عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 07-15-2010, 08:59 PM
 
هذا البارت الجديد لعيونكم الحلوة

*الجزء الثاني*

(ماذاقد يحدث باليوم الأول لها؟)

ابتسمت وعد بشرود وهي تلمح الساعة التي كانت تشير عقاربها الى السابعة والنصف صباحا..اليوم هو اليوم الاول لها في عملها في جريدة الشرق.. ترى كيف سيكون هذا اليوم بالنسبة لها.. وأي انطباع ستأخذ عن مكان عملها..

يقولون ان الانطباع الأول هو أهم من أيانطباع قد يأخذه الشخص في أيام قادمة.. لأن الانطباع الاول يبقى في ذاكرة الشخص.. وبه يحدد إن كان هذا المكان جيدا ام لا..

كانت وعد في شدة أناقتها هذااليوم..كانت تبدوا كالملاك وهي ترتدي ذلك البنطال الأبيض..وقميص ذا لون وردي هادئ.. يعلوه سترة بيضاء من النوع القصير.. وشعرها الكستنائي مرفوع بأكمله بربطة شعر ورديةاللون.. إلا من خصلات تسقط على جبينها ووجنتيها بنعومة..
التقطت حقيبتها وهي تشعر بالتوتر ترى ما الذي ينتظرها هناك..اخذت نفساً عميقا لتشعر بالقليل منالراحة..
ورسمت ابتسامة على شفتيها وان لم يغب عنها التوتر..هبطت الى الطابق الأسفل
وقالت بهدوء وهي تتوجه الى المطبخ حيث والدتها: أمي أنا ذاهبة الآن..
سألتهاوالدتها قائلة: هل تناولت افطارك؟أومأت وعد برأسها وقالت: عن اذنك الآن ياأمي..فيتوجب أن اكون في الصحيفة بعد نصف ساعة..
قالت والدتها بابتسامة: صحبتكالسلامة يا بنيتي..
ابتسمت وعد وهي تغادر المكان الى خارج المنزل..وتتوجه نحوسيارتها الحمراء..ولكن انعكاس في مرآة السيارة الجانبية جعلها تلتفت وتقول مبتسمة: هشام.. ماذا تفعل هنا منذ الصباح؟..
خفق قلب هشام.. وعد اليوم تبدوا جميلة.. وجميلة جدا ايضا.. انه يخشى عليها ان تذهب الى هناك وهي هكذا..لم ترتدي مثل هذهالملابس التي تزيد من جمالها وهي ذاهبة الى العمل؟..أكان ذلك متعمدا؟.. امانها...
وقطع أفكاره وهو يقول متجاهلا سؤالها: ما هذا الذي ترتدينه؟قالتبسخرية: بنطال وقميص ان لم تكن ترى..
صمت عنها لأنه ليس له سلطة في التحكم بهاولكنه مع هذا ابن عمها ولا يريدها أن تكون موضع لكل عين هناك..وقال في شيء منالحنق: عودي الى الداخل واستبدلي ملابسك..
ضحكت وقالت: في أحلامك..لقد بقيت ساعةكاملة وأنا اختار ملابسي..
قال وهو يبتسم بالرغم منه: انتبهي لنفسك.. واخبرينيبما يحدث معك هناك..
قالت وهي تلوح بكفها: إن وجدت الوقت الكافي.. معالسلامة..
قال في سرعة: الا ترغبين ان أوصلك؟
- لدي سيارة ان لم تعد ترى هذاايضا..
دلفت الى السيارة وانطلقت بها.. وعينا هشام اللتان تراقبها..وتتطلع اليهابابتعادها.. كانت تحمل حنان العالم كله..
* * * * * * * *
وصل عماد الى عمله في شركة والده قبيل وقت العمل بربع ساعة..وما ان فعل حتى رن هاتفه المحمول بغتة.. فتطلع الى الرقم قبل أن يجيبه قائلا: أجل يا أمي.. ما الامر؟استمع الى والدتهالتي كانت تتحدث في موضوع ما جعله يشعر بالضيق ويضطر لأن ينهي المكالمة قائلا: حسنا .. حسنا .. سأرى الأمر عندما أعود.. أنا منشغل اليوم.. الى اللقاء..
