07-24-2010, 12:49 PM
|
|
*الجزء الثامن عشر*
(لم خطت تلك الكلمات؟)
تطلعت وعد الى الصور التي بين يديها ومن ثم قالت متسائلة وكأنها تحدث نفسها: أي الصور اضع للموضوع؟..جميعها تبدوا جيدة..
التفت لها أحمد وقال وهو يمد يده لها: دعيني اراهم..
قدمت له الصور فأخذ يتطلع لهم.. ومن ثم قال وهو يصدر من بين شفتيه صوتا اشبه بالهمهمة: اعتقد ان هاتين الصورتين مناسيتين للموضوع..
التقطت منه الصورتين الذي يقصدهما بحديثه ومن ثم قالت: تبدوان جيدتان ولكني اظن ان الموضوع بحاجة الى صور تعبر اكثر عن فخامة ذلك المكتب..
قال طارق بغتة وقد انتبه لحديثهم: دعيني ارى كل الصور التي بحوزتك..
عادت لتجمع الصور من جديد مع بعضها وتسلمها لطارق.. الذي تطلع الى الصور باهتمام ومن ثم قال بعد تفكير: هذه غير مناسبة كثيرا.. الموضوع يحتاج الى صور تشمل أكثر المناطق بالمكتب وتدل على فخامته المبالغ فيها في الوقت ذاته..
ثم توقف عند احدى الصور.. وقال وهو يشير الى الصورة بقلمه: كهذه الصورة تماما..
تطلعت الى الصورة وقالت وهي تبتسم: هذه الصورة الاخيرة التي قمت بتصويرها والتي كدت ان تمنعني من ان احصل عليها..
قال بهدوء وهو يعيد لها الصورة : حسنا خذي الموضوع الذي قمت بكتابته بالاضافة الى هذه الصورة .. للطبع..
اومأت برأسها وقالت: حسنا ها انذا ذاهبة..وشكرا لك على المساعدة على اية حال..
ونهضت من خلف مكتبها لتغادر القسم بخطوات هادئة..وما ان تأكد أحمد من ابتعادها حتى قال: ما هذا التطور؟..
رفع له طارق عينيه وقال بعدم اهتمام: قل ما تعني علىالفور ولا داعي للمقدمات..
قال احمد وهو يغمز بعينه: اعني علاقتك بوعد بالتأكيد..لقد تطورت كثيرا حتىانك اصبحت تعرض المساعدة عليها دون ان تطلبها هي..
قال طارق وهو يهز كتفيه: ذلك لانها جديدة هنا.. وقد رغبت في مساعدتها لا اكثر..
قال احمد بخبث: حقا؟..هل هي مجرد مساعدة بالفعل؟..
قال طارق بضيق: كف عن مثل هذه الافكار.. انها مجرد صحفية هنا لا اكثر ولا اقل..
قال أحمد وهو يغمز بعينه: اعلم انها مجرد صحفية هنا وها هي ذي ترافقك اينما تذهب في كل لقاءاتك الصحفية تقريبا ..ماذا تريد اكثر من ذلك؟..
قال طارق ببرود: ان تصمت..
قال احمد مبتسما: ما بك؟..ليس الحب عيباً او ممنوعاً.. تستطيع ان تتحدث بحرية وتعبر عن مشاعرك..
قال طارق ببرود اشد وهو يعود لمراجعة الورقة التي بين يديه: اما ان تصمت او تصل عبر النافذة الى مواقف السيارات مباشرة..
ضحك أحمد بمرح وقال: منذ متى تمزح هكذا يا طارق.. يبدوا ان الآنسة وعد لها تأثير السحر عليك..
رفع طارق عينيه الى احمد وقال بحنق: أحمد.. لا اريد ان تنشر مثل هذه الاشاعات في المبنى باكمله..
غمز احمد بعينه وقال بابتسامة واسعة: أواثق انها مجرد اشاعات؟..
