عرض مشاركة واحدة
  #99  
قديم 08-02-2010, 09:10 AM
 
* الجزء السابع والعشرون*
(لماذا خدعتني؟)



توقف الوقت في تلك اللحظة.. لم يعد للزمان او المكان أي اهمية..توقفت الصورة وتوقف المشهد بين عماد وليلى.. وكلاهما يتطلع الى الآخر ولكن بشعور مختلف..فالاول كان يشعر بالقلق والتوتر من ردة فعلها.. وينتظرها ان تنطق بكلمة ليعرف ماالذي تفكر فيه.. وصبره يكاد ينفذ من الانتظار..
ومن جهة اخرى.. كانت ليلى غير قادرة على التفوه بكلمة .. وهي تحاول استيعاب ما قيل..تحاول استيعاب ان عماد كان يكذب عليها طوال الوقت.. يخدعها.. وفي ماذا؟ .. في اهم شيء.. الا وهو هويته.. لماذا لم يخبرها الصدق؟ .. لماذا لم يقل بكل وضوح انه ابن صاحب الشركة؟.. هل ظن انها لا تستحق عائلة غنية مثله ام ماذ؟ا.. كيف لم تدرك هذا قبل الآن.؟. لقد فات الآوان وانعقد قرانهما.. ولكن لا.. لم يفت بعد.. ولن تصمت على فعلته هذه..
وعقدت حاجبيها بغتة وتطلعت الى عماد بنظرات جامدة خالية من اية مشاعر..وشعر عماد بقلقه يتضاعف من نظرتها هذه فقال بهمس: ليلى..
القت عليه نظرة لم تكن تحمل سوى معنى واحد..(لقد خيبت ظني بك).. ومضت في طريقها مغادرة المتجر دون ان تلقي عليه كلمة واحدة.. تطلع عماد اليها بذهول ونظرتها تقطعه من الداخل الف قطعة.. بالتأكيد قد فهمت الموضوع بشكل خاطئ..وقال للرجل باعتذار: عن اذنك..
قال له الرجل وهو يهز رأسه: اذنك معك..
اسرع عماد يغادر المتجر بدوره وهو يأمل ان يلحق بليلى وان لا تكون قدغادرت.. وشعر براحة نسبية وهو يراها واقفة تنتظر احدى سيارات الاجرة .. واشارت لاحداها بالتوقف في تلك اللحظة.. فأتجه نحوها واسرع يناديها: ليلى ..
لم تلتفت له حتى وصدمتها تفوق الوصف بعد ان علمت انه يخدعها طوال الوقت ومنذ البداية.. بداية علاقتهما التي كانت يجب ان تقوم على اساس الصراحة و الصدق والثقة المتبادلة ..كان اساسها الزيف والكذب والخداع..
شعرت بغصة في حلقها وهي ترى سيارة الاجرة قد توقفت.. وسارت نحوها ولكنها شعرت بكف تمسك ذراعها.. والتفتت ببرود الى عماد وهي تتطلع اليه بصمت.. وقال عماد بجدية: ليلى اود ان اتحدث اليك..
قالت بحنق: اترك ذراعي..اريد ان اغادر..
قال عماد بحزم: لن تغادري قبل ان تفهمي الموضوع على شكله الصحيح.. ولماذا اخفيت عنك الحقيقة..
التفتت له ليلى وقالت بانفعال والدموع تترقرق في عينيها : افهم ماذا؟.. اجبني.. انك كنت تخدعني طوال الوقت.. انك كنت تمثل علي دور الموظف.. ان الاساس الذي كان يجب ان نبنيه في بداية حياتنا لم يكن سوى زيفا وكذبا وان...
شعرت بغصة في حلقها فبترت عبارتها ومن ثم قالت وهي تطرق برأسها بمرارة: وانك قد اخفيت عني الحقيقة لاني لست في مستوى عائلتك..او ربما لانك خشيت ان اطمع بنقودك.. فاقبل الزواج بك لهذا السبب..
