*الجزء الواحد والثلاثون*
(الحب ..ام الكبرياء؟)
القت الشمس اشعتها الذهبية على تلك المساحة الشاسعة من الارض.. وغمرت المدينة بأكملها بنورها الدافئ.. لتعلن صباح يوم جديد.. وتسلل ذلك الضوء الى نافذة تلك الغرفة ليزعج عيني تلك الفتاة ويجعلها تفتح جفنيها وتسدلهما مرة اخرى في ضيق وهي تقول: يا الهي لماذا انسى اغلاق الستائرجيدا في المساء؟..
نهضت من فراشها وتطلعت الى الساعة.. لديها نصف ساعة لتنامها .. ولكن من يأبه بالنوم الآن.. بعد ان استيقظت بالرغم منها ..وبعثرت خصلات شعرها بهدوء.. وهي تحاول ترتيبه.. وقبل ان تنهض من فراشها.. سمت صوت رنين بنغمة وصول رسالة قصيرة.. فالتقطته.. ولم تلبث ان ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعيدة وهي تقرأها: ((صباح الخير يا اجمل من بالوجود.. صباح الخيريا نسمة بين الورود..صباح الخير والسرور..يا حبيبتي الغالية... يا مبعث الوجود..))
ابتسمت ليلى برفة وهي تتطلع الى رسالة عماد الرقيقة والحانية والتي تحمل بين طياتها ذلك الحب الكبير الذي يمنلأ به قلبه تجاهها..واخذت تكتب وترسل له رسالة قصيرة تقول: ((يكفيني انك ارسلت كلماتك.. واثبت لي اشواقك ..واني قد بت جزء من احلامك..يكفيني انك قد بعثت لي كلمات حبك وحنانك..والتي تزيد لهفتي للقياك وانتظارك..))
ونهضت من فراشها لتتوجه نحو دورة المياه وقد اختفى أي ملمح من ملامح النعاس والتعب على وجهها لتحل محله ابتسامة واسعة وسعيدة..
وعلى الطرف الآخر..ارتسمت ابتسامة حنان على شفتي عماد الذي كان يستعد لمغادرة غرفته في تلك اللحظة ..واعاد هاتفه الى جيب سترته بعد ان قرأ رسالتها له.. وهمس قائلا بحب: كم احبك..
وما ان غادر غرفته وهبط السلالم حتى استوقفه صوت والده وهو يقول: الى اين يا عماد؟..
التفت عماد الى والده وقال بابتسامة هادئة: الى الشركة..
قال والده بحيرة: لا يزال الوقت مبكرا يا بني..ان الشركة تبدأ اعمالها بعد النصف ساعة تقريبا..
قال عماد بابتسامة: لا بأس يا والدي..لقد استيقظت مبكرا واشعر بالنشاط.. لهذا سأذهب الى هناك على الفور..
قال والده بهدوء: كما تشاء يا بني..
ابتسم عماد بهدوء وغادر المنزل.. وهو يشعر بأن كل ما قاله لم يكن السبب الحقيقي لذهابه مبكرا..انما هي..ليلى.. شوقه للقياها.. وشوقه لرؤيتها.. واصطحابها معه الى الشركة او الى أي مكان آخر.. المهم اه منذ ان فتح عينيه هذا الصباح وهو يشعر بلهفة لرؤيتها على الرغم من ان آخر لقاء لهما كان بالامس فحسب.. والتقط هاتفه المحمول في نفس اللحظة التي دلف فيها الى السيارة.. واتصل بها وهو في شوق لسماع صوتها..وما ان اجابته قائلة: اهلا عماد..
حتى قال بحنان: اهلا بك..كيف حال حبيبتي الغالية اليوم؟..
قالت بابتسامة خجلة: في خير حال..ماذا عنك؟..
قال بابتسامة وهو يشعل المحرك وينطلق بالسيارة: بخير..واشتقت اليك كثيرا..
قالت مبتسمة: لم يمضي على آخر لقاء لنا حتى اربع وعشرون ساعة..
قال وهو يهز كتفيه: وماذا يهم.. انا اشتاق اليك حتى وانت معي..
توردت وجنتاها بحمرة الخجل وقالت مغيرة دفة الحديث: ما سر اتصالك يا ترى في هذا الصباح الباكر؟..
قال بخبث وقد ادرك رغبتها في تغيير دفة الحديث: لسماع صوتك الرائع..
ازدادت سرعة نبضات قلبها وقالت بارتباك: اخبرني حقا لم اتصلت؟..
قال بمرح: اخبرتك الصدق حقا.. لسماع صوتك.. وايضا لاصطحابك معي..
قالت بحيرة: تعني الى الشركة؟..
قال بابتسامة:الى الشركة او الى أي مكان آخر.. فقط كوني جاهزة..
قالت في سرعة: حسنا اذا .. سأكون جاهزة ريثما تصل..الى اللقاء..
قال عماد بحنان: الى اللقاء يا اميرتي..
واغلق الخط وهو يواصل طريقه..متجها الى منزل ليلى.. وشوقه لها يتضاعف..
*********
دلفت وعد الى القسم الرئيسي بالصحيفة وقالت بمرح يبدوا جليا على وجهها: صباح الخير جميعا..
ابتسم احمد وهو يتطلع اليها قائلا: صباح الخير.. من الغريب ان تغادرينا بالامس وانت حزينة.. وتحضري اليوم وانت تبدين في حالة من المرح والسعادة..
نقلت عينياها الى طارق على الفور وقالت مبتسمة: وما الغريب في الامر.. هذه هي الحياة.. يوم سعيد ويوم حزين..