اغلق الهاتف وهو يزفر بحدة .. لم هم يهتمون هكذا الى هذا الامر.. ان تزوج او لم بتزوج.. ان ظل عازبا ام لا.. هل تعدى سن الأربعين حتى يحدث كل هذا.. فليتركوه وشأنه..
والدته كانت تتحدث اليه عن احدى الفتيات التي تنوي أن تخطبها له..عن طريق احدى صديقاتها.. وهو لن يقبل بفتاة مادام لم يشعر نحوها بأية مشاعر.. لا يريد الزواج هكذا دون انيكون له حتى العلم بشخصية هذه الفتاة..
انه يعترف بأنه معجب بوعد.. إعجاب بشخصها ليس الا..ولكنه لم يصل الى مرحلة ان يكون ما يحمله لها عبارة عن مشاعر قوية لاتنفصم..لكن لو كانت وعد توافق عليه كزوج.. هو سيقبل بالزواج بها.. لأنه يحمل لهاالإعجاب.. ومع الوقت قد تتولد المشاعر بينهما..
كان هذا ما يشغل ذهن عماد وهومستغرق بعمله..
ترى ما الذي يخبأه لك القدر يا عماد؟..
* * * * * *
ما ان وصلت وعد إلى مبنى الصحيفة.. حتى زاد توترها أضعافا..وخصوصا عندما وطأت قدماها ارضذلك المبنى..وتطلعت الى المكان في شيء من الشرود.. هذا هو الطابق الأرضي ويحمل مكتب الاستقبال..ومقاعد للانتظار ودورات مياه..
توجهت بخطاً ثابتة الى مكتب الاستقبال وسألت الموظف قائلة: من فضلك يا سيد.. في أي طابق توجد مكاتب الموظفين ؟اجابها قائلا:بالطابق الثاني والثالث..اي قسم ترغبين بالذهاب اليه يا آنسة..
تحدثت وعدالى نفسها قائلة ( وما أدراني انا..بأي قسم سأباشر عملي)
وأجا بته بارتباك: أظنانه قسم شؤون الموظفين..
كانت وعد تدرك ان هذا القسم مختص بتوظيف الايديالعاملة..ولهذا قد تعلم من هناك بمكان عملها..
وهنا اجابها الموظف قائلا: الطابقالثاني اذا..
شكرته وتوجهت نحو ركن المصاعد.. حيث استقلت واحدا الى الطابق الثاني وما ان وصل المصعد وخرجت منه الى الطابق حتى اصطدمت بها سيدة كانت تنويالدخول الى المصعد وهي تحمل مجموعة من الاوراق.. وقالت تلك السيدة بلا مبالاة: معذرة..
واصلت السيدة طريقها الى داخل المصعد في حين استغربت وعد هذه الفوضىالحادثة بالطابق الثاني على عكس الطابق الأرضي الذي كان يتسم بالهدوء..شخص يدخل هناليخرج آخر من هناك.. وآخر يرسل أوراق الى مكتب.. ليحمل غيرها الى مكتب آخر..يبدواان هذا المكان سلسلة اعمال لا تنتهي.. ترى هل سأستطيع أن اندمج مع كل هذا..
سارتفي طريقها بهدوء باحثة عن قسم شؤون الموظفين..وهي تدلف في احد الممرات لتتجه يميناومن ثم تبحث من جديد.. وأخيرا وجدته.. دلفت الى الداخل وسألت اول من وقعت عليهعيناها: من فضلك يا سيد..انا موظفة جديدة هنا.. اريد أن اعرف في أي قسمسأعمل..
التفت اليها وتتطلع اليها للحظة قبل ان يقول: بطاقتك الشخصية وقرارتعيينك هنا من فضلك..
سلمته ما يريد فبحث في سجلات الموظفين الجدد في سرعة قبلان يقول: قسم الصفحة الرئيسية..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. ستكتب بالصفحةالاولى.. يا لي من محظوظة.. وقالت : شكرا لك..
اسرع يقول: ستجدينه بعد مكتبين منهنا..
أومأت برأسها وهي تبتعد عنه.. تطلعت الى المكاتب من حولها الى ان شاهدتالقسم الذي تحدث عنه ذلك الموظف.. دلفت الى الداخل وشاهدت ثلاث مكاتب فقط.. مكتبتجلس عليه سيدة تبدوا في الثلاثين من العمر.. وآخر يجلس عليه شاب منهمك في عمله حتىانها لا تستطيع ان تلمح وجهه.. وآخر مكتب كان خاليا .. وان توجد عليه بعض الملفاتوالأوراق المبعثرة توحي بأنه لأحدهم..
