي هذا.
ضحك صاحبه وقال ساخراً:
- أي مكافأة؟ وأي وسام؟.. عصام انتهى يا روحي.. إنه في المستشفى يحتضر...
وصدمه الخبر بقوة، وهزَّ بعنف، فوجم في ذهول، وعبس في تفكر، وسأله في شك وهو لا يكاد يصدق:
- ماذا تقول؟.. عصام يحتضر؟.. لعلك تمزح؟!..
- أبداً.. لقد أصيب ليلة أمس في حادث سير مروع والأمل في حياته ضعيف جداً... هكذا أخبرتين ((رندا)).. ((رندا)) صديقتي الممرضة في المستشفى الوطني.. إنه يعالج هناك وهو في حالة ميؤوس منها.
ودك الخبر المثير قلاع القسوة والحقد والطغيان التي كانت تقوم في قلب صفوان، فتهاوت وتداعت في لحضات، وأحس في غمرة الصدمة بشيء سامٍ نبيل يتحرَّك في أعماقه السحيقة ويخرج من بين أنقاض التكبر والغطرسة والغرور، وينفض عنه ركام الفساد والخبث والانحراف، ويتسلَّق شرايينه بالرغم مما يعكرها من كراهية وأنانية وسوء، ثم يمضي إلى ضميره الغافي فيوقضه بعد طول سبات وينبهه من تخدير العبث واللهو واللامبالاة...
وأفاق الضمير النائم في ذعر، وانتفض في ثورة، وراح يدق أبواب عقله المسجون وراء أسوار اللذة والرغبة والهوى بإلحاح، ويسأله عن لغز الوجود وأسرار الحياة، ويذكره بضعف الإنسان وعجزه أمام الموت المتربِّص القريب، وهمس وهو يضع السماعة في شرود
:

- (( عصام يحتضر؟.. يحتضر؟!!.. من يصدق؟!.. كنت أحسبه أسطورة!.. كنت أتصوره إنساناً خلق للنجاح!.. لم يخطر ببالي يوماً أن يكون الثاني على الكلية فكيف؟!.. أتنطفئ حياة شاب كهذا بهذه السرعة والسهولة.. لا أصدق.. هل هذه هي الحياة؟!!..)).
وأغمض صفوان عينيه في إشفاق من النهاية المرتقبة في كل حين وتساءل في نفسه عن قيمة الحياة وفائدتها إذا كانت ستؤول إلى الفناء...
_ ((الفناء؟!!)).
لكأنه يتذكر لأول مرة أن الفناء هو النهاية الحتمية لكل حيّ على هذه الأرض!!، وتذكر صفوان موقف عصام عندما أتلف له دفتر محاضراته، وكيف واجه إساءته بالحلم والتسامح، فأشرق هذا الموقف في نفسه، وأينعت بذوره الطيبة...
وأصغى لضميره المنتفض الثائر وهو يلحّ عليه بحماس لأن يزرع نبتة خضراء في صحراء حياته المقفرة.. لأن يخطّ سطراً مضيئا في صفحة حياته القاتمة السوداء... لأن يضئ شمعة في ظلام عمره الحالك المدلهم بالخطايا والآثام... فتناول ملابسه كيفما اتفق وهرع إلى المستشفى ليرقب أحداث هذه المأساة الفظيعة التي قلبت كيانه من الداخل...
واندلعت المخاوف في قلوب المنتظرين وهم يشعرون بالدقائق تزحف بطيئة رهيبة ثقيلة، وبسهام الأمل وهي تتكسَّر على صخرة اليأس والانتظار، وكلما انكسر سهم الأمل أو طاش تجرأ هاجس الموت فأبرز مخلباً من مخالبه الوحشية الحادة وانقضَّ على الأعصاب الخائفة المرتعدة ليعريها من كل صبر ويتركها فريسة للقلق المؤلم الممض تئن وتتلوى، وفجأة... تلقفت بعض الأسماع صرخة سامية فأيقنت بالكارثة، وخفقت قلوب أصحابها بشدة، واتجهت أنظارهم الكئيبة الذاهلة إلى الأم المسكينة في إِشفاق بالغ، إلا أن حركتهم هذه أثارت الشكوك في نفسها، فاشرأبت بعنقها نحو الباب في خوف وهلع، وأخذت ترقب الموقف بذعر شديد...
