عرض مشاركة واحدة
  #122  
قديم 08-04-2010, 12:32 PM
 
*الجزء الخامس والثلاثون*
(هل هو الوداع؟)



قالت الفتاة التي التقى بها هشام وهي تدلف الى سيارتها متحدثة الى هذا الأخير في حنق: اسمعني يا سيد.. لو حاولت هذه المرة ايضا ان تقودني الى مكان آخر غير مكان اقامتك..فأقسم على ان اتركك وارحل..فلست اعمل سائقة لعائلتك..
قال هشام بابتسامة وهو يستقر في المقعد المجاور لها: ومن قال لك اننا نقبل بسائقة مثلك لا تعرف القيادة وتصطدم بالسيارات التي امامها..
التفتت له وقالت بغضب: يجب عليك ان تشكرني لأني لم اخبر ادارة المرور بما حصل والا لكان التعويض من نصيبي انا..
قال هشام ببرود مثير للاعصاب: لم اكن اعلم من قبل ان التعويض من حق المتسبب في الحادث..
صاحت به في انفعال: انت من توقف فجأة في الطريق ولهذا اصطدمت بسيارتك ومع هذا ...
قاطعها هشام قائلا بملل: اذا انتهيت من حديثك الممل هذا فأخبريني حتى اصف لك الطريق الى مسكني..
ادارت المحرك بغضب لتنطلق بالسيارة.. وافكار شتى دارت في ذهنها.. من يظن نفسه هذا الوقح.. بدل ان يشكرها على اصلاحها لسيارته على نفقتها الخاصة ..تراه يتعمد استفزازها واثارة حنقها وسخطها.. وكأنه يستمتع بذلك ..ولكن مع هذا تشعر بأنه شاب مختلف.. لا تعلم من أي ناحية .. ولكن تشعر ان له شخصي...
( اول منعطف على اليمين الآن)
ايقظها صوت هشام من شرودها ..فاختلست النظر اليه قبل ان تنعطف بسيارتها الى اليمين..اما هشام فقد كان يعيش في صراع ..صراع بين قلبه المتعلق بوعد..ورغبته في بدء حياة جديدة.. حياة مع انسانة تبادله المشاعر بحق .. لا ان يتذلل في طلب هذا الحب..
تنهد بحرارة وهو يسند رأسه الى مسند المقعد..انه يشك ان قلبه سيتعلق بأخرى سوى وعد.. ولكنه في الوقت ذاته..ليس متأكدا .. فمن يدري ربما يتغلل حب فتاة اخرى الى وجدانه ..فتكون حبه الوحيد.. والحلم الذي طالما حلم به..ان يكون مع فتاة تحبه بحق في ذلك المنزل الذي سيصممه بنفسه.. من اجله ومن اجلها..
وقال في تلك اللحظة بهدوء: سيري في خط مستقيم بعد هذه الاشارة الضوئية..
استغربت الفتاة صمته المتواصل وشعرت بأن شيء ما يشغل تفكيره فقد كان يتعمد الحديث اليها في كل لحظة.. اما الآن فهو يبدوا صامتا اكثر من اللازم.. ما به؟.. هل يشغل تفكيره امر ما او انه...؟..وما الذي يهمني انا؟..فليكن ما يكون.. ووجدت نفسها تقول في تلك اللحظة بهدوء: والآن الى اين؟..
قال باقتضاب: يسارا..
ظنت انه سيكتفي بهذه القول لكنه اردف: لا تقلقي انه الطريق الى مكان اقامتي بالفعل هذه المرة..
قالت بابتسامة باهتة: ومن الذي يضمن لي ذلك؟..
قال بهدوء: اقسم انه كذلك..
قالت وهي تختلس النظر اليه: اتعلم.. استغرب تناولك لوجبتين في ذلك المطعم..
ابتسم وقال: لقد اكتفيت بواحدة فقط.. اما الأخرى فأنا لم المسها..
قالت باستغراب: ماذا؟..لم تلمسها؟.. ولكني رأيتك تتناول الوجبتين بالفعل..
- كنت اتظاهر بتناول الثانية فقط.. وانت لم تكوني مهتمة لتنظري الى الاطباق التي امامي..
ابتسمت وقالت: اذا فقد كانت الأخرى لي بالفعل..
قال هشام بسخرية: لا بل للنادل.. فقد اشفقت عليه وقررت ان امنحه وجبة طعام مجانية..
