عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-17-2010, 12:57 PM
 
*الجزء الثالث*
(هل يشعر أحد بتلك المشاعرالدفينة؟)
طرقاتخافتة على باب الغرفة.. أرغمت وعد على ان تفيق من نومها..وتفتح عينيها بتعب هي تقولبصوت لم يغب عنه آثار النوم بعد: من؟..
فتحت والدتها الباب وقالت باستغراب: وعد.. ألا تزالين نائمة؟..هيا انهضي..
قالت وعد وهي تعود لإغلاق عينيها: دعينيانم لدقائق فحسب يا أمي.. أنا متعبة..
قالت والدتها باستنكار: أتعلمين كم الساعةالآن..انه موعد العشاء..
فتحت وعد عينيها وقالت بدهشة: يا إلهي.. هل حقا نمت كلهذا الوقت؟..
قالت والدتها في سرعة: أجل..هيا أفيقي من نومك واغسلي وجهك وبعدهااتبعينا إلى العشاء..
قالت وعد بصوت ناعس: حسنا.. ها أنذا قادمة..
واعتدلت فيجلستها وارتدت خفيها لتتوجه الى دورة المياه التابعة لغرفتها..وتطلعت إلى وجههاالمليء بآثار النوم وقالت بسخرية: ها قد ظهر الوجه الحقيقي لي..
غسلت وجههابالماء البارد الذي جعل بدنها يقشعر وأحست برجفة أطرافها خصوصا بعد الدفء الذي كانيمتلكه جسدها بنومها..وأعادت تسريح شعرها وهي تحاول ترتيب خصلاته المبعثرة من اثرالنوم..وهمت بالخروج من الغرفة لولا رنين الهاتف الذي جعلها تعود أدراجها..وتقولبضيق: من هذا التافه الذي يتصل بوقت العشاء؟..
وتتطلعت الى الرقم الذي يضيء علىشاشة الهاتف قبل أن تقول وهي تبتسم بزاوية فمها: كنت أعلم انه تافه..
وأجابتقائلة في سرعة: أهلا هشام.. كيف حالك.. اتصل بي فيما بعد.. فسأذهب لأتناول العشاء.. عن اذنك .. مع السلا....
قاطعها هشام قائلا بسخريته اللاذعة: على رسلك.. هونيعلى نفسك.. أخشى ان تنقطع أنفاسك..
قالت بملل: ماذا تريد.. الا تكف عن الاتصالبي.. سوف اقوم بتغيير رقم هاتفي بسببك..
قال باستفزاز: سأتصل على هاتفالمنزل..أو هاتف والدك أو والدتك..
قالت ببرود: سأغادر البلاد حتى ارتاحمنك..
- سأتبعك حيثما تكونين..
قالت بسخط: أجل ..فلا استغرب ذلك على مجنونمثلك..
قال متحدثا الى نفسه وهو يتنهد بمرارة: ( معك حق..لقد كنت مجنونا عندماأحببت فتاة لا تشعر بي ولا تقدر مشاعري)..
قالت وعد منتزعة هشام من أفكاره: اخبرني الآن ماذا تريد؟
- جيد انك قد سألت أخيرا.. فقد كدت انسى مع كل هذهالمشادات التي تحدث بيننا كلما اتصل بك أو تتصلي بي..
وأردف بجدية: سأمر غدالأخذك بعد العمل و....
قاطعته باستنكار: ماذا؟..لا بد وانك تحلم..اياك وان تأتيوالا قمت بالبلاغ عنك عند حارسي الأمن..
قال بضيق: دعيني أكمل كلامي أولا.. فرحتريدك في أمر ما..أظن انه يتعلق باختيار أحد الفساتين من متجر ما..
قالت وهيتزفر بحدة : حسنا..هل من أمر آخر؟..
- كلا .. تصبحين على خير..
لم تستطع وعدمنع تلك الابتسامة من الارتسام على شفاتها.. فنادرا ما يكون هشام مهذبا في الحديثمعها..وقالت بابتسامة: وأنت كذلك..الى اللقاء..
قال في سرعة: وعد..
قالتمتسائلة: ماذا؟قال بحنان: اهتمي بنفسك..