منحها طارق ابتسامة تحمل في طياتها الكثير من الحنان وقال لها: صباح الخير يا وعد..
واردف بهدوء: وانا معك في ما قلته..
ومن طرف آخر قالت نادية وهي تراها تجلس خلف مكتبها: صباح الخير يا وعد.. لقد قلقت عليك حقا.. بسبب حزنك المفاجئ بالامس.. ماذا حدث؟..
لوحت وعد بكفها وقالت بابتسامة: لا شيء.. مجرد مشاكل اعتيادية..
اما احمد فقد قال بخبث متحدثا الى طارق: تقول انك معها في ما قالته.. وما الغريب في هذا؟..فمنذ متى كنت ضدها..
التفتت له وعد واجابته هذه المرة بابتسامة مرحة: كثيرا ما كان ضدي وخصوصا في الايام الاولى من استلام وظيفتي هنا..
قال احمد بمكر: هذا كان في السابق عندما لم يكن يعرفك جيدا .. اما الآن....
قاطعه طارق قائلا وهو يرفع حاجبيه: اما الآن.. فعليك ان تصمت وتعمل بجد اكثر..
التفتت وعد الى طارق.. وقد استغربت منعه احمد من اتمام عبارته.. ربما شعر مع عبارة احمد انه يسخر منه او شيئا من هذا القبيل.. لم تهتم وهي تجلس خلف مكتبها وتخرج من حقيبتها ورقة كانت عليها كلمات من الواضح انها كتبت بسرعة ودون ترتيب.. فاعادت كتابتها فوق احد الاوراق بشكل منظم..
اما طارق فقد التقط من درج مكتبه ورقة مجعدة قد بات من الواضح عليها ان من كتبها كان يرغب في التخلص منها.. وأخذت عينا طارق تلتهمان كلمات تلك الورقة وابتسامة هادئة ترتسم على شفتيه.. ومن ثم لم يلبث ان تطلع الى وعد وهو يعيدها الى درج مكتبه..
وران الهدوء على القسم كله.. قبل ان يقطعه صوت رنين هاتف القسم الذي ازعج الجميع وتركهم يتركون ما بيدهم..والتقط طارق سماعة الهاتف ليجيبها قائلا: قسم الصفحة الرئيسية .. من المتحدث؟..
استمع الى صوت محدثه باهتمام ومن ثم لم يلبث ان قال: حسنا في الحال يا استاذ نادر..
واغلق سماعة الهاتف .. ليتجه الى مكتبه ويجلس خلفه ومن ثم يلتقط عدة اوراق ونادى وعد قائلا: وعد احضري مقعدا وتعالي هنا..
رفعت حاجبيها وقالت: ولم؟..
قال بهدوء: تعالي وستعرفين كل شيء..
نهضت من خلف مكتبها وجذبت لها مقعدا لتجلس بجوار مكتب طارق ومن ثم قالت: ما الأمر؟..
التفت لها طارق وقال: لقد طلب الاستاذ نادر ان نجمع بعض المعلومات اللازمة عن احد المسئولين بالبلاد.. وبعدها سنذهب لعمل لقاء صحفي معه..
اومأت برأسها قائلة: حسنا.. امنحني الاسم فقط..
قال بهدوء: نبيل سالم..
ومن ثم اعتدل في جلسته ليواجه جهاز الحاسوب وقال: سأبحث عن أي معلومات تتعلق عنه في شبكة الانترنت.. اما انت سجلي كل ماامليه اليك..
سألته وهي تعقد حاجبيها بغرابة: ولم لا تقوم بطباعة ما نريد من معلومات؟..
- لسنا نحتاج الا لمجموعة من المعلومات البسيطة والمتفرقة..
اومأت برأسها مرة اخرى وقالت: فليكن..
اخذ يلقي على مسامعها عبارات متفرقة.. ما بين اعمال هذا المسئول..وما بين امور تتعلق بمنصبه وعلاقاته الخارجية.. واخيرا قال طارق بهدوء: اظن ان هذه المعلومات تكفي..
تطلعت وعد الى الورقة التي امتلأت تقريبا بمعلومات عن ذلك المسئول وتمتمت موافقة: اجل .. اظن ذلك..
استدار لها طارق وقال وهو يمد لها كفه: امنحيني الورقة اذا حتى ارى ما كتبته..
منحته اياها..واخذ يقرأها هو باهتمام.. ومن ثم لم يلبث ان وضعها بدرج مكتبه وقال: حسنا سأذهب لأتحدث الى الاستاذ نادر بشأن اللقاء وان كان قد اخذ لنا موعدا مع المسئول ام لا.. وبعدها سوف نغادر نحن لعمل اللقاء..
قالت وعد في لهفة لم تتمكن من اخفائها: تعني اننا سنكون معافي هذا اللقاء..
ارتسمت ابتسامة حانية وقال: اجل.. فيم كان عملنا سويا اذا؟..
قالت بتوتر بالرغم منها من ابتسامته الحانية: ظننت انك اردت مساعدتي لا اكثر..
تطلع اليها لبرهة من الوقت ومن ثم قال: انتظريني لدقائق.. سأعود لنغادر سويا..
ابتسمت وهي تراه يغادر واسرعت هي تعد اوراقها وآلة التصوير بالاضافة الى جهاز التسجيل..واستغرق منها هذا وقتا قبل ان تنتبه الى طارق الذي كان واقفا عند باب القسم وقال: هيا يا وعد سنذهب ..الم تقومي بتجهيز اشيائك بعد؟..
اسرعت تقول: في الحال..
قال وهو يخرج خارج القسم: اسرعي سأنتظرك في....
