* الجزء الثاني والثلاثون*
(هل يجب ان اقولها؟)
ارتفع حاجبا ليلى باستغراب وهي ترى عماد يوقف سيارته في احد المواقف يهدوء بجوار عدد من المنازل .. هي لم تنتبه الى تغييره لمساره ابدا.. وربما تكون هذه المنازل في مثل خط سير الطريق المؤدي الى الشركة تقريبا.. وقالت اخيرا بدهشة وهي تلتفت له: لم توقفت هنا؟..
التفت عماد اليها وقال وهو يشير الى المنازل التي كانت على يمينه: ما رأيك بهذه المنازل.. اهي جيدة؟..
اومأت برأسها وقالت باستغراب:بل ممتازة .. ولكن لم؟..
ابتسم عماد وقال: لآخذ رأيك بها فحسب..
قالت ليلى باستغراب: هل قام صاحب هذا المنزل بعقد صفقة معك من اجل نوافذ هذا المنزل أو..؟
قاطعها عماد قائلا وهو يقتح باب سيارته: يمكنك ان تقولي انه قد عقد معي صفقة بالفعل..
هتفت به وهي تراه يغادر السيارة: الى اين؟..ماذا عن الشركة؟..
قال عماد بمرح: ستجد من يهتم بها.. ولنهتم نحن بشؤوننا..
قالت بحنق: عماد هل تريد ان تترك الشركة هكذا من دون شخص يشرف عليها ويديرها من اجل اخذ رأيي بمجموعة من المنازل فحسب..
قال عماد بابتسامة: وماادراك إن اخذ رأيك في هذه المنازل لن يكون بمقدار اهمية ادراة الشركة..
تطلعت اليه بحيرة فقال: اهبطي الآن من السيارة وسنتحدث بالامر لاحقا..
فتحت باب السيارة لتهبط منها.. ومن ثم تسير الى جواره الى تلك المنازل التي كانت قيد الانشاء..ولكن مع هذا فقد بدت رائعة بتصميمها الخارجي الانيق..وقالت ليلى وهما يعبران بابه الامامي ويدلفان الى الردهة: يبدوا المنزل جميل جدا وخصوصا مع طريقة بناءه هذا بالاضافة الى الردهة التي تبدوا واسعة جدا ومصممة بطريقة انيقة..
التفت لها عماد وقال: اذا فالمنزل يعجبك..
قالت في سرعة: بكل تأكيد.. انا لم اقل غير هذا أ...
بترت عبارتها بغتة وعقدت حاجبيها ومن ثم التفتت اليه لتقول: عماد لا تقل لي ان هذا المنزل ليس سوى....
بترت عبارتها ولم تكمل فضحك عماد وقال بمرح: ما يدور بذهنك صحيح.. انه منزلنا..
اتسعت عيناها بدهشة ومن ثم قالت: ولم لم تخبرني بالامر منذ البداية؟.. ومتى قمت بشرائه وكيف؟..
ابتسم وقال: لم اخبرك بالامر لأني كنت اريدها ان تكون مفاجأة لك..ومتى قمت بشرائه وكيف..فأنا قمت بذلك قبل يومين وليس شراءا بالمعنى المعروف..وانما دفعت مبلغ من المال كمقدم لثمن المنزل.. وسأدفع الباقي كأقساط شهرية الى ان يصبح المنزل ملكا لنا..
قالت وهي تزدرد لعابها من اثر المفاجأة: ولكن الا ترى ان الوقت لا يزال مبكرا على شراء منزل .. يمكنني ان اعيش في منزل والديك فيما بعد ..لن اعترض على هذا مطلقا..
التفت لها عماد وقال بحنان: اعلم يا ليلى .. ولكني ارغب في ان يكون لنا منزلنا الخاص.. وحياتنا الخاصة .. هذا المنزل الذي سنختار الوان جدرانه بانفسنا.. وسنختار اثاثه بمفردنا دون تدخل من أي احد.. انت تفهميني يا ليلى اليس كذلك؟..
ابتسمت ليلى وقالت : اجل افهم انك شخص مبذر للنقود..
ضحك بمرح وقال وهو يجذبها من كفها: تعالي سأريك الردهة من زاوية افضل..
وتوقف عندما اقترب من تلك الزاوية ومن ثم قال: ما رأيك؟.. هنا سنضع طقم الجلوس.. سيكون عبارة عن اريكة ومقعدين ومكتبة بالاضافة الى جهاز التلفاز..
قالت بابتسامة وهي تلوح بسبابتها: ولا تنسى ان تضيف التحف واللوحات التي ستجعل المكن اجمل بالتأكيد..
ابتسم وقال: هذه اشياء سنقرر شراءها فيما بعد.. المهم الآن هي الاشياء الرئيسية..
واضاف وهو يشير لها ان تتبعه: سأريك الآن غرفة اخرى..
تبعته الى حيث توجه ومن ثم قال وهو يقف عند باب تلك الغرفة: هذا هو اكثر الاماكن التي ستقضين فيها وقتك على ما اظن..
قالت مبتسمة: لقد فهمت.. انه المطبخ اذا..
واردفت وهي تلتفت اليه وتقول بضيق مصطنع:ولكن ليس انا من سيقضي فيه وقتا طويلا.. بل الخادمة..
قال عماد بدهشة مصطنعة: من قال انني سأحضر خادمة الى المنزل؟..
قالت وهي تصطنع الاسف: رباه.. لا تقل لي اني سأضطر لتنظيف جميع الاواني بيدي هاتين..