قالت بملل: انا في المنزل الآن.. ليس هناك طرقا مليئة بالسيارات لأعبرها.. اطمأن..
- والاهتمام بالنفس لا يكونإلا عند عبور الشوارع.. يا لهذا الخيال الضيق..
- أشبهك في هذا..
ضحك وقال: معك حق..أتركك الآن..
- الى اللقاء..
قالتها وأغلقت الهاتف.. وسرعان ما تذكرتالعشاء فمطت شفتيها وهي ترمي بالهاتف المحمول على فراشها وتغادر الغرفة على الرغممن انها لا تشعر بالرغبة في تناول أي شيء...
* * * * *
تطلعت فرح إلى هشامالغارق في أفكاره وهو يتطلع الى الهاتف في شرود بعد أن أنهى مكالمته مع وعد..وتقدمتمنه في خفة وقالت وهي تطل برأسها فجأة أمامه وتتطلع الى الهاتف: هل يعرض هاتفكفيلماً شيقا الى هذا الحد؟..
قال هشام ساخرا وهو يضع الهاتف على الأدراجالمجاورة له: أجل..وخصوصا وهو يعرض مشهدا عن قتل شقيق لشقيقته لأنهاأزعجته..
قالت فرح مبتسمة حقا: أهذا فيلم ام هو عقلك الباطن الذي يتمنى هذاالشيء..
قال وهو يفتح أحد الأدراج: بل عقلي الواعي الذي يود فعل هذا الشيءالآن..
قالت بخبث: وماذا ذنبي أنا إن كانت وعد لا تهتم بأمرك..
تطلع إليهاببرود ومن ثم قال: من قال إنني اهتم بأمرها أساسا..
قالت بمكر: عيناك..
قالببرود وهو يستخرج الرسومات الهندسية لمبنى: أحقا؟..وماذا تقول عيناي..
- الكثيرأتود أن تسمع؟
- هيا.. كلي أذان صاغية..
تطلعت إلى عينيه بمكر شديد ومن ثمقالت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها: أولا.. انت تشعر بالضياع..
قال مبتسما: بلى.. فقد نسيت عنوان المنزل..
قالت متجاهلة عبارته: وثانيا..أنت تميل إلى فتاة ما وهيلا تبادلك المشاعر..
شعر هشام بالضيق من كلام شقيقته وكأنها تؤكد له بأن وعد لاتهتم لأمره حقا..واستطردت فرح قائلة: ثالثا.. أنت تحاول بشتى الطرق ان تجعلها تشعربحبك لها دونما فائدة..ورابعا..من تحبها هي فتاة قريبة منك وتراها دوما..
قالبضيق: من قال إني أحب وعد؟..
قالت بخبث: ومن تحدث عن وعد الآن.. أنا أتحدث عنفتاة تحبها وهي قريبة منك أو أنت تراها دوما..
قال وهو يتظاهر بالانشغالبالرسومات الهندسية التي أمامه: ووعد هي من تنطبق عليها هذه الصفات..
مالت نحوهفرح وقالت وهي تغمز بعينها: من قال ذلك.. ربما تكون احدى زميلاتك بالعمل..أو ابنةخالي..
قال هشام وهو يمط شفتيه: لا تذكريني بها.. تلك المدللة..
- المهم.. لمتقل كيف كانت قراءتي لعينيك..
في داخله كان هشام يهمس لنفسه..هل حقا مشاعريواضحة للعيان الى هذه الدرجة..ولكنه قال متحدثا الى فرح بعناد: أمنحك واحدبالمائة..
قالت وهي ترفع حاجباها: ولم الواحد؟.. لم انت كريم الى هذهالدرجة؟..
- نتيجة لجهدك وتعبك..والآن يا شقيقتي العرافة..هلاّ تركتيني لوحديحتى انتهي من هذا العمل..
قالت بضجر وهي تتوجه نحو باب الغرفة: عمل في مكتبكوعمل في المنزل وعمل عندما نسافر.. ألا ينتهي عملك هذا ابدا؟..
قال مبتسما وهويراها تغادر الغرفة: بلى.. عندما اتقاعد أو أستقيل من وظيفتي..