وخرج الدكتور جهاد من غرفة العمليات مطرق الرأس، واجم الوجه، ساهم النظرات لا يكاد يدري ماذا يقول... فحاصرته النظرات القلقة المتوجسة بينما هرعت إليه الأم هلعة مذعورة وقد تحركت في أعماقها غريزة تتنبأ بالفاجعة، وهتفت من بين الدموع في لهفة وتوسل وانكسار:
- دكتور.. طمنِّي.. كيف حاله الآن؟.. أخبرني أرجوك.. أتوسل إليك.. أقبّل رجليك.. قل لي كلمة واحدة تريحني.. قل إنه سيعيش.. أرجوك..
حاول الدكتور جهاد أن يتكلم، لكن إرادته خانته فألجم الحزن والإشفاق لسانه، ووقف حائراً جامداً مكانه كتمثال، وقد لازمه الإطراق الحزين فأخفى وراءه دموعه الصامتة الغزيرة مما زاد في ذعر الأم وهلعها، فسألته وهي تعزه بعنف وقد طار صوابها:
- ماذا جرى؟.. هل؟!.. هل؟!..
وأراد الدكتور جهاد أن يدلي بالحقيقة المرة، لكن نظراته الدامعة الكئيبة كانت أسرع إلى إعلانها، وقال بصوت متهدج ونرات تقطر حسرة وحزناً:
- تذرعي بالصبر يا أختاه.. إنا لله وإنا إليه راجعون...
وانفجر في أعماق الأم بركان هائل من الألم فقذف بحمم اللوعة والحسرة والأسى في أغوارها المظلمة، فأحرقت كل معاني الحياة، وانساحت إلى قلبها المفطور فأحالته إلى جمرة ملتهبة من الحزن.. وأرسلت صرخة محمومة تتلظّى بالحرقة والالتياع وكأنها زفير النار التي استعرت في داخلها، فصرخت بنبرات وجعة متفجعة وهي تضغط على صدغيها بيدين متشنجتين:
- عصام..
ثم ولولت واندفعت تريد أن تقتحم الباب وهي تصرخ في صوت يتوهج بالحزن واللوعة والألم:
- ابني.. حبيبي.. أروني إياه، أريد أن أراه.. لا تقولوا إنه مات.. إن مات فسألحق به.. فلا طعم للحياة دونه.. لا طعم للحياة بعده...
وحاولت زوجة الدكتور إياد أن تحجزها لتهدئ من روعها، لكنها أفلتت منها وانطلقت لا تلوي على شئ وهي تنادي وتصيح:
- عصام.. ولدي.. حبيبي.. أين هو يا ناس.. أريد أن أراه.. أريد أن أشمه.. أريد أن أضمه.. أريد أن أقبله.. لم تفرح بنجاحك يا ولدي.. لم تفرح بزواجك.. لا اعتراض على أمرك يا رب.. بالأمس زوجي واليوم ولدي...
كانت كلمات الأم الملوعة تنفذ إلى القلوب المفجوعة وتنهال عليها بطعن عنيف أليم فتنزف بالحزن والحسرة والوجع حتى يفيض نزيفها من العيون دمعاً هتوناً يتدفق.. وأجهش الحاضرون وعلت صوت بعضهم، فضجت القاعة بالبكاء والنحيب... وهرعت سامية إلى حماتها المسكينة فارتمت في أحضانها وهي تبكي بمرارة وغمغمت في حرقة وأسى:
- لقد تركنا دون وداع يا أماه...
هتفت الأم في ضراعة وتوسل وهي تنتحب:
- قوديني إليه يا ابنتي.. خذيني إليه.. أريد أن أراه.. أريد أن أراه...
قالت سامية من بين الدموع وقد شعرت بواجبها في هذه اللحضات الدقيقة:
- لا تحزني يا أماه فعصام في الجنة.. أجل في الجنة.. شاب بطهره وصفائه مكانه هناك... لا تحزني يا أماه فسوف يهبه ربنا خيراً مني.. سيزوجه من الحور العين.. من الحور العين يا أماه...