بتر عبارته وكأنه تنبه الى امر هام ومن ثم قال: لقد نسيت اخذ الورقة..احضريها يا وعد..
فهمت انه يعني الورقة التي قد جمعا فيها المعلومات عن المسئول.. فاتجهت الى مكتبه وقالت متسائلة: في أي درج وضعتها؟..
قال دون ان يلتفت لها وهو يتطلع الى ساعته: الاول..
اسرعت بفتح الدرج والتقاط الورقة المنشودة ...ولكن ...ورقة أخرى استرعت انتباهها..فتأملتها وهي تشعر بأنها مألوفة لها .. خصوصا وهي مجعدة بنحو غريب وكأنها مهملة .. ووجدت فضولها يجبرها على مد يدها والتقاط الورقة.. لمعرفة ما بها.. وعن سر احتفاظ طارق لورقة مجعدة مثلها.. فضت الورقة وسقطت عيناها على اول الحروف...
في اللحظة ذاتها رفع طارق رأسه اليها وقال بضجر: الى متى سأنتظر يا وعد؟.. كل هذا الوقت لاحضار تلك ال....
بتر طارق عبارته بغتة وهو يلمح عينا وعد التي تنظر اليه بصدمة وغضب..وادرك على الفور سر نظرتها هذه عندما وقع بصره على الورقة التي في يدها..ووجد نفسه يقول في توتر: سأشرح لك الامر..
اما وعد فلم تستمع الى عبارته..لقد ظلت تتطلع الى طارق بعينان تملأهما الصدمة..لقد كان يحتفظ بكلماتها طوال تلك المدة.. من اين حصل عليها؟.. وكيف يمنح لنفسه الحق التعدي على خصوصيتها وقراءة اوراقها الشخصية..لقد علم من هذه الورقة بمشاعرها التي تريد ان تخفيها منذ زمن عنه.. لهذا كان يخصها بذلك الحنان .. لهذا اخبرها بقصته مع مايا.. لم يفعل كل هذا الا عندما قرأ كلمات الاهتمام التي عبرت عنها الخاطرة..لقد تقصد بكل تأكيد الاطلاع عليها.. واحتفظ بها.. هل اهتمامه بي شفقة اذا على مشاعري نحوه؟..
لم يكن عقل وعد يستطيع التفكير في تلك اللحظة.. ويجعلها ترى الامر بوضوح اكبر..وان احتفاظ طارق بالورقة لا تعني الا انه ييريد ان تبقى كلماتها معه دائما.. لم تكن ترى انها فعلت مثل ما فعله طارق بالسماح لفضولها لالتقاط الورقة من درجه ..لم تكن ترى لحظتها سوى ان طارق قد اقتحم خصوصيتها ومشاعرها بغير حق.. وانه قد كان يشفق عليها باهتمامه ليس الا.. ووجدت نفسها تهتف بغضب: كيف تجرؤ على التدخل في خصوصياتي؟..
قال طارق في سرعة: سأشرح لك الامر كله يا وعد..
قالت في حدة دون ان تنتبه الى احمد ونادية الذي ادهشهما هذا الشجار بينهما والذي لم يعرفا سببه: لهذا كنت تهتم لأمري اذا ..لانك كنت تعلم انك قد جذبت انتباهي منذ البداية.. لقد كنت تشفق على مشاعر فتاة بلهاء مثلي ليس الا..
قال طارق بحزم: من قال هذا؟.. لا شيء يدعوني للشفقة.. لا شيء يدعوني لأن انافق في مشاعري.. لا شيء يدعوني للخداع.. ان كل ما افعله او انطق به انما هو الصدق.. ونتيجة لما احمله لك من مشاعر..
وعلى الرغم من رنة الصدق في صوته الا ان غضب وعد اعماها عن الانتباه لصدقه وهي تقول: كيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصياتي؟.. لقد رفضت انت ان يتدخل أي احد بماضيك.. رفضت مجرد السؤال عنه.. فكيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصيات غيرك؟..
قال طارق وهو يزفر بحدة: اعترف اني اخطأت بهذا الشأن.. ولكن انتابني الفضول لحظتها على ان اعرف سر هذه الورقة المهملة وظننتها موضوعا آخر تركتيه باهمال.. ولم اكن ادرك انها كلمات رائعة عبرت عن براعة اسلوبك في هذا المجال..
وعلى الرغم من رقته في قولها الا ان هذا لم يهدئ من غضب وعد وقالت بعصبية: هل كنت ستسمح لي بالتجسس على اوراقك واسرارك؟.. هل كنت ستسمح مجرد معرفة جزء من مشاعرك دون ان تقولها انت بنفسك؟..
تطلع اليها طارق بدهشة من انفعالها.. وخيل اليه انه يلمح مايا بعصبيتها وانفعالها الدائم.. لم يعلم لم تذكر مايا الآن؟.. ولكن عصبية وعد المبالغة جعلته يتذكرها وهي تختلق الشجارات معه.. وتصر دوما انها على حق.. وتذكر كيف كان يعالج الموقف وقتها..ولكن هذه المرة من تواجهه وعد وليست مايا.. وعد بعصبيتها ورقتها في آن واحد.. وعد بكبريائها الذي يجعلها ترفض ان يعلم احد بمشاعرها.. تظن الآن انه عندما علم بمشاعر الاهتمام التي تكنها نحوه بادلها هو المشاعر.. ستكون حمقاء لو فكرت هكذا.. وان مشاعره لها ليست سوى شفقة..
وقال اخيرا بصوت هادئ: لم كل هذه العصبية يا وعد؟.. سأشرح لك الامر بهدوء وبعدها يمكنك الحكم بنفسك..
قالت وفي عينيها نظرة لوم: لا احتاج الى شفقتك..