مطت شفتيها وقالت: انه يستحق الوجبتين .. لا واحدة..
قال مبتسما: وماذا عني انا..الا استحق تناول أي وجبة؟..
وجدت نفسها تقول في سخرية: بلى.. ولكن بالسم..
ضحك هشام وقال: لم اكن اعلم انك تكرهيني وتتمنين موتي الى هذه الدرجة..
أنبت نفسها كثيرا على ما قالته.. كيف تتبسط معه هكذا؟ .. من اين تعرفه؟ .. ولكن عليها ان تعترف ان اسلوبه المبسط في الحديث هو ما شجعها على ان تسترسل في الحديث معه.. وسمعت هشام يقول في تلك اللحظة: اتجهي الآن يمينا..
واردف قائلا: ولكنك لم تخبريني بعد..
قالت بدهشة: اخبرك بماذا؟..
قال بصوت هامس بعض الشيء وهو يلتفت لها: هل حقا تكرهيني ؟..
توترت وقالت: اكرهك؟..ولم اكرهك؟..
قال وهو يهز كتفيه: ربما لأني انسان ثقيل الظل كما تقولين..
قالت محاولة السيطرة على توترها: اسمع يا سيد..انني لم اعرفك الا منذ صباح هذا اليوم فقط.. فليس هناك ما يدعو لأن اكرهك..
قال بهدوء: معك حق .. ليس هناك ما يدعوك الى كرهي .. فأنت سترتاحين من رؤية وجهي قريبا..والى الابد..
ظهرت الحيرة على وجهها وسألته قائلة: ماذا تعني؟..
وبدل ان يجيبها.. قال بصوت حازم بعض الشيء: توقفي هنا.. هذا يكفي..
اوقفت السيارة الى جانب الطريق وقالت متسائلة: اتقيم في هذه المنطقة؟..
ابتسم وقال: اجل بالجوار من هنا..ما رأيك ان ادعوك على كوب من العصير بدل دعوتي السابقة لك والتي ...
تطلعت له بضيق فقال وابتسامته تتسع: انا امزح لا غير..لا تتطلعي الي هكذا..ثم اني اشكرك على ايصالي.. وكذلك على تحملك لي طوال تلك المدة..اعلم اني شخص ثقيل الظل احيانا..ولكن ها انتذا ستتخلصين مني اخيرا ومن ثقل ظلي ولن ترينني بعدها..
الآن فقط فهمت ما يعنيه.. الآن فقط ادركت ان بايصالها له سيفترقان وربما الى الابد..مهمتها انتهت..وكذلك لقاءها به..هل يمكن ان تراه مرة اخرى؟.. احتمال هذا لا يزيد على خمسة في المائة..لم تعلم لم شعرت بالضيق لهذا الفراق السريع بينهما .. وعلى الرغم من انه تعمد اثارة حنقها وعصبيتها طوال ذلك الوقت الذي قظته معه .. الا انها شعرت بأنه استطاع السيطرة على تفكيرها طوال الوقت..ربما لشخصيته المختلفة عن كل الشبان الذين رأتهن من قبل..وربما لأنه الوحيد الذي بدا لها جريئا الى درجة كبيرة.. وربما لانه ...
قاطع افكارها صوت هشام وهو يقول: سأغادر الآن ..واراك بخير .. ربما نلتقي مرة اخرى .. من يدري ..المهم أني قد قضيت وقتا جميلا معك هذا اليوم بحق..
التفتت له في حدة واتسعت عيناها بدهشة وهي تتطلع اليه ..وابتسم هو مردفا: وعلى الرغم من اني لم اعرف عنك شيئا سوى انك تدرسين الديكور..الا انني ارى انك فتاة ذات قلب ابيض..طيبة ومحبة لمساعدة الآخرين.. واعذريني لو سببت لك الضيق.. ولكن ..هذا هو انا كما يقولون.. وهذه هي شخصيتي..
وجدت نفسها تبتسم ابتسامة مريرة وتقول وهي تهز رأسها نفيا: ابدا لم تفعل ما يثير الضيق .. ولكني انا التي ابدوا في احيان كثيرة حادة المزاج ومتسرعة..
قال مبتسما: وانا اشهد على ذلك..ولكن هل لي بسؤال؟..
صمتت فأردف وابتسامته تتسع: الن تخبريني باسمك حقا؟..
قالت مبتسمة: سأترك لك فرصة تخمينه..
