* الجزء التاسع والعشرون*
(هل تحبيني يا حلم حياتي؟)
توجهت ليلى الى حيث باب مكتب عماد لتطرق الباب وبدون ان تسمع حتى صوته يدعوها للدخول دلفت الى الداخل.. بخطوات حاولت قدر المستطاع ان تكون هادئة..
وتبخر تحديها بغتة كله في الهواء .. وهي تتطلع الى عماد الذي كان مغمض العينين ويبدوا عليه التعب وهو يعقد حاجبيه بذلك النحو ويقطب جبينه ..واحست بالشفقة تجاهه.. انه يبدوا متعبا للغاية.. ترى أبسببي انا وبسبب ما حدث بيننا ام لسبب آخر؟..تطلعت اليه بعطف ورق قلبها تجاهه.. ولكنها تمسكت بكرامتها ووضعت الملفات على مكتبه دون ان تنطق بكلمة وكادت ان تنسحب من المكان ظنا منها انه لم ينتبه الى وجودها حتى وهو متعب على هذا النحو ..لكنها لم تكن تدرك ان عماد قد استمع الى صوت فتح الباب والى خطواتها التي تقترب من مكتبه.. وتسلل الى انفه عبيرها عندما اقتربت منه.. وحتى صوت انفاسها المتوترة كانت مسموعة لديه..وهمس قائلا وهو يفتح عينيه ليوقفها: انتظري قليلا يا ليلى ..
لم تتحرك من مكانها وقد سيطر عليها التوتر اثر فتح عينيه فجأة وقالت محاولة السيطرة على اضطرابها: اتطلب أي شيء آخر يا سيد عماد؟..
قال عماد وفي عينيه نظرة رجاء: اجل.. اطلب دقائق فقط لأشرح موقفي لك..
قالت ليلى ببرود: هذا لا يدخل نطاق عملك يا سيد عماد على ما اعتقد.. لهذا سأنصرف ..عن اذنك..
التفتت عنه لتنصرف.. ولكن كف عماد امسكت بمعصمها في سرعة وقال هو بارهاق: ليلى لا تفعلي هذا بي.. انا متعب للغاية.. لم انم ليلة البارحة.. وانا افكر بكل ما حدث .. لقد اخطأت واعترف بهذا.. ولكن امنحيني فرصة للدفاع عن نفسي.. لا تصدري حكمك علي بدون الاستماع حتى لتبريراتي..
قالت ليلى وغصة مرارة تملأ حلقها: وماذا ستقول؟.. المزيد من الخداع.. المزيد من الاكاذيب.. لم اعد احتمل سماع المزيد منها.. اترك معصمي من فضلك ودعني اغادر..
ترك عماد معصمها على عكس ما كانت تتوقع.. واحست لوهلة بالدهشة .. ولكنها لم تستمر في دهشتها بل التفتت عنه لتغادر المكتب.. وما كادت تسير بضع خطوات مبتعدة عنه حتى وجدته خلفها يمسك بذراعها بقوة وهو يقول: حسنا يا ليلى.. لقد سأمت هذه اللعبة.. سينتهي الامر الآن.. وستستمعين الي شئت ام ابيت..
رفعت ليلى حاجبيها باستنكار وقالت: هل اصبح الاستماع اليك امرا مفروضا علي ايضا؟..
قال بغضب: اجل .. عندما تتهميني بالخداع وبالاكاذيب ..عندما تتهميني بأن عاطفتي لك ليست الا كذبا.. عندما ترفضين الاستماع الي والى تبريراتي.. فمن حقي هنا ان ادافع عن نفسي.. وافرض عليك الاستماع الي والى ما سأقوله..
قالت ليلى بحدة: واذا رفضت الاستماع اليك.. ما الذي ستفعله؟..
اشتعلت عينا عماد غضبا..وقال وهو يتقدم منها: اجلسي..
لأول مرة منذ التقت به.. تراه ليلى غاضبا الى هذه الدرجة ..وتراجعت الى الوراء لا اراديا.. فصاح بها قائلا بانفعال: قلت اجلسي..الا تسمعين؟..