قالتها ورفعت كفيها في حركة تلقائية..وفوجئت بعماد وهو يمسك بكفيها ويقول بحنان: لا.. لن تفعلي شيئا في هذا المنزل سوى اصدار الاوامر..انت هنا اميرة هذا القصر.. اتسمعين؟.. اميرته فحسب..
رفعت عيناها اليه وقالت بابتسامة: عن أي قصر تتحدث؟..
قال وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة مليئة بالحنان: هذا الذي تقفين على بساطه يا سمو الاميرة..
ضحكت ليلى برقة ومن ثم قالت: اتعلم..انت تجيد المثيل كثيرا..
قالتها وجذبت كفيها من كفيه فقال وهو يميل نحوها: لست كذلك يا سمو الاميرة..كل مشاعري انما ابثها لك من هذا القلب الذي اختطفته معك..
قالت ووجنتيها قد توردتا خجلا: كف عن حركاتك المسرحية هذه ولنكمل جولتنا..
قال وهو يشير نحو السلم: فلنصعد الى الطابق الثاني اذا..
اومأت برأسها وصعدت معه.. وهناك توقف امام احد الغرف وقال مبتسما: لو عرفت لمن هذه الغرفة سأمنحك ترقية استثنائية..
ضحكت وقالت: صحيح لقد نسيت انك المدير لوهلة..ولا اشك يوما لو انه حدث خلاف بيننا ان تقوم بفصلي من العمل..
هز كتفيه وقال بلامبالاة مصطنعة: هذا يتوقف على نوع الشجار..
ومن ثم اردف وهو يتطلع الى داخل الغرفة: والآن لمن تتوقعين ان تكون هذه الغرفة..
قالت مفكرة: اظن انها ستكون غرفتنا نحن.. اصحيح؟..
هز رأسه نفيا ببطء ومن ثم قال: لا..غير صحيح..
سألته في سرعة: اذا؟..
قال وهو يغمز بعينه: انها غرفة (حلا)..
تطلعت لها بدهشة كبيرة وقالت: من هي حلا؟؟..
تقدم منها ومن ثم قال مبتسما: ملاكنا الصغير يا ليلى..
توردت وجنتا ليلى ومن ثم قالت: لقد ظننت ان الرجال يفضلون الاولاد في العادة..
- ليس كل الرجال سواء.. ولكنني افضل ان تكون فتاة حتى تحمل ملامح والدتها ..
قالت ليلى بمرح بغتة: وما ادراك ربما لايرزقنا الله غير الاولاد..
قال مبتسما: اهم شيء انك والدتهم.. وانا متأكد انهم سيحملون ملامحك..
وقال وهو يتوجه نحو النافذة ويتطلع منها.. تلك النافذة التي كانت مجرد اطار في جدار الغرفة دون أي لوح زجاجي: لقد اخترت هذا المنزل بالذات لانه اولا سيكون في خط سيرنا باتجاه الشركة..
قالت مبتسمة وهي تقترب لتقف الى جواره: اجل لهذا لم اشعر انك قد غيرت مسارك طوال الطريق..
وواصل عماد قائلا وكأنه لم يسمعها: وثانيا لاني استطعت الحصول عليه بسعر مناسب وذلك بفضل مهندس من العائلة الذي يعمل في الشركة ذاتها..
قالت ليلى مبتسمة: اظن انه يتوجب علي ان اشكره..
قال مبتسما: لقد فعلت بالنيابة عنك..
واردف بحنان وهو يحيط كتفها بذراعه ويضمها اليه: متى سيأتي هذا اليوم يا ليلى.. اليوم الذي نجتمع في هذا المنزل بالفعل..ونتطلع الى اطفالنا الذين سيكبرون امام اعيننا ليبدأوا مسيرة حياتهم..
قالت ليلى بخفوت: وربما كان هناك عماد آخر منهم ..يحب فتاة التقى بها بعد عشرات الصدف الغريبة التي جمعت بينهم..
ضحك وقال: او ربما ليلى اخرى.. توجه لخطيبها النصائح على عدم تبذير النقود..
شاركته ليلى الضحك.. وهما يرسمان في ذهنيهما الكثير من الاحلام الوردية التي يتمنان تحقيقها يوما ما..
**********
الغيرة...
ترددت هذه الكلمة المكونة من ستة حروف في ذهن وعد..هل هي حقا تغار على طارق الى هذه الدرجة؟..هل هي الغيرة حقا.. واذا كانت كذلك.. فالغيرة هي الوجه الآخر للحب..فلو علم طارق انها تشعر بالغيرة عليه.. فهذا يعني انها تحبه.. لا تفسير آخر.. لهذا عليها ان تتهرب من الاجابة.. وبأي وسيلة كانت.. ولكن كيف؟..
وشاهدته يلتفت لها وهو يتطلع لها بابتسامة .. وازدردت لعابها بتوتر اثر ابتسامته.. شعرت ان ابتسامته هذه تحمل كل الثقة بما قاله..وانه يثق بحقيقة مشاعرها تجاهه..وقالت وعد في تلك اللحظة محاولة الدفاع عن نفسها: عن أي غيرة تتحدث يا...
(سيد طارق .. المدير ينتظرك في مكتبه)
زفرت وعد بحدة مع هذه النجدة التي جاءت لتنقذها من تبرير موقفها..وشاهدت طارق ينهض واقفا..فنهضت بدوره وسمعته يقول وهو يتوجه نحو باب المكتب: اشكرك يا آنسة..
تبعته وعد..وبداخلها تولد شعور بالارتياح..ان هذه المقابلة ستأخذ وقتا طويلا سينسى خلالها ما قاله لها..وعن موضوع الغيرة هذه...