قال عماد في سرعة: ليلى انت تفهمين الامر بشكل خاطئ.. انت اكثر شخص يعلم اني لم ولن افكر باختلاف الطبقات في حياتي.. وحتى ولو كنت تعانين من شدة الفقر فلن اهتم وسأرتبط بك..
قالت بعصبية: حديث مجرد حديث.. لا اجد منك سوى الحديث.. اخفيت عني حقيقة كونك صاحب الشركة.. واستمريت في خداعي على الرغم من اني خطيبتك وفي حكم زوجتك الآن..لقد بنيت حياتنا علىكذبة .. وكل هذا لانك تخشى ان اكون طامعة باموالك..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: انا يا ليلى؟.. انا لم افعل لك شيئا سوى الحديث يوما؟.. الم اعدك بالزواج ؟..وقد وفيت بوعدي .. ولو كنت اخشى ان تكوني طامعة باموالي كما تقولين .. لما فكرت بالارتباط بك يوما ..ولكني كنت اعلم أي فتاة هي انت.. وربما منذ اول مرة رأيتك فيها..
قالت بانفعال ودموعها تجاهد لان تسيل على وجنتيها: اذا لم اخفيت عني الحقيقة؟ .. لم كذبت؟.. هل تريدني ان اصدقك بعد ان كذبت في اهم شيء وهو هويتك؟..
قال وهو يحاول ان يمتص غضبها: الطريق ليس مكانا للحوار..سنكمل حديثنا بالسيارة.. تعالي معي..
قالت وهي تشيح بوجهها: اذهب انت وحدك.. وسأغادر انا بسيارة اجرة..
قال وهو يحاول تمالك اعصابه: بل ستأتين معي..
- لا اريد..
قال عماد بغضب: لست امزح معك.. هل تريدين الركوب في سيارة اجرة لوحدك.. وانا موجود؟..
قالت بعناد: سأذهب سيرا على الاقدام لو تطلب الامر..
قال عماد بحدة: ليلى.. تعالي معي ولا تدعي صبري ينفذ..
التفتت له وقالت ودموعها قد انتصرت في النهاية لتسيل على وجنتيها: لقد خدعتني يا عماد ..هل تريد مني بعد ذلك ان اثق بك واستمر معك في علاقتنا؟..
شعر بالشفقة نحوها وهو يراها تبكي على هذا النحو.. لم يعلم ان كذبته هذه التي استخدمها يوما ليقرب العلاقة بينهما.. ستكون سببا في ابتعادهما عن بعضهما في النهاية!..
وقال بحنان: ليلى علاقتي بك اكبر من كل شيء.. انت لم تدعي لي الفرصة حتى لأشرح موقفي.. وسبب اخفائي للحقيقة..
- لا اريد ان اعلم..
قال بيأس: كما تشائين.. ولكن انا من سيوصلك الى المنزل.. لن تغادري في سيارة اجرة ابدا..
تطلع اليها وهو ينتظرها ان تتحرك.. سارت ولكن خطواتها كانت بطيئة.. ماحدث معها لم يكن بالشيء الهين.. من احبته ومنحته قلبها كان يخدعها لا اكثر ..حبها له جعلها تثق به ثقة عمياء.. وتصدق كل حرف نطق به.. وهي الغبية كيف لم تنتبه الى التشابه بين اسم والده واسم صاحب الشركة.. كيف ؟.. كيف؟..
دلفت الى السيارة وجلست على المقعد .. ودموعها تسيل بصمت على وجنتيها..واختلس عماد النظرات اليها وهو يقود السيارة وهو غير قادر على رؤيتها تتألم وهو صامت.. مهما يكن ومهما يحدث.. ليلى هي الفتاة التي يحب والتي يعشق.. انها خطيبته .. كيف يتركها تتألم لوحدها وهو لا يفعل شيئا سوى النظر اليها.. وقال بحنان: ليلى لا اريد ان ارى دموعك.. صدقيني لم اقصد ما فهمتيه باخفائي للحقيقة..