اطاعته بخوف واستسلام.. وهي تجلس على الاريكة .. فقال عماد وهو يجلس بدوره على المقعد: حسنا يا ليلى سنبدأ منذ بداية علاقتي بك..والتي كنت ترفضين تقربي منك لمجرد اني مدير هذه الشركة..لقد وجدت وقتها ان فرصة ان اكون قريبا منك تعادل الصفر بالمائة لو اخبرتك اني ابن صاحب هذه الشركة ايضا..لهذا فضلت الصمت وعدم اخبارك بالامر .. حتى تكوني قريبة مني.. بدون حواجز او معوقات تبعدنا عن بعضنا.. ليس ذنبي اني ولدت لأكون ابن صاحب هذه الشركة.. وليس ذنبك ايضا انك ولدت لتكوني موظفة فيها.. ولكن ذنبنا نحن الاثنين ان كنا سنجعل من هذه الامور التافهة عائقا بيننا..
وصمت عماد اخيرا ليلتقط انفاسه ويحاول السيطرة على عصبيته وتطلع الى ليلى التي اغرورقت عيناها بالدموع بصمت ..وانتظرها حتى تتحدث ..وبعد دقيقة كاملة من الصمت قالت ليلى بصوت مختنق: اتعتقد ان ما قلته يعد مبررا؟.. اتعتقد اني لم اكن لأعلم الامر عاجلا ام آجلا.. ام انها كذبة اخرى؟..
قال عماد بانفعال: اقسم على انها ليست كذبة.. اقسم على اني لم اكذب عليك في يوم..سوى ما اخفيته عنك بشأن اني ابن مالك هذه الشركة..اقسم اني احبك الى حد الجنون.. اقسم على اني لم اعد احتمل المزيد من مما تفعلين..
واردف وهو يمسك جبينه بتعب: ليلى ارجوك .. انسي هذا الامر.. اني اعترف بخطأي وانه لم يكن يجب علي ان اخفي عنك امرا كهذا..ليلى حفلة الخطوبة لم يبقى عليها سوى ايام .. لا اريد ان ...
بتر عبارته وهو يحاول التقاط انفاسه .. وليلى تراقبه بصمت ..وقالت بعد وهلة من الصمت: عماد.. اتعلم لماذا انفصل ابي عن امي؟..
تطلع اليها بغرابة ومن ثم اجابها بحيرة: لقد قلت ان ابيك كان عصبيا وكانت هناك الكثير من المشاكل التي تنشأ بينه وبين والدتك بسبب هذه العصبية..
قالت ليلى بشرود: اجل كان هذا سبب من الاسباب ولكن السبب الرئيسي كان ان ابي قد خدع امي في يوم.. ربما لم يقصد ذلك.. ولكن امي وقتها اصرت على الانفصال.. ولهذا بات الخداع والكذب اكثر صفتين ابغضهما في هذا العالم.. لأنهما كانا سببا في هذا الانفصال بين والدي ووالدتي .. لهذا لا اريد ان تتكرر المأساة..وان يجد طفل ما نفسه مشتتا بين والدين منفصلين ..
وسالت دموعها على خديها بلا استئذان.. فقال عماد بحنان : ليلى.. والديك مجرد حالة في هذا العالم .. لا تجعليهما قاعدة لنا.. ربما كان الخداع صفة بغيضة.. ولكن الحب امر رائع.. لهذا لا تدعي مثل هذا الامر.. يهدم هذا الحب الذي بنيناه سويا..
دفنت وجهها بين كفيها واخذت تشهق شهقات مكتومة وهي تنتحب.. ووجدت عماد يبعد كفيها عن وجهها بغتة فتطلعت اليه بغرابة .. فقال بهمس: ولم البكاء الآن؟..
تطلعت اليه بصمت غير قادرة على التحدث.. فقال عماد وهو يمسح دموعها بأنامله: هل كذبت عليك في يوم يا ليلى؟..هل فعلت يوما؟..هل تشكين في صدق حبي لك؟..
هزت ليلى رأسها نفيا..فقال عماد برجاء: اذا لم كل هذه القسوة؟.. لم لا تنسين ما حدث ونبدأ صفحة جديدة؟..
- من الصعب على الانسان ان ينسى بسهولة..
- ولكن ليس امرا صعبا ان يسامح انسانا يحبه بجنون..
تطلعت اليه وقالت متسائلة: الن تتخلى عني يوما؟.. الن تتركني وتذهب كما فعل ابي؟..
قال عماد وهو يبتسم: والدك لم يتركك ابدا يا ليلى..انه موجود في أي وقت احتجت اليه..
