*الجزء الرابع والثلاثون*
(الى متى سيمكنك الانتظار؟)
شعرت وعد بالملل وهي تجلس على تلك المائدة التي تضم نادية وعدد من زميلاتها واخيرا هي.. لم يكن مبعث مللها هو الاحاديث الدائرة.. بل بسبب قلقها على طارق.. منذ ان غادر المكان منذ نصف ساعة لم يعد حتى الآن ولم يحاول الاتصال بها ليخبرها عن ما هنالك..ما الأمر؟..هل المكالمة الذي جاءت له مهمة الى هذه الدرجة.. والى ان يغادر مبنى الصحيفة بأكمله من اجلها؟..
(هيا يا وعد.. لنعد الى القسم.. لقد انتهت فترة الاستراحة ..)
التفتت وعد الى نادية صاحبة العبارة السابقة .. وقالت وهي تزفر بحدة: حسنا..
قالتها ونهضت من مكانها وسارت بالممر بشرود..حين سمعت نادية تقول: صحيح.. اين الاستاذ طارق؟..لقد كان يشاركك الطاولة في بداية فترة الاستراحة..
التفتت لها وعد وقالت: جاءته مكالمة هاتفية.. غادر على اثرها مبنى الصحيفة..
- مكالمة هاتفية؟..وممن؟..
قالت وعد وهي تزفر مرة اخرى بحدة: ليتني اعرف..
قالت نادية متسائلة: الم يخبرك الى اين هو ذاهب؟..
هزت وعد رأسها نفيا ببطء ومن ثم قالت: نعم لم يخبرني ..كل ما قاله ان المكالمة هامة وتستدعي مغادرته لمبنى الصحيفة..
قالتها ومن ثم دلفت الى القسم الذي كانتا قد اقتربتا منه في طريقهما..ورمت بنفسها خلف مكتبها بضيق.. وهي تتطلع الى مكتبه الفارغ.. اين هو؟.. لماذا لم يعد حتى الآن؟ ..لم؟ .. ربما يكون منشغلا بالأمر الذي استدعى خروجه ..او ربما ما اخره هو ازدحام الشوارع لا اكثر ..لم لا تتصل به؟..اجل لم لا تفعل؟.. لتطمئن وتعرف اين هو وما الذي اخره؟..
اخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها وضغطت رقم هاتفه باصابع متوترة..قبل ان تستمع الى الرنين المتواصل على الطرف الآخر ..وانتظرت في لهفة اجابته.. ولكن انقطع الرنين دون ان يجيب.. اعادت الاتصال به مرة اخرى .. ولم يجب ايضا..تبا..اين هو الآن؟.. اين هو؟..
اعادت الهاتف الى حقيبتها بعصبية.. وتطلعت الى مجموعة الاوراق النصف مكتملة امامها..هل لديها مزاج رائق للعمل الآن؟..هل يمكنها ان تعمل بهدوء وهي لا تعلم الامر الذي استدعى طارق مغادرته للمبنى..هل الار بمثل هذه الخطورة حقا؟.. حتى يرفض اخبارها او اخبار أي شخص آخر و...
خطرت لها بغتة فكرة .. جعلتها تلتفت في سرعة الى احمد وتقول: استاذ احمد..
التفت لها وقال: اجل..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: منذ متى غادر الاستاذ طارق الصحيفة؟..
قال وهو يتطلع الى ساعة يده: منذ نصف ساعة تقريبا..
عقدت وعد حاجبيها بتفكير..اذا فهو يعلم بأمر مغادرته .. وربما يعلم بالامر الذي جعله يغادر الصحيفة على عجل ..وسألته قائلة بلهفة: هل اخبرك بسبب مغادرته؟..او الى اين هو ذاهب؟..
صمت احمد للحظة ومن ثم لم يلبث ان قال بابتسامة: ان كنت تريدين اية اجوبة.. فاطلبيها منه هو بنفسه..
قالت وعد في سرعة: انت تعلم اذا الى اين قد ذهب..
قال وهو يهز كتفيه: ليس تماما..
- اخبرني بالله عليك اذا..الى اين قد ذهب؟..
تردد احمد طويلا وقال: صدقيني.. سيخبرك بكل شيء بنفسه .. لا تتعجلي الامور..