قالت بحدة: ما السبب اذا؟.. كنت تشعر بالعار مني واني لن اناسب مستوى عائلتك الغنية..و..
قاطعها قائلا: يكفي.. لا تفسري الامور كما تشائين.. الامر كله اني لم ارد ان...
اغلقت اذنيها بكفيها وقالت: لا اريد سماع المزيد.. لا اريد.. لقد قتلتني مرة ولا اريد ان اموت مرة اخرى..
قال برجاء: اسمعيني فقط حتى انتهي من كلامي..
صرخت بانهيار: يكفي.. يكفي..لا اريد سماع شيء.. لا اريد.. كاذب.. كاذب..
كلماتها كانت كالسكاكين التي تنغرز بصدره وقلبه الواحدة تلو الاخرى.. لا تعلم ان كلماتها تجرحه الى اقصى حد.. كيف لا.. وهي تتهمه بشيء اراد منه ان يتقرب منها.. هل هذا هو جزاءه؟.. لم يفكر ان يكذب عليها يوما.. ولكنها تظن اليوم ان كل شيء قاله لها بات كذبا وربما حتى حبه لها..
لم يكن عماد مخطأ في حدسه.. فليلى في تلك اللحظة كانت بدأت تشعر بالشك من كل كلماته..(احبك يا ليلى)..(اعدك بانك ستكونين سعيدة معي)..(لم احب فتاة في حياتي سواك).. كل هذا كذب ..خداع.. لقد كذب مرة ومن السهل ان يكذب آلاف المرات غيرها.. انها لا تكره شيء في هذا العالم اكثر من الكذب والخداع.. واذا كان هذا هو بداية لحياتها مع عماد فهي لا تريد هذه الحياة..لا تريدها...
اختلست نظرة صامته له.. لا تستطيع ان تنكر انها تحبه.. وان حبه بات نبض قلبها .. لا تستطيع ان تنكر انه الشاب الوحيد الذي رأت فيه كل صفات فارس احلامها.. و...ولكنه بالنهاية لم يكن سوى كاذب..مخادع.. استغل حبها لمصلحته ولم يهتم بمشاعرها التي تعلقت به..
وصلا في تلك اللحظة الى منزلها.. فتوقف عماد عنده وقال وهو يزفر بحدة: انت تظلميني يا ليلى..
قالت دون ان تلتفت له: وانت خدعتني يا عماد.. خدعتني في كل شيء..
قال في سرعة : اقسم يا ليلى.. اقسم بالله بأني لم اقل لك شيئا كاذبا طوال فترة علاقتي بك وان كل ما قلته لك هو الحقيقة.. ما عدا ما اخفتيه عنك بكوني ابن صاحب الشركة..
قالت ليلى وهي تفتح باب السيارة وتزدرد لعابها لاخفاء تلك الغصة التي ملأت حلقها: جيد انك اعترفت بان ما قلته يومها كان كذبا..
قال عماد بوجه شاحب: ليلى انت لا تفهمين..
قالت وهي تهم بمغادرة من السيارة: ولا اريد ان افهم..
امسك بكفها قبل ان تغادر.. وشعرت ليلى بالدهشة والارتباك من مسكة يده التي ترجف جسدها بالرغم منها ولكنها لم تلتفت له وظلت صامتة.. وقال عماد في تلك اللحظة بحب وحنان: انظري الي..
لم تشأ ذلك وقالت بشحوب: دعني اذهب ارجوك.. انا متعبة..
قال مكررا: انظري الي فقط.. وسأدعك تذهبين..
التفتت له وقالت وهي تزدرد لعابها: هاقد فعلت..والآن ماذا؟..
ضغط على كفها بحنان وهمس: احبك يا ليلى واقسم على هذا .. ومستعد لأن اكتبها بدمي... لو شككت لحظة واحدة في حبي لك..
رفعت عينيها اليه وهمت بأن تقول شيء ما.. ولكن عيناه اصمتتها تماما.. تلك العينين العميقتين التي تجذبها اليه .. في بحر حنانهما وصلابتهما.. وبعثرت نظراتها بعيدا لتخفي مشاعرها عن عماد واسرعت تجذب كفها وهي تقول: دعني اذهب الآن..
