عرض مشاركة واحدة
  #123  
قديم 08-04-2010, 12:33 PM
 
*الجزء السادس والثلاثون*
(لماذا لم تخبريني؟)

اومأ الموظف برأسه مرة اخرى..ودلف الى الورشة ليختفي فيها دقائق.. ومن ثم يعود ليسلم هشام الوصل..وتوجه هذا الاخير ليستقل سيارته هذه المرة وينطلق بها..وبرزت في رأسه بغتة تلك الفكرة..فأسرع ينفذها وهو يضغط ارقام ذلك الهاتف...
واستمع هشام الى الرنين المتواصل على الطرف الآخر.. حتى اجابه صوت طفولي يقول: الو..من؟..
قال هشام مبتسما: الا يوجد سواك ليجيب على الهاتف يا فارس..
قال فارس وهو يهز رأسه: لا.. ولكني اسرع كلما اسمع صوت الهاتف.. فربما يكون ابي.. فأخبره بم يحضر لي معه وهو قادم..
قال هشام: حسنا يا صديقي.. هل لي ان اطلب طلبا منك؟..
قال فارس بجدية طفولية: من انت اولا؟..
قال هشام وهو يصطنع الدهشة: ماذا؟.. الم تعرفني يا فارس حقا؟..انا هشام..
قال فارس بحيرة: هشام من؟..
- الذي حدثك بالامس.. واخبرته ان عمرك ربما يكون خمس او ست سنوات..
- انا لا اعرفك..
ابتسم هشام وقال: فليكن يا صغيري..ولكن هل لك ان تنادي شقيقتك لأتحدث اليها قليلا؟..
قال فارس متسائلا: من تعني؟..(غادة)؟..
بهت هشام لوهلة من ثم قال بخبث: اجل هي غادة.. اذهب لتناديها بسرعة..
اسرع فارس يقول: حسنا..
ومن ثم اسرع راكضا الى تلك الغرفة التي تحتل نهاية الممر.. وطرقها قائلا: غادة.. غادة.. افتحي..
فتحت الباب واطلت عليه قائلة: ماذا تريد يا فارس الآن؟..لن امنحك مزيدا من الحلوى..
اشار نحو الهاتف وقال: لا اريد حلوى.. ولكن..هناك من يريدك على الهاتف..
قالت متسائلة: ومن يريدني على الهاتف؟..
اجابها وهو يلوح بكفه ويبتسم: ذلك الذي اتصل بالأمس.. لقد فعلت كما اخبرتني.. ولم اخبره بأي شيء..فقط سألته من هو والى من يريد التحدث..
شعرت غادة بالتوتر..وقالت بصوت حاولت ان تجعله هادئا: من تعني؟..هشام؟..
اومأ برأسه ايجابيا..قأزدردت لعابها لتسيطر على توترها وقالت وكأنها تحدث نفسها: حسنا سأذهب للتحدث اليه..
سارت ببطء في ذلك الممر القصير باتجاه الهاتف..وهي تشعر بتوترها يزداد.. والتقطت سماعة الهاتف والشك يراودها في ان يكون هشام.. فما الذي سيدعوه للاتصال بها؟.. ولكن ربما امر يتعلق بسيارته هو ما دعاه الى ذلك.. واجابت قائلة وهي تزدرد لعابها: الو .. من المتحدث؟..
قال مبتسما: كيف حالك يا آنسة؟..
حاولت ان تخفي اللهفة في صوتها وهي تقول: انت!..لم تتصل بي الآن؟.. هل هناك حادث آخر تعرضت له وتريد مني دفع نفقات التصليح لك؟..
اتسعت ابتسامته وقال: ليس بعد.. فلقد تسلمت سيارتي للتو .. ومن يدري ربما اصطدم بسيارة بعد قليل..فأتصل بك لتدفعي نفقات التصليح..
قالت وهي تصطنع الضيق: لم تخبرني بعد..لم تتصل بي؟..
قال وهو يهز كتفيه: للسؤال عن احوالك..
اسعدها انه مهتم لأمرها وقالت في سرعة: انا بخير..
قال متابعا وكأنه لم يسمعها: ولأشكرك على اصلاح السيارة ..
قالت بلا مبالاة: انا لم افعل شيئا.. انا التي تسببت في الحادث.. لهذا علي ان ادفع تعويض لك..
قال مبتسما: اذا فأنت تعترفين انك المتسببة في الحادث..