ومضت ساعتين من الوقت استغرقاها في اللقاء الصحفي ..وبعدها سألها طارق : اتريدين توجيه أي اسئلة اخرى..
هزت رأسها نفيا فقال طارق متحدثا الى المدير: اشكرك يا سيد نبيل..و سعدنا بلقاءك..
ابتسم السيد نبيل وقال: وانا كذلك..
قال طارق وهو ينهض من مجلسه ويمد يده مصافحا:نراك بخير.. الى اللقاء..
صافحه المدير بهدوء.. في حين اكتفت وعد بهز رأسها وقالت: الى اللقاء يا سيد نبيل..
وغادرت مع طارق المكتب..وقال وهو يسير الى جوارها في ذلك الممر: انه من القلائل اللذين يتعاونون مع الصحافة..
قالت وعد بابتسامة: لاحظت ذلك انا ايضا..
وصلا في تلك اللحظة الى حيث المصاعد.. فضغط على الزر منتظرا احدها وقال: ربما يكون سبقا صحفيا افضل من سابقه هذه المرة..
سألته قائلة: ماذا تقترح اذا ليكون عنوان لمثل هذا اللقاء؟..
فكر قليلا ومن ثم قال: لا يزال الوقت مبكرا.. على اختيار العنوان.. ولكن بما ان اللقاء كان يحوي اغلبه على العلاقات الخارجية واثرها في التطور فأنا اقترح ان يكون العنوان هو...شمس التطور تطل من الخارج و...
صمت وعقد حاجبيه في تفكير ومن ثم هتف هو ووعد في آن واحد: وتتسلل الى نافذة الداخل!..
تطلعت اليه وعد لوهلة بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تضحك بمرح: يبدوا وان افكارنا متقاربة..
قال طارق بابتسامة واسعة: بل استطعت قراءة ما بذهني قبل ان اقوله..
قالت وعد بمرح وهي تدلف الى المصعد الذي وصل لتوه وفتح ابوابه:ليست لدي القدرة على قراءة الافكار..
قال مبتسما وهو يدلف خلفها ويضغط على زر الطابق الارضي: ربما ليس قراءة الافكار..نستطيع القول تخمين ما يدور بذهن الشخص قبل ان ينطقه وذلك لمعرفتك بشخصيته وطريقة تفكيره..
ضحكت وعد وقالت: ها قد عدنا للفلسفة..
التفت لها وقال: ليس ما اقوله فلسفة.. وانما لمعرفتي بشخصيتك وانك قادرة على قراءة ملامح من امامك وقادرة على فهم ما يدور بذهنه لو عرفت شخصيته..
واردف وهو يضغط على حروف كلماته: وكثيرا ما تستخدمين هذا الاسلوب للهرب..
غمغمت بدهشة: الهرب؟؟..
التفت لها وقال وفي عينيه نظرة غامضة: اجل الهرب.. فغالبا ما تهربين من كلمات الاهتمام او الحنان التي اوجهها لك ولا زلت اجهل السبب الى الآن..
تطلعت اليه بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت بتردد: انا لا اهرب وانما..وانما...
عقد حاجبيه وقال: وانما ماذا؟.. هناك شخص ما في حياتك .. وانت لا تريدين ان يكون لك أي علاقة بآخر..أليس كذلك؟..
قالت في سرعة: لا .. الامر ليس هكذا..وانما...
قال وهو يمسك بكتفيها بغتة ويتطلع الى عينيها مباشرة: وانما ماذا يا وعد.. اجيبيني ارجوك..
ازدردت لعابها وتحاشت نظراته وهي تقول: الحقيقة انني اخشى ان تكون...
قال بلهفة وهو يحثها على مواصلة حديثها: ان اكون ماذا؟.. تحدثي يا وعد ارجوك..
ترددت طويلا ولم تستطع ان تخبره ان سبب هذا الهروب هي مايا .. تخشى انها لا تزال في قلبه وما زال يحبها..الحب الاول لا يمكن ان ينسى بسهولة.. هو كالطفل الذي يكبر مع الانسان.. وكالجذور التي تتشبث به..
ووجدت طارق يترك كتفيها بغتة ويستدير عنها.. وفهمت السبب على الفور.. لقد وصل المصعد الى الطابق الأرضي ..وانفتحت بوابتاه على مصراعيها .. فسار بخطوات هادئة مغادرا المصعد.. وسارت وعد الى جواره دون ان يتبادلا كلمة واحدة.. تطلعت له وعد بتردد بطرف عينها.. اتخبره سبب هروبها من مشاعره.. وهروبها من اهتمامه وكلماته .. اتخبره انها تخشى ان لا تكون مشاعره نحوها سوى الاعجاب والاهتمام او ربما الميل على الاكثر ..وعندها سيتحطم قلبها وسيصبح فتاتا..لن تحتمل ان ... ولكن ربما يكون ما يحمله لها من مشاعر هو ...الحب... لا .. لا تكوني واهمة يا فتاة.. ان مايا قد تغلغلت بداخله من المستحيل ان ينساها او ان يبعدها عن تفكير لحظة واحدة .. الم يقل هذا بنفسه لتلك الفتاة..الم يقل انه لا يستطيع ان ينساها وانه...
(مصادفة..)
جاء هذا الهتاف من خلف كل من طارق ووعد ..واستدارت هذه الاخيرة الى مصدر الصوت ولم تلبث ان عقدت حاجبيها بضيق وهي تلمح رنا تقف خلفهما..وتلك الاخيرة تردف بابتسامة: مصادفة ان اراكما وانا قادمة الى المؤسسة .. واراكما وانا اغادرها ايضا..
