*الجزء الخامس*
هل سيمضي الأمر على خير؟
انشغلت وعد بترتيبالموضوع الذي أنهته منذ لحظات وبتعديل الأخطاء الإملائية ..وابتسمت برضا وهي ترىالموضوع النهائي بعد التعديلات و....
( آنسة وعد..)
صوت بارد كالثلج عرفت وعدصاحبه على الفور.. ورفعت ناظريها إليه وان كانت لا تزال تشعر بالحنق من تصرفهالأخير معها..وما أثار استغرابها هو انه قد ناداها..لا بد ان أمر ما قد حدث.. اوانه يود توجيه عبارة محرجة لها..ورفعت رأسها إليه وبنظرات باردة تطلعت اليه وقالت: ماذا؟..
قال وهو يقف عند الباب: لدينا مقابلة صحفية..مع احد المسئولين.. هيا..
عقدت وعد حاجبيها باستغراب وقالت متحدثة إلى نفسها: (يقول لدينا.. بمعنىأنا وهو الذين سنقوم بتلك المقابلة الصحفية..أنا اذهب مع لوح الثلج هذا.. لابد إنأعصابي ستتحطم..قبل أن نكمل نصف الطريق فقط..)
وقال طارق ببرود اشد وهو يراها لمتبرح مكانها بعد: لا أريد أن نتأخر..أسرعي هيا..
مطت وعد شفتيها وتطلعت إليهبنظرة تقول (الم يجدوا سواك لأذهب معه؟)..
طارق الذي لم يأبه بها..مضى في طريقهبصمت وتوجه نحو المصعد ليستقله..ووعد التي تبعته بخطوات مسرعة بعض الشيء..لأنهاتعلم بأنه لن يلبث أن يغادر من المكان دون أن يبالي بأحد..ففي النهاية هو ليس سوىشخص لا يهتم إلا بنفسه..
استقلت المصعد الذي صعد به منذ لحظات وهبطا الى الطابقالأرضي مع بعض الموظفين..وخرجا من المبنى الى ان وصلا الى مواقف السيارات..رأتهيتوجه الى سيارته..ويتوقف عندها للحظات ..وحين شاهدها تتوجه الى سيارتها قال: الىاين؟..
قالت وهي تمط شفتيها: سأستقل سيارتي..
قال وعلى شفتيه شبح ابتسامةساخرة: وهل تعرفين الطريق الى حيث سنذهب؟..
قالت بتحدي: سأتبعك بسيارتي..
هزكتفيه بلا مبالاة واستقل سيارته وانطلق بها..دون ان يلقي على وعد نظرة اخرى..وعلىالجانب الآخر .. كان ما يخيف وعد ان لا تكون أهل للتحدي الذي وضعت نفسها فيه منذلحظات..وان تضيع في شوارع المدينة دون ان يكون لها العلم حتى بالمكان الذي سيذهباناليه..
والقلق كان يرسم طريقه الى وجهها وملامحها..وهي تحاول ان تتبع سيارة طارقبدقة..وكلما فصلتها عن سيارته سيارة او أخرى يزداد قلقها اضعافا..
ومضى هذاالأمر على خير.. إذ وصلا أمام شركة ضخمة للمقاولات..وأوقفت وعد سيارتها في إحدىمواقف تلك الشركة.. وهي تشعر بالانبهار من ضخامة هذه الشركة..وخرجت من سيارتهاوقالت وكأنها تتحدث الى نفسها: كبيرة جدا..
ومع ان طارق قد سمع ما قالت الى انهقال ببرود وهو يسير باتجاه المدخل: اتبعيني..
شعرت وعد بالضيق.. أيظنها سكرتيرتهالخاصة حتى تتبعه.. إنها صحفية مثلها مثله.. لا يحق له التعالي عليها..وفي عنادأسرعت تسير حتى باتت تسير إلى جواره تقريبا.. ونظراتها مليئة بالتحدي.. بينمانظراته لا تختلف عن البرود الذي تحملانه..