قال طارق بملل: يبدوا انك بالامس لم تنم جيدا..وان النعاس يؤثر على تفكيرك كثيرا..
قال احمد بخبث: بل انت الذي لم تنم بالامس.. هذا يبدوا واضحا من ملامح وجهك..
قال طارق دون ان يرفع رأسه اليه: كلا ..فلقد استغرقت في التوم بالامس.. ولكني اشعر اني متعب قليلا..
قال احمد باهتمام: هل انت على مايرام؟.. اتود العودة الى المنزل لترتاح؟..
( من هو الذي ليس على ما يرام؟..)
التفت أحمد الى وعد التي دلفت للتو الى القسم ونطقت عبارتها السابقة.. وهم بقول شيء ما.. ولكن طارق قال في تلك اللحظة: ماذا حدث بشأن موضوعك؟..
ابتسمت وعد بسرور وقالت وهي تجلس خلف مكتبها: سيتم نشره في جريدة اليوم..
قال طارق بابتسامة: اتوقع ان يحظى باهتمام كبير من القراء..
التفتت له وعد وقالت مبتسمة: اتمنى هذا.. فعندها ربما اكون صحفية حقيقية بينكم أخيرا..
ساد الصمت المكان للحظات ومن ثم عادت وعد لتلتفت الى أحمد وقالت: صحيح.. لم تخبرني من الذي ليس على ما يرام..
اجابها احمد قائلا وهو يشير بقلمه الى طارق: انه طارق..
خفق قلبها في عنف والتفتت الى طارق بحدة وقالت: أحقا؟..ماذا بك؟..
قال طارق ببرود: لو لم اكن على ما يرام لما جئت اليوم الى الصحيفة .. ولكني اشعر ببعض الارهاق لا اكثر.. فلا تهولوا الموضوع..
تطلعت اليه وعد لفترة.. وانتبهت في هذه اللحظة فقط الى شحوب وجهه.. فقالت وهي تزدرد لعابها: ولكنك حقا لست على ما يرام.. انه ليس ارهاقا.. انت تعاني مرضا ما..أليس كذلك؟..
- لا ليس كذلك..وارجوك اغلقي هذا الموضوع لأني اريد ان امارس عملي بهدوء..
هزت وعد رأسها في نفاذ صبر.. فقال لها أحمد: دعيه هو هكذا دائما.. يشارك آلام الآخرين دائما.. ويرفض ان يشاركه أحد آلامه هو ولو لمرة..
ربما كانت هذه العبارة قد زادت من اعجاب وعد لطارق اضعافا.. حقا انها تراه الآن بصورة مختلفة.. لا يبدوا مغرورا او حتى يقلل من شأن الآخرين على الع**.. لقد ساعدها مرارا وساعد غيرها من الزملاء ايضا بالاضافة الى انه يبدوا في قمة التواضع..
كيف كنت اظن به ذلك من قبل؟..الأني لم اعرفه بعد ..ام لأني كنت اغضب من تجاهله وبروده لي وفي تصرفاته معي؟.. هل هو حقا فارس احلامي الذي تمنيته؟..اليس هذا من كنت اكرهه.. كيف تتغير مشاعري تجاهه هكذا الآن.. ثم ماذا عن مايا؟.. من هي؟.. ومادورها في حياته؟.. لقد اخبرني بكل صراحة انه احبها..ومن يحب لا ينسى ابدا.. هذا اذا كانت قد ابتعدت عنه كما اتوقع..كيف افكر في شخص يحب فتاة اخرى وسيظل يحبها الى الابد؟..لكن لم يخبرني بهذه القصة اذا؟.. لابد من وجود سببا ما و....
(أليس لديك عمل تقومين به الآن؟)
نطق طارق هذه العبارة متحدثا الى وعد التي تنبهت من شرودها وقالت نفيا: لا..لم؟..
قال طارق ببرود: لانك لا تفعلين شيء سوى التحديق بي..