التفتت عنه وقالت بعصبية: هل الامر يستدعي كل هذه السرية؟.. هو لا يطارد عصابة من اللصوص وقد ذهب للقبض عليهم الآن على ما اظن..حتى تخفوا الامر عني بهذه الطريقة..
قال احمد وابتسامته تتسع: من يدري ربما يفعل.. مع طارق لن يمكنك تخيل القادم ابدا..
لم تعلق على عبارته.. بل اخذت تكمل ما بدأته من عمل بضيق وعصبية .. لم لم يخبرها بمكان ذهابه؟.. لم يتركها لكل هذه الحيرة والقلق .. لم يصر على ان يغلف نفسه بغلاف من الغموض فيما يفعل.. الا يحق لها ان تعلم الى اين قد ذهب على الاقل؟...
(وعد.. آنسة وعد)..
انتزعها الصوت من افكارها التي سيطرت عليها..وقالت وهي ترفع رأسه لنادية ناطقة العبارة السابقة: اجل.. ماذا هناك؟..
قالت نادية بابتسامة مشفقة: هاتفك يرن..
انتبهت لتوها الى رنين هاتفها..والتقطته بلهفة من حقيبتها..ولم تكد ترى رقم المتصل.. حتى هتفت بكل القلق الذي في اعماقها: طارق .. اين انت؟..اخبرني ارجوك..لا تتركني في حيرة من امري هكذا..
قال طارق مبتسما: هوني عليك يا وعد.. الامر لا يستحق كل هذا..
قالت بحدة: اجل لأنك لست في موضعي الآن.. لهذا تتكلم بكل هذا البرود.. بينما انا هنا.. لا اعرف اين انت؟.. وما الذي دعاك للمغادرة فجأة؟..او ربما ان مكروها قد حدث ...
بترت عبارتها ولم تستطع ان تكملها..فقال طارق بهدوء: لقد وعدتك بأن اخبرك بكل شيء عندما اعود..
- ولم ليس الآن؟..
- الموضوع طويل ويطول شرحه..
قالت وعد بقلق واهتمام: طارق ..أأنت بخير حقا؟..
قال طارق بحنان: انا بخير يا وعد.. لا تقلقي ابدا..
قالت بهمس: عدني..
قال متسائلا: بماذا؟..
قالت بصوت خافت: ان لا تتركني اقلق عليك هكذا مرة اخرى ..
ابتسم بحنان وحب.. ومن ثم قال بهمس: اعدك..
واردف: وعلى فكرة.. فأنا قريب من مبنى الصحيفة ..سآتي الى القسم في الحال لأزعج احمد قليلا..
ارتسمت ابتسامة على شفتي وعد وقالت: دعه وشأنه.. انه صديق مخلص جدا.. ويندر وجود اصدقاء مثله..
سألها قائلا: وكيف عرفت؟..
قالت بحنق: لقد رفض اخباري بمكانك وظل مصرا على اخفاء الامر عني..كما اتفقتما .. اصحيح؟..
قال طارق بابتسامة: لقد وعدني ان لا يخبر احدا بمكاني لو اخبرته..ولكني طلبت منه اني لو تأخرت لفترة طويلة بعض الشيء ان يخبرك الامر.. فأعلم انك ستكونين قلقة علي حينها ..
قالت متسائلة بحيرة: ولكن.. لم لم تجب على هاتفك؟..
قال مجيبا: معذرة فقد نسيته في السيارة لحظتها..
واردف قائلا: والآن الى اللقاء يا وعد..فقد وصلت الى مبنى الصحيفة..
قالت بهدوء: الى اللقاء..
اغلقت الهاتف .. وارتسمت ابتسامة ارتياح على شفتيها بعد محادثة طارق لها فقد تأكدت على الاقل انه على مايرام ..وانه لم يصب بأي مكروه ..انها تشعر براحة نسبية على الرغم من جهلها لمكان تواجده طوال تلك المدة السابقة.. و...
( ام اقول اني وصلت الى قسم الصفحة الرئيسية)
التفتت وعد الى صاحب الصوت وقالت هامسة باسمه في لهفة: طارق..
ابتسم وقال: كيف حالكم جميعا؟.. يبدوا انكم قد استمتعتم في عدم وجودي..
قال احمد مبتسما: كثيرا.. وخصوصا ان المكتب كان فارغا منك ومن سخريتك..
اما نادية فقد قالت: اين كنت كل هذ الوقت يا استاذ طارق؟..