عقدت حاجبيها.. إذا أين اجلس أنا؟.. توجهت نحو السيدة لتستفسر منها الأمر قائلة: من فضلك .. انا موظفة جديدة هنا واريدان أسألك بشأن....
قاطعتها المرأة قائلة: لا شأن لي..اسألي الاستاذ (طارق)..
مطت وعد شفتيها وتوجهت الى ذلك الشاب الذي لم يرفع عينيه حتى ليرى من القادموقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: من فضلك يا سيد.. لقد وظفت حديثا في هذا القسم وأريدأن أسأل اين هو المكتب الذي سأجلس عليه حتى أباشر عملي منه..
رفع رأسه عن مجموعةمن الأوراق كان منهمكا بالعمل عليها.. وقال ببرود وهو يلتفت لها: وما شأنيأنا..
توتر شديد أصاب وعد وهي تتطلع إلى هذا الشاب.. شعرت بجفاف حلقها واضطرابفي أنفاسها ..ترى ما الذي حدث لي..طارق



أكل هذا لأنه وسيم.. لا.. أقل ما يمكن أنيقال عنه هو أنه وسيم.. انه شديد الوسامة.. وخصوصا مع عينيه العسليتين اللتانتحملان برودا لم أرى مثيلا له..وشعره البني القاتم الذي يميل الى السواد..وملامحهالرجولية التي تشعر أي شخص يراه.. بحزمه وصرامته..انتشلت نفسها من أفكارها ووجدت نفسها تقول بتوتر: ماذاتعني يا سيد؟.. اين أجلس أنا اذا؟..
عاد ليلتفت عنها ويقول: اسألي من قام بتوظيفك هنا..
عقدتحاجبيها وهي تتطلع إليه.. أيمزح.. ام انه لا يُحمل نفسه عناء الاهتمام بأحدهنا..مغرور..كان هذا هو انطباع وعد الأول عن طارق هذا..
لم تعلم ما تفعله.. وهيواقفة مكانها غير عالمة الى أي مكان تذهب..وتطلعت الى المكتب الذي يجاور مكتب طارقوالذي كان خاليا وقالت متحدثة الى طارق ببرود: حسنا.. هل يمكنني الجلوس على ذاكالمكتب ريثما أجد حلا لهذا..
لم يجبها..ولم يهتم حتى بالإجابة.. فمطت شفتيها فيحنق...اي شاب هو هذا.. أكثر برودا من الجليد نفسه..كيف يحتمله الموظفونهنا..
اتجهت لتجلس على المكتب الخالٍ..أي يوم هو هذا.. لقد كنت سعيدة بالأمس علىتوظيفي في هذا المكان.. والآن أتمنى لو وظفت في أي مكان غير هذا.. انهم حتى لايأبهون بأمر أي موظف جديد هنا..
شعرت بالملل وهي تتطلع الى ساعة معصمها بين حينوآخر.. ترى إلى متى سأظل جالسة هكذا.. ترقب الداخل والخارج..وتتطلع الى الجميع وهميعملون ما عداها هي التي جالسة دون عمل أو...
قطع أفكارها صوت نغمة هاتفهاالمحمول وهو يعلن وصول رسالة.. تنهدت وهي تخرج هاتفها المحمول من حقيبتها وتتطلعإلى تلك الرسالة المرسلة من هشام..والتي كانت تقول..(ما هي آخرالأخبار؟)..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. يظنها قد باشرت العمل الآن وتعلم بآخرأخبار العالم..لو يدرك انها لم تجد حتى مكتب لتجلس عليه ..
أرسلت له رسالةتقول..(قم بشراء الصحف..فلن اقوم بتسريب اية معلومات)..
وما ان فعلت حتى سمعتصوت أحد الأشخاص وهو يدلف الى القسم قائلا: لقد ظننت إنني قد استدعيت من قبل المديرحتى يخصم من راتبي لتأخري بالأمس.. ولكن حمد لله كان أمرا مختلفتماما..لقد...
