الموضوع
:
التراث ليس رأس مقمّلة ولا جسدا به براغيث !!!!
عرض مشاركة واحدة
#
2
07-28-2010, 02:16 PM
د/محمدعبدالغنى حسن حجر
(الردود على الشبهات)
(1)- من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي مجلة
الازهر
شيهة
الناسخ
والمنسوخ
والرد
عليها
:-
بسم الله
الرحمن الرحيم
..
يقول الله تعالى في سورة البقرة
:
(مَا نَنسَخْ مِن آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَم ْأَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ)
النسخ فى اللغة هو الإزالة والمحو ، يقال: نسخت
الشمسُ الظلَّ ، يعنى أزالته ومحته ، وأحلت الضوء محله
.
ثم تطورت هذه الدلالة
فأصبح النسخ يطلق على الكتابة ، سواء كانت نقلاً عن مكتوب ، أو ابتدأها الكاتب بلا
نقل
.
والنُّساخ أوالوراقون هم جماعة من محترفى الكتابة كانوا ينسخون
كتب العلماء (ينقلون ما كتب فيها فى أوراق جديدة فى عدة نسخ ، مثل طبع الكتب الآن.أما النسخ فى الشرع فله
عدة تعريفات أو ضوابط ،
يمكن التعبير عنها بالعبارة الآتية
:
"
النسخ هو وقْفُ
العمل بِِحُكْمٍٍ أَفَادَه
نص شرعى سابق من القرآن أو من السنة ، وإحلال حكم آخر
محله أفاده نص شرعى آخر
لاحق من الكتاب أو السنة ، لِحكمة قصدها الشرع ، مع صحة
العمل بحكم النص السابق ،
قبل ورود النص اللاحق ، والنسخ موجود بقلة فى القرآن الكريم
،مثل نسخ حبس الزانيات فى
البيوت حتى الموت ، وإحلال الحكم بالجلد مائة ، والرجم
حتىالموت محل ذلك الحبس
،
النسخ و وروده فى القرآن ، على أن القرآن ليس وحياً
من عند الله. ونذكر هنا
عبارة لهم صوَّروا فيها هذه الشبهة
:
"
القرآن وحده من
دون سائر الكتب الدينية ،
يتميز بوجود
الناسخ
والمنسوخ
فيه ، مع أن كلام الله الحقيقى لا يجوز فيه
الناسخ
والمنسوخ
؛ لأن
الناسخ
والمنسوخ
فى كلام الله هو ضد حكمته وصدقه وعلمه ، فالإنسان القصير النظر هو الذى يضع قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب
ما يبدو له من أحوال
وظروف
.
لكن
الله يعلم بكل شئ قبل حدوثه. فكيف يقال إن الله يغير
كلامه ويبدله وينسخه
ويزيله ؟وليس الله إنساناً فيكذب ، ولا ابن إنسان فيندم
؟
!
*
الرد على هذه الشبهة
:
نحن لا ننكر أن فى
القرآن نسخاً ، فالنسخ موجود فى القرآن بين ندرة من الآيات ، وبعض العلماء المسلمين يحصرها
فيما يقل عن أصابع اليد الواحدة، وبعضهم ينفى نفياً قاطعاً ورود النسخ فى القرآن
.
أما جمهور الفقهاء ،وعلماء الأصول فيقرونه بلا حرج ، وقد خصصوا للنسخ
فصولاً مسهبة فى مؤلفاتهم فى أصول الفقه ، قل من لم يذكره منهم قدماء ومحدثين. والذى ننكره كذلك أن يكون
وجود النسخ فى القرآن
عيباً أو قدحاً فى كونه كتاباً منزلاً من عند الله. ذلك ظن الذين كفروا
،فويل للذين كفروا من
النار
.
إن
الناسخ
والمنسوخ
فى القرآن ، كان إحدى السمات التربوية والتشريعية ، فى فترة نزول القرآن ، الذى ظل يربى الأمة ،
وينتقل بها من طور إلى طور
، وفق إرادة الله الحكيم ، الذى يعلم المفسد من المصلح ، وهو
العزيز الحكيم
.
