عرض مشاركة واحدة
  #88  
قديم 08-01-2010, 11:19 AM
 
* الجزء الثالث والعشرين*
(ما الذي يحدث؟!)

(قرار قاسي هو ما اصدر بحقها)
قالها طارق بغضب شديد وهو يتحرك في ارجاء القسم بخطوات عصبية ومن ثم اردف بحنق: انها لم تتوانى يوما عن العمل بكل جدية واخلاص ومع هذا يوقع مثل هذا القرار القاسي لها لمجرد بضعة مشاكل..
قال احمد بهدوء: المشكلة لن تحل هكذا يا طارق.. لن تحل بغضبك هذا..او باستنكارك.. فقط اجلس لنحاول فهم وحل الموضوع بهدوء..
قال طارق وهو يكور قبضته: انت تعلم ان رئيس التحرير ذاك شخص جبان.. لن يهتم بما يحدث بما انه في أمان.. حتى لو استدعى هذا طرد جميع الصحفيين من الجريدة..
واردف باصرار: لكني لن اسمح له ان يصدر قرارا قاسيا كهذا في حق وعد مهما حصل..وسأفعل أي شيء.. سأجعله يتراجع عن قراره التافه هذا..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: اتعني ما تقول؟..
قال طارق وبريق اصرار وحزم يبرق في عينيه: اجل .. فقد وعدتها بأني لن اصمت وسأفعل أي شيء..
واردف بصوت هامس ومتهدج: من اجلها .. من اجلها هي فقط..
*********
ما ان وصلت وعد الى غرفتها بالمنزل..حتى القت بنفسها على الفراش ومشاعر شتى تعصف بكيانها.. هل هو الاستنكار والغضب من قرار رئيس التحرير؟ .. ام هو الالم لفراقهم؟.. ام يا ترى هو الحزن الشديد لفراقه هو بالذات؟..ام انه مزيج من كل هؤلاء..
احست بانقباض في قلبها وهي تتخيل انها لن تذهب الى الصحيفة غدا.. لن تراه الا بعد ثلاثة ايام كاملة.. هل تستطيع ان تحتمل ان لا تملأ عيناها بصورته لثلاثة ايام؟..هل تستطيع احتمال ان لا تروي اذنها بصوته الذي يحسسها بالدفء والامان؟..هل تستطيع يا ترى؟ .. هل تستطيع؟..
تفكيرها هذا يصيبها بالصداع ويجعل غصة المرارة تعتصر قلبها بمرارة والم..لم ؟؟..اجيبوني لم؟..لم يوقع مثل هذا القرار بي وانا لم توانى يوما عن العمل بكل جدية واخلاص.. لم؟.. ولكن ماذا يهم ؟؟.. لقد دافعت عن مبدأها بكل حزم واصرار.. اجل لن تتوقف عن الكتابة وعن اظهار فساد المجتمع للناس جميعا.. والا فما فائدة وجود الصحف بالبلاد.. التصمت عن الخطأ.. وتكتفي بنشر الأحاديث الروتينية.. لا ان اهم ما يميز الصحافة انها تحاول معالجة المجتمع باظهار مشاكله المختلفة للناس..
وضعت كفها على جبينها بتعب وهي تتخيل آحر اللحظات التي جمعتها بطارق.. انها تحبه.. بل تعشقه.. انها المرة الاولى التي تشعر بهذا الشعور تجاه شخص ما.. ترى لماذا انشدت اليه؟.. لماذا تحركت مشاعرها اليه هو بالذات.. على الرغم من فظاظته معها في بادئ الامر.. ترى لشخصيته المميزة.. ام لغرابته.. ام لانها ...
زفرت بعمق وهي تنهض من على الفراش.. ستتوقف عن التفكير به الآن والا لن تشعر بالراحة ابدا..واتجهت لتتطلع من النافذة.. الى تلك الحديقة الساكنة والهادئة..و التي لا تلبث الانسام ان تداعب حشائشها الخضراء بين لحظة واخرى بهدوء..وظلت تحدق بشرود في اسراب الطيور التي اخذت ترفرف باصرار غريب في هذه السماء الصافية دون ان تهبط ولو للحظات على سطح الارض.. عندما سمعت صوت رنين هاتفها المحمول معلنا وصول رسالة قصيرة..