واردف بحب: اما انا..فقلبي ينبض بأسمك ولأجلك.. لو فكرت يوما ان اتركك فحينها سيتوقف هذا القلب عن النبض..وستجديني جثة هامدة جسدا بلا روح..
اسرعت ليلى تقول: لا تقل مثل هذا الكلام ارجوك.. كيف لي ان احيا في هذا العالم دون ان تكون الى جواري..
قال عماد بابتسامة: هل اعد هذا بداية للصفح عني؟..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها: انت قلتها.. كيف لي ان لا اسامح انسان يحبني وانا اعشقه..
تطلع لها عماد بحب والتقط كفها بين كفيه وقال وعيناه تنطقان بهذا الحب الكبير:بل انا من يعشقك يا ليلى .. انت حلم حياتي ..الذي تحقق...
**********
رنين متصل في ذلك القسم من مبنى الصحيفة جعل وعد تترك ما في يدها وتلتقط هاتفها المحمول لتجيبه قائلة: اهلا هشام.. كيف حالك؟..
قال بسخرية: في اسوأ حال.. ماذا عنك؟.. انك في افضل حال اليس كذلك؟..
قالت بمرح: من قال هذا لدي تقرير كامل علي انجازه اليوم وهذا يعني عدم الحصول حتى لساعة واحدة للراحة..
قال بسخط وغيرة واضحة: ولكن اثنين من الرجال حولك ..ماذا تريدين اكثر من ذلك؟..
ادركت تلميحه وقالت وهي تضحك: حقا؟.. والشركة التي تعمل بها تمتلأ بالفتيات الجميلات ايضا.. ما المشكلة في الامر؟..
قال بحنق: المشكلة انك تعملين معهم في نفس القسم.. اما انا فأعمل مع مجموعة من الرجال في القسم و...
قاطعته وعد قائلة: ومهندسة واحدة لا تحاول الانكار..
صمت بغرابة لمعرفتها بهذا الامر .. وقال متسائلا: وكيف عرفت؟..
قالت وعد بمرح: شقيقتك العزيزة بالخدمة دائما..
قال بسخرية: هكذا اذا.. كل اخباري تصل اليك عن طريقها..
- اجل.. تماما كما اخباري تصل اليك عن طريقها ايضا..
واردفت بجدية: اعلم ان وراء اتصالك سببا ما.. فما هو؟..
قال هشام يهدوء: اجل انت محقة في هذا..
- اخبرني اذا لم اتصالك هذا؟...
قال بجدية وحزم: اريد ان اسألك سؤالا واريد اجابته بصراحة..
ادركت وعد ان سؤاله لن يكون عاديا .. وقالت بتردد: تفضل..
قال وهو يضغط على حروف كلماته: هل هناك شخص في حياتك؟..
اتسعت عينا وعد..ولم تقوى على الاجابة..ما الذي يدفعه ليسأل سؤالا كهذا الآن..هل شعر بشيء ما ام ماذا؟..هل حبي لطارق الذي اخفيه بداخلي يبدوا واضحا للعيان..ام اني لا استطيع اخفاء مشاعري؟..
وقال هشام وهو يعقد حاجبيه بغرابة اثر صمتها: الا زلت على الخط؟..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: بلى..
- لم تجيبي على سؤالي؟..
قالت بارتباك: وما الذي يدفعك لتسأل سؤالا كهذا؟..
قال هشام بصدق: احساس بداخلي يخبرني انك بعيدة عني بسبب شخص ما..هل انا محق؟..
الجمت الصدمة لسان وعد..لم تعلم بم تجيب او ماذا تقول.. انه يكاد يكشفها.. ما الذي يمكنها قوله؟..هل تصمت.. ام تكذب.. ام تخبره بالحقيقة؟.. لا تعلم.. لا تعلم..
وحاولت النطق بأي شيء ولكنها ترددت وهي تحاول التفكير في عاقبة ما ستقوله.. في حين قال هشام على الطرف الآخر : هل اعد صمتك هذا دليلا على اني محق في كل ما قلته..
اسرعت تقول: هشام استمع الي.. سواء اكان هناك شخص في حياتي ام لا.. سنظل ابناء عم دائما..
فهم هشام من عبارتها انها تعني ان مهما حدث لن تقبل به زوجا لها ابدا..وقال بمرارة: حسنا هل لي ان اعلم السبب؟..