قال مبتسما بسخرية: اذا فهو ...ياسر..
قالت وهي تمط شفتيها: سخيف..
- سترتاحين من سخافاتي ايضا..
واستطرد قائلا وهو يهم بفتح باب السيارة: اظن انه يتوجب علي المغادرة الآن.. فقد اثقلت عليك اكثر من اللازم..الى اللقاء..
قالت وهي تتطلع اليه وفي عينيها نظرة حزينة: اظن انه يتوجب عليك ان تقول الوداع..
التفت لها وقال بابتسامة: لا تتسرعي..قد نلتقي ذات يوم.. وتتمنين انت وقتها لو ان هذا اللقاء لم يحدث ابدا..
كادت ان تجيبه بلا.. انها تتمنى ان تلتقي به مرة اخرى بالفعل .. لم تعلم لم؟ ..مجرد رغبة بداخلها تجعلها تتمنى ان تلتقي به مرة اخرى.. وقالت مصطنعة اللامبالاة وهي تلتفت عنه: وكيف سيحدث ذلك اللقاء الآخر كما تقول ؟..
قال مبتسما: سأقود سيارتي بعد ان يتم اصلاحها الساعة الثامنة صباحا في المنطقة الرابعة بالشارع 22..يمكنك الاصطدام بسيارتي هناك وفي ذلك الوقت..
واردف قائلا بمرح وهو يخرج من السيارة : ويمكنك ايضا زيارتي في مكان عملي .. الشركة المتحدة للمقاولات .. لا تنسي..اخبريهم بأنك ترغبين بمقابلة افضل مهندس بالشركة وستلتقين بي في الحال..
قالت بضيق: لابد وانك تهذي..اذهب الى الشركة لمقابلتك .. من تظن نفسك؟..ومن تظنني حتى افعل هذا؟..
اغلق باب سيارتها وقبل ان ينصرف قال وهو يميل نحو النافذة: هشام شريف..افضل المهندسين على الاطلاق..اما انت ففتاة قد اعجبت بي..
قالت وهي تمط شفتيها: هل هذه كذبة ابريل؟..
غمز لها بعينه وقال: لا فنحن الآن بشهر يونيو..
وثم قال وهو يرفع يده مودعا: والآن الى اللقاء يا آنسة..
وابتعد عن سيارتها مديرا ظهره لها.. وسار بخطوات هادئة بداخل احد الممرات.. وعينا تلك الفتاة تتابعه..ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة: معك حق..انها ليست كذبة ابدا..
واردفت وابتسامة حزينة ترتسم على شفتيها وهي تنطلق بالسيارة: الوداع يا..هشام..
قالتها وانطلقت بالسيارة وحزن غريب يعتصر قلبها لهذا الفراق بعد لقاء قصير لم يتعدى الساعتين..وتمنت من كل قلبها ان تلتقي به مرة اخرى.. وقريبا..
*********
ابتسمت وعد وقالت وهي تلتفت الى طارق الذي احتل مقعد القيادة: شكرا ..
التفت لها طارق وقال: على ماذا؟..
اشارت الى الخارج وقالت: على اعادتي الى حيث سيارتي..
قال مبتسما: اكنت تريدين ان اتركك تعودين سيرا على الاقدام اذا؟..
قالت مبتسمة: ولم سيرا على الاقدام؟..الا توجد سيارات اجرة؟..
مال نحوها وقال: بلى توجد.. ولكن من قال اني سأسمح لك بركوبها وحدك؟..
قالت بمرح: لن يختطفني احدهم ونحن في منتصف النهار..
واردفت قائلة: والآن الى اللقاء.. اراك غدا..
ابتسم قائلا وهو يتطلع لها: الى اللقاء..
فتحت باب السيارة لتخرج منها.. ولوحت بكفها مودعة .. قبل ان تتوجه نحو سيارتها وتنطلق بها..كانت تشعر بسعادة كبيرة في هذا اليوم بالذات.. ماذا تريد اكثر من هذا.. من تحب اعترف لها بحبه اخيرا.. وحلمها على وشك ان يتحقق اخيرا ..آلاف الاحلام التي تخيلتها اخذت تنسجها مع طارق .. مع فارس احلامها..ولكن لا تزال هناك مشكلة بسيطة عليها ان تجد حلا لها..هشام..بم تخبره؟..لو رفضته فما هو السبب لذلك؟..انها لا تريد جرح مشاعره.. انه يعلم انها الآن لا تعتبره اكثر من اخ.. ومع هذا فهو متمسك بها..