بتر عبارته عندما لمح وعد تجلس خلف مكتبه.. وقال مبتسما وهو يلتفتلها: عفوا.. من أنت يا آنسة؟قالت في هدوء: موظفة جديدة هنا..ولا أعلم اين أجلسحتى..
اتسعت ابتسامته وهو يقول: لا عليك.. لقد تم استدعائي من قبل المدير لأجلهذا الأمر تحديدا..
قالت متسائلة: من أجل إحضار مكتب لي؟..
ضحك وقال: كلا منأجل تدريبك على العمل هنا.. وإعطائك فكرة عن المبنى..
وأردف وهو يغمز بعينه: أماعن المكتب فلا تقلقي..سأرسل احدهم في إحضار مكتب لك..
ابتسمت وقالت: شكرالك..
لوح بكفه وقال: لا داعي للشكر يا آنسة..
واردف مبتسما: مع اننياستحقه..
اتسعت ابتسامتها بالرغم منها.. فقال ذلك الشاب وهو يميل نحوها: أعرفكبنفسي..أحمد فؤاد..صحفي واكتب بالصفحة الرئيسية..
وأردف متسائلا: وماذا عنك ياآنسة.. لم تعرفيني بنفسك..
نهضت من خلف المكتب وقالت : وعد عادل.. صحفية وأكتببالصفحة الرئيسية ايضا..
مد يده مصافحا وقال مبتسما: تشرفنا..
صافحته بهدوءفأردف قائلا: هيا.. فأمامنا تدريب طويل..
أومأت برأسها وهي تلتقط حقيبتها من فوقالمكتب.. وقبل أن تغادر معه.. القت نظرة مختلسة على طارق..ذلك الشاب البارد الذياستطاع ان يجذب انتباهها له..
* * * * * *
(اعملوا بجد أكبر..لن ننتهي منموقع البناء هذا ان بقيتم متقاعسين هكذا)
قالها هشام وهو يتحدث الى العمال الذينيقومون ببناء تلك العمارة في احدى المدن الكبرى بالدولة..وأردف وهو يضع كفه عندجبينه ليحمي عينيه من الشمس: أريد الانتهاء منها قبيل الشهران القادمان..لا اريد أيتقاعس..
جاءه احد العمال وقال وهو يلتقط نفسا عميقا: سيد هشام.. نحن بحاجةللمزيد من الاسمنت..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: أخبر المسئول عن هذا الامربحاجتكم من مواد البناء..
قال العامل: لقد اخبرناه.. ولكنه يرفض..
- ولم؟
- يقول اننا نستخدم المواد بكميات كبيرة..بينما موقع البناء لا يحتاج الا لنصفهذه الكمية..
قال هشام في هدوء: سأرى الأمر وأتحدث الى المسئول بهذاالشأن..
وابتعد عن المكان ليتوجه الى سيارته..واتصل بالمسئول ليناقش معهالأمر..وما ان انتهى.. حتى أغلق هاتفه وقال بملل: يا له من شخص صعبالمراس..
اسند رأسه الى مسند المقعد وهو يعود للتفكير.. ومحور تفكيره هو شخصواحد أو فتاة واحدة على الأحرى.. وعد.. ترى ما الذي يجعلني أشعر بهذه المشاعرتجاهك؟.. ما الذي يجذبني اليك؟..بماذا تختلفين عن باقي الفتيات؟..هل هو عنادك؟.. اممرحك وحيويتك؟.. رقتك أم عصيبتك؟.. لم أعد أعلم يا وعد سوى أمر واحد فقط.. حتى وانلم تكوني تفهمينه..أو حتى تقدرينه وسترينه يوما ما..انك الوحيدة التي استطاعتامتلاك اغلى ما أملك...استطاعت امتلاك تفكيري وعقلي و...قلبي...
ولكن هيهات ياوعد.. هيهات أن أخبرك بما احمله لك من مشاعر حتى ولو انطبقت السماء علىالأرض..مادمت لا تفهمينها أو تشعرين بي حتى.. أعلم انك لا ترين أمامك سوى ابن عمفقط.. ابن عم ولا شيء آخر..ولكني سأنتظر.. سأنتظر حتى ترين حبي هذا وتبادلينه بحبأقوى منه يوما ما..