قال طارق وهو يتطلع الى ساعته في سرعة: ولكن الوقت لا يزال مبكرا على المغادرة..
ضحكت رنا وقالت : لقد فهمتني بشكل خاطئ.. عملي لم ينته بعد.. ولكن مغادرة المؤسسة هي جزء من عملي ..حيث سألتقي بمدير شركة أخرى وافهم منه سبب اعتراضه على منتجاتنا.. واحاول ان اشرح له الامر.. انت تعلم هذه الامور المعقدة..
ابتسم طارق وقال: اجل .. اعرفها جيدا..ومن منا لا تواجهه هذه الصعوبات في عمله..
قالت وهي تتجاوزهما مبتسمة: عن اذنكما الآن.. واياك وان تنساني يا طارق مرة اخرى..
قال طارق وهو يضحك بمرح: اعدك ان احاول..
تطلعت اليه رنا وقالت بهمس هي تغادر المكان مبتعدة عنهما: لا يزال رائعا ووسيما كما عهدته دائما.. لقد عاد طارق القديم..يبدوا انه استطاع ان يتغلب على ما حدث له في الماضي اخيرا..
وعد وحدها لم تكن تبتسم.. او تشاركهما الحديث.. كانت تشعر بالحنق يتضاعف في اعماقها.. ما الذي تريده منه هذه الفتاة.. الآن تذكرته بعد مرور سبع سنوات.. الآن اصبحت تفكر فيه بعد ان نبض قلبها هي -وعد- بحبه..
سار طارق الى حيث سيارته دون ان ينتبه الى امارات الغضب التي علت وجه وعد.. ودار حول مقدمة السيارة ليحتل مقعد القيادة وينتظر من وعد الركوب..وصعدت وعد الى السيارة ولكن في هذه المرة لاحظ الغضب البادي على وجهها.. انطلق بالسيارة وهو في حيرة من امره.. لم تغضب ان شاهدته يتكلم مع فتاة خرى؟..انها الغيرة بالتأكيد.. والغيرة هي الوجه الآخر للحب.. ولكن تصرفاتها معه لا تثبت له ابدا انها تحبه.. انها تتهرب منه ومن كلماته وكأنها ترفضها.. انه حتى لم يسمع منها كلمة واحدة تبثه فيها حنانها او حتى اهتمامها.. ما عدا يوم اصابته.. وكان هذا شيء طبيعي يومها لانها كانت المسؤولة عما حدث له.. وايضا تلك الخاطرة..لم كتبتها اذا؟.. ان هذا يعني انها مهتمة به.. ولكن تصرفاتها تشير الى العكس.. احيانا يراها مهتمة به واحيانا اخرى لا مبالية..احيانا يرى في عينيها نظرة حنان واحيانا اخرى لا يرى سوى نظرة عابرة لا تحمل اية مشاعر ..احيانا يراها متلهفة لرؤيته واحيانا اخرى يشعر بالجفاء في تصرفاتها..او يستطيع ان يقول انها تتعمد الرسمية معه في احيان كثيرة..انه يشعر بالحيرة.. كأنه تائه لا يعلم ماذا يفعل ..هل وعد تبادله مشاعره؟.. ام انه مجرد اعجاب؟..
واخيرا تحدث وهو يحاول ان يجعل صوته هادئا قدر الامكان وهو يتسائل: ما الامر؟..ماذا بك؟..
اجابته بضيق واضح: لا شيء ابدا..لا تشغل نفسك بي فقط انتبه للطريق..
قال طارق وهو يزفر بحدة: هل بدر مني ما ضايقك؟..
عقدت وعد ساعديها امام صدرها وقالت بسخط: ابدا لم تفعل أي شيء..
قال بحيرة: انت لم تخبريني حتى الآن .. مم تخشين؟.. وما الذي يدفعك للهروب من كلماتي..
قالت وعد بعصبية: لا شيء يدعوني للهروب..ولم اهرب اساسا؟..
قال بضيق وهو يختلس النظرات اليها: هذا السؤال يجب ان توجهيه لنفسك..
قالت بعصبية اكبر: لست مهتمة لامرك اساسا حتى اهتم بالهروب من كلماتك..
قال طارق بعصبية هذه المرة: وماذا عن كلماتك التي كتبتها في تلك الخاطرة؟..
بهتت لوهلة ومن ثم لم تلبث ان اشاحت بوجهها وقالت بارتباك: لقد استغربت شخصيتك الغامضة والتي تتسم بالبرود ..لهذا كتبتها..
قبض طارق على مقود السيارة بكل قوته وكأنه يبث له انفعاله.. ومن ثم قال: وهذا الشخص البارد الاحاسيس قد تغير بسببك انت..
قالت وعد وهي تتطلع عبر النافذة بحنق: وما الذي فعلته انا حتى تتغير؟..لا شيء..لم افعل شيئا على الاطلاق..
كان كلاهما يشعر بانفعال يحاول تفريغه بأي وسيلة.. فمن ناحية وعد وغيرتها التي تكاد تنهش قلبها.. وتكاد تتيقن من ان طارق سيكون مخلصا للابد لحبه الاول.. ومن ناحية اخرى .. طارق ومشاعره المضطربة.. وهو غير عالم ان كانت وعد تهتم به..ام لا..غير مدرك ان كانت تبادله المشاعر.. ام انها كما قالت ..مجرد اهتمام بالشخصية ليس الا..حيرته تتضاعف.. وانفعاله يزداد.. ماذا يفعل ليعلم حقيقة مشاعرها؟.. ماذا يفعل؟..هل...