تنهدت بحرارة وهي توقف سيارتها بجوار المنزل..وهبطت منها لتتوجه الى باب المنزل وتبتسم قائلة وهي تدلف اليه: لقد عدت..
قالت والدتها بدهشة: وعد..اين كنت كل هذا الوقت؟ ..ولم تأخرت الى هذه الساعة؟..
اضطرت وعد للكذب وقالت بتوتر: لقد كان لدي عمل اضافي بالصحيفة..
قالت والدتها متسائلة: وهل تناولت طعام الغداء؟..
اومأت وعد برأسها ايجابيا..فسألها والدها بابتسامة: وكيف حال مقالاتك؟..
ابتسمت وعد وقالت بمرح: بالصفحة الاولى دائما بكل تأكيد..
ومن ثم اردفت في سرعة: عن اذنكما.. سأصعد الى غرفتي لأغير ملابسي..
كانت تحتاج لأن تختلي بنفسها.. واسرعت الى الطابق الاعلى ودلفت الى غرفتها .. لتلقي بنفسها على السرير وتفكر في امور متفرقة..طارق..حبيبها الوحيد.. وحلم حياتها..الذي يكاد يتحقق اخيرا..وهشام..ابن عمها العزيز الذي تعتبره اكثر من شقيق لها.. لا تريد ان تكون سبب في آلامه ..يجب ان لا تنسيها سعادتها ان برغم كل شيء هشام لا يزال يحبها من كل قلبه ..وان ...
قاطعها رنين هاتفها المحمول ..فالتقطته وابتسمت عندما شاهدت رقم الهاتف الذي يضيء على شاشته.. وقالت بمرح: يا الهي .. هل افكاري تتحول الى واقع بهذه السرعة؟ ..
قال هشام بابتسامة: اشك اني كنت محور تفكيرك قبل دقائق..
قالت مبتسمة وهي تعتدل في جلستها: من قال انك كنت محور تفكيري لقد احتللت جزء بسيط منه فحسب..
قال بخفوت: كحياتك تماما..
- المشكلة انك ابن عمي وانا مضطرة لان تحتل جزء كبير من حياتي..
قال هشام بهدوء: حسنا يا وعد.. سأسألك للمرة الأخيرة.. ومهما كان جوابك سأتقبله..هل تقبلين الزواج بي؟..
صمتت وعد للحظات وهي تفكر في وسيلة لبدء الحديث معه ..ومن ثم لم تلبث ان قالت بصوت حاولت ان تجعله هادئا: انت تعلم يا هشام اني اتمنى لك السعادة .. ولكن.. سعادتك لن تكون معي..صدقني.. انت انسان رائع لا تستحق فتاة مثلي لا تبادلك مشاعرك.. بل تحتاج الى فتاة تحمل لك بداخلها كل الحب ..لا يمكن ان تظل على احتمال ان ابادلك مشاعرك يوما .. بل يجب ان تكون متأكدا من ان من ستتزوجها تبادلك المشاعر بالفعل ..فأنا ...
قاطعها هشام وقال بسخرية مريرة: هل اكمل انا يا وعد؟ ..حسنا سأفعل..فأنت تعتبريني كأخ تماما وربما لا تتطور العلاقة بيننا لأكثر من ذلك.. وعلي ان ابدأ من جديد و اجد فتاة تحبني بحق..بدل من انتظار ان تحبيني يوما.. اليس هذا ما اردت قوله؟..
قالت وعد بحنان: هشام انت انسان رائع.. وليت المشاعر كانت بيدي.. فعندها كنت انت اول من سأحب..
قال هشام وهو يتنهد بحرارة: من هو؟..
قالت بحيرة: من تعني؟..
- من تحبين..
قالت وعد بارتباك: اسمعني يا هشام اخبرتك من قبل سواء اكان هناك شخص في حياتي او لم يكن.. فأنت ستبقى دائما شقيقي العزيز..
قال هشام وقبضة باردة تعتصر قلبه: الا يحق لي معرفة من اختطف قلبك على الاقل؟..
صمتت دون ان تجيبه..فقال بألم: فليكن يا وعد..افعلي ما تشائين..ولكن...
بتر عبارته وقال بابتسامة شاحبة وهو يردف: ولكن لو ضايقك فأخبريني حتى آخذ حقك منه..