قال طارق ملوحابكفه: الامر ليس بمثل تلك الاهمية ابدا.. فلا تقلقوا بشأني..
واردف وهو يتطلع الى احمد بابتسامة: اراهن انك اول من اشتاق لوجودي في هذا القسم..
قال احمد مبتسما: ابدا..لقد تخلصت منك بكل صراحة..
اما وعد فقد كانت تتابعه بعيناها في لهفة.. وهي تحاول ان تستشف من ملامحه ما يحاول ان يخفيه عنها بداخله..وشاهدته يتجه ليجلس خلف مكتبه ومن ثم يلتفت لها ويبتسم ..ابتسامته كانت اقرب الى المرح وهو يشير الى شيء ما على طاولتها..تطلعت اليه في حيرة وعيناها تتسائلان عما هنالك..وانتبهت بغتة الى انه يشير الى هاتفها المحمول.. فأمسكت به ورفعت عيناها متسائلة ..بمعنى هل هذا ما قصده..فأومأ برأسه بهدوء.. ولم يكد يفعل حتى ارتفع رنين هاتفها معلنا عن وصول رسالة..انتفضت بدهشة..ولم تلبث ان رفعت عيناها الى طارق وهي تتطلع اليه في حنق لارعابها على هذا النحو.. اتسعت ابتسامته المرحة مما اكد لها انه حقا من ارسل تلك الرسالة لها..التقطت الهاتف وفتحتها لتقرأ حروفها التي كانت تقول: ( سأخبرك بكل شيء بعد ان تنتهي فترة العمل بالصحيفة.. اعدك..ومعذرة ان كنت قد اقلقتك علي)..
اغلقت الرسالة ووضعت هاتفها في حقيبتها وكأنها لم تهتم برسالته ابدا..وواصلت عملها بهدوء..فارتفع حاجبا طارق لوهلة من ردة فعلها .. لكنه لم يلبث ان لمح تلك الابتسامة التي جاهدت طويلا لتخفيها في اعماقها.. ابتسامة تحمل كل معنى للارتياح والاطمئنان والسعادة...
**********
تطلع هشام بابتسامة ماكرة من خلال النافذة الى تلك السيارة .. التي وقفت بسكون الى جوار المطعم..لقد تعمد اخذ طاولة الى جوار النافذة الزجاجية للمطعم..وقد اختار موقعا لا يمكن لها من خلاله ان تلمحه من الخارج.. ليراقب تحركات تلك الفتاة وما ستفعله..هل ستنتظره؟.. ام ستغادر غير مبالية به..وعندما شاهدهالم تغادر المكان بعد دخوله الى المطعم.. ادرك بأنها ستنتظره..ولن تغادر ..ولهذا تعمد التأخير بجلوسه في المطعم..وكلما جاء النادل ليأخذ طلبه قال بابتسامة هادئة: انني انتظر شخصا وربما سيتأخر..
وهكذا كان يضيع من الوقت متعمدا حتى يزيد من فترة تأخيره..وتطلع الى ساعته وقال وابتسامته الماكرة تتسع: فلنرى.. الى متى سيمكنك الانتظار؟..
وجاءه النادل للمرة الثالثة وهنا قال هشام وقد ادرك ان النادل قد بدأ يشك في كونه زبونا: احضر لي عصير برتقال طازج..
اومأ النادل برأسه وقال: فليكن يا سيدي.. اترغب في أي شيء آخ...
قاطعه هشام بغتة وهو يقول في سرعة وحماس وهو يتطلع من النافذة: اجعلهما اثنين..
اومأ النادل برأسه وهو يستغرب حالة الحماس الذي سيطرت على هشام بغتة.. وانصرف مبتعدا..في حين قال هشام وهو يعقد ساعديه امام صدره: لقد استسلمت اخيرا.. وهاهي ذي قادمة بنفسها الى هنا..
فقد شاهد تلك الفتاة تهبط من سيارتها وهي تتجه الى حيث المطعم.. ويبدوا من طريقة سيرها انها غاضبة والى اقصى حد..وهاهي ذي تتلفت في المطعم بحثا عنه وما ان لمحته حتى توجهت اليه وقالت وهي تقف في مواجهة مائدته و تحاول السيطرة على عصبيتها: لقد تأخرت كثيرا يا سيد.. الى متى تظنني سأنتظر؟..
قال بابتسامة: لا اذكر اني قد طلبت منك انتظاري..