ترك كفها .. فاسرعت تغادر السيارة ودموعها تسيل على وجنتيها دون توقف..في حين تنهد هو بحرار وقال وهو يكور قبضة يده متحدثا الى نفسه : (والآن ماذا يا عماد؟.. ما الحل؟.. يبدوا ان ليلى قد فقدت ثقتها بك.. ما الذي ستفعله؟ .. ستترك حبكما يتلاشى كذرات الغبار بهذه السهولة.. ام ستفعل المستحيل لتعيد علاقتكما كما كانت..وتعيد ثقة ليلى بك..)
واردف بصوت متهدج: ( لو استمعت الي فقط يا ليلى..لما غادرت وانت تتألمين .. ولما كان هذا حالي الآن.. لعلمت اني لم اخفي الحقيقة عنك.. الا لأتقرب منك وتعرفي بحبي.. دون ان يكون هناك ما يمنع ان تبادليني مشاعري..اخبريني يا ليلى أكل ذنبي اني قد ولدت لأكون ابن صاحب الشركة ..وولدتِ انتِ لتكوني موظفة لدي.. اهذا هو كل ذنبي.. ليتني لم اكن الا موظفا مثلك.. فربما لن تفكري بي على هذا النحو لحظتها)
وغادر بسيارته المكان وانفاسه المتوترة تزداد .. وهو يفكر بأي حل ليعيد المياه الى مجاريها بينه وبين ليلى..
ومن بعيد.. تطلعت تلك الفتاة من نافذة غرفتها.. الى سيارة عماد التي غادرت المكان من امام منزلها.. وعادت الدموع لتسيل على وجنتيها وهي تمسك بستارة التافذة وتقول بصوت مختنق: وانا ايضاً احبك يا عماد ..لا تذهب وتتركني .. لا تتخلى عني ارجوك.. انا بحاجة اليك..
ولم تلبث ان سقطت على الارض لتبكي بانهيار وهي تقول: لماذا يا عماد؟.. لماذا خدعتني؟.. لماذا؟؟..
واختلطت دموعها بشهقاتها المكتومة.. التي لم يسمعها أحد.. سوى تلك الزهور الحمراء التي كانت تتحرك باستكانة مع ذلك النسيم الهادئ الذي تغلغل الى الغرفة.. وكأنها تشاركها حزنها وآلامها هذه..
***********
قال طارق بهدوء شديد وهو يجلس على مقعد الانتظار: لن تفيديني في شيء.. سأدخل الى داخل الغرفة ليتم خياطة الجرح ومن ثم اخرج.. ماذا ستفعلين انت؟.. وعلى ماذا تريدين الاطمئنان؟..
قالت وعد باصرار: لن اتركك.. انا من كان سببا في اصابتك هذه .. وعلي على الاقل ان اطمأن عليك..
قال طارق وهو يزفر بحدة: تطمأني على ماذا؟.. خياطة الجرح؟.. استمعي الي.. الصحيفة ستغلق ابوابها بعد نصف ساعة لا اكثر.. خذي سيارتي واذهبي بها لتجلبي تقريرك من سيارتك ومن ثم تنطلقين الى الصحيفة لتسلمي تقريرك.. وحتى يحين ذلك الوقت.. اكون انا قد عولجت.. وبانتظارك حتى تعودي الي واصطحبك بسيارتي الى حيث سيارتك..
ظهر التردد على وجهها فقال وهو يشد على يدها بتشجيع بيده السليمة: هيا يا وعد.. انها فرصتك الوحيدة لتكوني صحفية.. اليست هذه هي كلماتك؟..
قالت بتردد: ولكني قلقة عليك..
قال وهو يتنهد: لن تفيديني في شيء بانتظارك معي.. وثانيا سأكون بانتظارك هنا.. حتى تنتهي من تسليم تقريرك.. ومن ثم ينتهي وقت العمل بالصحيفة.. فتعودي الى هنا.. اتفقنا؟..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: هل ستكون بخير لوحدك؟..