ابتسمت وعد وقالت: ماذا اريد اكثر من ان يكون لدي ابن عم يحميني بكل قوته من كل من يضايقني..
واردفت قائلة : ولكن اتعلم هناك من يضايقني بالفعل..
سألها قائلا : ومن هو؟..
قالت بمرح: رئيس التحرير.. لو تستطيع تلقينه درسا.. فلن انسى صنيعك هذا ابدا..
قال هشام بابتسامة باهتة: معذرة يا فتاة..فلم اقل اني سأعمل حارسا شخصيا لك.. ثم ان تعرضي لرئيس التحرير..قد ينشر بالصحيفة.. وتكون وصمة عار في تاريخ افضل المهندسين على الاطلاق..
قالت بابتسامة: وانا من ستتكفل بنشر هذا الحدث..
قال هشام بسخرية: يالك من خائنة.. ادافع عنك..فتتسبين في فضيحة لي..
- وما المشكلة ان كنت سببا في شهرة ابنة عمك الوحيدة؟ ..
- ابحثي لك طريق آخر للشهرة بدلا من استغلال طيبتي..
واردف بابتسامة شاحبة: والآن يا وعد..اظن انه يتوجب علي توديع حلمي في ان تكوني من نصيبي الى الابد..لهذا فسأقول لك للمرة الاخيرة.. انك لو غيرت رأيك في أي وقت فستجدينني دائما مستعد للارتباط بك..
قالت مبتسمة: حتى ولو بعد خمسون عاما..
قال بسخرية: ومن قال اني سأموت على ذكراك.. سأكون متزوجا حينها ولدي من الاولاد والاحفاد ما يكفي..
قالت مبتسمة: يالك من شاب..الم تقل انك مستعد للارتباط بي في أي وقت..
هز كتفيه وقال: ولكني لم اقل اني مستعد لأن اظل عازبا طوال عمري..
قالت وعد مبتسمة: اتمنى من كل قلبي ان تتزوج سريعا من فتاة تحبها وتحبك..
- هل تفكرين بالتخلص مني بهذه السرعة؟..ثم حتى لو تزوجت من قال اني سأدعك وشأنك..
- الا تخشى ان تقيم زوجتك الحرب على رأسك؟..
قال هشام بسخرية: سأخبرها بأنك شقيقتي بالرضاعة..
ابتسمت وقالت: ومن يصدق كاذب مثلك..
قال هشام بهدوء: سأغلق الآن يا وعد.. فلدي ما اقوم به ..واتمنى ان تعيشي سعيدة مع من اخترتيه بنفسك..
قالت وعد بهدوء مماثل: واتمنى ان تحيا انت ايضا بسعادة في حياتك القادمة مع فتاة تحمل لك الحب في قلبها بقدر ما تحمله لها..
قال بابسامة حانية: الى اللقاء اذا يا ابنة عمي الحمقاء..
قالت بابتسامة: الى اللقاء يا ابن عمي الأحمق..
قالتها واغلقت الهاتف .. وابتسمت بشحوب وهي تشرد بأفكارها وتتطلع الى السماء الملبدة بالغيوم من النافذة.. وهمست قائلة: اعذرني يا هشام.. اعلم اني حطمت حلمك برفضي .. ولكن صدقني .. لو كنت املك مشاعري لما اخترت سواك .. ستظل دائما اغلى شخص لدي في هذا العالم ..ولكن لست انا من اختار فارس احلامي..بل قلبي ..الذي اختار طارق وخفق لمرآه.. وارتجف مع لمسته ..ارجوك اغفر لي يا هشام.. لو سببت لك الألم والحزن برفضي لك ..واتمنى من كل قلبي ان تحظى بفتاة تستحقك بالفعل..
ايقظها من شرودها وحديثها مع نفسها صوت رنين الهاتف مرة اخرى..فانتفضت في حدة..قبل ان تزفر وتلتقطه لتتطلع الى رقم عماد الذي يضيء على شاشته..ورفعت حاجبيها باستغراب .. ما الذي يدعوا عماد للاتصال بها؟.. واجابته قائلة بهدوء: اهلا عماد ..كيف حالك؟..
قال عماد مبتسما:بخير.. ماذا عنك ايتها الصحفية؟..
- بخير..
- لقد قرأت لك عدد من المقالات.. تبدين صحفية جيدة..