( انتبه يا طارق..!!)
اخترقت هذه العبارة- التي القتها وعد- اذنيه فجأة ..وجعلتاه يستيقظ من تأملاته.. ليكتشف بعتة..ان يكاد يصطدم بالسيارة التي امامه..لن يكون هناك مجال لضغط الفرامل.. لهذا ادار المقود بغتة على نحو مباغت وقال لوعد في حزم: تشبثي بمقعدك..
اغمضت وعد عينيها وقلبها ينبض بانفعال..وقبضت بكل قوتها على المقعد لتتشبث به.. في حين استطاع طارق السيطرة على الوضع بعد ان انحرف بغتة الى جانب الطريق وتوقف فيه متفاديا الاصطدام.. وقال وهو يسند رأسه بمسند المقعد: كل شيء على ما يرام الآن..
والتفت لها مستطردا: أأنت بخير؟..
وجدها تطرق برأسها لتخفي دموعها التي تترقرق في عينيها وتقول بصوت مختنق: فقط لأني اشبهها.. فقط لاني اذكرك بها.. لهذا تغيرت لانها عادت للظهور في حياتك من جديد.. حبك الاول الذي لا يمكنك انتزاعه من قلبك..اما انا فلاشيء .. دائما على الهامش.. مجرد خيال لمن تحب.. مجرد انعكاس لها..
اتسعت عينا طارق وقال بانفعال: انت لا تفهمين .. لا تفهمين ابدا..تظنين اني ارى مايا فيك انت لمجرد تصرفاتكما المشتركة .. ولكن هذا ليس صحيحا ابدا..انت وعد وهي مايا.. كلاكما فتاة مختلفة..ان كنت سأهتم بك فهذا لاني اهتم بوعد نفسها.. وان كنت سأبثك كلمات الحنان فهذا يعني انني اوجهها الى وعد.. ربما ما شد انتباهي بك في البداية فقط هو بعض الصفات المشتركة بينكما.. ولكنكما في النهاية شخصيتان مختلفتان تماما...
واردف وانفعاله يتضاعف: وعد لم لا يمكنك ان تفهميني؟.. لطالما قرأت ملامح وجهي.. هل يجب ان اقولها؟.. الا ترينها في نظرة عيني وانا اتطلع اليك؟..الا تسمعينها في نبرة صوتي وانا اتحدث اليك؟..الا تشعرين بها في لمسة كفي لك؟..
قالها وهو يمسك بكفها مما ارجف جسد وعد بأكمله وجعلها تلتفت له وقلبها ينبض بانفعال وطارق يتابع:الا تستطعين ان تشعري بها في كل هذا؟.. ايجب ان اصرخ واقولها؟.. حسنا سأفعل ان كان هذا ما تريدينه..سأقول اني احبك.. احبك ..احبك ..احب وعد.. وليس أي فتاة اخرى سواها .. احب تلك الفتاة العنيدة..تلك الصحفية الذكية والجريئة ..وعد الرقيقة الحانية.. المرحة والعصبية.. فهل هذا يرضيك الآن؟...
صمت تام اطبق على السيارة بعد عبارته تلك..هدوء خيم على سيارته لم يجرأ ايهما على قطعه..والدموع التي كانت تترقرق في عينا وعد قد جفت تماما.. وكلماته تتردد في ذهنها دونما توقف.. شعور هو اشبه بالذهول والصدمة وعدم التصديق..وكأنها لم تستوعب ما قاله بعد.. تحاول ادارته في ذهنها عشرات المرات لتجد السبيل لاستيعابه..لا يمكن ان تتحقق الاحلام بهذه البساطة.. لا بد وانها لم تستمع الى العبارة جيدا.. لابد انها تتخيل..
ومن طرف آخر كان طارق يلوم نفسه لفضحه لمشاعره على هذا النحو وفي لحظة انفعال..لم قالها الآن؟..لم اعترف بحبه لها؟..انه لا يرى منها أي شيء يدل على مبادلته هذه المشاعر..فلم قالها؟..لم؟..
وجد وعد تجذب كفها من يده بهدوء.. فابتسم لنفسه بمرارة وقال: يجب ان نعود الى الصحيفة الآن..
اسرعت وعد تقول وهي تلتفت له: طارق..
التفت لها وقال بهدوء: ماذا؟..
ابتسمت بخجل وارتباك وقالت: الا تريد ان تعلم مم اخشى؟ .. ولم كنت اهرب من كلماتك طوال الوقت..
التفت عنها وقال: لم يعد هذا مهما الآن..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: الا يهمك ان تعرف حقا؟..
وازدردت لعابها لتردف بتوتر: لقد كنت اخشى من ان تكون مايا لا تزال في قلبك.. لا تزال في عقلك.. تسيطر على كيانك ومشاعرك بأكملها..انت نفسك اثبت انها لا تزال في قلبك بسردك تلك الحكاية.. وحديثك عنها وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. واخيرا قولك لزميلتك منذ ساعات انك لا تستطيع ان تنساها..
تطلع طارق اليها لفترة من الوقت ومن ثم قال: سأسألك سؤالا واجيبيني عليه بصراحة..
اومأت برأسها فاردف متسائلا: هل يمكنك نسيان اهلك؟.. نسيان اصدقائك او زملاء الدراسة..نسيان من كان لهم ولو لحظات بسيطة في حياتك؟.. هل يمكنك هذا؟.. ان النسيان معناه ان الشخص لم يعد في حياتك نهائيا.. وانك تقتلعينه بلا رحمة من ذاكرتك.. ليكون لا شيء..لا اظن ان أي شخص في هذا العالم باستطاعته نسيان اهله او حتى زملائه..لانه عندها سيكون قد اخفاهم من حياته نهائيا.. هل ادركت ما اعنيه جيدا؟..