تنهدت وعد وقالت: هشام.. كم مرة علي ان اعيد عليك هذا الامر.. مشاعري لك لا تتجاوز حدود الاخوة.. كيف لي ان اقبل بأخي ان يكون زوجا لي.. لقد تربينا سويا يا هشام.. حتى طعامنا كنا نتقاسمه احيانا.. هل تظن انه من السهل علي ان احول مشاعر الاخوة هذه لشخص اعتدت ان يكون اخي.. الى مشاعر حب لزوجي؟..
قال هشام بعصبية: ولكني احبك.. لم لا تفهمين؟..
قالت وعد بحنق: وانا احب شخصا آخر .. هل ارتحت الآن؟..
لم تدرك وعد فداحة ما نطقت به الا بعد ان قالته..وادركت انه لا مجال للتراجع وانها بهذا قد زادت الطين بله.. وقال هشام بسخرية مريرة: اذا فقد كنت محقا منذ البداية..
قالت وعد في سرعة: لا تتسرع يا هشام.. لقد قلت ما قلته في لحظة انفعال و....
قاطعها قائلا بغضب: لن تخدعيني يا وعد.. اكثر شخص يفهمك في هذا العالم هو انا..واعلم انك لا تقولين ما تخفينه الا في لحظات استفزازك او انفعالك..وان ما قلتيه الآن هو الحقيقة بعينها.. اخبريني من هو؟.. ولم فضلته علي؟..
ظلت صامتة دون ان تجيبه .. ثم من اين لها القوة بأن تجيبه ..وقال هو بغضب اكبر: فليكن يا وعد..لا تتحدثي وابقي صامتة.. ولكني اقسم يا وعد.. اتسمعين اقسم على اني لن اسمح لأي شخص بالزواج منك.. فمادمت لست لي.. فلن تكوني لسواي..
كاد هشام ان يغلق الخط لأن وعد ظلت صامتة لفترة من الوقت دون ان تتحدث ولكن هذه الاخيرة قالت بصوت منفعل ومختنق اخيرا: لم انت اناني يا هشام؟.. اخبرني لم؟..
قال هشام بدهشة: انا اناني يا وعد؟..
قالت بحدة وغصة تملأ حلقها: اجل انت.. لا تفكر الا بنفسك .. تقول انك تحبني.. ومن يحب .. يحب الخير لحبيبته.. ماذا عني انا؟.. الم تفكر بي؟.. الم تفكر بمشاعري؟..الم تفكر اني ربما لا اكون سعيدة معك؟.. لا تفكر الا في نفسك.. وان تحظى بمن تحب.. لكن انا لا اهمك.. ان كنت سأسعد معك.. ام سأتألم..
قال هشام محاولا الدفاع عن نفسه على الرغم من الذهول الذي اصابه من كل ما نطقت به وعد: وانت ايضا لم تفكري بي يا وعد.. لم تفكري ان حبك المتوجه لشحص آخر سيقتلني..
قالت وعدواناملها ترتجف من شدة النفعال: لو لم اكن افكر بك.. لقبلت بشخص يحبني على الرغم من اني لا ابادله العاطفة ..اتعلم ماذا سأكون انا عندها.. مجرد فتاة حقيرة استغلت مشاعر من تحب على الرغم من انها تفكر في شخص آخر..
قال هشام وهو يحاول السيطرة على غضبه: هل لي ان اعلم من هو على الاقل؟..
- ليس المهم ان تعرفه.. المهم ان تعرف.. انك شقيقي يا هشام.. وستظل كذلك دائما..
- ولكن يا وعد..انا...
قاطعته وعد قائلة لتنهي الحديث قبل ان تنفجر الدموع من عينيها: عن اذنك الآن يا هشام.. لدي من العمل الكثير.. الى اللقاء..
قالتها واغلقت الهاتف.. وهي تحاول السيطرة على انفعالها وارتجاف اناملها.. وربما من حسن حظ وعد ان طارق قد غادر المكتب منذ فترة ولم يعد اليه حتى الآن.. والا لكان لاحظ كل شيء وكل تعابير وجهها الحزينة وما كان ليتركها وشأنها وهي في هذه الحالة..ولسألها عشرات الاسألة ليعلم ما بها..ولكانت حينها ستنفجر بالبكاء دون شك..وهي تكره ان يراها احد وهي على هذه الحالة..
وجدت نفسها تنهض من على المقعد وتقول بصوت متحشرج: عن اذنكم..