ومرت من جانبه في سرعة لتغادر القسم ولم تكد تفعل حتى فوجئت بطارق يمسك معصمها في قوة ويقول: استمعي الي اولا.. قبل ان تهربي..
قالت في انفعال وغصة تملأ حلقها: انا لا اهرب.. ووفر شفقتك لنفسك..
قالتها وجذبت معصمها من كفه في خشونة..لماذا؟.. لماذا الآن؟..لماذا بعد ان شعرت بالسعادة لأنه يهتم بي ويخصني بنظراته؟.. لماذا بعد ان علمت انه يشعر بقربي له؟..لماذا اكتشف الآن ان هذا ليس سوى مزيج من شفقته وعطفه علي؟..لماذا؟..
لم تعرف الى اين تتجه.. ولكن وجدت قدماها تقودانها الى الممر الذي تقع المصاعد في نهايته.. ووجدتها فرصة مناسبة لابعاد تلك المرارة والحزن من اعماقها..واخفاء دموعها التي تترقرق في عينيها عن الجميع.. ستخرج من الصحيفة لتختلي بنفسها ولو لدقائق او ربما تذهب الى الكفتيريا لترتاح قليلا .. اهم شيء ان تبعد عن نفسها هذا الاحساس بالحزن وتنسى طارق بمشاعر الشفقة التي يحملها لها..
واطلقت تنهيدة الم..لكنها لم تكتمل.. وهي تلمح طارق يقف امامها بجسده الممشوق القوام ليعترض طريقها ويحول عنها التقدم قائلا: قلت لا تهربي.. سنتفاهم اولا..
وضعت كفها على فمها لتمنع شهقة دهشة كادت ان تنطلق من بين شفتيها..وهي التي لم تكن تشعر به يتبعها على الاطلاق ..وقالت ببرود بعد ان تلاشت دهشتها: ابتعد عن طريقي..
قال بصرامة: ليس قبل ان نتفاهم..
قالت والدموع تعود لتترقرق في عينيها: شكرا لك لست احتاج لكلمات الشفقة منك..
قال طارق بعصبيه هذه المرة: عن أي شفقة تتحدثين؟.. هل كانت مشاعري نحوك بهذا القدر من الكذب الذي تصفين؟ ..انني لم افكر يوما حتى بالشفقة نحوك.. ومنذ اليوم الاول لقدومك للمكتب كنت تعلمين اني لم اكن اهتم بأي احد.. فهل كنت سأهتم بمشاعرك واشفق عليها؟..
تطلعت اليه وعد وقد شعرت بصدق منطقه.. ولكنها قالت ببرود: ولكن هذا لا يمنحك الحق بالتدخل في خصوصياتي ومشاعري الخاصة..
قال طارق بتحدي هذه المرة: الم تفعلي المثل؟..
قالت وعد باستنكار: انا؟؟..
- اجل انت.. كيف علمت بأمر هذه الورقة في درجي اذا..الم تلتقطيها من درجي وهي تخصني انا؟..
شعرت بالارتباك وقالت بعد برهة من الصمت: ولكنها تخصني انا..
قال طارق وهو يعقد ساعديه امام صدره: وكيف كنت لتعلمي بهذا لو لم تلتقطيها بنفسك وتقرأيها.. مايدريك وقتها ان الورقة لم تكن لتحمل امور تخصني او شيء من هذا القبيل..
سيطر عليها الحرج والتوتر.. ولقد علمت حقا انها قد فعلت ما ترفضه الآن وبشدة..وتمتمت مدافعة عن نفسها: لم اكن اقصد ذلك..لقد بدت مألوفة لدي .. ليس الا..
واردفت في حدة: والآن..هلا ابتعدت عن طريقي..
لم يتزحزح طارق من مكانه قيد انملة.. فقالت وعد بعناد: فليكن انا من ستبتعد عن المكان..
قالتها وهي تلتفت عنه وتسير مبتعدة.. لكن صوت طارق الصارم جعلها تتوقف في مكانها وهي تستمع اليه وهو يقول: لا تظني يا وعد اني سألحق بك مجددا.. مادمت نرفضين الاستماع الي الآن.. فلن احاول تبرير الامر لاحقا..اما انت فيمكنك الهرب الآن.. يمكنك ان تهربي من الحقيقة كما تشائين..
وجدت وعد نفسها تتوقف وتلتفت له قائلة بحدة: لقد شرحت لي الامر وانتهى الموضوع.. ماذا تريد الآن؟..
قال طارق بجدية: لا لم ينتهي الامر بعد .. فعيناك تقولان ان الشك لا يزال يراودك فيما قلته..
قالت وعد بسخرية وهي تعقد ساعديها امام صدرها: صحيح .. نسيت انك تستطيع قراءة لغة العيون..
قال طارق وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: ولا يفهمها الا من يهتم بصاحبها.. اليس كذلك؟..
توترت وعد بعبارته.. ووجدت يداها تسقطان الى جوارها وهي تتطلع الى اجمل عينان رأتهما في حياتها.. عينان تستطيع ان ترى بداخلها الصدق والحنان.. الصرامة والحزم..المرح وقوة الشخصية.. عينان هي اغرب ما تكون بكل ما تحمله من مشاعر.. وهمت بنطق شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف طارق.. وسمعته يجيبه قائلا:اجل يا استاذ نادر...في الحال.. سنذهب بعد دقائق..الى اللقاء..
ولم يلبث ان اغلق الهاتف ومن ثم قال وهو يتحدث اليها: هيا سنذهب الى اللقاء الصحفي الآن..
قالت بعناد: لا.. لن اذهب الى أي مكان..