تطلعت اليه بدهشة وعيناها متسعتان وهي تحاول ادارة ما قاله في ذهنها..ومن ثم لم تلبث ان ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت: اجل لقد فهمت..
قالتها وهي تعتدل في جلستها وابتسامتها لا تفارق شفتيها.. ووجدت طارق يقول في تلك اللحظة بتردد: وعد.. انا اشعر ان مشاعري التي اشعر بها تجاهك من طرف واحد.. اصحيح؟..
تطلعت له وعد بطرف عينيها وقالت: ربما...
تطلع لها بدهشة ومن ثم لم يلبث ان قال وقد ارتسمت بتسامة على شفتيه وقد ادرك محاولتها في عدم منحه اجابة صريحة: ماذا تعنين؟..
التفتت له وقالت وهي تتطلع له بعينان يملأهما الحب والحنان: باستطاعتك قراءة لغة العيون.. دعها هي من تمنحك الاجابة..
اتسعت ابتسامة طارق وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: هل اعد هذا تحديا لي؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: اعتبره ما تشاء..
وابعدت عينيها عنه بعد لحظة وقالت : والآن اخبرني هل فهمت شيئا من عيني؟..
اومأ طارق برأسه وقال وهو يلتفت عنها: اجل.. ادركت اني كنت مخطئا..
ارتسمت الدهشة على وجهها فاردف وهو يغمز بعينيه: في ان مشاعري من طرف واحد وحسب..
توردت وجنتيها بحمرة الخجل ورأته ينطلق بالسيارة وعلى شفتيه يحمل ابتسامة سعادة ورضا وحنان.. لقد استطاع ان يعلم اخيرا بمشاعرها نحوه من نظرة عينيها التي كانت تحمل له في هذه المرة كل الحب والحنان..
وعد ايضا استطاعت ان تعلم بمشاعر طارق لها.. تلك المشاعر التي جاهدت طويلا لتعرف كنهها وهاهو ذا القدر يمنحها الاجابة وبكل وضوح.. وهو ينتظرها لتتخذ قرارا فيما عرضه عليها هشام سيحدد مصيرها باكمله ..اما بالقبول او الرفض..
وانطلقت السيارة بهما لتبدأ مرحلة جديدة في حياة كل منهما..
*******
اخذ هشام يخط بقلمه الرصاص تلك الخطوط بشرود شديد على لوحة الرسم الهندسية في مكتبه بالعمل.. وعقله يسترجع ذلك الحوار الذي دار بينه وبين فرح بالامس..عندما طرق باب غرفتها وقال بشيء من الهدوء: فرح هل يمكنني الدخول؟..
جاءه صوتها وهي تقول: بكل تأكيد ادخل..
فتح باب الغرفة ليدلف الى الداخل وشاهدها جالسة خلف جهاز الحاسوب والتفتت له لتقول بمرح: هشام يستأذن قبل الدخول.. يالها من معجزة.. لابد وان في اذني خلل ما هذا اليوم..
قال هشام وهو يتجه ليجذب له مقعد ويجلس الى جوارها متجاهلا عبارتها: اخبريني ماذا تفعلين؟..
قالت وهي تهز كتفيها بملل: اقوم بعمل بحث للجامعة..
سألها قائلا: هل هذا سيستغرق منك الكثير؟..
التفتت له وقالت مبتسمة: هشام.. لم لا تدخل بالموضوع مباشرة؟..
زفر هشام بحدة ومن ثم قال: هل اخبرتك وعد بشيء؟..
كانت تعلم ما يعنيه ولكنها قالت متظاهرة بعدم معرفتها بطلبه من وعد: شيء مثل ماذا؟..
اشاح بنظراته بعيدا قبل ان يقول: لقد طلبت رأيها في موضوع وانا انتظر جابها.. فهل اخبرتك بشيء؟.. لقد علمت انك كنت اليوم في منزلها..
قالت فرح مبتسمة: وانا اقول لنفسي لم يطرق الباب؟.. ولم يبدوا مهذبا الى هذه الدرجة؟.. ان الامر يتعلق بوعد وبجوابها المنتظر على شيء ما..
واردفت وهي تميل نحوه: ولكن ما هو هذا الشيء؟..
تردد هشام طويلا قبل ان يحسم قوله ويقول: في الحقيقة لقد طلبت وعد للزواج..
اصطنعت على وجهها الدهشة وقالت: هكذا يا هشام.. تطلبها للزواج دون ان تأخذ رأي والدي على الأقل..
قال هشام بحزم: لا اظنهم سيعارضون الامر ابدا..
- على الاقل يكون لديهم علم بالموضوع..
قال وهو يلوح بكفه: دعينا من هذا الموضوع الآن واخبريني هل اجابتك بشيء ام لا؟..
قالت باقتضاب: لا.. لم تجب بشيء ابدا.. كل ما قالته انها ستفكر بالامر مليا وانها ستتخذ القرار قريبا..
تطلع لها هشام لوهلة ثم لم يلبث ان قال وهو يعقد حاجبيه: اذا فقد كنت تعلمين بالامر منذ البداية..
قالت فرح بلهجة مرحة: امر مهم كهذا لا يمكن ان يخفى على شقيقتك ابدا..
- لم تظاهرت بالعكس اذا؟..
- كنت اريدك ان تخبرني عن القرار التي اتخذته بنفسك..