قالت بحدة وانفعال: صحيح انت لم تطلب مني ذلك..ولكن انا الحمقاء التي انتظرتك..ظنا مني انك ستحترم انتظاري لك وستأتي سريعا.. لا ان تجعلني انتظرك كل هذا الوقت خارجا وكأنني سائق اجرة خاص ل...
قاطعها هشام قائلا وهو يضع سبابته امام شفتيه: اهدئي قليلا واجلسي حتى نتفاهم.. الكل يتطلع اليك..
اختلست النظرمن حولها فأدركت صدق ما قاله.. ترددت طويلا قبل ان تجلس بارتباك وتقول : اسمع ان لم تغادر هذا المكان بعد خمس دقائق قسأمضي في طريقي ولن آبه بك..
قال وهو يهز كتفيه: وما ذنبي ان كانت خدمة هذا المطعم بطيئة..
في نفس الوقت رأى النادل يقترب منهما ويضع امامهما كأسي العصير .. فقال وهو يشير الى الكأسين: ارأيت .. لقد احضرهما لتوه..
قالت بحنق: اتحاول اقناعي انك قد قمت بطلب هذا العصير منذ ان دلفت انت الى هنا..ولم يحضرهما الا الآن؟..
قال هشام وهو يلتفت الى النادل: احضر غداء لشخصين من فضلك..
اسرعت تقول وهي ترى النادل ينصرف: لحظة واحدة.. من قال اني اقبل دعوتك لتناول الطعام .. انا هنا من اجل ...
قاطعها هشام قائلا ببرود: ومن قال ان الوجبة الاخرى لك؟..
- اذا لمن؟..هل يوجد شخص ثالث معنا؟..
قال بابتسامة مستفزة: اشعر بالجوع .. وارغب بتناول وجبتين..فهل يزعجك هذا في شيء؟..
قالت وهي تشيح بوجهها عنه في غضب: من فضلك يا سيد ..لقد تطوعت بايصالك الى مكان سكنك..لهذا احترم ما فعلته تجاهك..وحاول ان لا تتسبب في تعطيلي اكثر من ذلك .. تناول ما تريد في سرعة.. اما انا فسأنتظرك بالسيارة و...
قال هشام بلهجة جدية وجدتها غريبة عليه: الا تعلمين ان عمل المكيف طوال فترة توقف السيارة يؤدي الى تعطله وربما تعطل السيارة كذلك؟..
قالت وهي ترفع حاجبيها بحيرة واستغراب: احقا؟..
اومأ برأسه وقال: بلى ان هذا الامر حقيقي واقسم على هذا..
واردف وهو يعتدل في جلسته قليلا: ولهذا اظن انه من الافضل لك انتظاري هنا.. لن اتأخر كثيرا..
قالت بسخط: اشك في هذا..
كان هشام يحاول ان يستبقيها معه بشتى الطرق.. يريد ان تمنحه فرصة ليتحدث اليها ..يريد ان يعرفها عن قرب..يعرف اشياء اكثر عنها.. شخصيتها.. هواياتها.. دراستها ..طريقة تفكيرها .. فهو يشعر بأنها تعويض من القدر له..
وقال هشام بابتسامة: بدلا من الشجار.. ما رأيك في ان نتحدث قليلا؟..
قالت وهي تسند ذقنها الى قبضتها في عصبية: انا لا اتحدث مع شاب لا اعرفه الا للضرورة..
قال هشام وابتسامته تتسع: بل تعرفينني..وتعرفين انني ادعى هشام وانني مهندس..وماذا عنك؟..
تجاهلت السؤال الموجه لها تماما.. فقال بهدوء: فليكن.. على الاقل ماذا تدرسين؟..او ماذا درست؟..
رفعت عيناها اليه وقالت بملل: هل يهمك الامر الى هذه الدرجة؟..
قال وهو يلوح بكفه: لا.. مجرد سؤال لتمضية الوقت..
تطلعت الى نقطة وهمية ومن ثم قالت: فليكن اذا.. انا ادرس تخصص الديكور..
قال مبتسما: ممتاز اذا..فتخصصانا متقرابان الى حد ما.. سأخطط انا لتصميم المنزل ..وانت تخططين للديكور الداخلي له..لو حدث وتوظفت يوما في الشركة التي اعمل بها..
قالت بحنق: سأستقيل وقتها بكل تأكيد..