وتسرع بمغادرة القسم..في خطوات سريعة وهي تحاول ان تمنع تلك الدموع من الانذراف على وجنتيها وعينا احمد ونادية تتبعانها في قلق .. ولم تنتبه في سيرها بسبب عجلتها هذه فاصطدمت بعدد من الاشخاص في طريقها دون قصد منها وفي كل مرة كانت تتمتم: المعذرة.. انا في عجلة من امري..
وبدت لها دورة المياه بعيدة جدا وكأنها لن تصلها ابدا.. وما ان لمحت اللاقتة.. حتى اسرعت الى هناك ولم تلبث ان اصطدمت بشخص آخر وقالت: المعذرة لم اقصد.. آسفة جدا..
وكادت ان تبتعدعنه لولا ان سمعته يقول وهو يهمس في اذنها: لا بأس... ولكن انتبهي مرة اخرى في طريقك..
التفتت لطارق لوهلة بدهشة ناطق العبارة السابقة.. ولكنها لم تلبث ان اشاحت بوجهها عنه لتواصل طريقها..ولكن كف طارق كانت اسرع منها فأمسك بذراعها بقلق وهو يقول: وعد .. ماذا بك؟..
هذا ما كانت تخشاه.. وقالت بصوت حاولت ان يبدوا طبيعيا: لا شيء ابدا..
عقد حاجبيه وقال: على من تكذبين.. عيناك تملأهما الدموع..
قالت وعد بصوت مختنق دون ان تلتفت لطارق حتى: ارجوك دعني اذهب..لم اعد احتمل..
افلت يدها وهو في غرابة مما اصابها ومن سر بكائها هذا.. فابستثناء انه قد رآها تبكي مرة واحد بعد سماع قصته مع مايا.. لم يراها حزينة ابدا بعدها.. ترى ما الذي حدث؟.. ومن السبب في حزنها هذا..
ولم يجد امامه الا احمد ليشبع فضوله منه.. ويعلم سر حالة وعد.. وما ان دلف الى داخل القسم حتى قال: ما الار؟.. ماذا بها وعد؟..
تنهد احمد وقال: لست اعلم ولكني سمعت كلمات مبعثرة من حديثها على الهاتف..ثم اني لا احب التدخل في المشاكل الخاصة بشخص ما..
قال طارق وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه بجوار مكتب احمد: ولا انا.. ولكن يهمني معرفة سبب حزنها هذا..
قال احمد وهو يسأله بهدوء: ولم؟..
صمت طارق للحظات ومن ثم قال: لانها زميلة عزيزة وارغب في التخفيف عنها و...
قاطعه احمد بسخرية وقال: هل تظن اني قد صدقتك الآن؟..
واردف بهدوء: اعلم كم يهمك امرها ومعرفة سبب حزنها هذا.. ولهذا سأخبرك.. لم استمع الى ما قالته جيدا.. ولكن يبدوا الامر يخص شخص ما يود التقدم لخطبتها وهي قد رفضته.. ويبدوا انه يصر على الزواج منها على الرغم من رفضها له...
وكأن تيار كهربي قد صعق طارق.. فانتفض في مكانه وهو يقول: ماذا؟.. خطبة وشخص تقدم لخطبتها..
اومأ احمد برأسه وقال: اجل.. فقد سمعتها تقول له انه كأخ لها وانه سيظل كذلك..و...
صمت احمد بغتة وكأنه قد تذكر شيئا ما واردف وهو يعقد حاجبيه: اظن انه ابن عمها الذي جاء لزيارتها قبل اسبوعين هنا.. فقد سمعتها تناديه باسمه..هل تذكره؟..
اومأ طارق برأسه وقال ببرود: اجل اذكره.. واسمه هشام على ما اعتقد..
قال احمد وهو يتذكر: اظن انه هو .. ولكن لا اعلم سر رفضها له.. يبدوا انها تعتبره كأخ لها.. ويبدوا انه لم يتقبل مثل هذا الامر..
قال طارق وهو يتطلع الى احمد بحاجبين معقودين: حسنا اكمل..
قال احمد وهو يزفر بحدة: لقد كان صوتها في البداية منخفضا لهذا لم استمع اليها جيدا.. ولكن في لحظة وجدتها تنفعل وتقول لابن عمها..انها تحب شخصا آخر...