قال طارق وهو يهز كتفيه: فليكن يا وعد.. افعلي ما بدا لك..سأذهب الى اللقاء الصحفي وحدي.. ولكن قبل هذا...
بتر عبارته ومن ثم اردف وهو يضغط على حروف كلماته: سأنتظرك لعشر دقائق في موقف السيارات بالاسفل.. عشر دقائق لا غير.. ان لم تحضري فسأغادر..
قالها والتفت عنها ليتوجه الى حيث المصاعد والقى عليها نظرة اخيرة قبل ان يستقل احدها الى الطابق الارضي.. اما وعد فقد توقفت في مكانها للحظات وهي غير عالمة لماتفعله..أتتبعه الى هناك.. ام تحتفظ بكبريائها وتجعله يذهب وحيدا..ولكن لم كل هذا؟..انه على حق في كل ما قاله.. لقد شعرت بصدقه في كل حرف نطق به.. ولكن مع هذا قد تدخل في شيء يخصها.. في مشاعرها التي جاهدت لتخفيها عنه وعن الجميع.. ان طارق هو الانسان الذي تحب..هل تضحي بكرماتها وتذهب اليه؟.. ام تحتفظ بها وتتركه يذهب وحيدا؟..انها تعلم انه جاد فيما يقوله.. وانه سيتركها ويرحل فعلا لو لم تتبعه.. ولهذا ازدادت الحيرة بداخلها اضعافا .. وهي غير عالمة لما تفعله...
وظلت في حيرة من امرها وهي تنقل بصرها بين ركن لمصاعد الذي كان يقف فيه طارق منذ لحظات وبين ساعة يدها التي اعلنت مضي دقيقتين حتى الآن...
**********
ارتفع حاجبا ليلى بحيرة وهي ترى ان سيارة عماد لم تصل بعد.. على الرغم من وقوفها بالخارج لخمس دقائق.. وقالت متمتمة: لقد فال لي انه سيحضر بعد دقائق فقط..ما الذي اخره؟..
واردفت بقلق: اتعشم ان يكون بخير..
اخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت به على الفور.. واستمعت اليه بعد وهلة يجيبها: هل اشتقت الي بهذه لسرعة؟..
تنهدت بارتياح..ومن ثم قالت متسائلة: اين انت يا عماد.. ولم تأخرت؟..
قال بابتسامة: حتى اثأر لنفسي ..ففي المرة السابقة انت من تأخر..اما اليوم فمن حقي انا ان اتأخر..
قالت ليلى بضيق: عماد.. قل الصدق..
قال بهدوء: معذرة يا ليلى ولكن الشوارع مزدحمة.. سأصل اليك بعد دقائق على الاكثر..
قالت بهدوء: سأنتظرك.. الى اللقاء..
وانهت الاتصال.. ولم تمض دقيقة واحدة حتى لمحت سيارة عماد تتقدم منها وتتوقف الى جوارها..فتنهدت براحة وهي تنطلق نحو السيارة وما ان فتحت بابها واستقرت بداخلها حتى قالت بابتسامة شاحبة وهي تتطلع الى عماد: لقد اقلقتني عليك..
قال عماد وهو يغمز لها بعينه: لا داعي لكل هذا القلق يا اميرتي.. ولكن الطرق كانت مزدحمة ليس الا..
قالت بهدوء: ولم لم تتصل بي لتبلغني بأنك ستتأخر لهذا الامر؟..
قال بمرح وهو يعاود انطلاقه بالسيارة:حتى اعرف مدى حبك لي وان كنت ستقلقين علي ام لا..
التفتت له وقالت وفي صوتها رنة خجل: الا زلت تشك في مقدار حبي لك؟..
قال بابتسامة: مطلقا..
واردف وهو يهمس لها: والآن الى اين نذهب.. الى الشركة .. ام الى آخر مكان في هذا العالم؟..
قالت هي بخبث هذه المرة: ليست لدي رغبة في العمل هذا اليوم .. ولكن .. مع هذا لا اريد ان اترك انجاز الاعمال ليوم آخر..
قال عماد بابتسامة واسعة: هذا يعني ان نذهب الى احدالمطاعم .. اليس كذلك؟..
- بل الى الشركة وفي الحال..لا اريد كسلا بعد الآن.. يا سيد عماد.. اتفهم؟..
قال عماد وهو يلتفت لها: افهم جيدا يا اميرتي.. الى الشركة وفي الحال..
قالت ليلى وهي تتطلع اليه: اياك ان تتخذ مسارا مختلفا .. فأنا اراقبك..
قال عماد وهو يضحك: يا الهي هل بت مراقبا الآن؟..
- يمكنك ان تعتبر نفسك كذلك..
قال بحنان: حسنا انا اوافق.. لاني سأكون مراقبا من اجمل فتاة رأيتها في حياتي.. واروع عينين ستظلان تتبعاني طوال الوقت .. ماذا اريد اكثر من ذلك؟..
توردت وجنتيها وقالت ليلى وهي مصطنعة العناد: لا تحاول التأثير علي بكلماتك.. لن نذهب الى أي مكان قبل انتهاء وقت العمل..
هز كتفيه وقال: فليكن.. ولكن انت احتملي ذنب شاب مسكين ..رفضت تحقيق مطلبه..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها بهدوء: لا عليك سأحتمله وبكل سرور..
قال وهو يتصنع الحزن: احتملي عذاب الضمير اذا..
قالت ليلى وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها: متى ستكف عن تمثيليتك هذه؟.. قلت لن نذهب الى مكان ما.. قبل ان تنهي اعمالك بالشركة..