اتسعت عينا وعد في دهشة وهي تشعر بالضيق من كلماته وبالغضب من جرأته.. كيف يجرؤ على قول مثل هذا لي؟..انا احدق به هو؟.. من يظن نفسه هذا المغرور؟ ..وقالت مصطنعة اللامبالاة: ومن قال اني كنت احدق بك؟ ..لقد كنت شاردة الذهن ليس الا..ولم انتبه الى أي شيء انظر..
قال طارق بنظرة لامبالية: انتبهي في المرة القادمة اذا..
تطلعت اليه وعد بضيق شديد.. ماذا حدث له فجأة؟.. لقد كان جيدا في تعامله معي.. بل كان مهذبا جدا كذلك .. لقد ظننت ان معاملته لي قد اختلفت وانه قد بات يعاملني كزميلة له في العمل على الاقل..ما الذي اختلف الآن؟ ..والتفتت عنه في ضيق.. وهي تمارس أي عمل..فقط لتشغل ذهنها عن طارق..
ومن جانب آخر كان طارق يشعر بالندم لما قاله.. لم قال ذلك؟؟..ما ذنبها هي ليفرغ ضيقه فيها؟..ما ذنبها هي ان كان احمد قد لاحظ اهتمامه بها؟..اكان يريد بفعله هذا ان يثبت لأحمد الع**..هل بات الاعجاب او الاهتمام بشخص ما جريمة هذه الايام؟.. ياله من احمق.. ما فعله طوال اسبوع كامل ليصلح العلاقة بينه وبين وعد تلاشى فجأة امام لحظة عصبية وضيق منه..
استغرق في التفكير وهو يختلس النظرات لها.. وابتسم لا شعوريا.. تبدوا في منتهى البراءة وهي مستغرقة في الكتابة .. تبدوا وكأنها قد عادت طفلة بحركاتها العفوية.. حتى طريقة تفكيرها بوضع سبابتها اسفل ذقنها.. تبدوا غريبة ومميزة في الوقت ذاته .. ترى لماذا انشد تفكيره لها؟ ..المجرد انها تشبه مايا؟..ولكن انقضى زمن طويل الآن.. فهل لا يزال حب مايا محفورا في قلبي؟.. احيانا حينما انظر الى وعد اشعر ان مايا هي من تقف امامي.. ولكن في اغلب الاحيان لا ارى امامي سوى وعد.. ووعد فقط..
وهم بقول شيء ما.. لولا ان التفتت له وعد وقالت بسخرية: أليس لديك عمل تقوم به سوى التحديق بي؟..
ولدهشتها رأته يبتسم بهدوء ويقول: حسنا انا آسف.. لقد انتصرتِ..
طلعت اليه وعد بدهشة وقالت بحيرة: أبكل هذه البساطة تقولها؟.. لقد توقعت ان ادخل معك متاهات في الحديث لا تنتهي..
لوح طارق بكفه وقال وهو لا يزال يحتفظ بابتسامته: لا داعي للمتاهات بعد الآن.. لقد كنت فظا معك حقا.. لذا انا اعتذر..
ابتسمت وعد ابتسامة مرتبكة بعض الشيء وقالت: هكذا تجبرني انا ايضا على الاعتذار عما قلته قبل لحظات..
- لا داعي لذلك ابدا..
وعاد لواصلة عمله في حين ابتسمت وعد ابتسامة تدل على سرورها واستغرابها في الوقت ذاته.. انه يملك اغرب شخصية رأتها حقا.. متقلب الى ابعد الحدود.. فأحيانا تراه باردا وهادئا.. واحيانا اخرى قاسيا..وتراه كذلك بشخصية ع** هذه تماما.. فيتحول الى شخص متفاؤل.. مبتسم..مهذب.. مرح ويتعاون مع الجميع بكل جهده ..حقا اريد ان اعرف ماذا تخفي خلف قناعك هذا.. واي الشخصيتين هو أنت؟..