تطلع طارق اليه بدهشة وقد اتسعت عيناه.. وهو يحاول استيعاب ما قاله احمد .. وقال بعد ان سيطر على دهشته: تحب شخصا آخر؟؟.. لم قالت هذا؟.. ومن هو هذا الشخص؟؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لم قالت هذا.. فلست اعلم.. ربما قالتها في لحظة انفعال حتى تتخلص من اصرار ابن عمها على الزواج منها..وربما كانت تقول الصدق.. اما بانسبة لمن هو...
صمت احمد للحظات ومن ثم اردف وهو يميل نحوه بخبث: فيمكنك ان تسألها بنفسك..
قال طارق باستنكار: ماذا تقول؟؟..اجننت؟؟..
- لا ليس بعد.. ولكن اظن انك انت من سيجن لو لم تعلم بحقيقة حبها لذاك الشخص ومن يكون..
قال طارق بحدة وهو ينهض من على المقعد: كف عن هذا الهراء..
غمز احمد بعينه وقال: اواثق انه هراء؟..
مط طارق شفتيه وابتعد الى حيث مكتبه وجلس خلفه ويهز قدمه بعصبية.. ما سر بكاء وعد؟.. امعقول انه مجرد ان يتقدم شخص ما لخطبتها..لا.. يبدوا ان الامر اكبر من ذلك..ثم من هو هذا الشخص الذي تحبه؟.. وهل حقا هي تحب؟.. وان كانت كذلك.. فمن يكون؟؟ ..من؟؟..
لو استطيع التحدث اليها الآن.. لو استطيع .. لعلمت منها الامر .. ولكن .. من انا حتى تخبره بمشاكلها الشخصية.. مجرد زميل لها في العمل .. ليس له الحق في التدخل فيما لا يعنيه ..ولكن.. العلاقة بيننا اكبر من ذلك.. اننا اكثر من زملاء عمل .. ربما اصدقاء او... انها تفهم ما يتبادر بذهني قبل ان اقوله.. وانا استطيع قراءة عينيها دون ان تفتح شفتيها..ترى هل هذا هو الحب؟.. وهل انا من تحب؟.. هل انا هو؟؟..اريد ان اعلم..وعد اجيبيني ارجوك.. هل تشعرين بالتوتر كلما التقت عينانا كما اشعر به انا تماما؟.. هل تتمنين ان لا ينقضي الوقت سريعا عندما نكون معا كما اتمنى انا ذلك؟.. هل تشعرين بالسعادة كلما رأيتني مقبلا على المكتب كما اشعر انا بها عندما اراك تدلفين اليه؟..هل يشرد ذهنك بالتفكير بي طوال الوقت كما يحدث معي؟.. هل تشعرين بنفسك في عالم آخر عندما ترين الابتسامة على شفتي كما اشعر انا بابتسامتك تسحرني؟ .. هل ترغمك عينانا كلما التقيتا على الغوص في بحر الاخرى وتمنعك من الاشاحة بوجهك؟.. ارجوك اجيبيني يا وعد..هل تحبين شخصا يراك الآن حلم حياته؟..هل تحبيني يا وعد كما احبك.. اجيبيني .. ارجوك..
وظلت افكاره تسبح في عقله .. دون ان تسبب له الا مزيدا من الحيرة.. واليأس من العثور على اجابة واحدة فحسب لأي من تساؤلاته..
*********
قال عماد مداعبا وهو يفتح لليلى باب السيارة: تفضلي يا سمو الاميرة..
قالت ليلى مبتسمة وهي تهبط من السيارة: الن تكف عن حركاتك المسرحية هذه؟..
قال وهو يغمز لها بعينه: كلا وخصوصا معك..
واردف وهو يسير الى جوارها الى ذلك المطعم: هل يعجبك المكان؟..
اومأت برأسها وقالت: كثيرا..
وما ان دلفا الى الداخل واختارا احدى الطاولات.. حتى اسرع عماد يجذب لها مقعد وهو يهمس لها قائلا: تفضلي بالجلوس اميرتي..
التفتت له وقالت بابتسامة عذبة: الا ترى انك تبالغ في معاملتي اليوم كثيرا؟..
قال وهو يشير الى نفسه باستنكار مصطنع: انا ؟.. ابدا..
وهمس لها قائلا بخبث: انا ادللك فقط..
ابتسمت بخجل وجلست على المقعد..وقالت بارتباك: عماد..هذا يكفي..
قال وهو يميل برأسه لها بخبث: ماذا قلت؟..
قالت بانفعال وارتباكها قد وصل اقصاه: يكفي..