توجهت الى حقيبتها.. لتلتقط الهاتف ومن ثم تقرأ فحوى الرسالة التي كانت تقول: (لو كنت غير مشغولة.. فتعالي وخذيني من الجامعة .. رأسي يكاد ينفجر من كثرة المحاضرات.. متى ينتهي هذا العذاب؟)..
ابتسمت وعدابتسامة باهتة وهي تعيد قراءة الرسالة المرسلة من فرح.. ومن ثم لم تلبث ان اتصلت بتلك الاخيرة التي ما ان اجابت على الهاتف حتى قالت: لا تصدقي لقد كنت امزح..
قالت وعد بسخرية: لا فائدة انا الآن امام بوابة الجامعة..
قالت فرح بسخرية مماثلة: لقد ارسلت الرسالة منذ لحظات فقط.. أي سيارة خارقة تملكين؟..
- ليست السيارة يا عزيزتي بل سائقتها..
قالت فرح مبتسمة: حقا؟..
قالت وعد بغته وهي تزفر: اخبريني متى تنتهي محاضراتك؟..
قالت فرح متسائلة: ولم؟..
تنهدت وعد بمرارة ومن ثم قالت: اشعر بالملل الشديد واود ان اتحدث معك قليلا بعد ان تنتهي محاضراتك..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: لم؟.. الست بالصحيفة الآن؟..
قالت وعد بسخرية مريرة: لقد منحني رئيس التحرير اجازة.. ولكن مفروضة..
شهقت فرح ومن ثم قالت: اتعنين انه قد قام بطردك..
- لا بل تم فصلي لثلاثة ايام..
- ولم؟..
- سأخبرك بكل شيء عندما اراك والآن اخبريني متى تنتهي محاضراتك؟..
صمت فرح برهة ومن ثم قالت ببعض التردد: بعد ساعتين .. بل اعني ثلاث ساعات..
قالت وعد بهدوء: حسنا اذا اطلبي من مَن سيوصلك ان يصطحبك الى منزلنا..
اسرعت فرح تقول: ولماذا لا تحضرين انت الى منزلنا؟..
قالت وعد بابتسامة: لقد اقسمت على ان لا احضر.. فاخشى ان يتحول التمثيل الى حقيقة كما قال شقيقك.. واسقط من على السلم..
قالت فرح بضجر: كفاك سخافة.. انت احضري الي.. فلدي بعض البحوث الهامة التي ارغب في انهائها..
- فليكن اذا سأحضر بعد ثلاث ساعات ونصف.. هل هذا يناسبك؟..
- اجل كثيرا..
قالت وعد مبتسمة: اراك بخير اذا.. الى اللقاء..
قالت فرح بابتسامة: الى اللقاء..
وما ان انهت فرح الاتصال حتى قالت بخبث: نعم سنلتقي.. وسيكون لقاءاً لا ينسى..
********
انشغل هشام بالعمل على احدى رسومه الهندسية بمكتبه عندما اجبره على تركها صوت رنين هاتفه المستمر..فأجابه بصوت هادئ: اهلا فرح.. ماذا تريدين ؟..
قالت فرح باستنكار: اهكذا يجيب الشقيق شقيقته على الهاتف .. ب"ماذا تريدين؟"..
قال بملل: لو انك قد اتصلت للتسلية .. فحاولي في وقت لاحق.. انا منشغل الآن بالعمل..
قالت في سرعة: لا لم اتصل لاتسلى.. وحتى لو وددت ان افعل.. فلن اخسر رصيدي من اجل تسلية.. سأتصل من هاتف المنزل بكل بساطة..
قال هشام باستخفاف: يا للذكاء.. من اين تجلبين مثل هذه البدائل .. ال.. السخيفة..
ابتسمت فرح وقالت: ليست سخيفة ابدا.. ثم ليس هذا مهما الآن.. بل امرا آخر..
- وما هو؟..
قالت فرح وهي تزفر بحدة: وعد اليوم قد فصلت من عملها لمدة ثلاثة ايام..
عقد هشام حاجبيه باستنكار ومن ثم قال: ولم؟؟..