قالت باستنكار: جيدة فقط؟..لو تعلم كم اكابد من العناء لتسجيل حوار فقط..
ابتسم وقال: اعتقد ان هذا هو عملك الذي اخترتيه بنفسك ويجب ان تتحمليه..
قالت مبتسمة: معك حق..
قال بغتة بجدية: في الحقيقة يا وعد.. لقد اتصلت بك حتى ادعوك الى حفل الخطبة..
قالت بابتسامة واسعة: واخيرا..منذ متى وانت وخطيبتك تحضران لها؟..
قال بهدوء: منذ اسبوعين تقريبا..
قالت وعد متسائلة في لهفة: ومتى ستكون؟..
- بعد غد..
اتسعت عيناها وقالت: انت تمزح بكل تأكيد..
ابتسم وقال: لا.. لا افعل ابدا..
قالت وهي تمط شفتيها بضيق: ولماذا تدعوني مبكرا هكذا؟..
اتسعت ابتسامته وقال: معذرة يا وعد.. ولكن كنت ابحث عن صالة للحجز منذ اسبوع.. وقد وجدت واحدة اليوم اخيرا ..وكان هناك يومان يمكن ان احجزهما..احدهما بعد غد ..والآخربعد شهر.. وانت تعلمين انني لا استطيع ان ااجل جميع الترتيبات التي اعددتها لبعد شهر كامل..
قالت مبتسمة: حسنا لقد سامحتك..ولكن اظن انني لن استطيع تجهيز نفسي خلال فترة قصيرة كهذه.. لهذا اخبرك منذ الآن قد لا احضر..
قال مبتسما: افعليها وانظري ماذا سيحدث..
- ماذا تستطيع ان تفعل؟..
- سأرسل احدهم لأخراجك من المنزل بالقوة..
قالت مبتسمة: فليكن.. وتهنياتي لكما مقدما..
- شكرا لك.. وحذاري ان لا تحضري.. الى اللقاء الآن.. فهناك قائمة طويلة علي ان ابلغهم بهذا الموعد المفاجئ..
قالت مبتسمة: الى اللقاء واوصل سلامي الى خطيبتك..
- يصل..مع السلامة..
قالها واغلق الهاتف.. والتفت ليتطلع الى ليلى التي تجلس معه على تلك المائدة في احد المطاعم وكانت تنظر اليه بنظرات متضايقة ومن ثم سألته قائلة: مع من كنت تتحدث؟..
قال مبتسما وهو يتطلع لها:اظنك استمعت للمكالمة كلها..
قالت بحنق: ليس كلها.. ولكني علمت انها فتاة.. ولكن تهتم لحضورها كثيرا الى الحفل.. فلم؟..
مال نحوها وقال: ولم تظنين انت ذلك..الأني مغرم بها مثلا؟..
اشاحت بوجهها بعصبية وعقدت ساعديها امام صدرها لتقول: ربما..
قال مبتسما بسخرية وهو يومئ برأسه : معك حق.. وانا اجلس مع خطيبتي وقبل حفل الخطبة بيومين فقط.. سأتحدث مع فتاة اغرمت بها فجأة هكذا..
مطت شفتيها وقالت: ولم لا؟..
قال مبتسما: اظن ان الفكرة بدأت تروق لي فعلا..
التفتت له وقالت بحدة : عماد..
قال بمرح: نعم سيدتي..
تسائلت وقد خفتت حدت صوتها بعض الشيء: من كانت تلك الفتاة؟..
قال في هدوء: ابنة عمتي..وهي ترسل تهانيها لك..
قالت متسائلة بغيرة: وهل انت نهتم لحضورها الى هذه الدرجة؟..
- ايتها الحمقاء.. فيم تفكرين؟..انها ابنة عمتي وحسب ولن تكون أي شيء آخر.. فأنا لدي حبيبة واحدة فقط.. وها انذا امتع عيناي برؤيتها..
قالت مبتسمة وهي تطرق برأسها: انحبني حقا؟..
امسك بذقنها برقة وقال وهو يتطلع الى عيناها: الديك شك في هذا؟..
قالت بخجل وهي تبعد خصلات من شعرها خلف اذنها بارتباك: لا وانما اردت ان.. اسمعها منك..