ضحك بمرح واعتدل في وقفته وقال: ليتك تستطيعين النظر الى وجهك الآن...
قالت باستغراب: لم ؟.. ما به وجهي؟..
- لقد اصبح في لون ثمرة الطماطم..
قالت باضطراب وانفاسها تتلاحق: اجل.. كله بسببك ..اذهب واجلس على مقعدك.. ام انك تفضل الوقوف خلفي هكذا..
قال مبتسما وهو يمسك ذقنه: لو كنت تريدين الصدق.. فأنا افضل الوقوف خلفك..
قالت بعصبية: عماد يكفي ارجوك الناس بدأت تتطلع الينا..
قال مبتسما بحنان: وما دخلهم بنا؟.. انا وخطيبتي احرار..
لم تستطع التحدث امام ابتسامته الحانية ..ولم تجد امامها سوى ان تطرق برأسها خجلا.. فجذب له عماد المقعد الواجه لها وقال وهو يجلس عليه: يالك من فتاة.. لم اكن ادرك من قبل انك خجولة الى هذه الدرجة..
قالها ورفع ذقنها بسبابته برقة.. فتطلعت اليه ليلى وقلبها يخفق بشدة..وقالت بصوت متقطع: عماد.. فلتنادي النادل ..حتى نقوم بطلب ما نريد..
- الا ترين معي ان بدونه يصبح الوضع افضل؟..
قالت ليلى بصوت مرتجف وقد جف لعابها من حلقها اثر اضطرابها: عماد.. ماذا جرى لك اليوم؟..
قال عماد بابتسامة واسعة: اني سعيد.. لا بل في قمة السعادة. . انني احلق فرحا.. ان كان هذا الوصف يوفي.. فمحبوبتي تجلس امامي ومعي وانا اتبادل معها الاحاديث كما اشاء ..دون ان يمنعنا أي شخص..
توردت وجنتاها خجلا من كلماته لكنها لم تلبث ان ابتسمت قائلة: اظن انك مخطأ..
رفع حاجبيه باستغراب.. فتطلعت ليلى الى نقطة ما خلف عماد..والتفت عماد بدوره ليرى ما تنظر اليه.. وتجهم وجهه للحظة وهو يستمع الى القادم وهو يقول: ماذا تطلبان؟..
ابتسمت ليلى بمرح وهي ترى ملامح عماد المتجهمة في حن قال عماد بهدوء: كأسا عصير الفواكة من فضلك..
سأله النادل قائلا: هل تريد شيئا آخر ايضا؟..
- لا شكرا لك..
انصرف النادل بهدوء مغادرا في حين التفت عماد الى ليلى التي كانت تتطلع اليه وعلى شفتيها ابتسامة مرحة. .فقال عماد: لم تخبريني.. هل يناسبك الاسبوع القادم لحفل الخطبة؟..
اومأت ليلى برأسها بصمت.. فقال وابتسامة مرتسمة على شفتيه: جيد..حسنا اذا وماذا عن خطيبك؟.. هل يناسبك هو الآخر؟..
قالت ليلى مداعبة: ابدا.. افكر بتغييره..
قال عماد بغرور مصطنع: ومن اين لك ان تجدي شابا في مثل وسامتي وشخصي المميز؟ ..
قالت ليلى وفي صوتها رنة خجل: ولم انت واثق هكذا..
- لاني اثق بنفسي.. وادرك جيدا انه لايمكن لفتاة ان تقاوم سحري الخاص..
رقعت ليلى حاجبيها ومن ثم قالت بسخرية: هل بت تمارس العاب السحر؟..
ضحك عماد وقال: تقريبا..
وغمز بعينه مردفا: سحر من نوع خاص جدا..
قالها ومس كفها بانامله برقة.. مما جعل الرجفة تسري في جسدها كله.. وتطلعت اليه بحرج بالغ وقالت بهمس: اريد ان اسألك سؤالا؟..
قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: تفضلي..
ترددت ومن ثم قالت: هل انا اول حب في حياتك حقا؟..
صمت قليلا ومن ثم قال: لقد كنت معجب بفتاة قبلك ولكنها لم تكن تبادلني هذا الاعجاب لهذا لم احاول ان اوضح لها اعجابي هذا.. وانتهى الامر معها منذ ان عرفتك..
قالت بغيرة: هل يزعجك ان سألتك كيف تعرفت عليها؟..
قال بابتسامة : في الحقيقة لا اعلم.. لقد كانت اغلب الاحيان معي..