وصعدا بالمصعد الى الطابق الثامن..وعدكانت صامتة تتحاشى حتى النظر اليه..اما هو فقد كان يقرأ ورقة ما.. ويخط عليها بضعكلمات إضافية..استغربت وعد عمله هذا وتساءلت بداخلها..ترى ماذا يفعل..ما هذاالموضوع الغارق في قراءته..والمندمج في تعديله؟..
لم تشأ سؤاله..ووصل المصعد فيتلك اللحظة الى الطابق الثامن..فخرج طارق اولا وسار في طريقه دون ان يلتفت الىالوراء ويتأكد ان وعد تسير خلفه..وكأنه قد نسي وجودها تماما او ربمايتناسى..
توجه الى حيث مكتب السكرتيرة وقال : اود مقابلة المدير العام منفضلك..
رفعت السكرتيرة رأسها اليه وقالت: هل يوجد موعد سابق؟..
اومأ طارقبرأسه ايجابيا فقالت السكرتيرة: حسنا..ومن يود لقاءه؟..
قال طارق وهو يناولهابطاقته المهنية: طارق جلال..صحفي من صحيفة الشرق..
عقدت وعد حاجبيها وهي تستمعالى ما قاله.. انه حتى لم يذكر اسمها..وكأنها ليست موجودة معه..او ستحضر هذا اللقاءالصحفي برفقته..اي شخص هذا..
ولم تمض بضع دقائق حتى خرجت السكرتيرة من مكتبالمدير العام وقالت: تفضل يا استاذ طارق..ان المدير العام ينتظرك..
ومن ثم فتحتله باب المكتب حتى يدلف الى الداخل ومن خلفه وعد..وما ان وطئت قدما وعد المكتب..حتىرفعت حاجبيها إعجاباً بفخامة المكان..وأثاثه الراقي الذي يعكس ثراء هذه الشركة.. وشاهدت طارق يصافح المدير العام ويقول: هل نبدأ الآن يا سيد فؤاد..أم انك تودمراجعة الأسئلة أولاً..
قال السيد فواد بابتسامة دبلوماسية: كلا ابدأ الآن..لاحاجة لمراجعة الأسئلة..
وشاهدته وعد يتطلع الى تلك الورقة التي كان يخط عليهابضع كلمات قبل قليل..إذا هذه هي الأسئلة التي سيسألها للمدير العام خلال اللقاءالصحفي..
قال السيد فؤاد في تلك اللحظة وهو يشير الى الأريكة: تفضلا منفضلكما..
ثم التفت الى وعد وقال: لم تعرفني بالآنسة..
قال طارق بلامبالاة: الآنسة وعد..صحفية جديدة في صحيفة الشرق..ولا تزال تحت التمرين..
صافحها السيدفؤاد ومن ثم قال متسائلا: ماذا تفضلان ان تشربا؟..
قال طارق ببرود: نشكرككثيرا..لكننا نود انهاء عملنا أولاً..
وأردف طارق وهو يخرج من جيب سترته جهازتسجيل: أأنت مستعد يا سيد فؤاد؟..
- اجل..
ضغط طارق زر التسجيل وبدأ في طرحالأسئلة..ووعد تراقب ما يفعله.. تراقب كيفية طرحه للأسئلة..وكيف يمكنه تدارك موقفرفض السيد فؤاد للإجابة..وكيف يمكنه إقناع هذا الأخير بوجهة نظره..إذاً لهذا جاءتمعه..حتى ترى بنفسها وتفهم كيفية التصرف مع أي شخص ستقوم بعمل لقاء صحفي معه..وكيفيمكنها السيطرة على أي موقف تواجهه..
وظلت تراقب اسألة طارق المتواصلة للسيدفؤاد..ولما وجدت الأول قد صمت للحظات..قالت: سيد فؤاد..هل لي بسؤال؟..