امسك بكفها بغتة وقال بحنان: فقط..اهذا ما تريدينه ..حسنا يا آنسة ..اسمعت عن قيس..انا هو .. انني مجنونك يا ليلى ..احبك يا توأم روحي .. احبك يا شريكة حياتي القادمة ..احبك وكل حرف انطق به يشهد على هذا الحب ..
توردت وجنتاها .. وشعرت برجفة لذيذة تسري في اطرافها مع لمسته .. وهمست قائلة: وهل ستخلص لهذا الحب الى الابد؟ ..
قال بصدق وحنان: مادام في جسدي نفس يتردد..
قالت مبتسمة بخجل وهي ترفع وجهها له: حسنا انا اصدقك يا قيس..اعني يا عماد..
قال عماد بابتسامة حب: متى يأتي موعد حفل الخطبة يا ليلى؟..
قالت بابتسامة مرحة: بعد غد..ولم انت مستعجل هكذا؟ ..
قال بحنان وحب كبيرين: حتى ارى اجمل حورية تأتي لتجلس الى جواري في ذلك الحفل وهي في كامل جمالها وروعتها..
توردت وجنتاها بشدة وقالت بارتباك: عماد.. الا تكف عن اثارة ارتباكي؟..
- ولم؟..لا اظن اني قلت أي شيء خاطىء يا ايتها الحورية..
تطلعت اليه بطرف عينها وقالت: هل تتعمد ذلك ام ماذا؟..
ضحك بمرح وقال: يمكنك قول هذا..
واردف وهو يميل نحوها قائلا بهمس: فأنت تزدادين جمالا وانت خجلة..
ارتجف جسدها في قوة لكلماته ..واشاحت بوجهها لتخفي ارتباكها..وقالت: انا لم اخجل ابدا..
قال بسخرية: اجل واضح..
قالها ومن ثم التفت الى النادل ليطلب منه احضار طلباتهما.. وتطلعت اليه ليلى بحب كبير.. يا الهي كم هو صغير هذا العالم ..شاب التقت به مصادفة .. وحصلت مشادة بينهما مرتين .. المرة الاولى كانت متعمدة والمرة الثانية كانت عن طريق الخطأ.. ومن ثم جاء القدر ليوظفها عنده وتكون تحت امرته .. وهاهي ذي اليوم ترى نفسها ترتدي خاتما يحمل اسمه.. هل هذا حلم يا ترى؟.. ام ان حلم حياتها قد تحقق اخيرا؟...
************
اخذ هشام يتطلع الى شروق الشمس عبر النافذة بذهن شارد.. والى ذلك الضوء الخافت الذي أخذ يبدد ظلام الامس.. والى ذلك اللون الارجواني الذي أخذ يكسو السماء..لينتشر ضوء الشمس رويدا رويدا على امتداد البصر..
وتنهد هشام بمرارة قائلا: حسنا يا هشام.. يجب ان تعترف انها النهاية.. والنهاية لكل شي..لأحلامك.. لحبك.. ولحياتك التي تخيلتها طويلا.. والتي كانت بطلتها هي وعد..يجب ان ينسدل الستار هنا .. وتعلن كلمة النهاية ليصفق الجمهور.. ربما اعجابا وربما الما على البطل ومن ثم يرحلون غير آبهين بأي شيء.. ولكن من سيحزن على شخص مثلي.. كان له دورا هامشيا في هذه المسرحية بأكملها.. دوره يقتصر على حب ابنة عمه بكل ما امتلك من مشاعر.. ويتخيلها فتاة احلامه.. حتى يصطدم بالواقع وهو يراها لا تهتم به وهي تحب آخر سواه..وها هو ذا يجرع كأس المرارة لوحده دون ان يشعر به أي احد..
وزفر بحدة مواصلا: هل هي النهاية حقا يا هشام؟..ماذا عن منزل الاحلام الذي صممت له رسما هندسيا بنفسك؟..هل سينتهي هو ايضا كما انتهى حبك لوعد؟..لا اعلم..ولن اعلم ما يخفيه المستقبل لي.. ولكن...اظن انه بامكاني تغيير المستقبل قليلا.. وبدء حياة جديدة ..ربما..تكون مع تلك الفتاة..