تطلعت له باستغراب فقال وابتسامته تتسع: انها ابنة عمتي..
عادت لتسأله وغيرتها تكبر بداخلها: وهل تراها كثيرا ؟..
ادرك من سؤالها انها تشعر بالغيرة تجاهه فقال بجدية مصطنعة: اجل كثيرا جدا.. وتأتي لزيارتي كثيرا..
عقدت حاجبيها وقالت بضيق: احقا؟..
رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وقال: اجل لم الاستغراب؟..
قالت بحنق واضح: لا شيء.. لست مندهشة او مستغربة ابدا..
ابتسم وقال: لقد حدثتها عنك وباركت لي على الخطبة.. وتحمست لتراك..
صمتت ليلى وهي تشعر بالضيق .. هل هي الغيرة التي اخذت تنهش في قلبها ؟... مع انه اكد لها ان الامر انتهى مع ابنة عمته..ام انها تشعر بهذا الضيق لأنها ليست اول فتاة في حياته؟..صمتت وهي تبعثر نظراتها بعيدا عن عماد.. وتحاول ان تشغل تفكيرها بأي امر أخر..ورأت النادل بعدها يضع كأسي العصير ومن ثم يتصرف مغادرا..
امسكت بكأسها بهدوء وكادت ان ترتشف منه لولا ان سمعت عماد يقول: ليلى..
تطلعت اليه بتساؤال وقالت: اجل..
قال بابتسامة ساحرة: احبك..
بهتت لوهلة ومن ثم لم تلبث الدماء ان تصاعدت الى وجنتيها ..وقالت بهمس: وانا كذلك..
غمز بعينه وقال: وانت كذلك ماذا؟..
تطلعت له وقالت بخجل: احبك..
قال عماد وهو يتطلع اليها بحنان: اتعلمين يا ليلى.. لقدكانت والدتي تصر علي ان اتزوج.. وخصوصا واني بالتاسعة والعشرين من عمري الآن.. او يمكنك ان تقولي اني على مشارف الثلاثين..ولم اتزوج بعد.. ولكني لم اكن ارغب بالزواج الا من فتاة.. افهمها وتفهمني.. اعجب بها..تبادلني اعجابي.. اميل اليها.. وتبادلني مشاعري..باختصار كنت ارغب بالزواج من فتاة احبها..
قالت متسائلة بفضول: وماهي مواصفات فتاة احلامك؟..
قال وهو يتطلع لها: تستطعين ان تقولي انها تشبهك..فقد تمنيتها ان تكون ذات قلب ابيض.. رقيقة..لا تخلو من المرح..تحب الناس..ذات شخصية قريبة من شخصيتك...و..ذات ملامح رائعة الجمال مثلك..
واردف وهو يتطلع لها: لقد كانت هذه الفتاة مجرد حلم في حياتي.. ولكن ها انذا اراه امامي الآن..
واستطرد وهو يتطلع لها: وانت ماذا كانت مواصفاتك لفارس احلامك؟..
قالت وهي تستجمع افكارها: لقد تمنيته رجل بكل معنى الكلمة..ذا شخصية قوية.. حازم ويأخذ حقه بيده..وفي الوقت ذاته.. تمنيته مرحا..طيبا وحنونا..يرسم البسمة على شفتي لو تضايقت.. ويمسح بانامله دموعي لو بكيت..
واردفت مبتسمة: لقد توقعت في يوم اني لن اجد هذا الشاب الذي رسمته في خيالي ابدا..ولكن المصادفات الذي جمعتني بك.. جعلتني اظن ان القدر يضعك امامي متعمدا..وانك انت من تمنيت بشهامتك التي رأيتك عليها منذ اول لقاء بيننا..
قال مبتسما: اذا فالاحلام تحقق..
قالت بابتسامة: يمكنك ان تقول هذا..وان احلامنا قد نستطيع تحقيقها بأيدينا لو اردنا ذلك..وخصوصا اذا كان اكبر حلم في حياتك..
قال بابتسامة هادئة: لعلك تعنين حلم حياتي الذي كنت اتمناه طوال عمري..والذي تحقق اخيرا..
قالت بخجل : ربما..
تطلع لها بنظرات تمتلأ بالحب وبادلته هي نظراتها الخجولة المتفرقة .. وها نحن ذا نرى ان حلم حياتهما قد تحقق اخيرا..
*********