قالت فرح وهي تزدرد لعابها: لست اعلم.. لقد اخبرتني انها ستعلمني بالامر عندما تحضر الى منزلنا بعد ثلاث ساعات ونصف..في الوقت الذي انهي فيه محاضراتي..
قال هشام بحيرة: بعد ثلاث ساعات؟.. الم تخبريني انك ستنتهين من محاضرتك الاخيرة بعد ساعة..
- بلى.. ولكني تعمدت قول هذا لها..
- ولم؟.. ما السبب من كذبك هذا؟..
قالت فرح مبتسمة: لا اسمي هذا كذبا.. اما عن السبب فسأخبرك اياه.. ولكن استمع الي بهدوء ولا تقاطعني ريثما انتهي مما اقوله..
واخذت تتحدث اليه بهدوء وهي تحاول شرح كل ما تستطيع .. بينما اخذ هشام يستمع اليها بانصات شديد وهو يشعر بالاهتمام من كل كلمة تقولها...
***********
قال أحمد بانفعال: ما هذا الذي فعلته يا طارق؟..
قال طارق ببرود: وماذا فعلت؟..
قال احمد وهو مستمر بانفعاله: بعد كل هذا الذي اخبرتني اياه وتقول انك لم تفعل شيئا.. لقد ذهبت بكل بساطة الى رئيس التحرير لتطلب منه ان يعيد وعد الى العمل والا ستستقيل من عملك على الفور..
قال طارق وهو يهز كتفيه بلامبالاة وكأن الامر لا يعنيه: وماذا في هذا؟..
قال احمد باستنكار: لا تجد في هذا الامر شيئا حقا.. ستستقيل يا طارق.. ستستقيل من عملك.. ومن وظيفتك التي يحسدك عليها غيرك من اجل فتاة..
تطلع اليه طارق بصرامة ومن ثم لم يلبث ان قال: هذه الوظيفة التي تتحدث عنها يمكنني ان احصل عليها في أي جريدة اخرى.. ثم لا اظن ان رئيس التحرير بهذا الغباء ليقبل استقالتي فور تقديمي لها.. دون ان يفكر بالامر او حتى يمنحني فرصة لاعادة النظر بهذه الاستقالة..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: تعني ان ما قمت به كان بمحض التهديد لا اكثر.. وانك ستتراجع عن قرار استقالك لو رفض طلبك..
قال طارق بحزم: بالطبع لا.. لن اتراجع عن قراري مطلقا لو انه رفض طلبي.. سأستقيل من عملي وابحث عن آخر في أي صحيفة اخرى.. واظن ان اسمي بات معروفا عند بعض الصحف التي ستقبل بي لو انني فكرت بالعمل معها..
قال احمد بدهشة: تضيع سنوات عملك هنا يا طارق من اجل فتاة وحسب..
قال طارق وهو يمط شفتيه: وعد ليست أي فتاة.. ثم انت.. انت بنفسك لو رأيت خطيبتك تتعرض لمثل هذا القرار لفعلت الشيء ذاته..
قال احمد بخبث:تلك خطيبتي.. ثم انني كنت سأناقش رئيس التحرير بالامر واحاول حله ولن اتسرع بتقديم استقالتي.. ولكن انت بأي صفة تدافع عن وعد بكل هذه القوة..
قل طارق وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لنقل انها زميلة عزيزة لي بالعمل..
قال احمد بخبث اكبر: حسنا وبعد..
قال طارق ببرود: لا يوجد بعد.. توقف عن افكارك المريضة..
قال احمد مبتسما: معك حق.. الحب اصبح مرضا هذه الايام..
تطلع اليه طارق بحنق ومن ثم قال: لا فائدة ترجى منك.. سأكمل عملي افضل لي..
قال احمد وهو يغمز بعينه: الا تريد أي مساعدة من اجل اعادة وعد الى الصحيفة..
قال طارق بهدوء: لو كنت مستعدا لتقديم المساعدة.. فتفضل قل ما عندك..
قال احمد بمكر: ما رأيك ان اقدم استقالتي انا الآخر؟..
نطلع اليه طارق لبرهة ومن ثم قال ببرود: سخيف..
ضحك أحمد بمرح ومن ثم قال: ما الذي يمنعك ان تعترف؟ ..نحن جميعا سنشعر بالسعادة من اجلك ومن اجل الآنسة وعد..
