المحاضرة الخامسة
وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد
تحدثنا في المحاضرة الماضية عن الحكم
" الحكم الشرعي _ الحكم العادي _ الحكم العقلي "
وأفضنا القول في الحكم الشرعي
وأن موضوعه الاحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد ..
سنتحدث اليوم باذن الله عن القسم الثاني من أقسام الحكم
وهو (كما عرفه أهل المنطق ) : إثبات أمرٍ لأمر أو نفيه عنه بواسطة التكرار .
وذلك كقولنا: النار محرقة ..
فنحن نسبنا صفة الاحراق للنار ..
لأننا جربنا على المدى الطويل أنه كلما وجدت النار وجد معها الاحراق ..
فأطلقنا هذا الحكم العادي عليها ..
فنحن أثبتنا للنار التي هي (أمر أو شيء )
لأمر آخر الذي هو الاحراق ..
بسبب التكرار وبحكم العادة ..
مثال آخر : نقول عن السكين بأنها قاطعة ..
أثبتنا لها انها تقطع الاشياء بسبب تكرار ذلك منها
ولأننا كلما حاولنا قطع شيء فيها انقطع ..
وبذلك أطلقنا عليها هذا الحكم العادي
الواجب اعتقاده في حكمنا على الاشياء
أو السكين قاطعة أو الاسبرين مسكن .. )
هو أن الله سبحانه وتعالى يخلق هذه التأثيرات ( الاحراق والقطع والتسكين ووو ... )
عند وجود الاسباب لا بها ..
فهو يمدها بكل لحظة بقوة منه ..
فنقول ونعتقد يقينا في عقولنا أن :
النار ليست محرقة بذاتها ..
وليس فيها قوة خلقها الله فيها أودعها الله فيها منذ أن خلقها أول مرة ..
بحيث لايمكن ان تنفك عنها ..
كلما وجدت النار يخلق الله تعالى الاحراق عند وجودها ..
وتخرق هذه العادة كما حدث مع سيدنا ابراهيم عليه السلام وتسمى عندئذ
فالمعجزة ( كما عرفها علماء العقيدة ) :هي خرق للعادة ..
برهانا لصدقه وصدق دعوته ..
وللعلماء في الحكم العادي ثلاث مذاهب :
( مذهب الطبيعين , مذهب المعتزلة
ومذهب أهل السنة والجماعة ..)
1- مذهب الطبيعين : يقول أصحاب هذا المذهب أن الطبيعة هي التي أوجدت هذه القوة في الاشياء
وجعلت النار محرقة .. والسكين قاطعة .. والهواء منعش .. وووو
والقائل بهذا المذهب كافر بالاجماع ..
2- مذهب الفلاسفة : يقولون أن الله خلق هذه القوة في الاشياء ..
ولكن ليس له القدرة على سلب هذه القوة منها ..
يقولون ( على طريقتهم ):" هناك تلازم عقلي بين الاسباب ومسبباتها
ولا يمكن لهذا التلازم أن تنفك أبدًا "
والتلازم العقلي : أي كلما وجدت النار لابد أن يوجد الاحراق معها ..ولايمكن أن تخرق هذه العادة لا بسبب معجزة ولا غيره
والقائل بهذا القول قد يؤدي به الى الكفر.. لأنه سينكر المعجزات ..
ومنكر المعجزات كافر بالاجماع ..
3- مذهب أهل السنة والجماعة : وهو الذي يجب على كل مسلم أن يكون عنده هذا الاعتقاد ..
أن الله يخلق القوة في كل مرة توجد فيها مسببها
في كل مرة توجد فيها النار
يخلق فيها هذا القوة العجيبة في الاحراق
ويقولون (على طريقة المتكلمين من أهل السنة ) :" هناك تلازم عادي بين الاسباب ومسبباتها يخلقها الله عندها لا بها )
أي كلما وجدت النار يخلق الله الاحراق ..
وفي كل لحظة يمدها بهذه القوة ..
ويمكن أن تخرق هذه العادة ..
وأن تتخلف هذه القوة بارادة الله سبحانه وتعالى ..
إما معجزة لنبي .. أو كرامة لولي ..
وفي هذا الصدد قال ابن عطاء الله السكندري
في حكمه العطائية :" نعمتان ما خلا كل موجود عنهما ..
نعمة الايجاد ونعمة الامداد "
وعلى هذا يجب أن تكون عقيدة المسلم في الاسباب ومسبباتها ..
الى المحاضرة الجديدة عن أخر أقسام الحكم
ربما تكون المحاضرة معقدة قليلا ..
لذلك لن أضع محاضرة جديدة حتى تنتهي الاسئلة
العيب ليس في السؤال .. وانما العيب في الجهل
~~