انزعاجواستغراب هو ما كانت تعبر عنه ملامح طارق..لقاء تدخلها في اللقاء الصحفي والذي قديفسد الأمر..والتفت لها بملامح باردة ومنزعجة..لكن وعد قالت بجرأة: لقد سمعت ان بعضالموظفين في الشركة..يحصلون على رشوى من العملاء..اهذا الحديث صحيح؟..وما رأيكبه؟..
ارتفع حاجبا طارق في استغراب من حديث وعد..انها المرة الأولى التي تأتيالى هذا المكان..هذا اولاً..وثانياً كيف تمتلك الجرأة لسؤال مباشر كهذا..
في حينتطلع اليها فؤاد وقال وهو يعقد حاجبيه: من اين سمعت مثل هذا الحديث؟..
قالتبحزم: ليس المهم المصدر.. المهم هو ان كان صحيحا ام لا..
قال السيد فؤاد بثقة: بالتأكيد لا..فالعمل هنا يسير بدقة..وهناك رقابة شديدة ولا يمكن لأي من الموظفين انيستلم رشوى من أي عميل..
هنا قال طارق محاولا تغيير دفة الحديث: يقال انك ستزيدمن ارباح شركتك لهذا العام..هل صحيح ما يقال؟..وكيف؟..
أجابه فؤاد عنسؤاله..واستمر اللقاء الصحفي..ووعد لم تحاول ان تتدخل فيما بعد وآثرت لصمت..كانتتريد ان تتأكد من مقدرتها على طرح الأسئلة ومن كونها قادرة على مواجهة أي موقف توضعفيه..وايضا..وبصراحة كانت تريد ان تتحدى طارق وتريه أي فتاة هي..وان عليه ان لايقلل من شأنها بعد اليوم....
*********
(هشام..عد إلى المنزل..تبدوامرهقا)..
قالها احد الموظفين..والذي يشترك مع هشام بالمكتب ذاته..فقال هذاالأخير بابتسامة باهتة: لست كذلك..لا تحاول..لا تصلح لأن تكون طبيبا..
قال زميلهمبتسما: ومن قال إنني أفكر بمهنة الطب من الأساس..
وأردف بجدية: ولكن حقا ياهشام..أنت تبدوا متعبا وكأنك لم تنم بالأمس..
تنهد هشام..واسند رأسه الى مسندالمقعد بتعب..ان ما يقوله زميله صحيح..هو لم ينم بالأمس..وكل هذا بسبب شجاره معوعد..أحس بتأنيب الضمير لما قاله لها ..وكاد ان يتصل بها منتصف الليل ليعتذر عنتصرفه معها.. ولكن أمرين منعاه من ذلك..لم يكن يريد مضايقتها وإيقاظها مننومها..وأيضا لم يكن يريد إهدار كرامته..وهي حتى لم تكترث لما حدث..ولكنها اتصلتبه..وحاولت ان تجعله ينسى المشادة التي حصلت لهمابالأمس..و...
وعد..وعد..وعد..الا توجد فتاة في العالم غير وعد ليفكر فيها..كيفلا..وهو يحبها...لا بل يعشقها.. لقد فتح عينيه على الدنيا ليجدها الى جواره..تلعبوتضحك..تدرس وتبكي..كل هذا أمام عينيه..انه يعرف وعد أكثر من نفسه..يعرف مايغضبها..وما يفرحها..ما يحزنها..وما....
ابتسم ابتسامة مريرة وساخرة لنفسه..الآنهو يحمل نفسه ذنب انه قد تشاجر معها بالأمس..وهي لا بد انها قد نست الأمر تماما ولمتهتم إن كان يحدثها أم لا..على العكس ستشعر بالسعادة لأنها سترتاح من اتصالاتهالمتكررة لها..
خطر في رأسه بغتة أن يرسل لها رسالة قصيرة..على الأقل بديلا عنالاعتذار الذي لا يستطيع ان ينطق به..أخرج هاتفه المحمول من جيبه وكتب رسالة قصيرةلوعد تقول (أتعلمين منذ ان علمت انك تعملين بجريدة الشرق..توقفت عنشرائها)..