واردفت بهدوء: اتعلم يا هشام.. مشكلتك انك لا تستمع لنصائح الغير ابدا.. تظن ان كل شيء من حقك ان تحصل عليه في هذا العالم.. مشكلتك ان اعجبك شيء ما فانك تصر على امتلاكه على الرغم من ان هناك العديد غيره في هذا العالم الكبير..هذا كله يعود الى طبيعتك الانانية المتملكة..
اشار الى نفسه باستنكار وقال: انا؟؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل انت..لقد تربيت منذ ان كنت صغيرا على ان تحصل كل ما تريد ويبدوا ان هذه الخصلة قد كبرت معك مع مرور الزمن..
قال بحنق: اخبريني ما سر هذه المقدمة السخيفة؟..
قالت وهي تهز كتفيها: لانك لا ترى من حولك سوى وعد.. ووعد فقط.. اخبرني هل فكرت بجدية بأي فتاة اخرى سواها.. فقط لان وعد امام ناظريك عليك ان تختارها هي وتتزوجها هي.. هكذا تفكر.. ولكن اعلم ن الحب ليس هكذا.. مادامت وعد لا تبادلك المشاعر.. فابحث عن حب حقيقي..ابحث عن فتاة تحبها وتحبك.. ولا تضيع سنوات عمرك في انتظار وعد..
قال هشام بضيق: انت لا تعلمين من هي وعد بالنسبة لي.. ان وعد هي الهواء الذي اتنفسه.. هل تريدين بكل هذه البساطة ان ارمي مشاعري تجاهها خلف ظهري..انه امر مستحيل.. امر لن يمكنني فعله مطلقا..
قالت فرح بحدة: لا يوجد مستحيل في هذا الموضوع.. انت من تعلق نفسك بها.. وتراها كل شيء في هذا العالم.. وبامكانك ان تبعدها عن ذهنك وتبدأ حياة جديدة مع فتاة اخرى سواها لو اردت..
قال هشام بعصبية: لا تظني ان الامر بمثل هذه السهولة ابدا..
قالت فرح وهي تميل باتجاهه: وليس بمثل تلك الصعوبة ايضا.. اليس كذلك؟..
تراجع هشام برأسه عن تلك اللوحة الهندسية بعد ان افاق من ذكرياته..وهو يفكر في عبارة فرح السابقة.. احقا من السهل نسيان ذلك الحب؟..ذلك الحب الذي رافقه منذ سنوات عمره الاولى..هل يمكن له ان يلقي فجأة بكل شيء خلف ظهره ويبدأ من جديد؟.. يبدأ مع فتاة غير وعد..هل الامر بهذه البساطة التي يظنونها؟..صحيح ان حبه من طرف واحد.. ولكن هذا لا يعني ان يستسلم بهذه البساطة.. فربما تبادله وعد حبه هذا يوما و...
(استاذ هشام.. اريد رأيك في هذا المخطط الهندسي)
التفت هشام الى تلك الفتاة التي تطلعت اليه بتردد وهي منتظرة رده.. انها المهندسة الوحيدة هنا بين مجموعة من الهندسين الرجال.. وقد اثبتت قدرتها على انها اهلا لذلك وانها في مستوى مهارتهم.. بل انها تفوقهم احيانا..
اسمها (شذى)..فتاة بسيطة هي..في الخامسة والعشرين من عمرها..متواضعة.. ذكية..مخلصة ومجتهدة في عملها.. تفضل البساطة ولكن لها طموحاتها .. خيالها الواسع يجعلها تبتكر العديد من التصاميم..تمتلك ذلك النوع من الجمال الهادئ .. ولها عينين جميلتين تخفيهما تلك النظارة الطبية.. المهم ان شذى نشعر بالاعجاب الكبير تجاه هشام.. لم ينتبه هشام له مطلقا او ربما لم يعره أي انتباه..فقد كان يقتصر في معاملته لها على الرسمية وفي حدود العمل ..
ومد هشام يده لها وقال بهدوء: دعيني اراه..
منحته الرسم وقلبها يخفق.. تتمنى سماع كلمات الاطراء والمديح منه..تتمنى ان يعجب بعملها..وبالتالي ربما بها.. ووجدته يقول وهو يتطلع له بامعان: جيد..
تطلعت له بخيبة امل.. اهذا كل ما استطاع ان يقوله..جيد فقط..وقالت تستحثه على المواصلة: وماذا عن شكل النوافذ.. وشكل الغرف..
طوى التصميم وقال وهو يمنحها الرسم: لا بأس ابدا ..ولكن افضل ان تأخذي رأي رئيس القسم بهذا الشأن وليس رأيي انا..فأنا لن افيدك بشيء..
قالت شذى في سرعة: من يدري ربما يفيدني رأيك كثيرا..
قال وهو يعقد حاجبيه: من أي ناحية تعنين؟..
زفرت وقالت: لا اعني شيئا.. انس الامر..
التفت عنها.. وهو غير مهتم بما قالته.. في حين واصلت هي عملها وهي تشعر بخيبة الامل الحقيقية.. هذا الشاب لن ينتبه لها ابدا.. يعاملها برسمية تفوق الحدود.. انه حتى لا يتبادل معها سوى التحية على الاكثر..في حين تنهد هشام وهو يتطلع الى ساعته.. لم يبق شيئا وينتهي وقت العمل.. واختلس نظرة عابرة الى شذى.. ترى هل تعنين يا فرح ان اترك فرصة لنفسي بالتعرف على فتاة اخرى؟.. اني لا ارى من شذى الفتاة المناسبة لي ابدا.. فتاة طيبة وبسيطة .. هادئة وجادة احيانا.. وبصراحة لا اراهاتتفق مع فتاة احلامي التي حلمت بها..