قال وهو يتطلع لها: هل ترينني ثقيل الظل الى هذه الدرجة؟..
كان عقلها يجيب بلا..تعترف بأنه ليس كذلك ابدا..بل انه مرح ودائم الابتسام.. يأخذ الامور ببساطة كبيرة.. وعلى الرغم من انه جرئ الى درجة كبيرة الا انه مهذب في الوقت ذاته و...
ابعدت تلك الافكار عن ذهنها في سرعة وقالت: ما رأيك انت في شخص يدعو نفسه ليوصله شخص ما الى مكان سكنه بنفسه؟..ومن ثم تراه يأخذك الى مطعم لرغبته في تناول الطعام وبعدها يتركك تنتظر نصف ساعة واكثر خارجا..
قال هشام بسخرية: شخص ثقيل الظل حقا..
وقال مردفا وهو يصطنع الاهتمام: ولكن من هذا الشخص؟..
قالت بسخرية هي هذه المرة: تستطيع ان تراه في المرآة لو نظرت اليها بنفسك..
قال ساخرا: وكذلك انت .. تستطيعين ان ترينه لو نظرت الى نفسك في المرآة..
عقدت حاجبيها بغضب وهمت بأن ترد عليه..لولا ان وضع النادل امامهما طبقي الطعام..فقالت هي وهي تشيح بوجهها: اسرع بتناول ما تريد فأريد ان اعود الى المنزل.. سيقلقون علي لو تأخرت لساعة أخرى..
قال هشام مبتسما: ومن سيقلق عليك؟..فارس؟..
تطلعت اليه بدهشة ومن ثم تذكرت ان شقيقها قد حادثه عندما اتصل وربما اخبره باسمه..ولم تجب عليه بل تطلعت من خلال النافذة بشرود.. وسمعت هشام في تلك اللحظة يقول: لو ترغبين في مشاركتي الطعام فلن امانع..
ودون ان تدرك ارتسمت على شفتيها ابتسامة ..ابتسامة لاحظها هشام.. فقال وهو يتطلع لها: اتعلمين انها اول مرة اراك في وضع يخالف تجهم وجهك ..
التفتت له وتطلعت اليه بحيرة فأردف مبتسما: انها المرة الاولى التي ارى فيها ابتسامتك..
ادركت في تلك اللحظة فقط انها ابتسمت لعبارته السابقة ..ولم تعلق على ما قاله.. بل عادت لتلتفت عنه وتطلع من النافذة بشرود اكبر...
*********
قال طارق مبتسما وهو يغادر الطابق الارضي لمبنى الصحيفة برفقة وعد: هل حقا قلقت علي الى تلك الدرجة؟..
التفتت له وقالت باستنكار مصطنع: من قال هذا؟..
قال وهو يشير اليها: صوتك من قال هذا وانا اتحدث اليك عن طريق الهاتف..
واردف وهو يقلد طريقتها في الحديث: طارق اين انت؟..لماذا لم تعد؟.. لماذا لم تخبرني بمكانك؟..لماذا جعلتني اقلق عليك؟..لماذا...
قاطعته وهي تقول بسخرية: لماذا تحدث نفسك الآن؟..
قال وهما يسيران باتجاه المواقف: اردت ان اؤكد لك فقط انك كنت شديدة القلق علي؟..
قالت في سرعة: لماذا تفسر اسألتي عنك هكذا؟..
التفتت لها وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: ولماذا تكابرين؟..
اسرعت تقول وهي تتوجه نحو سيارتها: انا لا اكابر وانما احاول شرح وجهة نظري.. فعندما كنت ...
قاطعها في سرعة: الى اين انت ذاهبة؟..
تطلعت له بحيرة ومن ثم قالت مجيبة: الى سيارتي بكل تأكيد..
قال وهو يضع كفيه في جيبي سترته: الا يهمك معرفة مكاني؟..
قالت في لهفة: بلى .. بكل تأكيد..
فتح الباب المجاور لسيارته وقال بابتسامة: اذا اصعدي ..وسأخبرك بكل شيء في الطريق..
قالت متسائلة وهي تتجه نحوه: والى اين سنذهب؟..
هز كتفيه وقال : وفيم يهم؟..
واردف وهو يميل نحوها: المهم ان نكون معا..
احست برجفة في اطرافها وهي تراه يميل نحوها وتطلعت له لوهلة ومن ثم قالت بخجل: ربما معك حق..