تردد في إرسالها..ربما يزيد النار حطبا هكذا..او ربما تتضايق منرسالته..او...
ابعد هذه الأفكار عن رأسه وأرسل الرسالة القصيرة في سرعة..قبل أنيتردد مرة أخرى ولا يرسلها..ترى استفهم وعد ما بين السطور و الاعتذار الذي أرسله معهذه الرسالة ؟؟..
**********
سار طارق ووعد خارجين من الشركة..وتلك الأخيرةكانت تشعر ببعض التعب..فتطلعت الى ساعتها وشاهدت ان موعد العمل لم ينتهي بعد..وبقيعلى انتهاءه حوالي الساعتين..تريد ان تعود الى المنزل في سرعة حتى ترتاح قليلاو...
(كيف تسألينه مثل هذا السؤال؟..)
انتبهت على طارق الذي وقف للحظاتوالتفت عليها ليسألها السؤال السابق..وتطلعت إليه للحظات للتأكد ما اذا كان منزعجمما فعلته..أم متقبل الأمر على الأقل..
لكن ملامحه كانت أكثر جمودا من أن توضحأي شيء بداخله..وقالت أخيرا وهي تهز كتفيها: خطر بذهني..وأردت ان اسأله هذاالسؤال..
قال طارق وهو يعقد حاجبيه: ومن أين علمت بأمر الرشوى تلك؟..
ابتسمتبالرغم منها وقالت: كان الأمر مجرد حيلة لا أكثر لاستدراجه في الحديث..
صمت طارقوسار مبتعدا عنها الى سيارته..وأحست بأنه على الأقل غير رافض لما فعلته..وانه قدتقبل الامر..ثم عليه ألا ينسى إنني صحفية مثلي مثله ومن حقي توجيه الأسئلة خلال أيمقابلة صحفية..
دلفت الى سيارتها وكادت ان تنطلق بها لولا ان سمعت صول نغمة وصولالرسائل بهاتفها المحمول..من سيرسل لها رسالة في هذا الوقت..بالتأكيد فرح..فهشام قدتشاجرت معه بالأمس و...
التقطت هاتفها المحمول من جيبها..وفتحت الرسالة والتيكانت من هشام..استغربت كون ان هشام قد ارسل لها رسالة وخصوصا وإنهم بالأمس فحسب قدتشاجرا..ربما يكون قد نسي الأمر..أو ما عاد يهمه..قرأت الرسالة بسرعة..ثم لم تلبثان ابتسمت..هشام هو هشام..لن يتغير ابدا..أتجيب على رسالته ام لا..أليست غاضبةمماحدث بالأمس ومن اسلوبه في الحديث معها؟..حسنا لا بأس.. هي أخطأت وهو أخطأ..لقدتعادلا اذا..فلم الغضب؟..
اتسعت ابتسامتها وهي تترسل له رسالة تقول (أفضل..)..ولم تلبث ان انطلقت بالسيارة.. في طريقها للعودة الى مبنىالصحيفة..
********
فتح عماد باب المنزل في هدوء ودلف الى الداخل..وصعد الىالطابق الأعلى حيث غرفة نومه ..دلف الى داخل غرفة النوم وخلع ربطة عنقه..وما ان فعلحتى سمع صوت طرقات على الباب..التفت الى حيث الباب ..وتوجه اليه ليفتحه قائلاً: ماالأمر اماه؟..
قالت له والدته وهي تمنحه فاتورة ما: لقد قمت بشراء فستان من متجر (رونق)..ولكنه كان بحاجة الى بعض التعديلات..لذا تركته هناك حتى استلمه اليوم..هللك ان تذهب الى هناك وتستلمه بدلا مني؟..
التقط الفاتورة منها وقال بابتسامةهادئة: بالتأكيد..