ابتسم وقال: لست بطفل يا وعد.. يمكنك الذهاب ..وسأكون على ما يرام..
قالت وعد بكلمات متقطعة: اهتم بنفسك..
ونهضت من مكانها فقال هو مبتسما: بل اهتمي انت بنفسك..
اومأت برأسها وهمت بالتحرك من مكانها لولا ان ناداها قائلا: وعد..
التفتت اليه في لهفة وقالت: اجل.. ما الأمر؟..
ابتسم وقال وهو يرفع مفاتيح سيارته امام ناظريها: لقد نسيت أخذ مفاتيح السيارة..
ابتسمت ابتسامة باهتة ومن ثم قالت: يبدوا ان ذهني مشتت هذا اليوم..
قالتها ومن ثم التقطت من كفه المفاتيح قبل ان تتجه بخطوات بطيئة لتسير بممر المشفى وهي تختلس النظر اليه بين الفترة والاخرى.. وتفكر في العودة اليه.. لا تريد ان تتركه .. ولكن هذه هي فرصتها الوحيدة كما قال طارق لتكون صحفية.. وتنهدت بقوة وهي تغادر المشفى الى حيث مواقف السيارات.. وهناك انطلقت بسيارته الى ذلك المبنى على الفور لتأخذ تقريرها ومن ثم تنطلق بعدها الى الصحيفة.. ولكن ذهنها وتفكيرها ظلا مع طارق.. طارق الذي دافع عنها بكل شجاعة وشهامة.. طارق الذي لم يكترث بأي شيء قد يصيبه من اجلها.. طارق الذي تشعر باهتمامه نحوها احيانا وتتمنى ان يكون ما هو اكثر من ذلك.. طارق الذي وثق بها وفتح لها قلبه ليخبرها بالحكاية التي جعلته بارد المشاعر وصلب الاحاسيس..
سؤال واحد اخذ يشغل تفكيرها.. لماذا يهتم لأمرها وترى في عينيه الحنان احيانا.. هل يبادلها المشاعر؟..لا.. بكل تأكيد لا..مايا هي حب حياته ويبدوا بأنها قد احتلت قلبه بالكامل حتى انه لم يعد يرى سواها في هذا العالم.. على الرغم من انها قد غادرته..انا لست الا زميلة عزيزة استطاعت اخراجه من محنته واعادته الى جزء من طبيعته السابقة.. الم يقل ذلك بنفسه؟..
وانتبهت في تلك اللحظة الى وصولها بجوار سيارتها.. وهبطت من سيارته لتتجه الى سيارتها وتفتح الباب الامامي لتأخذ من داخل السيارة كل الاوراق اللازمة لتقريرها وكاميرتها الخاصة.. قبل ان تعود الى سيارته وتنطلق بها الى الصحيفة ..وحاولت بقدر الامكان ان تصل قبل فترة تسمح لها بتسليم تقريرها ..على الاقل قبل ربع ساعة من اغلاق الصحيفة لابوابها.. وضغطت على دواسة الوقود لتزيد من سرعة السيارة..
وما ان وصلت الى المواقف حتى اسرعت بايقاف السيارة.. والخروج منها.. لتدلف الى المبنى وتصعد بالمصعد الى الطابق الثالث..والتقطت نفسا عميقا وهي ترى نفسها اخيرا امام باب مكتب رئيس التحرير.. وطرقت الباب بطرقات متتابعة.. وما ان سمعت صوته يدعوها للدخول.. حتى دلفت الى الداخل وهمت بقول شيء ما .. لولا ان اسرع رئيس التحرير يقول ساخرا: لا يزال الوقت مبكرا يا آنسة..لماذا جئت؟.. لم يبقى على انتهاء وقت العمل سوى عشر دقائق..
قالت وعد وهي تطلع الى ساعة يدها: بل اثنا عشر دقيقة يا استاذ نادر..