قالتها ودلفت الى سيارته لتجلس الى جوار مقعد القيادة الذي احتله طارق..وانطلق بالسيارة وقال وهو يخشى من ردة فعلها: لقد كنت ب...بمركز الشرطة..
تطلعت اليه وعد بعينان لا تفهمان.. وكأنها لم تستوعب ما قاله ..وقالت بصوت مرتبك: هل تمزح؟..
قال وهو يهز رأسه نفيا: وهل يوجد مزاح في امر كهذا؟..
قالت بانفعال: ماذا تعني اذا؟.. لم كنت هناك؟..
قال بهدوء وهو يختلس النظر اليها: اتذكرين ذلك الشاب.. الذي تعرض لك لمرتين..
اومأت برأسها وقالت بدهشة: بل اذكره ولكن لما...
بترت عبارتها واتسعت عيناها وقالت مردفة وهي تلتفت له: هل من الممكن ان يكونوا قد عثروا علىدليل او شاهد ضده؟ ..
قال طارق وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: لم ارد ان اخبرك عندما اتصلوا بي صباحا واخبروني بأنهم يرغبون في ان اتواجد بالمركز بخصوص ذلك الشاب الذي تعرض لك..خشية ان يكون الامر ليس في صالحي فتلومي نفسك وتظني انك السبب فيما قد يحدث لي..ولهذا غادرت المكان بعد ان تكتمت على الامر وتوجهت الى المركز لأجد ان هناك شاهد رأى كل ما حدث وشهد بأن ذلك الشاب قد تعرض لك اولا ومن ثم هاجمني فجأة دون ان احاول التهجم عليه..
تطلعت له وعد ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت بحنان وقالت: الهذا السبب لم تخبرني بالامر؟..
قال طارق مبتسما: لم اكن اريدك ان تلومي نفسك على ما حدث ابدا فأنت لم تفعلي شيئا ابدا سوى انك كنت ذاهبة لتأدية عملك.. ليس ذنبك ان حاول ذلك الوقح التعرض لك.. وليس ذنبك انني قد حاولت الدفاع عنك واصبت..
سألته قائلة بابتسامة: حسنا وماذا فعلوا بشأن ذلك الوقح؟..
قال طارق بهدوء: اظنهم سيسجنونه.. ولكن اظن ان المدة ستكون قصيرة جدا..فهو يبدوا من عائلة ثرية وذات نفوذ..
قالت وعد بغضب: تبا.. اهذا هو العدل؟.. يسجنونه لفترة قصيرة وقد اصابك في ذراعك لمجرد انه ابن عائلة ذات نفوذ..
قال طارق وهو يوقف السيارة في احد المواقف: لا تقلقي نفسك.. لقد قلت اني اظن فحسب.. ومن يدري ربما ينتصر العدل في النهاية؟..
قالت في سرعة: سأحاول ان لا تتعرض لأي مشكلات بسببي مرة اخرى..
قال متسائلا: وكيف هذا؟..
قالت بصوت مرتبك بعض الشيء: قد لا اذهب مرة اخرى وحدي في مهمة صحفية..
قال باهتمام وهو يلتفت لها: احقا يا وعد.. لن تفعلي؟..
شعرت ببعض الخجل ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة: لقد قلت قد..اي ربما اجل.. وربما لا..
و صمتت لوهلة ومن ثم قالت بعد ان لاحظت توقف السيارة: لم توقفت هنا؟..
قال وهو يلتفت لها ويتطلع اليها: ما رأيك بدعوة من شاب بسيط مثلي على الغداء؟..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت وهي تلتفت عنه بخجل: بسيط؟.. يالك من متواضع.. الجميع يقول انك افضل صحفي في الصحيفة..
- يبالغون لا اكثر..
واردف متسائلا: والآن ما رأيك هل توافقين على دعوتي؟..
ابتسمت بخجل وقالت: وهل استطيع ان ارفض دعوة من افضل صحفي بالجريدة؟..
قال باستنكار: فقط؟..الهذا تقبلين دعوتي؟..
التفتت له وقالت بحنق: طارق انت تفهمني.. فليس هناك أي داع لتجر مني الحديث..
قال وهو يصطنع الضيق: كيف افهمك وانت لا تتحدثين؟..
قالت وهي تزفر بحدة: فليكن.. ولأنك اكثر البشر برودا..