وخرج خارج الغرفة..ليتوجه نحو الطابق الأسفل ومن ثم نحوسيارته لينطلق بها..وفي ذلك الشارع المجاور للمتجر..كان هناك ازدحام للسير..وقالمستغربا: هل هناك مناسبة ما..هذا الأسبوع وأنا لا اعلم..
و بالكاد وبعد ربع ساعةتقريبا استطاع العثور على موقف لسيارته..وكاد ان يوقف سيارته به..لولا ان شاهدسيارة أخرى تهم بالدخول في الموقف ذاته..فرفع حاجبه وقال مستنكرا: أبحث عن موقفلمدة ربع ساعة..لأترك هذه السيارة تدلف اليه..هذا ما ينقصني الآن..
شاهد صاحبةالسيارة والتي لم يتبين ملامحها جيدا تشير له بأن يتراجع للوراء..حتى توقف سيارتهاهي بالموقف..فقال باستهزاء: وأيضا تظن ان لها الحق في ان توقف سيارتها في هذاالموقف..
وسمعها تطلق بوق سيارتها ليتراجع..لكنه بدوره اطلق بوق سيارته حتىتتراجع هي..رفعت تلك الفتاة حاجبيها بدهشة وقالت: إلى متى سيستمر الوضعهكذا؟..فليبتعد..أريد إيقاف سيارتي..
أطلقت بوق السيارة من جديد..ولما وجد عمادان الوضع هكذا خاطئ وخصوصا وان السيارات التي خلفه بدأ تطلق صيحات الانزعاج..قررالابتعاد والبحث عن موقف آخر..وتراجع للوراء ليواصل السير في ذاك الشارع..في حينأوقفت تلك الفتاة سيارتها بالموقف وهي تقول براحة: وأخيرا..
وعلى الجانب الآخراستغرق عماد عشر دقائق اضافية حتى عثر على الموقف..وأوقف سيارته به وقال بسخرية وهويخرج من السيارة: هذا ضريبة كوني رجلا..وشهما مع الفتيات اللاتي لايستحقن..
توجه نحو المتجر ودلف اليه..وما ان وطأت قدماه المتجر حتى رآها..نفسالفتاة التي كانت بتلك السيارة..صحيح انه لم يرى ملامحها بوضوح..ولكنه متأكد منانها هي..خصوصا مع تلك النظارة الشمسية التي ترفع بها خصلات شعرها البنيالناعم..
ابتسم بسخرية بينه وبين نفسه لهذه الصدفة الغريبة..وتوجه نحو البائعةليقول بصوت هادئ وهو يقدم اليها الفاتورة: من فضلك يا آنسة..هذه فاتورة لفستان قمنابشرائه بالأمس..وقد احتاج بعض التعديلات..هل هو جاهز؟..
التقطت البائعة الفاتورةمنه..وتطلعت اليها للحظة ومن ثم قالت: آه..أجل..لحظة واحدة فقط..سأرسل من يحظره لكمن متجر الخياطة المجاور..
أومأ عماد برأسه بهدوء..وأرسلت البائعة احد موظفيهاالى هناك..ولم ينتبه عينا تلك الفتاة التي كانت تختلس نظرات متفرقة اليه..كانتتتحدث الى نفسها قائلةانه هو..ذلك الشاب الذي رفض الابتعاد عن الموقف..ثم لم يلبثان ابتعد وترك المجال لي..انا متأكدة..)
ثم لم تلبث ان اختارت احد الفساتين وتوجهت الى حيث البائعة وقالت: كم سعر هذا الفستان يا آنسة؟..
تطلعت البائعة الىالبطاقة الصغيرة المعلقة بالفستان وقالت: مئة وأربعون قطعة نقدية..
قالت الفتاة: أعني بعد التخفيض..
أخذت البائعة بحساب المبلغ باستخدام الآلة الحاسبة ومن ثمقالت: تسعون قطعة نقدية..
قالت الفتاة وهي تخرج من محفظتها بطاقة ائتمانية: وهلتقبلون البطاقات الائتمانية؟..