صاح فيها قائلا: لا تستخِفي بدمك أتفهمين.. نحن هنا بالصحيفة علينا ان نسابق الزمن.. وانت ماذا فعلت ؟.. ارسلتك بمهمة قبل اربع ساعات لمجرد اعداد تقرير وصور.. لتختفي ولا اراك الا قبل عشر دقائق من انتهاء وقت العمل..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: لم يكن ذلك بيدي يا استاذ نادر .. لقد تأخرنا بسبب عدد من المشاكل التي واجهتنا.. ولو علمت بما اصابنا لما قمت بلومي على تأخري..
قال رئيس التحرير بحدة: لا يهمني ما قد يحدث.. ما يهمني هو ان تقومي بعملك في وقته المحدد.. لقد اتفقت معك ان تسلميني التقرير هذا اليوم والا ...
قاطعته قائلة وهي تضع الاوراق على الطاولة: لا داعي للتهديد.. ها هو التقرير امامك وبالنسبة للصور فستكون جاهزة بعد قليل فحسب..
تطلع الى التقرير الذي امامه بغرابة وكأنه كان يظن بأنها لن تستطيع ان تعده وتنتهي منه اليوم وخصوصا بعد ان تأخرت كل هذا الوقت ومن ثم قال: حسنا لا بأس و بما انك سلمت التقرير اليوم فسأتقاضى عن الأمر..وقرار تعيينك في الوظيفة بشكل مستمر سيصدر بعد مراجعة التقرير بنفسي ومعرفة ان كنت اهلا لتكوني في هذا المكان او لا..
قالت وهي تمط شفتيها: والآن يا استاذ نادر.. هل استطيع الانصراف؟..
اومأ برأسه بهدوء .. والتفتت عنه.. فأسرع يهتف بها قائلا: لحظة واحدة..
التفتت له فقال وهو يعقد حاجبيه: ما الذي دعا الى تأخركما انت والاستاذ طارق؟.. هل قام بمساعدتك في اعداد التقرير؟.. لقد وعدني بأن لا يفعل وانا اعرف من يكون هذا الاخير جيدا.. وبما انه قد وعد فهو لا يخلف ابدا.. ربما انت من الح عليه و...
قاطعته في سرعة واستنكار: لا داعي للقلق.. لم يساعدني بحرف واحد.. ثم انه لم يكن لديه الوقت الكافي لمساعدتي..
قال متسائلا: لم ؟..ما الذي حدث؟..
قالت ببرود: بما انك تثق به اسأله بنفسك.. فأخشى ان تعتبر ما سأقوله كذبا..
عقد حاجبيه بقوة وقال بصرامة: عودي الى مكتبك في الحال..
هزت كتفيها وقالت: ومن قال اني لن افعل..
وخرجت من مكتبه لتهبط بالمصعد الى الطابق الثاني ومن ثم تتوجه الى القسم الذي تعمل به..وهناك قابلها أحمد وقال بدهشة: آنسة وعد.. متى عدت؟..
قالت وهي تزفر بحدة: الآن فحسب..
تسائل قائلا: وما الذي حدث لك؟.. لقد اتصلت على طارق فجأة واتجه بعدها فورا مغادرا الصحيفة..
قالت وهي تتنهد: انها حكاية طويلة.. سأخبرك بها.. ولكن هل تصنع لي معروفا ؟..
قال مبتسما: بكل تأكيد..
سلمته كاميرتها ومن ثم قالت: اريدك ان تقوم بطباعة الصور الموجودة في ذاكرة هذه (الكاميرا)..
قال مبتسما: هذا فقط.. لقد ظننت ان الامر فيه توسل للمدير او شيء من هذا القبيل..
ابتسمت بهدوء.. في حين قام هو بتشغيل آلة التصوير..ومن ثم وصلها بجهاز الحاسوب..وقال وهو مندمج بعمله: والآن.. اخبريني ما الذي حدث لك انت ؟..واين طارق؟..