صمت طارق طويلا ولم يعلق.. ولكن ذهنه كان شاردا في تلك اللحظة.. كان يفكر بما قاله أحمد مرارا وتكرارا .. وقال متحدثا الى نفسه: ( ليس الآن يا احمد.. ليس الآن..لا يزال الوقت مبكرا لاعترف.. باني احب هذه المرحة العنيدة.. لان هناك حاجزا يقف حائلا بيننا.. حاجزا يسمى .. ((حبي القديم لمايا)).. فهل ستصدق لو اخبرتها بأني احبها.. احبها فعلا ولست اخدعها.. مايا كانت الماضي.. ووعد هي الحاضر والمستقبل..هل ستصدقني يا ترى لو اخبرتها.. هل ستصدق؟)
********
تنهدت وعد بحرارة وهي توقف سيارتها امام باب منزل عمها .. لا يزال شعورها بالالم يسيطر على كيانها.. لا تستطيع ان تبعد ذهنها عن التفكير بطارق..انه قبل كل شيء الشخص الذي تحب..الذي احتل قلبها دون استئذان.. الذي طرق باب مشاعرها بشخصيته الغريبة..وببروده العجيب..
وعادت لتتنهد من جديد وهي تهبط من سيارتها وتغلق بابها خلفها ومن ثم تتوجه الى المنزل لتضرب على زر جرس الباب عدة مرات.. ولكن الغريب بالامر ان احدا لم يجبها.. فعقدت حاجبيها.. واخرجت هاتفها المحمول لتتصل بفرح .. وما ان اجابتها تلك الاخيرة حتى قالت: فرح.. اين انتم؟.. لقد ضربت الجرس عدة مرات ولم يجبني احد..
قالت فرح بهدوء: انا بالطابق الاعلى ولم استمع الى الجرس.. ولا يوجد احد بالمنزل سواي انا وامي.. وربما كانت امي نائمة الآن.. او مشغولة بالمطبخ..
قالت وعد بضجر: لا داعي لكل هذا الشرح.. فقط تعالي وافتحي لي الباب..
قالت فرح بلامبالاة: ان الباب مفتوح.. يمكنك الدخول..
قالت وعد باستغراب: ولم تتركون الباب مفتوحا؟.. ان أي شخص يستطيع التسلل الى المنزل في هذه الفترة وسرقة ما يريد..
قالت فرح وهي تمط شفتيها: لا لشيء.. ولكن ابي قد غادر المنزل لتوه.. واتصل بي ليخبرنا انه قد نسي اقفال الباب وطلب مني ان افعل ذلك.. وكدت ان افعل لولا اتصالك بي.. لذا ادخلي الى الداخل واقفلي الباب خلفك..
قالت وعد باستسلام: فليكن.. الى اللقاء..
قالت فرح بابتسامة: الى اللقاء..
وادخلت وعد هاتفها في حقيبتها لتمسك بمقبض الباب وتديره بهدوء.. ومن ثم تفتح الباب بهدوء وهي تدلف الى الداخل.. والتفتت لتقفله .. قبل ان تسير الى حيث الدرج لتصعده حيث غرفة فرح و....
توقفت في مكانها فجأة.. وهي تشعر بحركة ما بالردهة.. فعقدت حاجبيها ومن ثم قالت وهي تزدرد لعابها: من هناك؟..
جاوبها الصمت التام.. والسكون الذي غلف ارجاء المكان .. وتطلعت الى ماحولها لبرهة ثم لم تلبث ان هزت كتفيها وقالت وهي تواصل سيرها: لابد وانني كنت اتخيل لا اكثر..
وما ان خطت خطوة اخرى حتى انقطع التيار الكهربي فجأة.. فشهقت قائلة بخوف: ما الذي يحدث هنا؟..
وتطلعت الى الظلام من حولها الذي بات هو اللون الوحيد الذي يغلف كل شيء بالمنزل..وازدردت لعابها من جديد لعلها تستعيد رباطة جأشها.. واردفت وهي تهتف بصوت سيطر عليه الارتباك والخوف بالرغم منها: فرح.. اين انت يا فرح؟ .. خالتي.. اين انتم جميعا؟..