لن استسلم.. قبل أن أرى الحب يلمع في عينيك.. والهيام تعبرعنه شفتاك.. لن استسلم حتى تبادليني هذا الحب يوما.. هذا وعد أقطعه على نفسي.. ولنأخلف بوعدي هذا مهما حدث....
ترى أأنت محق فيما تقوله يا هشام..هل ستتمكن من أنتجعل وعد الصلبة والعنيدة تبادلك حبا بآخر؟..من جانبي فأنا ارى نسبة النجاح ضئيلة.. ولكن من يدري فلندع الايام هي من تحكم...
* * * * * *
كانت وعد تستمع الىأحمد باهتمام والذي كان يشرح لها طريقة استعمال الكاميرا لتصوير مختلف المناطق ومنمختلف الجهات..واختلاف الوقت أيضا.. وقال وهو يشير الى احد الأزرار بالكاميراالديجتال (digital): عندما تضغطين على هذا الزر يا آنسة وعد..سوف تقوم الكاميرابأخذ فترة معينة .. خمس ثوان مثلا..حتى تقوم بالتصوير وهذا يسمح لك بضبط وضع الصورةبطريقة افضل.. أو أن تقومي بتصوير نفسك مع ما ترغبين بتصويره..
قالت مبتسمة: هلعملي سيكون مقتصرا على التصوير؟قال مبتسما بدوره: بالتأكيد لا .. لم نطلب فيالوظيفة مصورا فوتوغرافيا..لكن تعلمين أهمية الصور مع أي خبر أو حدث..
اومأتبرأسها وقالت: بلى أعلم..فقد تجذب الصورة الشخص لقراءة الخبر بالصحيفة..
- أجلولهذا ينبغي أن تكون واضحة ومعبرة..
- أفهم هذا..
قال أحمد وكأنه لم يستمعالى عبارتها السابقة: والآن انت تعرفين بما يتعلق بالمقال الذي ستكتبينه بعد كل حدثوما يحتويه..من...
قاطعته مبتسمة وهي تكمل: من عنوان وتاريخ.. الوقت والمكان.. إضافة جميع الأمور الهامة ولكن بصورة مختصرة وغير غامضة.. أليس كذلك؟قالمبتسما: ياه.. هل كلامي سهل الحفظ إلى هذه الدرجة؟قالت وابتساماتها تتسع: بلأنا من لدي القدرة على استيعاب الحديث وحفظه في سرعة..
قال وهو يغمز لها: هذاواضح..
صمتت للحظات ومن ثم قالت: هل لي بسؤال؟
- بالتأكيد..
أدارت الأمرفي رأسها طويلا ومن ثم قالت: أتعرف الأستاذ طارق منذ فترة؟قال بحيرة: بلى منذثلاث سنوات.. لم؟قالت وهي تعقد حاجبيها: لا لشيء.. ولكني أحسسته غريب الطباع.. هادئ بشكل كبير الى درجة تجعله اقرب الى البرود.. لا يهتم بأحد ولا يفكر إلابنفسه..
قال مبتسما: معك حق في كل ما قلتيه.. ولكن أضيف الى هذا انه ذا قلب ابيضومتعاون الى ابعد الحدود.. لن يتأخر على مساعدة أي احد لو طلب منه ذلك او حتى لو لميطلب .. لكنه مع هذا صارم وحازم في تصرفاته.. تجبر الجميع على احترامه..
قالتوعد وهي تمط شفتيها: اعتقد بأنه شاب مغرور..
هز أحمد كتفيه وقال: الجميع اعتقدهذا في البداية.. ولكن صدقيني ستعرفين مع الوقت معدنه الحقيقي..
ومن ثم قال وهويتطلع الى ساعة معصمه الفضية: هيا فلنصعد الى الطابق الأعلى.. فقد انتهى تدريبكلهذا اليوم ولنا لقاء بالغد..
قالت في هدوء: أشكرك.. ومعذرة ان كنت قد تسببت فيإزعاجك..
قال مبتسما: ولو.. أنا دائما في الخدمة..
فكرة بسيطة التقطتها وعدعن أحمد.. شاب نشيط وجاد في عمله.. لكنه في الوقت ذاته يتميز بروحه المرحة التيتذيب الحواجز بينه وبين أي شخص يراه لأول مرة.. وتظن انه في الثلاثينيات من عمره أوأصغر بقليل..