قالت الموظفة في هدوء: كلا..
صمتت الفتاةللحظات ثم قالت: حسنا سأذهب وسأعود بعد دقائق..
قالتها وغادرت المتجر..في حينتقدم عماد من البائعة وقال: ألم يصل الفستان بعد؟..
قالت البائعة بابتسامة: لحظات ويصل يا سيدي..
لمح في تلك اللحظة الفستان الذي تركته الفتاة..لم يجدها فيالمتجر وعلم انها قد غادرت..لهذا التقط الفستان من على الطاولة الموجودة أمامالبائعة..وتطلع اليه..انه ينم عن ذوق جميل..يبدوا فستانا انيقا وجميلا..بالإضافةالى انه هادئ الألوان..سوف يقوم بشرائه من أجل وعد..فعيد ميلادها لم يتبق لهالكثير..
وقال متحدثا إلى البائعة: سوف أقوم بشرائه..
قالت بلامبالاة: تسعونقطعة نقدية من فضلك..
وشاهدت ذلك الموظف الذي ارسلته منذ دقائق الى محلالخياطة..وهو مقبل عليهما وفي يده كيس..التقطت البائعة الكيس من عند الموظف وقدمتهلعماد الذي اخذه وقال: شكرا..وماذا عن الآخر..
قالت بابتسامة باهتة: ان كنتتريده فسأضعه في الكيس..
أومأ برأسه وقدم لها النقود..وما كاد أن يلتقط الباقيمنها..حتى سمع صوت تلك الفتاة وهي تقول: لقد أحضرت النقود المطلوبة..هل يمكننياستلام الفستان الآن؟..
التفت عماد إليها وعلم إنها تعني بذلك الفستان الذي قامبشرائه قبل قليل.....
**************
الجميع قد غادر القسم منذ نصف الساعةإلا طارق الذي انشغل بإعداد التقرير للقاء الصحفي..وما ان انتهى حتى تنهد بهدوء ثمحمل الأوراق والملف معه ونهض من على مكتبه..استعدادا للمغادرة..
وما ان سارمبتعدا عن المكتب بضع خطوات حتى عاد أدراجه..بعد ان لمح ورقة على المكتب الخاصبوعد..عقد حاجبيه باستغراب والتقطها من على المكتب..والتهمت عيناه الكلمات في سرعة ..وما ان انتهى منه حتى قال بهدوء: جيد..
ووضعه بين أوراقه وغادر القسم بخطواتهادئة..
**********
التفت عماد على تلك الفتاة والتي ظن انها ستغادر المتجرولن تعود..وهاهي قد عادت..وهو قام بشراء الفستان الذي اختارته..ما الذي ستفعلهالآن؟..
هز كتفيه وقال بلامبالاة محدثا نفسه: (وماذا يهمني أنا؟..لم يطلب احدمنها المغادرة..)
وتوجه ليغادر المتجر..وسمع تلك الفتاة تقول باستنكار قبل انيغادره : ماذا قام بشرائه؟..
- اجل..
قالت الفتاة في سرعة: حسنا..أليس لديكفستان آخر غيره؟..
- كلا.. انه الأخير..
قالت الفتاة وهي تعقد حاجبيها: أمتأكدة؟..
أومأت البائعة برأسها ايجابيا..فتنهدت الفتاة بحنق وأسى على الفستانالذي ناسب اختيارها اخيرا بعد عشرات المحلات التي دلفت اليها ولم يعجبها أيمنها..
واستدارت مغادرة..وهنا استطاعت ان تراه..هو من قام بشرائه..ربما لو تحدثتاليه يقبل ان يتنازل عنه ويبيعني اياه..ولكن...ألا يعد هذا جرأة مني...
قالتالفتاة مبتسمة بمكر وهي تتحدث الى نفسها ومن قال اني لست كذلك؟..)
وأسرعت إلىحيث يقف عماد ونادته قائلة بصوت مرتفع بعض الشيء: لحظة واحدة من فضلك ياسيد..