استغرقت في شرودها وهي تعمل حتى انها لم تنتبه الى ذلك المراسل الذي طرق باب القسم بهدوء ومن ثم قال: الآنسة وعد.. المدير يطلب رؤيتك..
انتبه أحمد الىشرود وعد والى انها لم تنتبه الى ماقاله المراسل فالتفت الى وعد وقال: آنسة وعد..
انتبهت له وعد والتفتت اليه قائلة: ماذا؟..
قال وهو يشير الى المراسل: ان المدير يطلبك..
قالت باستغراب: انا؟ ولم؟..
قال المراسل وهو يهز كتفيه: لست اعلم.. بامكانك توجيه سؤالك الى المدير..
اومأت وعد برأسها وقالت: حسنا.. ها انذا قادمة..
واسرعت تنهض من خلف مكتبها لتخرج من القسم..وهي تشعر بالغرابة من استدعاء المدير لها.. في حين استمر الجميع في اداء اعمالهم وبعد مضي ربع الساعة تقريبا.. سمع الجميع صوت طرقات على الباب مجددا.. فرفع طارق رأسه وسمع احد الموظفين يقول: اين هي الآنسة وعد؟..
اجابه احمد قائلا: لقد ذهبت الى المدير منذ قليل ..
قال الموظف بتساؤل: ولكننا بحاجة الى صورة اخرى لموضوعها..ماذا نفعل الآن؟..
قال أحمد متحدثا الى طارق: طارق ..أعطه صورة اخرى..لقد وضعت الآنسة وعد الصور في درجها..
قال طارق بهدوء: ولم لا تمنحه انت ما يريد؟..ان المكتب اقرب اليك مني..
قال أحمد في سرعة: انت تعلم ما يناسب الموضوع اكثر مني..
نهض طارق من خلف مكتبه وتوجه الى حيث مكتب وعد وقال متسائلا: في أي درج هم؟..
- لست اعلم..
فتح طارق الدرج الاول فلم يجد فيه غير عدد من الاوراق والمجلات.. فعاد ليفتح الدرج الثاني وعثر فيه على مظروف يحوي الصور.. فتطلع الى الصور باهتمام قبل ان يمنح احمد احدى الصور ويقول: امنحه هذه..
تسلم احمد الصورة ومنحها للموظف الذي غادر من فوره على عجل..حتى لا يتسبب في تأخير طبع الجريدة..في حين اعاد طارق المظروف الى الدرج وكاد ان يغلقه لولا ان لفت انتباهه ورقة ما.. كانت مطوية بشكل يوحي انها مرمية عن عمد وانه لا حاجة لها..شعر بالفضول لمعرفة ما تحويه هذه الورقة المرمية باهمال في هذا الدرج..ولكنه شعر بأن ذلك تعدي على خصوصيات الغير..بالاضافة الى انه لا شأن له بوعد.. وسيعد موقفه سخيفا تجاهها لو علمت بقراءته للورقة الخاصة بها..
ولكن.. يبدوا انها لا تهتم لامر هذه الورقة فهي قد قامت برميها باهمال شديد دون ان تكترث لها..بالاضافة الى انه ربما تكون هذه الورقة تحوي موضوعا جيدا **ابقه الذي رفضت نشره وتركته مهمل على مكتبها..
الفضول بالاضافة الى رغبة ما في داخله تحرضه الى قراءة الورقة.. وتبريره ان هذه الورقة تحوي موضوعا ما.. كل هذه العوامل مجتمعة دفعته الى التقاط تلك الورقة من الدرج..ووضعها في جيب سترته.. ومن ثم يغلق الدرج.. ليعود مرة اخرى للجلوس خلف مكتبه..وذهنه منشغل بأمر هذه الورقة...