- فليكن يا سيادة المديرة..لن اتحرك من مكاني خطوة واحدة قبل ان انهي اعمالي..
قالها بكل حب صادق وهو يتطلع الى ليلى..ليلى التي بادلته بنظرات تمتلأبالحنان والحب..وخفقات قلبها تزداد تسارعا...
*********
أسبل طارق جفنيه بهدوء وهو يسترخي بداخل سيارته الرياضية من نوعها.. وهو مستغرق بالتفكير في امر ما.. ثم ما لبث ان فتح عينيه وقال وهو يتطلع الى ساعته: يبدوا انها أعند مما توقعت..
قالها وهم بادارة المحرك.. لولا صوت تلك الخطوات التي اقتربت من سيارته.. فالتفت الى صاحبها.. او صاحبتها ان اردنا الدقة ..وابتسم بهدوء وهو يراها تتقدم منه وتفتح الباب المجاور له.. وتدلف الى الداخل بصمت.. ومن ثم تشيح بوجهها عنه.. فقال طارق وهو يدير المحرك بالفعل هذه المرة: لقد كدت امضي في طريقي لو تأخرت لدقيقة فقط..
قالت وعد بحدة: لم آتي لأجلك.. لقد جئت من اجل اللقاء الصحفي..
هز طارق كتفيه وقال: اعلم.. لم يطلب احد منك المجيء لأجلي..
تطلعت اليه وفي اعماقها شعرت بالحنق الشديد.. أي انسان هو هذا؟.. الا يفهم ان يقرأ ما بين السطور؟.. الا يفهم انها لم تقل هذا الا لتبين له انها قد جاءت من أجله؟.. ومن أجله فقط..فليذهب اللقاء الصحفي الى الجحيم.. المهم هذا الانسان الغريب بجاذبيته.. والفريد بشخصيته.. ما يهمها بالامر برمته هو ولا احد سواه..وعلى الرغم من ان الامر متوتر بينهما الا انها القت بكرامتها خلف ظهرها وتحطم عنادها كله امامه.. وهي ترى نفسها تجمع اشياءها وتهبط الى حيث هو.. هذا هو طارق..انسان يجعلها تتصرف عكس ما تريد.. يجعلها تتصرف بأشياء خارجة عن ارادتها..
وازدردت لعابها في توتر.. وهي تفكر..ما حدث بينهم كانت مشكلة وانتهت.. وادركت وعد ان كلاهما كان مخطئا.. فمن ناحية قراءة طارق لورقة تخصها.. ومن ناحية اخرى فعلها شيء مماثل عندما حاولت معرفة كنه تلك الورقة في درجه.. ولكن يبدوا ان ما حدث جعله متحامل عليها.. فها هو ذا يقود السيارة دون ان يتبادل معها حرف واحد ..هل هو غاضب من تصرفاتها يا ترى.. ايهما له الحق في الغضب.. هي ام هو؟..
وتوقف طارق اخيرا امام مبنى متوسط الحجم.. وقال وهو يلتفت لها: لم كنت تتطلعين الي طوال الطريق؟..
شعرت بالحتق منه.. وقالت متعمدة السخرية: ربما كنت معجبة بك..
وعلى الرغم من انه انتبه الى سخريتها الا انه قال بصدق: ليس الامر غريبا اذا .. فانا ايضا معجب بك..
شعرت بالصدق في كل كلمة ينطق بها وقالت بتردد: تظن اني سأصدق سخريتك هذه؟..
قال طارق بحزم: اولا انا لا اسخر منك.. وثانيا يمكنك تصديق ما تشائين..فلست مجبرا على ان اقسم لك..
ما هذا الذي فعلته؟.. يبدوا انها قد زادت الطين بلة.. ورأته يفتح باب السيارة ويهبط منها دون ان يضيف كلمة اخرى ..وهبطت من السيارة في سرعة وقالت وهي تناديه في سرعة: طارق..
كاد ان يلتفت لها ولكن صوت نداء آخر كان يهتف بأسمه جعله يلتفت الى صاحبته وقال وهو يرى تلك الفتاة وهي تقترب منه وعلى شفتيها ابتسامة مرحة: هل تعرفيني يا آنسة؟..
قالت الفتاة بابتسامة واسعة: لم تتغير كثيرا يا طارق.. سوى انك قد ازددت ضخامة..
تطلعت اليها وعد في غرابة.. هذه الفتاة تعرفه وتحدثه باسلوب مبسط وكأنه صديق قديم لها.. وكما انها تمزح معه .. ولكن هل يعرفها طارق؟..
تطلع اليها طارق في حيرة ومن ثم قال: هل التقينا من قبل يا آنسة؟..
ضحكت الفتاة بمرح ومن ثم قالت: لم اكن اظن ان ذاكرتك تمتاز بسرعة النسيان.. هل نسيتني بهذه السرعة؟..
قال طارق وهو يتطلع لها بتمعن: ملامحك ليست غريبة علي.. ولكني لا اتذكر اين رأيتك من قبل..
قالت الفتاة بلهجة ذات مغزى: هيا ايها القائد.. يمكنك التذكر.. انا واثفة..
حركت هذه العبارة بداخل طارق العديد من الذكريات القديمة والدفينة.. وثال بعد ان اتضحت له هوية محدثته: لقد مضى زمن طويل منذ التقينا آخر مرة يا (رنا)..
قالت رنا بمرح: سبع سنوات واربع شهور تقريبا..لم نرك بعدها ابدا وافترقنا جميعا..اخبرني ما هي احوالك؟..