أما
ما ذكرتموه من آيات القرآن ، ساخرين من مبدأ
الناسخ
والمنسوخ
فيه فتعالوا اسمعوا
الآيات التى ذكرتموها فى جداول المنسوخ والناسخ وهى قسمان
:
أحدهما فيه نسخ فعلاً
(منسوخ وناسخ
(
وثانيهما لا ناسخ فيه ولا
منسوخ فيه ، ونحن نلتمس
لكم العذر فى هذا " الخلط " لأنكم سرتم فى طريق لا تعرفون
كيفية السير
فيه
.
القسم الأول: ما فيه
نسخ
:
من الآيات التى فيها نسخ ، وذكروها
فى جدول
الناسخ
والمنسوخ
الآيتان التاليتان: (واللاتى يأتين الفاحشة من
نسائكم فاستشهدوا عليهن
أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت
أويجعل الله لهن سبيلا).
ثم قوله تعالى: (الزانية والزانى فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة ولا
تأخذكم بهما رأفة فى دين الله 000)
.
هاتان الآيتان فيهما نسخ فعلاً ،
والمنسوخ
هو حكم الحبس فى البيوت للزانيات حتى يَمُتْنَ ، أويجعل الله لَهُنَّ حكماً
آخر
.
وكان
ذلك فى أول الإسلام. فهذا الحكم حكم حبس الزانية فى البيت ، حين شرعه الله عز وجل أومأ فى
الآية نفسها إلى أنه حكم مؤقت ،له زمان محدد فى علم الله أزلاً. والدليل على أن هذا الحكم كان فى علم
الله مؤقتاً، وأنه سيحل
حكم آخر محله فى الزمن الذى قدره الله عز وجل هو قوله: (أو يجعل
الله لهن سبيلاً). هذا هو
الحكم المنسوخ الآن وإن كانت الآية التى تضمنته باقية
قرآنا ًيتلى إلى يوم
القيامة
.
أما
الناسخ
فهو قوله تعالى فى سورة "النور" فى الآية التى تقدمت ، وبين الله أن حكم الزانية والزانى هو مائة
جلدة ، وهذا الحكم ليس عامّا فى جميع الزناة. بل فى الزانية والزانى غير المحصنين. أما المحصنان ، وهما
اللذان سبق لهما الزواج
فقد بينت السنة قوليًّا وعمليًّا أن حكمهما الرجم حتى
الموت
.
وليس فى ذلك
غرابة ، فتطور الأحكام التشريعية ، ووقف العمل بحكم سابق ، وإحلال حكم
آخر لاحق محله مما اقتضاه
منهج التربية فى الإسلام
.
ولا نزاع فى أن حكم الجلد فى
غيرالمحصنين ، والرجم فى
الزناة المحصنين ، أحسم للأمر ، وأقطع لمادة الفساد
.
وليس معنى هذا أن الله حين أنزل عقوبة حبس الزانيات لم يكن يعلم أنه سينزل
حكماً آخر يحل محله ، وهو
الجلد والرجم حاشا لله
.
والنسخ بوجه عام مما يناسب حكمة الله
وحسن تدبيره ، أمَّا أن
يكون فيه مساس بكمال الله. فهذا لا يتصوره إلا مرضى العقول
أوالمعاندين للحق الأبلج
الذى أنزله الله
وهذا النسخ كان معمولاً به فى الشرائع السابقة على شريعة الإسلام
.
ومن أقطع الأدلة على ذلك ما حكاه الله عن عيسى
عليه السلام فى قوله لبنى
إسرائيل: (ولأحل لكم بعض الذى حُرِّم عليكم)
وفى أناجيل
النصارى (العهد الجديد)طائفة من الأحكام التى ذكروها وفيها نسخ لأحكام كان معمولاً بها
فى(العهد
القديم)
.
ومثيروهذه الشبهات ضد القرآن يعرفون جيداً وقوع النسخ بين
بعض مسائل العهد القديم
والعهد الجديد. ومع هذا يدعون بإصرار أن التوراة والأناجيل
الآن متطابقان تمام
الانطباق
.
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان
الآتيتان
:
)
يا أيهاالنبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين
وإن يكن منكم مائة يغلبوا
ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون).