واشتعلت الاضواء فجأة ومع ذلك الهتاف القوي الذي هتف الجميع به في آن واحد: عيد ميلاد سعيد يا وعد!!!..
التفتت وعد بسرعة وحدة الى مصدر الصوت ومن ثم قالت والذهول لا يكاد يفارق ملامحها وهي غير قادرة على استيعاب ما يحدث: ما الذي يحدث؟!.. ماذا تعنون؟!..
قال والد وعد بابتسامة وهو يشير الى فرح: انها فكرة فرح.. ان نقيم لك عيد ميلاد لا ينسى.. واقترحت علينا مثل هذه الفكرة..
قالت وعد وهي تزفر بحدة وقوة:لقد كاد قلبي ان يتوقف بفعلتكم هذه .. ثم اين كنتم تختفون؟..
قال والدها وهو يشير الى غرفة ما: بغرفة المعيشية..
واردف بحنان ابوي: عيد ميلاد سعيد يا ابنتي الصغيرة..
قالت وعد مبتسمة وهي لا تزال تشعر بالاضطراب من المفاجأة: لم اعد صغيرة يا والدي..
- ستظلين كذلك الى الابد في نظر والداك..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها وتتطلع الى وعد بمرح: توقعت ان تكون اصعب مرحلة بالموضوع هي اقناع وعد بالدخول من الباب المفتوح..
قالت وعد بغضب مصطنع: اصمتي انت.. انها فكرتك باخافتي هكذا في يوم مميز كيوم ميلادي..
قالت فرح وهي تغمز بعينيها: اردته عيد ميلاد لا ينسى..
قال عماد الذي تواجد بالحفل بدوره بناء على رغبة فرح والبقية: لم تقفين هناك يا وعد؟.. اقتربي..
قالت وعد بارتباك وتوتر: اتريدون الحقيقة.. لا استطيع التقدم فقدماي لم تعودا تطيعاني من اثر المفاجأة..
تقدم منها هشام بغتة .. وقال بصوت هادئ: اخبرتهم بان طفلة مثلك لا تتحمل مثل هذه المفاجآت..ولكنهم أصروا على أن يفاجئوك بهذه الطريقة..
قالت وعد باستنكار: انا طفلة يا هشام؟..
اقترب منها اكثر وقال بصوت هامس لا يكاد يسمعه سواهما: واجمل طفلة كذلك..
توترت اطراف وعد وهي تتطلع اليه.. في حين جذبها هو من كفها وقال مبتسما: لا تصدقي كل ما يُقال لك.. والآن تعالي إلى حيث الكعكة لتطفأي الشموع..
سارت معه الى حيث تلك الطاولة الكبيرة التي ضمت عدد من الاطباق الرئيسية والحلويات.. بالاضافة الى المشروبات.. واخيرا كعكة بالشوكلاتة وقد زينت بقطع من الحلوى والبسكويت.. كتب على سطحها بالكريمة عبارة "عيد ميلاد سعيد يا وعد.. وكل عام وانت بخير".. هذا بالاضافة الى شمعة قد اشارت الى عمرها الذي قد اصبح منذ اليوم 24 ربيعاً.. ومر شريط بسيط من ذكرياتها الماضية وهي ترى نفسها اليوم وهي تنهي سنوات عمرها الرابعة والعشرين.. وتمتمت بخفوت: هل يمضي العمر سريعا هكذا؟..
قالت لها والدتها بابتسامة: هذه هي سنة الحياة.. طفل يولد اليوم ليكبر غدا.. وليصبح شابا ومن ثم كهلا.. ويأتي من بعده طفلا آخر.. هذه هي الحياة يا بنيتي.. دائرة لا تنتهي الى يوم الدين..
وقال والدها وهو يقترب منها ويحيطها بذراعه بحنان: اتصدقين.. اني اشعر اني قد رزقت بك بالامس فقط.. اتذكر يوم ولادتك.. كم كنت اشعر بالسعادة وانا احملك بذراعي .. فقد كنت اتمنى ان يكون الطفل الذي انتظرته انا ووالدتك هو فتاة.. فتاة جميلة مثلك يا وعد..
همست وعد وقالت بحب وهي تطلع الى والدها: كم احبك يا والدي..