قالها وعاد ذهنه ليشرد من جديد..في امور عدة..امور قد تتعلق بالماضي او بالمستقبل القريب..ورمى بنفسه على الفراش ليحظى بساعات ولو كانت قليلة من النوم..ولم تكد الساعة تعلن العاشرة صباحا.. حتى استيقظ من نومه وارتدى ملابسه على عجل حتى يذهب الى تلك الورشة ليستلم سيارته.. ومما سهل عليه الامر انه اليوم كان يوم اجازة..خرج من غرفته ليتوجه الى الطابق السفلي..وهناك شاهد فرح ووالدته يتناولان طعام الافطار..وابتسمت هذه الاخيرة قائلة بحنان: هشام.. هلم معنا..تناول طعام الافطار..
قال مبتسما وهو يلتفت لها: ومنذ متى تناولت افطارا يا امي؟..
قالت فرح وهي تبتسم ابتسامة مرحة: دعك منه يا امي.. الا ترين انه سمين جدا.. ويريد عمل حمية مكثفة لتخفيف...
بترت عبارتها بغتة وتأوهت نتيجة لأمساك هشام بشعرها وقال هذا الاخير بابتسامة ساخرة وهو يميل نحوها: لم اسمعك جيدا.. من هو السمين هنا؟..
التفتت الى امها وقالت: امي انظري ماذا يفعل؟..
عقدت والدتها حاجبيها وقالت بضيق: هل انت طفل يا هشام؟..ما هذه التصرفات الصبيانية؟.. دعها وشأنها..
قال وهو يترك شعرها بلامبالاة: عليها ان لا تسخر مني مرة اخرى.. والا وجدت نفسها معلقة على السطح..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها: يالك من متحذلق .. ولكن الى اين انت ذاهب؟..أليس اليوم هو يوم اجازة؟ ..
قال مبتسما: بلى.. ولكن هل يمنع هذا خروجي؟..
سألته والدته هذه المرة قائلة: حقا يا هشام.. الى اين انت ذاهب في هذه الساعة المبكرة؟..
هز كتفيه وقال: الى ورشة لتصليح السيارات..
قالت فرح بحنق: ما الامر مع تلك الورشة؟.. كلما اسألك عن مكان ذهابك ستقول الورشة..
- انا لا اكذب.. الم تلاحظي يا اختي البلهاء ان سيارتي لم تعد موجودة امام المنزل؟..
قالت فرح وقد انتبهت لهذا الامر للتو: صحيح.. انت على حق .. ولكن لماذا اخذتها الى هناك؟.. هل بها عطل ما؟..
اومأ برأسه وانصرف مبتعدا وهو يقول: عن اذنكم الآن..
وغادر المنزل لينطلق باحدى سيارات الاجرة الى الورشة.. وما ان وصل الى هناك بعد خمسة عشرة دقيقة تقريبا.. حتى نقد سائق الاجرة اجره واتجه ليتحدث مع احد الموظفين بشأن سيارته ..الذي قال بعد ان تأكد من ملكية هشام للسيارة وخصوصا وانه رآه بالامس مع الفتاة التي تفاوضت معه في امر السيارة: يمكنك استلامها يا سيد.. ان الامر لم يتعدى اعادة تركيب مصباح خلفي جديد..
قال هشام بهدوء: وهل استملت من الآنسة التي تحدثت معك بشأن السيارة بالأمس مبلغ التصليح ؟..
قال الموظف وهو يهز رأسه نفيا: لا يا سيدي .. ولكنها قالت انها ستأتي فور تسلمك السيارة..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: وكيف ستعلم انني قد استلمت سيارتي؟..
- سنتصل بها فقد تركت رقم هاتفها معنا و...
قاطعه هشام قائلا: لا داعي لذلك..
قال الموظف مستغربا: ماذا تعني يا سيدي؟..
قال هشام وهو يسلمه مبلغ من المال: هل هذا المبلغ كاف لتصليح السيارة؟..
- اجل يا سيدي ولكن...
قال هشام بهدوء: لا يوجد لكن..خذ المال .. واذا جاءت الآنسة لتدفع المبلغ ايضا.. اخبرها ان المبلغ قد دُفع..
قال الموظف وهو يومئ برأسه: فليكن يا سيدي..
- اريد وصل بدفعي للمبلغ المطلوب كاملا..
اومأ الموظف برأسه مرة اخرى..ودلف الى الورشة ليختفي فيها دقائق.. ومن ثم يعود ليسلم هشام الوصل..وتوجه هذا الاخير ليستقل سيارته هذه المرة وينطلق بها..وبرزت في رأسه بغتة تلك الفكرة..فأسرع ينفذها وهو يضغط ارقام ذلك الهاتف...
*********