على الجانب الآخر كانت وعد تشعر بالحنق.. اولها لتجاهل طارق لوجودها تماما.. وثانيها هذه الفتاة التي اخذت تتحدث اليه بتبسط كبير..يبدوا انها قد كانت صديقة او زميلة له يوما ..ولم تستطع كتم حنقها اكثر من ذلك.. فقالت والضيق يبدوا جليا على وجهها: اظن اننا قدتاخرنا على المقابلة الصحفية يا طارق..
تطلعت اليها رنا بخبث ومن ثم قالت: من هذه الآنسة؟.. صديقتك ام خطيبتك؟..فأنا لا ارى في اصبع أي منكما خاتم زواج..
توترت وعد لمجرد الفكرة وارتجف قلبها.. لمجرد ان تخيلت ان اسم طارق قد يزين اصبعها يوما.. وانها ستكون زوجته .. ولكن هل سيحدث هذا يوما حقا ويتحقق حلمها .. ام ان احلامها ستتلاشى كالظلام مع بزوغ فجرالواقع؟..
وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: نسيت ان اخبرك انا الآن صحفي في جريدة الشرق..اما هذه الآنسة فهي...
بتر عبارته واردف وهو يلتفت الى وعد ويتطلع لها وابتسامة ترتسم على شفتيه: فهي اعند فتاة رأيتها في حياتي..زميلتي بالعمل.. الآنسة وعد عادل..
قالت رنا بخبث: اعند من مايا؟..
لم تعلم رنا انها بكلماتها هذه كادت ان تنكأ جرح طارق الذي لم يلبث ان التأم مع الزمن..اما وعد فقد تطلعت الى تلك الفتاة بدهشة واستنكار شديدين.. لم ادخلت اسم مايا بالموضوع؟..الآن ستعود لطارق مشاعره القديمة..وحبه الاول.. ولن اكون انا سوى صفر على الشمال..
وقال طارق بهدوء: لكل منهما شخصيتها المتميزة..
قالت رنا بابتسامة: تتحدث عن مايا وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. الا تزال تذكرها؟..
قال طارق وهو يطلق زفرة حارة: ومن ينساها..
شعرت وعد بالضيق يزداد في اعماقها..وهي تستمع الى كل حديثهم..مايا.. مايا.. لقد سأمت منها.. من هذه الفتاة التي احتلت قلبك يوما يا طارق.. لقد بت احقد عليها مع انها لم تعد في هذا العالم.. هل تعلم لم؟..صحيح انها فارقت الحياة ولكنها لا تزال تحيا في قلبك وعقلك..
وقالت بعصبية: اظن اننا قد تاخرنا اكثر مما ينبغي على اللقاء.. ان كنت تريد المكوث هنا فابقى.. اما انا فسأغادر..
قال طارق وهو يرفع حاجبيه ويلتفت لها: ولم كل هذه العصبية؟..
كادت ان تصرخ في وجهه: ( لأني احبك ولا احتمل وجودك مع سواي)..
ولكنها كتمت مشاعرها وهي تشيح بوجهها عنه بصمت .. فقال طارق متحدثا الى رنا: معذرة ولكن فعلا وقتي ضيق.. سعدت بالحديث معك..
قالت رنا بمرح: وانا كذلك ايها القائد.. اخبرني .. هل لديك مقابلة مع رئيسي بالعمل؟..
قال متسائلا: اتعملين هنا؟..
اومأت برأسها ايجابيا ومن ثم قالت وهي تتجه نحو المبنى: هيا سنذهب معا..
سار طارق الى جوارها .. في حين تطلعت اليه وعد بنظرة حانقة قبل ان تسير الى جواره من الجهة الأخرى..وعلى الرغم من ان طارق كان يختلس النظرات اليها الا انها لم تنتبه اليه وهي تشعر بالحنق الشديد.. دائما مايا هي من تقف حائلا بيني وبينه.. والآن هذه الفتاة من تكون؟..يبدوا انها كانت صديقته ايام الجامعة..تباً لكل شيء.. ولمشاعرها التي احبت انسانا قلبه ملكا لغيرها..
ودلفا ثلاثتهم الى المصعد في تلك اللحظة.. وضغطت رنا على زر الطابق الثاني.. في حين ضغط طارق على زر الطابق السابع ..وعادت رنا لتتحدث قائلة : اتذكر آخر مرة رأيتك فيها يا طارق كنت باردا.. هادئا الى اقصى حد.. حتى وداعك لنا لم يكن يحمل أي حياة..لقد كانت في عينيك نظرة حزن عميقة.. اما الآن فها انذا اراك وفي عينيك نظرة متفائلة مقبلة على الحياة من جديد.. واراك تبتسم بسعادة حقيقية.. يبدوا ان للزمن اكبر تأثير على ما حدث لك من تغيير..
قال طارق بابتسامة: ليس الزمن فحسب..بل الاشخاص ايضا..
قالها والقى على وعد نظرة مختلسة.. كان يتمنى ان يصل اليها ما يقصده..وانها السبب في اعادة البسمة والامل اليه.. ولكن يبدوا ان القدر كان يمنعهما من ان يوضح أي منهما للآخر مشاعره.. فقد كانت وعد شاردة في تلك اللحظة وهي تسند ظهرها الى احدى زوايا المصعد..وافكارا كثيرة في ذهنها.. تتقاذفها يمنة ويسرة وهي غير قادرة على التفكير السليم..
وما ان وصل المصعد الى الطابق الثاني حتى قالت رنا وهي تلتفت الى طارق: سعدت بلقائك يا طارق.. وارجو ان يتكرر لقائي بك..
قال طارق وهو يراها تغادر المصعد: وانا كذلك..
تطلعت رنا الى وعد ومن ثم قالت بابتسامة: الى اللقاء يا آنسة وعد.. واهتمي بطارق..