التفت اليها عماد..وعقد حاجبيه بغرابة وقال: هل من شيء؟..
قالت الفتاةبارتباك وتردد: الفستان الذي قمت بشرائه..
قال وهو يتطلع الى الكيس الذي بيده: ما به؟..
قالت وهي تزفر بحدة: لقد قمت باختياره..وقررت شرائه قبلك..أليسكذلك؟..
رفع حاجباه باستنكار وقال: وبعد؟..
قالت بتردد أكبر: هو الأخير فيهذا المتجر..ولم يبقى سواه.. ومنذ مدة أبحث عن فستان كهذا..هل..هل بإمكانك بيعيإياه؟..
قال وعيناه تتسعان استنكارا: لا بد وانك تمزحين..
قالت في سرعة: استمع إلي..سأقوم بدفع مبلغ أكبر من المبلغ الذي قمت بدفعه انت لشراء هذاالفستان..ما رأيك؟..
قال مستهزئا: أتظنين إنني أفكر بفتح متجر للملابس..ام إننيمحتاج لنقودك هذه؟..
فكرت قليلا ثم قالت برجاء: انني احتاجه للغد..لم يعد لديالوفت الكافي للبحث عن آخر..
قال وهو يمط شفتيه: ليست مشكلتي..
قالت بسرعةوهي تلتفت للبائعة:حسنا انتظر قليلا..
وقالت متحدثة الى البائعة: متى ستحضرونمثل هذا الفستان مرة اخرى..
قالت البائعة في هدوء: ربما بعد اسبوع..
عادتالفتاة لتلتفت الى عماد وقالت: أتحتاجه قبل هذه الفترة يا سيد؟..
هز عماد رأسهنفيا بهدوء..فأسرعت الفتاة تقول: حسنا ما دام الأمر كذلك..سأقوم بشرائهمنك...ويمكنك ان تأتي الى هنا بعد هذا الأسبوع لتشتري آخر..
قال وهو يعقدحاجبيه: وما الذي يضطرني الى هذا؟..
هزت الفتاة رأسها وقالت: لا شيء..لكن انت لنتخسر شيئا لو تنازلت لي عنه..اما انا فسأخسر الكثير..
صمت عماد لفترة ..فقالتالفتاة برجاء: لن يضرك ان تعود الى المتجر مرة أخرى بعد اسبوع..سأقوم بشراءه منكبالمبلغ الذي تريده..
تحدث عماد أخيرة بعد دقيقة من الصمت وقال: حسنا..يمكنكأخذه..
قالت بسعادة: احقا..أشكرك كثيرا ياسيد..صدقني لن انسى جميلك هذاابدا..
قدم لها عماد الكيس بهدوء وكاد ان يغادر فقالت بسرعة: انتظر..لم أمنحكالنقود بعد..
- لا يهم..
عقدت الفتاة حاجبيها وقالت بضيق: لست معتادة ان اقبلهدايا من أشخاص لا اعرفهم.. اما ان تأخذ النقود..او تعيد أخذ الفستان..
قال عمادبسخرية: فليكن..أعطني اياه اذا..
قالت الفتاة بارتباك: اتمزح؟..
ابتسم عمادلأول مرة منذ ان حدث هذه الفتاة وقال: لا لست أمزح..
رفعت له يدها بالكيس وقالت : فليكن ..خذه..
اتسعت ابتسامته وقال: أين النقود؟..
شعرت الفتاةبالسعادة..لأنها فهمت انها كان يمزح معها لاغير..وأسرعت تقدم له المبلغ وتقولبابتسامة واسعة: لا اعلم ماذا اقول..ولكنك كنت شهما معي..اشكرك كثيرا ياسيد..
قال عماد وهو يلتفت عنها: عن اذنك..
ومضى في طريقه مغادرا المتجر..دونان يدرك انه قد ترك الأثر الكبير في نفس هذهالفتاة..
**********