وتعالى بكاؤهما ونحيبهما فصدع القلوب الجريحة، وأسرع الدكتور إياد، ففصل بين الاثنتين وقال للأم مواسياً وهو يقودها إلى ابنها الفقيد:
- هوني عليك يا أختاه.. هذا قدر الله – سبحانه - ... تعالي فودعيه...
وما إن وصلت الأم إلى جثمان ابنها الراحل حتى انكبت على جسده المسجى بالبكاء والعويل وراحت تلثم وجهه وجسده ويديه، وتغرقه بالقبلات والدموع، وأخذ الحزن منها كل مأخذ، فصرعتها اللوعة المريرة، وأغمي عليها فحملت إلى غرفة الإنعاش.
ودخل الأصدقاء ليلقوا على صديقهم الراحل نظرة الوداع الأخير، فتقدم منه سعد في هدوء وحزن وتحسر، وكشف عن وجهه الغطاء في رهبة وما إن رأى الرأس المهشم المثخن بالجراح حتى نشج ببكاء مر أليم، ثم مال عليه في حب ولوعة وطبع على جبينه قبلة الوداع، ثم تنحى وهو يترنَّح من عمق الأسى ووقع المصاب فاستند بكتفه على الجدار وراح يتلو ((الفاتحة)) في صمتٍ دامعٍ حزين.
ثم تقدم الأصدقاء مجهشين، فقبلوا صديقهم عصام في حب وأسف ووقفوا حول سريره محزونين محتسرين وهم يبكون... ودخل عرفان وهو يتكئ على كتف الدكتور أحمد الذي حمله ليرى جثة عصام بعد إلحاح شديد، وما إن وقع بصره على جسد لاصديق الفقيد حتى أسرع إليه وهو يعرج غير عابئ بجراحه وآلامه، وأكب عليه وهو يبكي وينادي في حرقة والتياع:
- عصام.. لا تذهب يا صديقي فلا بهجة لنا بدونك.. سوف نحيا من بعدك كاليتامى الذين فقدوا أمهم وأباهم وأخاهم.. واحزناه.. واأسفاه.. أين الذكاء والنبوغ؟.. أين الأمل والطموح؟.. أين البسمة الراضية الودودة؟.. أين العزيمة الواثقة الجريئة؟.. أين الذكريات؟.. واحسرتاه...
وفجّرت كلمة الذكريات جراح الأصدقاء، فانتفضت نازفة أليمة، فهم سيودعون مع عصام حياة جميلة عامرة بالذكريات الحبيبة السعيدة.. حياة رائعة فريدة.. سيفتقدون طعمها الحلو اللذيذ مهما امتدت بهم الأيام والسنون.
وتعالى من خلفهم نحيب شديد فالتفتوا ليتعرَّفوا على صاحب الصوت الباكي، فأدهشهم أن يروا صفوان وقد غطى وجهه بكفيه وهو يجهش ببكاء شديد، فعجبوا لهذا التغير الذي طرأ عليه، وتأثَّروا أيّما تأثر، فغلت مراجل حزنهم وتأججت، وعلا نحيبهم من جديد...
واشتدت عليهم وطأة الحزن والألم، فكابد الجميع لحضات قاسية رهيبة لا تنسى، وشعروا باللوعة المرة تعتصر قلوبهم وتضغط على أنفاسهم فتضطرب وتضيق، فانفلتوا من هذا الجو الكئيب لاهثين، ولجأوا إلى حديقة المستشفى ينشدون هواءً نقياً لم يلوثه الحزن بنفثاته السامة الخانقة، وما إن وصلوا إلى هناك حتى طرق سمعهم صوت سيارة إسعاف قادمة وهي تحمل مصاباً جديداً.. يصارع الموت ويتشبَّث بأهداب الحياة.

* * *

__________________
اذا كان لابد لك ان تموت ارجوك ان تسأل اذا كان بالامكان ان تأخذ معك صديق