*********
توقف عماد بجوار سيارته وهو يشعر بشوق ولهفة شديدين.. وتطلع الى ساعته للمرة العاشرة في ترقب منتظرا خروج ليلى من الشركة..الى الآن لا يعلم كيف سيواجهها ..وكيف سيتحدث لها ..وعن ماذا سيخبرها..لكنه سيترك كل هذا الى حينه.. فربما يحدث ما لا يتصوره.. ويكون لقاءهما بمثابة وسيلة ليبوح لها بالقليل على الاقل بما يشعر به تجاهها..
مرت ربع ساعة تقريبا وهو ينتظرها دون ان تخرج.. ترى اين هي؟..هل لا تزال تعمل الى الآن؟..ولم تأخرت ربع الساعة تقريبا؟..عاد ونظر الى مدخل الشركة.. وقرر ان يذهب لها ليعلم سبب تأخرها..
دلف الى الشركة وتوجه الى قسم المصاعد وهناك استقل المصعد الى الطابق الثاني حيث القسم الذي تعمل به ليلى.. وتردد قليلا قبل ان يخرج من المصعد..ماذا سيقول لها عندما تسأله عن سبب مجيئه لها بالقسم؟.. لا ليست هذه هي المشكلة.. انما المشكلة تكمن في نظرة الموظفين له او لها لو شاهدوه يحضر الى القسم من اجل موظفة تعمل عنده.. لا يخشى من شيء اكثر من ان يتحدثوا عن ليلى بسوء او يختلقوا الاشاعات.. ويظنوا ان توظيفها هنا كان بسبب معرفته بها..
لكنه برغم كل هذا اكمل سيره.. سوف يتعلل بأي شيء لو شاهد احد الموظفين بالقسم الذي تعمل به.. ثم ان الوقت قد تأخر بعض الشيء وأغلب الموظفين قد غادروا المكان..
وصل اخيرا الى القسم الذي تعمل به فطرق الباب المفتوح بخفوت.. قبل ان يتطلع الى كل زاوية بالقسم بحثا عن ليلى.. ووجدها تجلس وحيدة فيه خلف مكتبها وهي منشغلة بقراءة احد الملفات ومراجعته باهتمام.. ويبدوا انها لم تنتبه لطرقاته بسبب انشغالها.. فتوجه بهدوء لها وقال بخفوت حتى لا يزعجها: ليلى.. لماذا لم تغادري الى الآن؟..
وعلى الرغم من خفوت صوته الى انها انتفضت بحدة ورفعت رأسها اليه وقالت بارتباك: متى جئت؟..وكيف دخلت الى هنا؟..
ابتسم عماد وقال بمرح: أهذا ما يقلقك بالأمر.. حسنا .. متى جئت ..قبل دقائق..وكيف دخلت ..عن طريق الباب..
ابتسمت ليلى بالرغم منها وقالت: اعني لم جئت؟..
قال عماد وهو يهز كتفيه: لقد تأخرت فقلقت عليك.. وجئت لأعلم ما سبب تأخرك هذا..خصوصا ونحن متفقان على ان تقبلي دعوتي اليوم بعد انتهاء العمل..
قالت ليلى وهي تتنهد وترجع رأسها لمسند المقعد: هلا عذرتني من فضلك.. فلازال لدي عمل لم انتهي منه الى الآن.. واعدك بقبول دعوتك في يوم آخر..
جذب له مقعدا ليجلس عليه ومن ثم قال: وهل ستظلين طوال الوقت بالمكتب تعملين؟..
قالت وهي تهز كتفيها دلالة على الاستسلام: ما باليد حيلة..
قال بابتسامة واسعة: الا تحتاجين لمن يسليك؟..لابد انك ستشعرين بالضجر لوحدك..
تلعثمت ليلى وقالت وهي تشعر بالخجل: كلا شكرا لك.. يمكنك الانصراف..لا اريد ازعاجك معي..
قال عماد متسائلا: كم ملف ظل لك ولم تنهيه بعد؟..
