الموضوع: لحظة الميلاد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-02-2010, 01:47 AM
 
لحظة الميلاد





(سبحان من يُخلِص روح من روح)

هى أنسب وصف للحظة الميلاد ، كما تقول والدتى (بارك الله فى عمرها) فتلك اللحظة ،هى الزلزال الكيانى الذى يستمر لفترة طالت أم قصرت ويُحدث بك ما لا يمكن وصفه من مشاعر وتغيرات وأحسايس متداخلة وعميقة تترك فيك أثراً حلواً يذكرك كم أنت بشري!!.
تبدأ المسألة بطمئنينتك غير المفتعلة وثباتك كإنسان يخجل فى العموم من أن يبدو ضعيفاً للحظة وتنتهى بأن قوتك هذه ليست بحقيقة أزلية كما تعتقد وأنك بشر تمتلك من بكارة الأحاسيس مايؤهلك أن تكون طفلاً صغيراً تحتاج من يربت على كتفك ويؤازرك .
وأنت حاضر .. للحظات ألم تلك الرفيقة _التى أهداك الله إياها_ فى لحظات الوضع تبدأ فى شعور غريب ينتابك بأن كيف تسمح بوجود أى مضايقات فى حياتكما إن كان من طرفك أو طرفها ؛ تلك المرأة التى يتزايد ألمها بصورة تدريجية بدون أن تملك لها من الأمر شيئا لمجرد رغبتها أن تنشىء لك كيانا من صلبك ، فكرت لحظتها فى رحمة الله بأن جعل المرأة هى التى تلد ، فبالفعل لايستطيع الرجل تحمل ذلك الألم بل إن مشكلة الرجل أكبر من هذا فلو أن رجلا أُصيب بذاك الألم فمن طبيعته الأولية أن يكره مُسبب الألم !! أما المرأة فتستمر فى تحمل ذلك الألم العنيف القاسى المستمر المتأجج لحظة بلحظة حتى تضع مولودها فيكون أول سؤال لها : هل الطفل بخير ؟ ماشكله ؟ !!!

فأى حنان أزلى وأى قدرة إلهية تلك التى وضعت دفقة الحنان تلك فى التكوين النسوى ، وبالفعل أسهم حضورى مشهد الوضع فى حالة زوجتى فى زيادة حبى وتقديرى وإجلالى أمى أضعافا مضاعفة ؛ أن تشعر بكم الألم الذى أسهمت أنت فى إنزاله بأمك خاصة عند الوضع بل وطوال فترة الحمل ، إن فكرت فى تلك المسألة حقاً فلسوف تشعر قبل الفهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف عن "أمك ثم أمك ثم امك" .
عود على تلك اللحظة، تستمر فى الانتظار ويستمر الألم ... ويتضاعف ..ويتسارع.. وتبدأ فى الارتباك ويبدأ شعورك بالثقة فى أعصابك ونفسك يتضائل ، تفكر فى الهروب المؤقت إلى أن يأذن الله لك بالعودة ولكن تتراجع مستعيذاً بالله من شيطنة الفكرة ، ترى فى عينيها رجاء النهاية لاتملك إلا الطمئنة وإفراغ شحنة توترك فى أى من الحاضرين . ثم تجىء اللحظة ... لحظة اختفائها مع الطبيبة فى تلك الغرفة وانغلاق الباب وينسلخ الزمن كله من على عقارب الساعة ، يتوقف تفكيرك تنسى كل مشكلات الحياة تنسى مبادئك وأفكارك واهتماماتك تنسى جميع من حولك إرغاماً من الموقف عليك ، يتوقف الزمن لدقائق ، ليس على اللسان إلا طلب المعونة من الله وتُختزل جميع حواسك فى حاسة السمع مابين صرخات متتابعة من الألم وانتظارك بكاء الرضيع ومن ثم تتفتح أزهار الحياة وتنهمر ينابيع الجنة ويتعطر المكان ، تسقط منك دمعة تهرب من عينيك هازمة كل ما تتصنعه من قوة وثبات مع بكاء طفلك الآتى إلى الدنيا ويالها من مفارقة شديدة العجب أن يكون بكاء الطفل وصراخه مصدر كل تلك السعادة والبهجة لكل الحاضرين .. تخِرُ على الأرض ساجداً شكراً لله تتمنى تعفير وجهك فى الأرض شكراً لله عن رضاه على إسهامتك فى عبيده وليس فرحة بهدف فى مباراة !!
تنهض مسرعاً مقابلاً الطفل الجديد تحتضنه بعيونك قبل ذراعيك وشفاهك تحجبه عن الحاضرين مؤذناً للصلاة عن يمينه ومقيماً لها عن يساره تبدأ بالتخلى عنه إلى الحاضرين ليأخذوا حقهم فى الفرحة .. ماتزال طراوة اللحم وبكارته تملأ أحاسيسك ، وملمسها لم يتخلَ عن ضمة صدرك ؛ تتفجر الأمومة والأبوة فى كل الحاضرين كباراً أم صغاراً ، يجتاح الموقف الجميع ، فالمشهد أكبر من كل الأحاسيس والخلافات والآلام والأفراح ـ تشعر بالرضا التام والشكر التام تتأهب للجلوس معلنا عدم استطاعة جسدك الاستمرار وكأن كل تلك المشاعر قد أنهكته مصارعة طيلة المدة السابقة وكأن الجسد لم يعد يتحمل تضارب كل تلك المشاعر من خوف وفرح وضيق وترقب وقلق واضطراب وأمل فطمأنينة غامرة وارتياح نفسى عميق ، ولاتجد بداً من الجلوس للاستراحة وشكر الله..... وطلب الرزق.


رد مع اقتباس