وابتسم بسخرية لنفسه.. فتاة احلامه التي تخيلها واحبها لا تبادله المشاعر.. من يدري ربما من تخالف صورة فتاة احلامه ويبدأ معها حياة جديدة وتبادله المشاعر..ربما لو منح لقلبه فرصة اخرى.. ربما لو استطاع ابعاد وعد عن ذهنه..
هز رأسه محاولا نفض تلك الافكار عن ذهنه وهو يغادر مكتبه ويلتقط سترته قائلا: الى اللقاء جميعا..
ودعوه جميعا في حين تابعته عينا شذى وهو يغادر المكان ..اما هشام فقد غادر المبنى والعديد من الافكار لا تزال تراود ذهنه..وترفض الابتعاد عنه..وانطلق بسيارته.. وهو لا يزال حائرا.. ماذا لو رفضته وعد من جديد؟.. ما الذي سيفعله؟..هل سيستطيع ان ينساها وينسى الحب الذي جمعه بها بهذ البساطة؟.. لا ..بكل تأكيد لا.. وعد ليست مجرد فتاة في حياته.. وعد هي نبضات قلبه وكيانه كله.. بدونها يشعر بأنه لا قيمة له.. وانه يفتقر الى شيء شديد الاهمية.. ولكن... ماذا لو وافقت وعد على الزواج به؟..عندها ستنتهي أي مشكلة وسيعيش سعيدا ابد الدهر..و ستكبر معه الاحلام و...
انتزعه من افكاره بغتة ذلك الارتطام القوي الذي كان مبعثه تلك السيارة التي ارتطمت بسيارته من الخلف .. والذي جعله يرتد في مقعده بقوة..ورأسه يكاد يصطدم بالمقود ..وازاح دهشته وتوتره في سرعة وهو يفك حزام مقعده ويخرج من سيارته هاتفا بعصبية: أي حماقة تلك؟.. الا ترى امامك يا هذا حتى تحطم سيارتي على هذا النحو؟..
رأى باب السيارة يفتح وسمع صوت يقول: ولكن انت من توقف فجأة يا سيد..
عقد حاجبيه بشدة فالصوت كان لفتاة.. ورآها تغادر السيارة وعلى وجهها علامات التوترالشديد..كانت تبدوا مرتبكة وهي تقف بجوار سيارتها..كانت جميلة بحق بذلك الشعر الكستنائي القصير.. وتلك الخصلات المبعثرة على جبينها ووجنتيها..وعيناها الواسعتان..وبشرتها البيضاء التي تتخللها بعض الحمرة عند وجنتيها..
ولكن هشام لم يأبه بكل هذا وهو يقول بحدة: هذا ليس عذرا..
قالت الفتاة وهي تلوح بكفها بارتباك: كيف تريدني ان اتفادى الاصطدام وانت توقفت بسيارتك فجأة؟..
قال بعصبية: هذه مشكلتك وليست مشكلتي..
قالت الفتاة بهدوء:حسنا يمكنني تحمل تكاليف اصلاح السيارة..فقط سأتصل بادارة المرور حتى تعلم بالامر.. وبالتالي ستتولى شركة التأمين اصلاح سيارتك و...
قاطعها قائلا: وهل تظنين انني متفرغا لك او لادارة المرور التي لن تصل الا بعد مضي وقت طويل؟.. ان لدي موعدا مع شخص ما.. وعلي مقابلته بعد ربع ساعة فحسب..
قالت الفتاة بنفاذ صبر: وما الذي يمكنني عمله اذا؟..
صمت هشام قليلا ومن ثم قال: انت مستعدة لتحمل نفقات اصلاح السيارة وفي الوقت الذي اريد.. اليس كذلك؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. فقال بلامبالاة: اذا امنحيني رقم هاتفك.. وسأقوم بالاتصال بك عندما...
قاطعته بدهشة وحدة: مستحيل..ماذا تقول يا هذا؟.. اتطلب بكل وقاحة رقم هاتفي و...
قاطعها بانفعال: لا تظني بنفسك الكثير يا آنسة.. فلست حتى افكر بالنظر اليك.. واذا كان هذا الامر يزعجك الى هذا الحد.. امنحيني رقم أي شخص آخر حتى اقوم بالاتصالى به واخبرك بأن هذا الوقت المناسب لاصلاح السيارة..
قالت ببرود: سأمنحك رقم المنزل اذا..
قال بملل: لا بأس..
همت بقول شيء ما.. ولكنها قالت وهي تلتفت لسيارتها: لم لا تسجل رقم سيارتي وتمنحه لادارة المرور .. وعندها سينصلون بي ويبلغوني عن الامر وسيحل الامر دون تعقيدات..
- ادارة المرور تطلب تواجدك او هويتك.. فمن سيصدقني لو منحتهم رقم سيارتك فحسب؟..
زفرت بحنق ومن ثم قالت: لا خيار اذا..
واخذت تمليه رقم هاتف المنزل..ومن ثم قالت: والآن يمكنني المغادرة اليس كذلك؟..
قال في سرعة: سأخبرك باسمي حتى تعلمي انني المتصل اذا ما اتصلت بك..انا ادعى هشام..
عقدت حاجبيها ومن ثم قالت: فليكن..والآن عن اذنك..
ابتعدت عنه بسيارتها اما هو فقد توجه نحو سيارته وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة.. ابتسامة غامضة الى ابعد الحدود...
************