قا طع هذه اللحظة صوت العم وهو يقول بابتسامة: هيا يا وعد.. اطفأي الشموع.. ودعينا نفرح بك..
اومأت برأسها وابتسامة واسعة ترتسم على ثغرها.. فاقتربت منها فرح وقالت وهي تشعل الشمعة بعود الثقاب: فاليطفأ احدكم المصابيح..
وما ان انطفأت المصابيح واشعلت فرح الشمعة..حتى اخذ الجميع يرددون على مسامعها ( عيد ميلاد سعيد يا وعد).. وكادت ان تطفأ الشمعة حين اسرعت فرح تقول: توقفي تمني امنية ثم اطفأيها..
التفت لها هشام بضيق ومن ثم قال: ما هذه الاعتقادات السخيفة؟..
قالت فرح مبتسمة: ليست اعتقادات.. مجرد امل في ان تتحقق امنياتنا ذات يوم..
والتفتت الى وعد التي قالت: حسنا سأتمنى امنية..
قالت فرح وهي تشير لها بسبابتها: في سرك..
ضحكت وعد وقالت: بالتأكيد سأقولها في سري..
وصمتت للحظات وهي تتمنى امنية ما.. ثم لم تلبث ان اطفأت الشمعة.. معلنة عن بداية عامها الجديد.. العام الذي قديخفي لها الكثير.. الكثير جدا..
**********
تطلعت ليلى الى الخاتم الذي يزين اصبعها طويلا.. وذهنها شارد تماما.. فلقد ذهب معه حيث غادر.. مع عماد.. هل تستطيع ان تحبه أكثر من ذلك؟.. ان حبها له لا يلبث ان يتضاعف كل لحظة.. باعجابها بشخصه.. برجولته.. بقوة شخصيته .. وابتسامته الرائعة التي لا تلبث ان تشعرها بالسعادة.. وعيناه العميقتان اللتان تشعرها بحبه لها.. وبحنان العالم كله..
ترى هل تحبني بقدر ما احبك يا عماد؟..هل تفكر بي الآن كما افكر بك.. هل احرمك لذة النوم؟.. كما تفعل بي انت دوما.. هل صورتي تظل عالقة بذهنك بعد آخر لقاء لنا ولا تفارقك طوال اليوم؟..
ولم تلبث ان اغمضت عيناها وهي تحلم به.. وتتخيل ما يفعله في هذه اللحظة.. وداعبت ذلك الخاتم الذي يحتل اصبعها ومن ثم همست لنفسها: ( هل الاحلام تتحقق بهذه السرعة؟.. هل القدر يمنحنا السعادة بهذه البساطة؟.. ترى لماذا اشعر بأن لا شيء يأتي بسهولة ابدا؟..وان سعادتي هذه لن تلبث ان تختفي..)
وعادت لتردد لنفسها قائلة بضيق: ( أي هراء اتفوه به.. اني احيا الآن في لحظات سعيدة .. فلم لا استمتع بها بدلا من تنغيصها بهذه الطريقة.. اجل.. سأبعد هذا الشعور بالضيق عن ذهني..وسأفكر بعماد فقط وحياتنا القادمة..)
*********
احاديث كثيرة اخذت تدور في ذلك الحفل البسيط الذي شمل كل افراد هذه العائلة تقريبا..قبل ان يقطعه عماد وهو يقول متطلعا الى ساعة الحائط: معذرة يا وعد.. ولكن علي ان اغادر الآن..
قالت عد بضيق: العمل لن يحلق في الهواء يا عماد..
قال عماد مبتسما: ليس العمل هذه المرة..
قالت وعد متسائلة: اذا؟..
اقترب منها ليسلمها هديتها ومن ثم قال بصوت خفيض: بل هي فتاة.. استطاعت ان تجعلني اقع اسير حبها..
قالت وعد مبتسمة: احقا ما تقول؟..
قال بابتسامة واسعة: اجل .. وسأذهب اليوم مع والداي لخطبتها رسميا من اهلها..
قالت وعد بسعادة: مبارك يا عماد.. انت تستحق الافضل دائما.. لكنك لم تخبرني.. هي.. هل تحبك؟..
قال وهي يومئ برأسه: بالتأكيد.. لو لم اكن واثق من حبها لي لما اتخذت خطوة كهذه..