قالت ليلى بحيرة: ربما ملفان .. لم؟..
- اذا سأنتظرك..
تطلعت له بدهشة ومن ثم قالت وهي غير مستوعبة لما يقول: ستنتظرني؟..اتعني ما تقول؟..
وضع كفيه خلف رأسه واسند رأسه لمسند المقعد ليقول: ولم لا؟..
قالت ليلى متلعثمة: ولكني سأأخرك عن اعمالك؟..
قال وابتسامة تتراقص على شفتيه: اية أعمال.. لقد انهيت عملي وكنت سأذهب معك الى احد المطاعم كما اخبرتك هذا الصباح..لولا ان انشغلت بهذا العمل..
قالت معترضة: ولكن لا يمكنني ان ادعك تبق...
قال عماد مقاطعا وهو يتطلع لها بطرف عينيه: انهي اعمالك سريعا وكفي عن حديثك هذا.. والا ارغمتني على البقاء معك لوقت اطول طوال فترة عملك..
تطلعت اليه مستغربة.. فضحك وقال: انا امزح.. لكن اسرعي بانهاء اعمالك حتى يتاح لنا وقت اكبر لنظل سويا..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها خجلا: الا ترى انك تفعل الكثير لأجلي؟..وانا لا استحق أي شيء مما تفعله لي..
- بل اشعر انني مقصر كثيرا في حقك واتمنى لو استطيع فعل المزيد..
قالها وابتسم بحنان وهو يتطلع لها..في حين ارتجف جسد ليلى وهي تتطلع الى نظراته لها.. والى ابتسامته الحانية التي يحملها على شفتيه..وعادت لتواصل عملها.. ولكن بارتباك شديد هذه المرة.. فعقلها لم يكن معها..بل كان مع عماد...
ترى هل ما اشعر به الآن هو ما يطلقون عليه اسم الحب يا ترى؟..
*********
شعر هشام بالغضب.. لا.. الغضب يعد امرا بسيطا على ما كان يشعر به لحظتها.. كان كالقنبلة الموقوتة.. المستعدة للانفجار في أي لحظة لو لامسها احدهم ..أخذ يذرع موقع البناء جيئة وذهابا.. حتى ان اغلب العمال لم يسلموا من غضبه هذا.. فكان يصرخ على هذا لاتفه الاسباب ..ويعنف ذاك لمجرد خطأ بسيط..حتى انهم شعروا ان هذا المهندس الذي امامهم ليس هشام بل شخص يشبهه..ليس هشام الذي اعتادوا على طيبته وهدوءه وصبره..
لكن ما كان يشعر به هشام لحظتها يفوق حدود صبره واحتماله.. او حتى ان يبقى هادئا.. وعد..اجل وعد.. انها لم تفكر حتى بالاتصال به او حتى معرفة ان كان بخير او لا يزال على قيد الحياة منذ ثلاثة ايام من ذلك اليوم المشئوم.. هل تكرهه ام لا ترغب في ان تواجهه ام ان لا شيء يدعوها للاتصال به.. ايفعل هو؟.. لا .. يكفيه ما هدره من كرامة من اجلها.. انها لا تستحق.. على الرغم من كل ما منحها اياه من حب وحنان واهتمام الا انها رفضت كل هذا.. وواجهته بالحقيقة المرة وانه ليس سوى أخ في حياتها ..كيف يمكنه احتمال كل هذا.. اخبروه بالله عليكم..هل يستطيع احدكم احتمال ان يرى محبوبته امام ناظريه ترفضه وتجرحه وتحطم قلبه؟.. هل يستطيع احدكم احتمال مثل هذا.. هل يستطيع؟..
والأسوأ من كل هذا انها ابنة عمه.. أي له ارتباط بها على الرغم من كل شيء.. سيضطر لرؤيتها..وسيموت اكثر.. كلما شاهد نظراتها التي لا تحمل سوى الاخوة له..ماذا يفعل؟.. ما الذي يستطيع ان يفعل لفتاة مثلها؟..على الاقل حتى تشعر به.. او تشعر بكل ما يعانيه لاجلها..