وقال أحمد في تلك اللحظة مقاطعا لأفكارها وهما يستقلان المصعد: نسيت أن أخبرك.. أن طارق هو الصحفي الأكفأ تقريبا في هذه الصحيفة..
التفتت لهوقالت بدهشة: أحقا؟أومأ برأسه وقال وهو يضغط على زر الطابق الثاني: أجل.. والجميع يحاول أن يصل الى ما وصل اليه هذا الشاب الذي يلقبه الجميع هنا ب"الجليدالمتحرك"..
قالت وعد مبتسمة: حقا هو كذلك..
قال أحمد وهو يلتفت لها: صدقينيمادمت لا تعرفينه جيدا فسوف تحكمين عليه بشكل خاطئ..
هزت وعد كتفيها في لامبالاة.. ووصل المصعد في تلك اللحظة الى الطابق الثاني..فخرجت وعد منه يتبعهاأحمد.. ودلفا الى مكتب الصفحة الرئيسية..وهذا الأخير يقول: غدا سنكمل باقيالتدريبات وسأعرفك على المراحل التي يمر فيها الخبر أو الموضوع قبل نشره..
أومأتوعد برأسها.. وهي تتجه لتجلس خلف مكتبها الذي كان يتوسط مكتب أحمد وطارق بينمايقابله مكتب السيدة التي تدعى (نادية)..
والتقطت قلم حبر جاف وخطت فوق إحدىالأوراق الموجودة أمامها أول شيء خطر في ذهنها.."الجليد المتحرك".. وارتسمت ابتسامةباهتة على شفتيها..وهي تقرأ هذه العبارة مرارا وتختلس نظرات متفرقة وغير ملحوظة الىطارق..
وبغتة..انطلق رنين هاتفها المحمول.. فأسرعت ترسم خطوطا على العبارة حتىتخفيها وتمنع أي شخص من ملاحظتها.. والتقطت هاتفها لتتطلع الى الرقم قبل أن تجيبهقائلة بابتسامة واسعة: أهلا هشام..
قال هشام ببرود: ما هذا؟ أتخشين على فاتورةالهاتف لهذه الدرجة..ان كنت كذلك فسأدفع أنا قيمة فاتورة هذا الشهر..
ابتسمت وعدبمرح وقالت: لم؟.. مع إني أرحب بفكرة ان تدفع عني أنت فاتورة هذا الشهر..
قالمستاءا: ألم اطلب منك لاتصال بي وإخباري بكل ما يستجد؟..
- أجل.. وأخبرتك أناإني سأفعل ان وجدت الوقت الكافي..
- وما الشيء الهام الذي كان يشغل وقتك ويمنعكمن الاتصال بي؟..
قالت وعد مبتسمة: أنا الآن صحفية.. وهذا يعني انني سأكون علىانشغال تام.. فقد كنت أتدرب على إعداد التقارير وتصوير المناظر المختلفة...
- أحقا ؟..اذا يمكنك اعداد تقرير عن المبنى الذي وضعت الرسوم الهندسية له وأشرف علىبناءه الآن..
- كلا..لا تحرجني.. لا أريد أن أكون موضع للنقد والشتم بعد أن يسقطالمبنى..
قال هشام مبتسما: ولم كل هذا التفاؤل؟..
ضحكت وعد بخفة وقالت: حتىتعلم انني أخشى على مستقبلي المهني من....
(كفاك إزعاجاً هنا)
كانت هذهالعبارة كافية لأن تصمت وعد وترغمها على ابتلاع كلماتها التي كانت على طرف لسانهامنذ قليل..والتفتت الى مصدر الصوت لتتطلع الى ناطق العبارة السابقة.. ودُهشت..بلذُهلت عندما شاهدت انه طارق نفسه!..
وسمعت صوت هشام عبر الهاتف وهو يقول مستغرباصمتها: وعد ألا زلت على الخط؟..وعد..
انهت وعد المكالمة دون ان ترد على هشامحتى..وأغلقت الهاتف دون ادراك منها..قبل أن تلتفت الى طارق وقالت بصوت يمتلئبالدهشة: ماذا؟قال طارق بصرامة وببرود شديد في الوقت ذاته : عليك ان تعلمي انهمكان للعمل.. وليس للمحادثات الشخصية..انك تزعجيننا وتمنعينا من مواصلة العملبهدوء..