وقوله
تعالى
)
الآن
خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين
وإنيكن منكم ألف يغلبوا
ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)
والآيتان
فيهما نسخ واضح. فالآية
الأولى توجب مواجهة المؤمنين لعدوهم بنسبة (1: 10
)
،
والآيةالثانية توجب
مواجهة المؤمنين للعدو بنسبة (1: 2
(
وهذا
التطور التشريعى قد بين الله الحكمة التشريعية فيه ، وهى التخفيف على جماعة المؤمنين فى الأعباء
القتالية فما الذى يراه
عيباً فيه خصوم الإسلام ؟
لو كان هؤلاء الحسدة
طلاب حــــــق
مخلصين
لاهتدوا إليه من
أقصر طريق ، لأن الله عزوجل لم يدع مجالاً لريبة يرتابها مرتاب
فى هاتين الآيتين. لكنهم
يبحثون عن " العورات " فى دين أكمله الله وأتم النعمة فيه
،ثم ارتضاه للناس
ديناً
.
وقد
قال الله فى أمثالهم
:
)
ولو نزلنا عليك كتاباً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا
سحر مبين)
ومن هذا القسم أيضاً الآيتان الآتيتان
:
)
والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج)
وقوله تعالى(والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجاً
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)
.
أجل ، هاتان
الآيتان فيهما نسخ ؛ لأن
موضوعهما واحد ، هو عدة المتوفى عنها زوجها
.
الآية الأولى
:
حددت العدة بعام
كامل
.
والآية الثانية: حددت العدة بأربعة أشهر
وعشرليال
.
والمنسوخ حكماً لا تلاوة هو الآية الأولى ، وإن كان
ترتيبها فى السورة بعد الآية الثانية
.
والناسخ هو الآية الثانية ، التى حددت عدة المتوفى
عنها زوجها بأربعة أشهر
وعشر ليال ، وإن كان ترتيبها فى السورة قبل الآية
المنسوخ حكمها
.
وحكمة التشريع من هذا النسخ ظاهرة هى التخفيف ، فقد
استبعدت الآية الناسخة من
مدة العدة المنصوص عليها فى الآية المنسوخ حكمها ثمانية أشهر تقريباً
،والمعروف أن الانتقال من
الأشد إلى الأخف ، أدعى لامتثال الأمر ، وطاعة المحكوم به.. وفيه بيان لرحمة الله عز وجل لعباده.
وهو هدف
تربوى عظيم عند أولى الألباب
.
القسم الثانى
:
أما القسم الثانى ، فقد
ذكروا فيه آيات على أن فيها نسخاً وهى لا نسخ فيها ، وإنما كانوا فيها حاطبى ليل ،
لا يفرقون بين
الحطب ، وبين الثعابين ،
وكفى بذلك حماقة
.
وها نحن نعرض نموذجين مما حسبوه نسخاً ، وهو
أبعدما يكون عن
النسخ
.
النموذج الأول
:
(لا إكراه فى الدين قد تبين
الرشد من الغى
)(
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا
يحرمون ما حرم الله ورسوله
ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون)
زعموا أن بين هاتين الآيتين تناسخاً ، إحدى الآيتين
تمنع الإكراه فى الدين ،
والأخرى تأمر بالقتال والإكراه فى الدين وهذا خطأ فاحش ، لأن قوله
تعالى
)
لا
إكراه فى الدين) سلوك دائم إلى يوم القيامة
.
والآية الثانية لم ولن
تنسخ هذاالمبدأ الإسلامى
العظيم ؛ لأن موضوع هذه الآية " قاتلوا " غير موضوع الآية
الأولى
)
لا
إكراه فى الدين
(
لأن قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر) له سبب نزول
خاص. فقد كان اليهود قد نقضوا العهود التى أبرمها معهم المسلمون. وتآمروا مع أعداء المسلمين للقضاء على
الدولة الإسلامية فى المدينة ،وأصبح وجودهم فيها خطراً على أمنها واستقرارها. فأمر الله المسلمين
بقتالهم حتى يكفوا عن
أذاهم بالخضوع لسلطان الدولة ، ويعطوا الجزية فى غير
استعلاء
.
أجل: إن هذه الآية لم تأمر بقتال اليهود لإدخالهم فى الإسلام. ولو كان الأمر
كذلك ما جعل الله إعطاءهم
الجزية سبباً فى الكف عن قتالهم ، ولاستمر الأمر بقتالهم سواء
أعطوا الجزية أم لم يعطوها
، حتى يُسلموا أو يُقتلوا وهذا غير مراد
ولم يثبت فى
تاريخ الإسلام أنه قاتل
غير المسلمين لإجبارهم على اعتناق الإسلام
.