خرجت فرح منالغرفة وهي تقول متحدثة الى نفسها ومختلسة النظرات عبر فتحة الباب الى هشام الذييعمل بصمت: (هشام..صدقني لا فائدة من كل ما تفعله.. وعد لا تشعر بك..ولا اظنهاستشعر بك يوما.. بصريح العبارة هي ليست لك.. عليك ان تتفهم هذا الأمر..أعلم بمشاعركتجاهها.. ولكني في الوقت ذاته ادرك ان وعد لا تحمل لك سوى مشاعر الأخوة.. حاول انتقدر هذا وتتفهمه.. حاول..)
وسارت مبتعدة عن المكان وهي تشعر بالألم يعتصر قلبهاعلى شقيقها الوحيد..الذي لا يستطيع أن يتخيل أو يتقبل فكرة ان وعد قد تتزوج يوما مامن غيره..ولا أعلم – أنا نفسي- ما قد يفعله لو حدث وتزوجت وعد بشخص آخرسواه....
* * * * *
تسللت أشعة الشمس الدافئة الى كل ركن من أركان المنطقة.. معلنة بذلك صباح يوم جديد..وبداية يوم عمل جديد..ليخرج الناس من بيوتهم منطلقين الىأعمالهم في همة او نشاط او حتى كسل..
وخير دليل على هذا هو ذلك المبنى الذيتعلوه لوحة كُتبت بحروف عريضة وواضحة ..مشيرة الى انه المبنى الخاص بصحيفةالشرق..بدا ذلك المبنى وفي ذلك الوقت المبكر من الصباح في فوضى دائبة.. كما يحدثيوميا..وكأن الممرات باتت اشبه بالشوارع المزدحمة..بسبب حركة الموظفين المستمرةفيه..
وقال ذلك الشاب وهو يستند على مسند المقعد ويتنهد بحرارة: وأخيراانتهيت..
فتطلعت اليه تلك السيدة بابتسامة: احقا؟..ومن اين توفر لك هذا الوقتلانهاء ثلاثة مواضيع كاملة.. على الرغم من انك كنت تدرب تلك الصحفية الجديدةبالأمس..؟قال احمد مبتسما: لا تستهيني بي ابدا..
قالت السيدة نادية متسائلة: لم تخبرني..كيف كان تدريبك لتلك الآنسة بالامس؟هز كتفيه وقال: عادي جدا..كنتاشرح لها وهي تستمع الي بانتباه تام..
صمتت لوهلة ثم قالت: وكيف تجدها؟..افضل منالصحفية السابقة التي وكلت أيضا بالإشراف عليها..
قال وهو يعيد ترتيب أوراقه: أفضل بكثير..فالآنسة وعد لها مستقبل باهر ينتظرها بالصحافة لو استمرت على هذاالمستوى من الذكاء والجرأة والحيوية..
- يبدوا وانها قد حازت علىاعجابك..
ضحك وقال: كصحفية فقط و...
واردف وهو يتلفت حوله بمرح: ولا تنسي انيعلى وشك الارتباط فلا أريد ان تحوم حولي اية شائعات..
قالت بخبث: لكهذا..
تطلع اليها وقال بجدية مصطنعة: أستاذة نادية.. لم اعهدك تفشينالأسرار..
قالت بصوت منخفض بعض الشيء: لست انا ولكن الجدران لها آذان..
قالمازحا وهو يلتفت الى طارق المنشغل بمكالمة هاتفية بخصوص مقابلة ما: بينما الاستاذطارق لا يتمتع بأي منها..
اتسعت ابتسامة نادية وقالت: معك حق..
لم يهتم طارقبأي مما كانوا يقولونه وقال منهيا حديثه بالهاتف: حسنا اذا كما اتفقنا .. سأكونبمكتبك بالغد..الى اللقاء..
(صباح الخير جميعا..)
التفت الجميع الى مصدرالصوت والتي لم تكن صاحبته الا وعد والتي توجهت نحو مكتبها بخطوات واثقة وثابتةوالتفت اليها أحمد ليقول بهدوء:صباح الخير.. واهلا بك في هذا القسم منجديد..