قال بسخرية: كان من الاجدر بك ان لا تتحدثي ما دمت ستمتدحيني بهذه الطريقة..
قالت مبتسمة: حسنا ولأنك ذا شخصية متميزة..
لم يعلق على عبارتها.. واصطنع التطلع من خارج النافذة ..فقالت وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: لا يكفي ايضا..
واردفت وهي تهمس بحنان: ولأنك الشخص الوحيد الذي جذب اهتمامي له منذ اللحظة الاولى..
التفت لها بشك مصطنع.. فأسرعت تقول: كما وانك قد وقفت الى جواري طويلا وساعدتني .. واصبت بسببي..
مال نحوها وقال بابتسامة: وايضا؟..
فتحت الباب المجاور لها وقالت بكبرياء وهي تخرج من السيارة: لا شيء..
فتح الباب بدوره وقال وهو يخرج من السيارة: لماذا تكابرين؟ ..
قالت وهي تهز كتفيها: لا اكابر وانما اقول الصدق..
قال وهو يسير الى جوارها: من اين تعلمت العناد؟..
قالت بهدوء: لست عنيدة..
ضحك وقال: ماذا؟.. لست ماذا؟.. ان وعد هي العناد بعينه..العناد مجسد بداخلك..
قالت بحدة: لست كذلك..
قال وهما يدلفان الى ذلك المطعم: هل تريدين اثبات .. حسنا ..بماذا تسمين اصرارك على الذهاب في لقاء صحفي لوحدك؟ ..
- رغبة في اثبات الذات..
- يالك من فتاة.. ولكن دعينا من هذا الآن..ولنتحدث في امر آخر..
- امر مثل ماذا؟..
كاد ان يجيبها لولا ان شاهد النادل يقترب منهما ويقول: طاولة لشخصين؟..
اومأ طارق برأسه .. فسار النادل امامهما ليرشدهما نحو احدى الطاولات وقال بابتسامة هادئة: هل تناسبكما؟..
قال طارق بهدوء : جيدة..
احتلت وعد احد المقاعد.. واحتل طارق المقعد المواجه لها..فقدم لهما النادل قائمتين للاطعمة ومن ثم قال بهدوء: اترغبان بأي خدمة اخرى اقدمها لكما؟..
اجباته وعد هذه المرة قائلة: لا .. شكرا لك..
انصرف النادل مغادرا.. فقالت وعد بابتسامة: يبدوا مطعما ممتازا..
قال طارق في هدوء: احضر احيانا الى هنا.. ولقد قررت ان تكون اول دعوة لك في مطعم ممتاز كهذا..
قالت بابتسامة مرحة: تجيد الاختيار اذا..
تطلع لها وقال بحنان: بأكثر مما تتصورين.. والا لم احببتك دون سواك؟..
خفق قلب وعد في قوة.. انه يبدوا اكثر حنانا من أي مرة رأته فيها.. صوته يبدوا يحمل كل حب الدنيا.. وعيناه تحملان لها مزيجا من هذا وذاك وهو يتطلع اليها.. وحاولت قول أي شيء .. ولكنها لم تستطع.. احست بالكلمات تهرب من على لسانها في كل مرة تريد فيها ان تبثه مشاعرها ..ولهذا اكتفت بان تهرب بنظراتها بعيدا..وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: وعد ..لم لا تقولينها؟ ..الى متى ستهربين من الحقيقة؟..لقد رأيتها في عينيك.. ولكني اتمنى ان اسمعها بصوتك ..اسمعك وانت تنطقينها بنفسك..
قالت وهي تصطنع عدم الفهم: اقول ماذا؟..
تطلع الى عينيها مباشرة وقال بهمس: قولي بأنك تبادليني مشاعري ..
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مرحة بغتة وهي تقول: حسنا كما تريد..انك تبادليني مشاعري..
قال طارق بضيق: وعد!..
قالت مبتسمة بمرح: ماذا؟..الم تطلب مني ان اقول تلك العبارة؟ ..
ابتسم بالرغم منه وقال وهو يتطلع اليها بحب: وتقولين بعد كل هذا بأنك لست عنيدة..
قالت وهي تضحك: لست كذلك..
تطلع الى ضحكتها المرحة بشرود.. وذهنه يشرد للتفكير في امر ما..امر يتمنى ان ينفذه في اسرع وقت كان..
*********