ومثيرو هذه
الشبهات يعلمون جيداً أن
الإسلام أقر اليهود بعد الهجرة إلى المدينة على عقائدهم ، وكفل
لهم حرية ممارسة شعائرهم ،
فلما نقضوا العهود ، وأظهروا خبث نياتهم قاتلهم المسلمون وأجلوهم عن المدينة
.
ويعلمون كذلك أن
النبى عقد صلحاً
سِلْمِيًّا مع نصارى تغلب ونجران ، وكانوا يعيشون فى شبه الجزيرة العربية ، ثم أقرهم عقائدهم
النصرانية وكفل لهم
حرياتهم الاجتماعية والدينية
.
وفعل ذلك مع بعض نصارى الشام. هذه
الوقائع كلها تعلن عن
سماحة الإسلام ، ورحابة صدره ، وأنه لم يضق بمخالفيه فى
الدين
والاعتقاد
.
فكيف ساغ لهؤلاء الخصوم أن يفتروا على الإسلام ما هو
برئ منه؟إنه الحقد والحسد. ولا شىء غيرهما ، إلا أن يكون
العناد والكبر ،
.
النموذج الثانى
:
)
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع
للناس وإثمهما أكبرمن
نفعهما)
)
إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه)
والآيتان لا ناسخ ولا منسوخ فيهما. بل إن فى الآية
الثانية توكيداً لما فى
الآية الأولى ، فقد جاء فى الآية الأولى: " فيهما إثم كبير
ومنافع للناس وإثمهما أكبر
من نفعهما
"
ثم أكدت الآية الثانية هذا المعنى: (رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه)فأين
النسخ إذن ؟
.
أما المنافع فى الخمر والميسر ، فهى
:
أثمان بيع الخمر ، وعائد
التجارة فيها ، وحيازة الأموال فى لعب الميسر " القمار
"
وهى منافع خبيثة لم يقرها
الشرع من أول الأمر ، ولكنه هادنها قليلاً لما كان فيها
من قيمة فى حياة الإنسان
قبل الإسلام ، ثم أخذ القرآن يخطو نحو تحريمها خطوات
حكيمة قبل أن يحرمها
تحريماً حاسماً ، حتى لا يضر بمصالح الناس
.
وبعد أن تدرج فى
تضئيل دورها فى حياة الناس
الاقتصادية وسد منافذ رواجها ، ونبه الناس على أن حسم
الأمر بتحريمها آتٍ لا
محالة وأخذوا يتحولون إلى أنشطة اقتصادية أخرى ، جاءت آية
التحريم النهائى فى سورة
المائدة هذه: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
هذه
هى حقيقة النسخ وحكمته
التشريعية ، وقيمته التربوية ومع هذا فإنه نــــادر فى القرآن
.
ومن
ذلك ما جاء فى قول الله تعالى (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ
أُمُّ الْكِتَابِ
(
والمحو كما نعلم هو الإزالة ، والتثبيت أي : أن
يُبقِى الحق ما يراه ثابتاً
.
وقد فهم بعض الناس ـ خطأ ـ أن كل حكم في القرآن قد
جاء ليثبت وسيظل هكذا أبد
الدهر ؛ ولكن عند التطبيق ظهر أن بعض الأحكام يقتضي تغييرها يغيرها
الله لحكمة فيها خير
للبشرية
.
ونقول : لا ، لم يحدث ذلك ، ولكن كانت هناك
أحكام مرحلية ؛ ولها مُدة
محددة ، ولذلك جاء قول الحق سبحانه(وعنده
أم الكتاب ) الرعد
39
أي : عنده اللوح
المحفوظ الذي تحددت فيه الأحكام التي لهامدة محددة ؛ وما أن تنتهي إلا وينزل حكم آخر مكانها ،
وعلى هذا المعنى يمكن أن نقول
:
إنه لم يوجد نَسْخٌ للأحكام ، لأن معنى النَّسْخ أن يُزحزح حكماً عن
زمانه ، وهنالم نجد حكماً
يتزحزح عن زمانه ؛ لأن كل حكم موقوت بوقت محد ؛ وما أن ينتهي
الوقت حتى يبدأ حكم
جديد
.