تطلعت اليه وعد ودهشتها تتفاقم من هذه اللهجة الصارمة وهذه الكلماتالقاسية التي قالها لها منذ قليل..دون ان يتحلى بقواعد الأدب في الحديث معها معانها تراه وتتحدث اليه للمرة الثانية وحسب..من يظن نفسه؟..مغرور..
وقالت وهيتنهض من خلف مكتبها: عن إذنكم..
قالتها وابتعدت خارجة من المكتب.. في حين أحسأحمد بالموقف المحرج الذي وضعت وعد فيه والذي لم يكن له أي داعي من الأساس..وقالمخاطبا طارق: لماذا تحدثت إليها بهذه الطريقة؟..
قال طارق وهو يعود للتركيز فيعمله: أي طريقة؟قال أحمد بهدوء: انها موظفة جديدة هنا.. ولم تعرف بعد الاالقليل عن هذا المكان.. فلم تكون قاسيا وتتحدث اليها هكذا..
- حتى تفهم..إنها فيمكان للعمل..ولن أسمح لأي شخص هنا بالاستهتار في عمله..
- ولكنها لم تعتد المكانبعد.. ثم لا عمل لديها بعد هذا التدريب الذي خضعت له هذا اليوم..
لم يعلق طارقبل اكتفى بنظرة باردة ألقاها على أحمد وعاد لمواصلة عمله..وهز أحمد رأسه اعتراضاوعاد لمواصلة عمله بدوره...
* * * * * *
أوقفت وعد سيارتها الحمراء الى جوارالمنزل عند الساعة الثانية ظهرا تقريبا..والابتسامة التي كانت تحملها عندما خرجت منالمنزل تحولت الى غضب وتجهم وهي تعود اليه.. دلفت الى المنزل وصعدت الى الطابقالأعلى دون أن تلقي التحية على والدتها أو والدها حتى..
وأغلقت على نفسها بابالغرفة قبل أن تستلقي على الفراش.. وتغرق بتفكير عميق..عن كل ما حدث هذا اليوم.. بدءا من بحثها عن القسم الذي ستعمل به..وانتهاءا بعودتها إلى المنزل..كل شيء كانيسير على ما يرام حتى...
حتى أحرجها ذلك المغرور أمام الجميع..
كان بإمكانه أنيخبرها بأن تنهي مكالمتها بشيء من الأدب والأخلاق لا أن يتسبب في موقف كهذا لهاأمام الجميع وكأنها قد فعلت ذلك متعمدة..وتعمدت إزعاجهم..تبا..تبا له..أي يوم هوهذا..
في البداية لا أجد حتى مكتب لأجلس عليه ثم يحرجني ذلك المغرور بقوله انه لاشأن له بالأمر..ويعود مرة أحرى ليحرجني أمام الجميع عندما كنت أتحدث بالهاتف..
الايعلم انه اليوم الأول لي بالعمل واني لم استلم وظيفتي الا منذ ساعات؟..
تقلبت على فراشها بملل.. وتذكرت بغتة أن هاتفها قد أغلقته منذ ذلك الحين.. فالتقطته منحقيبتها وقامت بفتحه لترى تلك الرسالة القصيرة المرسلة اليها..
عرفت انها من هشام قبل ان تفتحها..وقرأت كلماتها في سرعة والتي كانت تقول (سترين يا وعد.. تغلقين الهاتف في وجهي.. لا تحاولي الإنكار.. أعلم بأن البطارية لم تفرغ..)..
أي شيءتفكر فيه يا هشام..أنا أفكر في ما حدث لي وأنت تفكر في هذه الأمورالتافهة..
وحطم الصمت الذي غلف المكان منذ مدة صوت رنين الهاتف المتواصل..فمطت شفتيها وهي تطلع إلى رقم هشام الذي أخذ يضيء على شاشته..
ورمت الهاتف على الفراش وهي تقول بعناد: لن أجيبه.. أعلم بأنه سيفتح معي محاضرة لا بداية لها ولا نهاية.. ورأسي لا يكاد يحتمل كلمة أخرى بعد كل ما حدث..
وتوقف الهاتف على الرنين.. فتنهدت وعد بارتياح وما كادت تفعل حتى عاد للرنين مرة أخرى..فتطلعت إلى الهاتف باستنكار قبل أنترمي الوسادة عليه وتقول بحنق: لن أجيب.. يعني لن أجيب..