واردف وهو يلوح بيده للجميع: والآن استودعكم جميعا.. الى اللقاء..
لم يكن حديثهم الهامس قد استمع اليه احد ما تقريبا..لذا لم يعلم بأمر هذه الفتاة التي تحدث عنها سوى وعد..وشعرت بغتة بكف توضع على كتفها..فالتفتت الى صاحبها الذي قال: هل تفكرين بذاك الذي غادر الآن؟..
قالت وعد بابتسامة: تقريبا.. ثم ما شأنك انت يا هشام؟..
تطلع لها لبرهة قبل ان يقول وهو يضغط على حروف كلماته: صحيح لا شأن لي الآن.. ولكن سيكون لي شأن بهذا في المستقبل القريب..
فهمت ما يعنيه.. ولكنها قالت محاولة التهرب من الموضوع: اخبرني ماذا جلبت لي؟..
قال هشام بسخرية: لم اكن اعلم انك مادية الى هذه الدرجة؟..
- ها انتذا قد علمت.. والآن اخبرني ماذا جلبت لي؟..
سلمها تلك العلبة المتوسطة الحجم و المغلفة بورق تغليف هادئ الالوان ومن ثم قال: شيء قد كنت تودين الحصول عليه ذات يوم..
عقدت حاجبيها في تفكير وهي محاولة تذكر ذلك الشيء.. في حين عاد هشام بذاكرنه الى الوراء للحظات وهو يتذكر ذلك الحوار الذي دار بينهما قبل بضع شهور..

(ستعملين بالصحافة.. لا اظن ان أي صحيفة ستقبل بك ابدا)
قالها هشام بسخرية واستهزاء وهو يتطلع الى وعد التي كانت تجاس على احد المقاعد بحديقة المنزل.. في حين قالت هي: اجل سأعمل في الصحافة.. وسأكون صحفية ممتازة ايضا.. وسأغيظك يومها.. تذكر هذا..ومن يدري ربما اكتب عنك موضوع بالجريدة.. واصور احد المواقع التي تصمم لها رسومها الهندسية .. ولكن اذا ترجيتني فقط سأفعل..
ضحك بسخرية ومن ثم قال: اترجاك.. هذا ما كان ينقصني.. ثم كيف ستقومين بتصوير تلك المواقع؟ ..بكاميرتك البائسة تلك..لا اظن انها ستفيدك ابدا..
نهضت من على مقعدها وقالت بتحدي: عندما احصل على اول راتب لي.. سأشتري لي افضل انواع الكاميرات .. وستكون رقمية ايضا ..
قال هشام بسخرية: سوف انتظر هذا اليوم حتى ارى كاميرتك المزعومة تلك....

وتوقف شريط ذكرياته.. وهو يبتسم لنفسه بسخرية.. في النهاية هو من اشتراها لها.. هو من حقق لها رغبتها باحضار تلك الكاميرا لها.. لقد سخر من ان تحصل على مثل هذه الكاميرا الرقمية.. لكن لسخرية القدر.. هو بنفسه من جعلها تحصل عليها..
وتطلع الى وعد التي انشغلت بالحديث والضحك المرح مع فرح.. وهما يتابدلان الأحاديث المتفرقة..وهمس لنفسه قائلا باصرار: (ستكونين لي انا يا وعد.. انا فقط.. لن اسمح بأي شخص آخر بأن يأخذك مني..انت لي.. وانا لك ..ستكونين لي يا وعد قريبا.. قريبا جدا..)..
وكور قبضته بقوة وهو يردف لنفسه بصرامة: ( اقسم على هذا)...
*********
احلام كثيرا باتت تحلق في سماء رواية"حلم حياتي"..
حلم وعد بالزواج من الشخص الذي تحب..
حلم طارق بأن تصدقه وعد وتعرف بحبه لها..وان تبادله مشاعره هذه..
حلم هشام بالزواج من وعد..
حلم ليلى وعماد بالزواج والحياة في سعادة وهدوء في عالم من الاحلام الوردية..
ولكن ماذا عن القدر..
هل يحقق احلامهما البسيطة هذه..
ام ستتحطم على احلامهم هذه على صخرة الواقع..