أقول ذلك كي أنبِّه البعض إلى ضرورة أن يجلسوا
معاً لدراسة ذلك ، حتى لا
يختلف البعض في قول : هل هناك نسخ أم لا ، وأقول
:
فلنحدد النسخ أولاً ، لأن
البعض يظن أن هناك حكماً كان يجب أن ينسحب على كل الأزمنة ،
ثم جاء حكم آخر ليحل محله
لحكمة تقتضيها مصلحة البشرية والمراد لله منها
.
ولايوجد حكم
أنهى حكماً وطرأ عليه ساعة الإنتهاء ؛ بل كل الأحكام كانت مقدورة أزلاً
؛وعلى ذلك فلا يوجد نَسْخ
لأي حكم ، ولكن هناك أحكام ينتهي وقتها الذي قدره الله
لها؛ ويأتي حكم سبق
تقديره أزلاً ليواصل الناس الأخذ به ؛ وما دام كذلك فلا يوجد
نسخ
.
ولننظر إلى قول الحق
سبحانه
:
البقرة
106 )
) (مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍأَوْ نُنسِهَا
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ
أَنَّاللّهَ عَلَىَ كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ
(
ويتضح من منطوق الآية
ومفهومها أن عند نسخ حكم
يأتي الله بمثله أو خير منه
.
إذن : ليس هناك نسخ وإنما
هناك أحكام تؤدي مهمتها في
زمن ثم يأتي زمن يحتاج إلى حكم خير منه أو مثله في الحكم
،ولكنه يوافق المصالح
المرسلة مع مراد الله
.
ولقائل أن يقول : ما دام سيأتي بخير من الآية المنسوخة أو المُنْسَأة فذلك أفضل ،
ولكن لماذا يأتي بالمثْل؟
وأقول : لأنك إن جاءك ما هو خير منها قد تستسيغه ،
ولكن حين ننتقل إلى مثلما
جاءتْ به الآية ؛ فهذا مَحَكُّ الإيمان
.
والمثْل هو التوجه في
الصلاة إلى بيت المقدس في
أول الدعوة ثم مَجِيء الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة ؛ فلا
مشقة في
ذلك
.
ولكن هنا يتم اختبار
الألتزام الإيماني بالتكليف ، وهنا الانصياغ للحكم الذي يُنزله الله ، وهو حكم مقدور أزلاً ؛
وفي
هذا اختبار لليقين الإيماني في إدارة توجيه المُدبر لهذا السير
.
وكذلك في الحج يأتي الرسول عليه
الصلاة والسلام ليُقبل
الحجر الأسود ؛ ثم يرجم الحجر الذي يرمز لإبليس ، ونحن نفعل
ذلك أسوة برسول الله عليه
الصلاة والسلام ، وكلاهما حجر ، ولكننا نمتثل لأمر
الرسول عليه الصلاة
والسلام ، كل هذا استجابة لأمر الآمر
.
وحين يقول الحق سبحانه
:
الرعد
39 )
(يَمْحُو اللّهُ مَا
يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ ُالْكِتَابِ
(
فهو
يعني أنه سبحانه يُنهي زمن الحكم السابق الذي ينتهي زمنه في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ ؛ ثم يأتي الحكم
الجديد
.
والمثال : هو حكم الخمر ؛ وقد عالجها الحق سبحانه أولاً بما يتفق مع قدرة المجتمع ؛ وكان
المطلبالأول هو تثبيت
العقيدة ؛ ثم تجيء الأحكام من بعد ذلك
.
وهناك فرق بين العقيدة ـ وهي الأصل ـ وبين الأحكام ، وهي تحمل أسلوب الالتزام العقدىّ
، وكان الحكم في أمر
العقيدة مُلزماً ومستمراً
.
أما
الأحكام مثل حكم الخمر فقد تدرج في تحريمها بما يتناسب مع إلْف الناس ؛ واعتيادهم ؛ فقلل الحق
سبحانه زمن صُحْبة الخمر ؛
ثم جاء التحريم والأمر بالإجتناب ، وعدم القرب منها
.
والمثلفي حياتنا ؛ حيث نجد من يريد أن يمتنع عن التدخين وهو يُوسَّع من الفجوة
الزمنية بين سيجارة وأخرى
، إلى أن يقلل عنها بلطف ، وينفيها من حياته تماماً
.