وكلما يتوقف الرنين للحظة.. يعود من جديد لدقائق..واستسلمت وعد أخيرا – مع انها لم تعتد الاستسلام- ولكن صوت الرنين المزعج هو ما دفعها لإجابته وهي تقول بصوت لا يخفي الضيق منه: أجليا هشام..ماذا تريد؟..
قال هشام بسخرية: لا شيء..سماع صوتك فقط..
قالت وعدمتحدثة الى نفسها بعصبية: (لا ينقصني إلا سخريتك أنت)
وأجابت على هشام قائلة: فليكن مادمت قد سمعته الآن.. الى اللقاء..
قال في سرعة: ما بالك ؟..هل أصابتكاصابة ما على رأسك في العمل ..حتى تفقدك عقلك؟..
قالت مستفزة: في الحقيقة.. كلا..
- اذا ماذا حدث لك اليوم؟..أخبريني لماذا لم تجيبي على اتصالاتي المتكررة؟..
قالت وعد بسخرية: لأني اضع لك في هاتفي نغمة خاصة تشير الى انك المتصل..
قال بسخرية بدوره: وهل هذه النغمة تدعو الى النوم الى هذه الدرجة حتىانك ربما تكونين قد غفوت ولم تسمعيها..
قالت وعد بسخرية لاذعة: بل انها نغمةصامتة..
قال هشام ببرود: استمعي إلي يا وعد..سؤال لن أعيده.. لماذا أغلقت هاتفكاليوم وأنا أتحدث إليك صباحا؟..
قالت هازة كتفيها وهي تعود للاستلقاء علىفراشها: أظنك قد أجبت على نفسك في تلك الرسالة القصيرة.. البطارية فرغت..
قالوهو يمط شفتيه: إياك والكذب فأنا اعرف كيف يكون وضع الهاتف عندما تنهين المكالمةبنفسك أو إذا فرغت بطاريته..
قالت بملل: هنيئا لي.. لدي ابن عم خبير بالهواتفوأنا لا أعلم.. كان الأجدر بك ان تعمل في متجر لبيع الهواتف.. فذلك يليق بك أكثرو..
قاطعها بحدة: أجيبي عن سؤالي يا وعد..
- هل هذا تهديد؟
- بلأمر..
قالت بسخرية: اذا لن أجيب..
قال هشام بغضب: وعد..تحدثي الي جيدا أواقسم على ان تندمي..
قالت بضيق: ماذا تريدني أن أقول.. أغلقته بغير قصد مني..ثمما لبثت أن أقفلته حتى لا يزعجني أحد..لأني انشغلت ببعض الأعمال..ونسيت إعادة فتحهحتى هذه اللحظة..
قال بشك: لا أصدق كلامك هذا..
- هذه مشكلتك وليست مشكلتي.. على العموم أنا متعبة وبحاجة للراحة..لذا دعني ارتح قليلا وانام. ولا تزعجنيباتصالاتك..
قال هشام ساخرا: نوما هنيئا يا سمو الأميرة..
قالت بابتسامةباهتة: أشكرك.. مع السلامة..
قالتها وأغلقت الهاتف في سرعة وقالت متحدثة الىنفسها وهي تضع الهاتف على منضدة صغيرة قريبة من فراشها : هذا أنت يا هشام لن تتغيرابدا.. ستظل تلاحقني وتلا حق كل تحركاتي خطوة بخطوة..وأنت الأعلم بمدى ضيقي بأنيُحكم الحصار حولي..تظن إن بهذا الشيء تهتم بي..لكنك على العكس تجعلني اشعر بالملل من تصرفاتك.. او بالاختناق على الأحرى...
وأغمضت عينيها بملل ونلك الكلمة تعودلترن في اذنيها..
(كفاك إزعاجا هنا)..ستندم يا هذا ... ستندم على كل ما سببته لي منإحراج..سأريك..أنت لم تعلم بعد من هي وعد..إنها كتلة من العناد والكبرياء..أقسم علىأن أجعلك تتخلى عن برودك هذا وتحترم تصرفاتك وحديثك معي..سأريك يا ايها "الجليدالمتحرك"..
واعلم إن وعد لم تخن عهدا قط....

هنا خلص البارت ولا تنسوا ردودكم الحلوة