تطلعت اليها وعد بنظرة باردة ومن ثم قالت وشبح ابتسامة ساخرة يرتسم على شفتيها: اظن انه اكبر من ان يحتاج للاهتمام..
قالت رنا بخبث وهي تلقي عليهم نظرة اخيرة: ربما اهتمام من نوع خاص..
واغلق المصعد ابوابه قبل ان تسألها وعد عما تعنيه..واختلست نظرة الى طارق..هل يا ترى شعرت ان بيني وبينه علاقة ما؟.. او انني احمل له مشاعر خاصة.. لقد اسرفت في عصبيتي وانا اتحدث اليها ..ربما لهذا قد لاحظت انني قد تضايقت لحديثها ووقوفها معه..
ظلت صامتة دون ان تنبس ببنت شفة.. وهي تتطلع الى طارق الصامت بدوره.. والذي اكتفا بمراقبة تلك الارقام الضوئية التي كانت تظهر تصاعديا على شاشة المصعد..الى ان وصل المصعد اخيرا الى الطابق السابع فتوقف بحركة خافتة وانفتحت ابوابه..
وقال طارق وهو يخطوا الى خارج المصعد: اتبعيني..
عقدت حاجبيها بعصبية.. امر آخر يلقيه اليها.. من يظنها تابعة له.. سارت خارجة من المصعد..وهي تشعر بالحنق والسخط الشديد ..ترى لم يتصرف معها هكذا.. بسبب ما حدث بينهم قبل قليل..ام لسبب آخر؟..
وصل طارق في تلك اللحظة الى مكتب السكرتيرة وقال: انا صحفي من صحيفة الشرق وادعى طارق جلال..اتيت انا وزميلتي وعد عادل لاجراء مقابلة صحفية مع السيد نبيل سالم.. ولدينا موعد معه..
قالت السكرتيرة بهدوء: اعلم.. ولكن السيد نبيل منشغل بمكالمة هاتفية هامة.. انتظرا لدقائق فحسب ريثما ينهيها..
عقد طارق حاجبيه لوهلة ومن ثم قال: لا بأس..
اشارت السكرتيرة للاريكة التي كانت بنصف طول الجدار تقريبا..وقالت: تفضلا..
توجه طارق في بساطة ليجلس على الاريكة.. والتفت الى وعد التي كانت تتطلع اليه وقال بصوت هادئ: ما بالك لا تجلسين؟..
جلست على الاريكة بصمت دون ان تنطق ببنت شفة وقال هو في تلك اللحظة وهو يتطلع اليها بنظرة لم تفهمها: والآن ما الذي يضايقك؟..
كان السؤال غريبا ولم تتوقعه وعد ابدا.. ورفعت هذه الاخيرة حاجبيها وقالت بدهشة: يضايقني؟؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا ومن ثم قال: اجل هناك ما يضايقك منذ ان انطلقنا من الصحيفة ..فما هو؟..
على الرغم من ان وعد كانت تنوي اخباره بما يثير في نفسها كل هذا الضيق .. الا انها وجدت نفسها تشيح بوجهها بعناد وتقول: لا شيء ابدا..
التفت عنها ومن ثم لم يلبث ان قال بعد ان زفر بقوة: هذا بسبب تجاهلي لك في مبنى الصحيفة..اليس كذلك؟..
كانت تريد ان تجيبه بنعم.. ولكنها لم تفعل.. ربما كان عنادها او كبريائها اللذان وقفا حائلا دون ان تنطق بكلمة.. في حين قال طارق بهدوء وهو يلتفت لها: اتعلمين لما فعلت ذلك وتركتك خلفي في مبنى الصحيفة؟..
ظهرت الحيرة جليه في عينيها فقال مردفا: لانني اعلم كم انت عنيدة وانني لو اصررت على مجيئك معي لازدادت شدة عنادك.. ورفضت القدوم بشدة.. ولهذا لم اجد امامي حلا سوى ان اتركك تختارين احد الامرين بنفسك.. ودون ان يضغط عليك احد.. وكنت اشعر بانك سوف تحضرين .. ولم اخطأ في حدسي..
قال عبارته الاخيرة بابتسامة وهو يتطلع الى وعد التي كانت تعلم انه حق في هذه النقطة.. لو اصر على قدومها ما كانت لتحضر.. وكان عنادها هو من سينتصر عليها في النهاية.. ووجدت نفسها تقول في تلك اللحظة: وماذا عن تجاهلك لي طوال الطريق .. وحتى في هذه الشركة؟..
هز كتفيه ومن ثم قال: ذلك لاني كنت انتظر حتى تهدئي قليلا واتمكن من الحديث اليك بهدوء.. كنت اعلم اني لو ناقشتك في الامر لانفجرت في وجهي بكل غضب وعصبية..
هتفت وعد بحدة وسرعة: وحديثك مع تلك الفتاة .. كان قلقا من غضبي ايضا؟..
تطلع اليها طارق بدهشة..وارتفع حاجباه لعبارتها.. وتطلع اليها لفترة من الوقت باستغراب.. قبل ان يلتفت عنها وترتسم على شفتيه ابتسامة تحمل ما بين الغموض والسرور: هل تشعرين بالغيرة يا وعد؟..
تطلعت اليه وعد واتسعت عيناها بذهول.. فلم تدرك عندما نطقت عبارتها السابقة انها قد اعلنت مشاعر ضيقها من تلك الفتاة وبمنتهى الوضوح.. وهذا لا يعني سوى امرا واحدا..وشعورا واحدا تحمله بداخلها وتحاول ان تخفيه..شعور يسمى..
الغيرة...
***********