اخذت تشرح له الامر بهدوء.. ةتباطئت سرعة عمله على جهاز الحاسوب وهو يستمع اليها وعيناه تتوسعان تدريجيا.. وقالت منهية الحديث: ولقد جئت الى هنا لاسلم التقرير ومن ثم انطلق الى المشفى مرة اخرى حيث سيكون طارق..
قال احمد بغير تصديق: كل هذا قد حدث دون حتى ان يخبرني احدكما.. ورجال الشرطة كيف لم ينتبهوا لكل ما حدث؟..
قالت وهي تتنهد: لقد كانوا جميعا مشغولون بالمبنى والاصابات .. وسيارتي كانت تبعد قليلا عنهم..
قال احمد وهو يعقد حاجبيه: وذلك الوغد.. كيف استطاع ان يختلق كل تلك الاكاذيب ليبرأ نفسه؟..
- انسان وقح مثله كان علينا ان نتوقع كل شيء منه..
غمز بعينه وقال: بصراحة..لقد كان يستحق ما فعلتهِ به..
فهمت انه يعني تلك الصفعة التي وجهتها لذلك الشاب الوقح عندما تجرأ وامسك ذراعها..ابتسمت لوهلة ومن ثم لم تلبث ان قالت في سرعة: حسنا يا استاذ احمد.. معذرة إن كنت سأأخرك عن اعمالك لتقوم بطباعة صور التقرير..ولكني مضطرة لأذهب الى الاستاذ طارق بالمشفى... حتى...
قاطعها قائلا: يبدوا انه لم يعد هناك حاجة لذهابك..
قالت بغرابة: ماذا تعني؟..
ابتسم وقال: انظري من جاء الينا بنفسه..
رفعت رأسها الى حيث ينظر واصطدمت عيناها بعيني طارق للحظات.. وهي في ذهول من وجوده معهم .. وقال هو بابتسامة: مرحبا بالجميع..
قال احمد مبتسما: اهلا بك.. وحمدلله على السلامة..
نقلت وعد بصرها لا اراديا الى ذراعه لتطلع الى ذلك الرباط الذي التف حول ذراعه.. وتمالكت نفسها لتتحدث وتسيطر على ذهولها.. في حين قال طارق مبتسما: ماذا يا وعد؟.. الا يوجد حمدلله على السلامة على الاقل؟..
قالت وهي لا تزال غير مستوعبة لما تراه: كيف جئت الى هنا؟..
قال وهو يهز كتفيه: بواسطة سيارة اجرة..
قالت وهي تعقد حاجبيها: ولماذا لم تنتظرني حتى اعود؟..الم تعدني بذلك؟..
قال مبتسما: بلى ولكني لم اشأ ان اتعبك..
قالت بحنق: انت مصاب وتفكر ان كان مجرد توصيلك سيتعبني ام لا..
لم يجبها فقالت بحنق اكبر: عنيد..
قال طارق بهدوء وهو يتقدم منها: ولكني لست اشد عنادا منك.. ارأيت ماذا فعل بك عنادك.. لولا وصولي الى المكان في الوقت المناسب.. يعلم الله ما قد كان سيحدث لك..
كانت تعلم انها مخطأة ولكنها قالت بتحدي: لقد سار كل شيء على ما يرام.. وما حدث كان مصادفة ليس الا..
قال وهي يتطلع لها بضيق: ستظلين على عنادك هذا دائما..
والتفت عنها ليتوجه الى مكتبه .. فاسرعت تقول وهي تطرق برأسها: آسفة على كل ما حصل لك اليوم بسببي..
قال طارق وهو يلتفت لها وقد تحول ضيقه الى ابتسامة: وماذا كنت اقول انا منذ الصباح؟.. لا داعي للاعتذار.. انت لا تعلمين بانك زميلة عزيزة علينا جميعا هنا..
ابتسمت بهدوء وهي تطلع اليه..في حين كان احمد قد راقب كل ما حدث امامه.. وانصت الى كل ما قيل.. وهو يظن.. لا بل متأكد.. ان قصة حب جديدة اخذت تنسج خيوطها بين هاذين الاثنين...
*********