ونجدالقرآن يقول في الخمر
:
النحل 67(وَمِن
ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(
وهنا يمتن الله عليهم بما رزقهم به ؛ ولكن أهل الذوق
يلتفتون إلى أنه لم يصف
الخمر بأنها من الرزق الحسن ؛ ووصف البلح والعنب بأنه رزق حسن ؛
لأن الإنسان يتناوله دون
أن يفسده
.
وهكذا يلتفت أهل الذوق
إلى أن الخمر قد يأتي لها
حكم من بعد ذلك ، ثم ينزل الحق سبحانه عظة تقول
:
البقرة(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌوَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا
وَيَسْأَلُونَك َمَاذَا
يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ
الآيَات ِلَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ
(
وهكذا أوضح الحق سبحانه
ميل الخمر والميسر إلى الإثم أكثر من ميلهما إلى النفع ، ثم جاء من بعد ذلك قوله بحكم
مبدئي
:
النساء
43(
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ
وَأَنتُمْ سُكَارَى
حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ
(
ومعنى ذلك أن تتباعد الفترات بين تناول الخمر ، فلا يحتسي أحد الخمر طوال النهار
وجزء من الليل ، وفي ذلك تدريب على الابتعاد عن الخمر
ثم يأتي التحريم الكامل
في قوله تعالى
:
المائدة90
)
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُوَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(
وهكذا أخذ الحكم بتحريم الخمر تدريجه المناسب لعادات الناس وتم تحريم الخمر بهوادة وعلى
مراحل
.
وهكذا نفهم النسخ على أنه انتهاء الحكم السابق زمناً وبداية الحكم الجديد ، وهكذا يعني أن الحكم
الأول لم يكن مُنْسحباً
على كل الزمن ثم أزلناه وجئنا بحكم آخر ؛ ولكن توقف الحكم الأول ـ
أزلاًـ قد انتهى ؛ وبدأ
الحكم الجديد
.
وهكذا لا يوجد مجال للإختلاف على
معنى النسخ
، ذلك أن الحق
سبحانه أرجع المحو والإثبات إلى أم الكتاب ؛
ففيها يتحدد
ميعاد كل حكم وتوقيته ؛
وميعاد مجيء الحكم التالي له
.
وما دام كل أمر مرسوم
أزلاً؛ فعلى من يقولون أن
البدأ محرم على الله أن ينتبهوا إلى أن هذا المحو والإثبات
ليس بداء ؛ لأن الابداء
يعني أن تفعل شيئاً ، ثم يبدو لك فساده فتغيره
.
والحق سبحانه
وتعالى لم يظهر له فساد ما أنزل من أحكام أو آيات ؛ بل هو قدر كل شيء
أزلاً في أم الكتاب ، وجعل
لكل حكم ميقاتاً وميلاداً ونهاية
.
ويصح أن يتسع
معنى قول الحق
سبحانه
:
الرعد 39
(يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ
وَعِندَهُأُمُّ
الْكِتَابِ
(
ليشمل نسح رسالة برسالة
أخرى ؛ فيكون محا شيئاً وأثبت شيئاً آخر
مثال : أن الله عز وجل أمر سيدنا آدم عليه السلام
بتزوج الأخ لأخته وكان هذا
الأمر لغرض تكاثر البشرية ؛ ولكن بعد زمن معين محى الله عز وجل
هذا الحكم وبدله بحكم آخر
؛ والآن لا يجوز ليهودي أو مسيحي أو مسلم أن يتزوج من
أخته
.
فكل شيء فيه تغيير إلى الخير يصح فيه المحو والإثبات ، وهو من عند
الرقيب العتيد
:
8
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ
إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(
أي أنه القادر على أن
يأمر الرقيب والعتيد بأن يُثبتا الواجبات والمحرمات ،وأن يتركا الأمور المباحة ، وهو القادر على أن يمحو
ما يشاء من الذنوب ، ويثبت مايشاء من التوبة
.
والله أعلم
__________________
د/ محمد عبد الغنى حسن حجر
طبيب أسنان
بسيون/غربية/مصر
د/محمدعبدالغنى حسن حجر
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى د/محمدعبدالغنى حسن حجر
زيارة موقع د/محمدعبدالغنى حسن حجر المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها د/محمدعبدالغنى حسن حجر