ابتسمت لطريقته العفوية والمرحة في الحديث وسمعت السيدة نادية تقول فيتلك اللحظة: صباح الخير..كيف حالك يا آنسة وعد؟قالت وعد مبتسمة: بخير..وانت؟..
قالت نادية وهي تواصل عملها: كالعادة.. على ما يرام..
صمتت وعدبانتظار الشخص الثالث أن يجيب على تحيتها او حتى يشير الى انتباهه لما قالته.. ولكنه بدا أشبه بالتمثال لولا انه يتنفس وهو مستمر في قراءة خبر ما احتل احدالجرائد..وأدهشها صمته هذا وجعلها لا اراديا تلتفت اليه وتتطلع اليه بدهشة.. هل هوأصم ايضا؟..
وسمعت احمد يقول لها بصوت خفيض: لا عليك يا آنسة انه لا يجيب علىتحية أي منا..
التفتت الى احمد وقالت بضيق: ألم أقل لك انه شاب مغرور لاغير..
قال في سرعة: ابدا.. ولكنه اعتاد أو ربما رغبة منه ان يدع الجميع يظنونانه لا يهتم بهم .. ولكنه على العكس لا يقبل أي كلمة على أي من زملائه اوزميلاته..
قالت وهي تمط شفتيها: يبدوا وانه مصاب بعقدة نفسية..
قال وهو يلتقطأوراقه من على المكتب: لا تحكمي على ظواهر الأمور وتدعي بواطنها..
مطت شفتيهابملل دون أن تهتم للأمر كثيراً..وسمعت أحمد يقول وهو ينهض من خلف المكتب: سوف أذهبإلى المدير الآن.. وأعود إليك من بعدها لننهي ما بدأناه من تدريبات..
أومأتبرأسها وهي تراه يخرج من المكتب ..وظلت صامتة للحظات .. وهي بانتظار عودةأحمد..أفكار كثيرة جالت بذهنها.. تجاه طارق هذا..عن أي طيبة يتحدثون..عن أي تعاونيتكلمون..انه لا يمتلك حتى ذرة إحساس ..مجرد مغرور يرغب في أن يثير الانتباه.. اويظن انه أعلى من الجميع لذا فهو لن يهتم ويتعب نفسه بالحديث مع من هم اقل مستوى منهفي ظنه..
بارد كالثلج..جامد كتمثال من الحديد..هادئ كهدوء الليل وسكونه..غامضكغموض البحر بما يخفيه من أسرار في اعماقه..غير مبالي وكأنه وحده من يحيا في هذاالعالم..أحقا يوجد بشر في هذا العالم على هذا النحو؟؟..
انتشلها من أفكارها صوترنين هاتفها المحمول..من يكون المتصل في ساعة مبكرة كهذه في الصباح..أخرجت هاتفهاوتطلعت الى رقم فرح الذي يضيء على شاشتها..وكادت ان تجيبه ولكن....
(آنسة وعد.. هاتفك يرن..)
تطلعت وعد إلى السيدة نادية ناطقة العبارة السابقة وقالت وهي ترفعرأسها لها: أعلم..ولكني لا أريد إزعاج أحد هنا..
قالتها وهي تقوم برفض المكالمةوتلتفت الى طارق.. ولا إراديا رفع رأسه هذا الأخير بعد أن سمع ما قالته وفهم بذلكإنها تعنيه هو.. وتطلع إليها بنظرة باردة كالثلج وعاد لمواصلة عمله..وكان شيئا لميكن..
وعلى الجانب الآخر عقدت وعد حاجبيها بضيق.. أي إرادة فولاذية يملك..لميهتم حتى بالرد على ما قلته..ألا يشعر؟..بالتأكيد لا.. شخص بارد المشاعر والأحاسيسمثله كيف له أن يشعر بشيء..
وجاءها صوت أحمد لينتشلها من هذا الضيق الذي تشعر بهوقال مبتسما: ها انذا جئت..هل أنت مستعدة؟..
قالت وهي تنهض من مكانها: بالتأكيد..
قالتها وابتعدت خارجة من المكان بصحبة أحمد.. وما ان فعلت حتى ارتفعتعينا طارق بهدوء شديد عما بيده ليتطلع الى النقطة التي كانت تقف بها وعد منذلحظات...