تطلع حوله بهدوء مراقبا عمل عمال البناء.. ولمح احدهم قد سقطت منه النافذة الزجاجية عن طريق الخطأ.. فقال العامل في سرعة وارتباك: معذرة يا سيد هشام.. لقد سقطت مني عنوة..
استغرب هشام من العامل.. لاول مرة يشعر ان احدهم يخشاه .. وهو يكره مجرد الشعور بمثل هذا وانه قد بات قاسيا في تصرفاته الى الحد الذي يجعل الغير يهابه.. فتوجه الى النافذة الزجاجية وساعد العامل على حملها وقال بابتسامة شاحبة: لا داعي للاعتذار فكلنا يمكن ان نكون في الموقف ذاته..
شاهد العامل يتطلع له بحيرة.. ومن ثم يومئ برأسه شاكرا ويبتعد عن هشام.. الذي قال محدثا نفسه: ( كل هذا بسببك يا وعد.. الى اين ستوصليني بما فعلته بي؟.. لا استغرب ان اصبت بالجنون او فكرت بالانتحار مستقبلا بسببك.. لن استغرب ذلك مطلقا.. لقد انتهى هشام يا وعد.. لقد مات.. وانت من قتله يا وعد.. لا تنسي ذلك ابدا..)
************
فلنعد بالزمن للوراء قليلا فقبل ساعتين تقريبا وقي مبنى الصحيفة .. وبعد ربع ساعة من مغادرة وعد للقسم..تنهد طارق بهدوء وهو يدخل كفه في جيبه ويتحسس تلك الورقة التي التقطها من درج وعد.. وعد لم تعد حتى الآن من بعد ان استدعاها المدير .. وهو لا يزال يشعر بخطأ فعلته فهل يعيد الورقة الى مكانها؟.. ربما تشعر وعد بأنه قد أخذها ..او...
اسرع يبعد تلك الافكار عن رأسه ويخرج الورقة من جيبه ويفضها ببطء..ليقرأ ما نحويه.. واتسعت عيناه بدهشة وذهول وهو يقرأ ما كتب..مجرد كلمات كان لها الاثر الكبير والعميق في نفسه.. ان هذه الخاطرة تتحدث عنه لاشك في هذا..(هل تذكرون تلك الخاطرة التي كتبتها وعد عن طارق بأحد الاجزاء السابقة عندما شعرت بغرابته..والتي رمتها باهمال في احد ادراجها بعد ان احست بسخف ما كتبته..لمن لا يذكر يستطيع مراجعة الاجزاء السابقة..)..المهم الآن ان طارق يكاد يقسم ان كل كلمة تعنيه في هذه الخاطرة.. فهل كتبتها وعد عنه حقا؟..ولم فعلت؟..
وجد نفسه يبتسم ابتسامة تحمل ما بين السعادة والحنان.. ويعيد تلك الورقة الى جيبه.. ان وعد تفكر بي كما افكر بها انا.. انها مهتمة لامري.. كما مهتم انا لأمرها.. لم يعد هناك مجالا للشك في ذلك..ولكن كيف ابدأ معها؟.. ثم انها لم تعلم تتمة حكاية مع مايا.. ربما اذا علمت بتتمتها تغير رأيها عني ولا تلتفت لي بعد الآن..ستعلم يقينا ان مايا لا تزال في عقلي وربما قلبي كذلك و...
ولكن لا.. مايا هي الماضي.. ووعد هي الحاضر ..سأخبرها بكل شيءعن مايا كما قررت مسبقا لاعلم برأيها النهائي عني .. ولتعلم انني لم احاول اخفاء أي امر عنها ..وانها قد باتت انسانة مهمة في حياتي...
************ |