مطت شفتيها دون ان تجيب فأردف: على العموم لقد اتصلت للسؤال عن احوالك ولأشكرك و...
بتر عبارته بغتة.. فسألته قائلة: وماذا؟..
قال بلهجة جعلتها تشعر ان ما سيقوله مهم: ولأخبرك بأمر ما..
تسائلت قائلة: وما هو؟..
- لم اكن اريد ان اخبرك ولكن... اظن انه يتوجب علي ان افعل .. وخصوصا وانها ربما تكون المكالمة الأخيرة بيننا ..
انصتت له بكل حواسها وقالت وهي تشعر بالارتباك.. وقد احست ان ما سيقوله يتعلق بها: اجل.. ماذا تريد ان تقول؟..
قال بصوت بدت فيه الجدية: في الحقيقة انا... انا...
ازدردت لعابها وقالت بتلعثم وفد تسلل اليها الخجل منه لأول مرة: انت ماذا؟..
ابتسم وقال: في الحقيقة انا قد دفعت نفقات تصليح السيارة.. فلا حاجة لك لللذهاب الى هناك ودفعها..
اتسعت عيناها وقالت بغضب: ماذا؟.. ابقيت دقيقة كاملة صامتا لتقول لي هذا فقط؟..
قال بخبث: لم؟..اكنت تتوقعين سماع شيء آخر؟..
مطت شفتيها وقالت بحنق: لا لم اكن اتوقع أي شيء آخر.. فأنت دائما هكذا.. تقول كل ما هو سخيف..
قال مبتسما: حسنا.. سأعدي لك شتمك لي هذه المرة.. والآن الى اللقاء..
اسرعت تقول: لحظة واحدة..
- ماذا؟..هل اشتقت لي بسرعة هكذا ام لا ترغبين في ان انهي المكالمة ابدا؟..
قالت بحنق: كف عن سخافاتك واخبرني..لماذا دفعت مبلغ تصليح السيارة؟..
قال وهو لا يزال محتفظا بابتسامته: اولا اشفقت عليك من القدوم مجددا ودفع المبلغ ..
عقدت حاجبيها وقالت: وثانيا؟..
- وثانيا.. لم اكن اريد ان اجعلك تدفعي أي مبلغ وانا من كان سببا في ذلك الحادث.. فلولا وقوفي المفاجئ بالطريق لما اصطدمت بي..
قالت بدهشة: اذا لماذا كنت تقول منذ البداية انني السبب في الحادث؟.. وانه يتوجب علي ان ادفع جميع مصاريف التصليح .. ما دمت تعترف بنفسك انك السبب في الحادث.. هذا بالاضافة الى دفعك مبلغ التصليح.. وكأن.. وكأن لم يكن لكل ما فعلته أي داع..اخبرني لماذا؟..
قال بابتسامة مقلدا اسلوبها: سأترك لك فرصة تخمين هذا..الى اللقاء الآن..
- الى اللقاء..
قالتها ومن ثم اغلقت الهاتف..ليظهر شبح ابتسامة على شفتيها وهي تتمتم: يالك من شاب..
واعتلت تلك الابتسامة شفتيها وهي تتوجه نحو غرفتها.. وقلبها ينبض بسعادة غريبة تعرفها للمرة الاولى في حياتها...
********
ابتسم طارق وقال وهو يوقف سيارته بجوار منزل وعد: يبدوا وانها ستكون مفاجئة كبيرة لها..
قالها ومن ثم ضغط رقم هاتف وعد.. التي ما ان استمعت الى رنين الهاتف حتى اجابته قائلة بابتسامة واسعة: اهلا طارق .. كيف حالك؟..
ابتسم وقال: بخير.. وماذا عنك؟..
- على ما يرام..
- وما الذي تفعلينه الآن؟..
هزت كتفيها ورمت بنفسها على ذلك المقعد لتقول: لا شيء مهم.. وانت..ما الذي تفعله؟..
قال بابتسامة وهو يتطلع الى منزلها: اتجول بالسيارة قليلا.. اتودين مرافقتي؟..
قالت مبتسمة: ليت هذا ممكن.. ولكن كما تعلم اليوم هو يوم اجازة ولن اتمكن من رؤيتك في الصحيفة..
اتسعت ابتسامته وقال: من يدري.. ربما ترينني في مكان آخر..
تطلعت الى سقف الغرفة وقالت مبتسمة: مثل ماذا؟..
- بجوار منزلك مثلا..
ضحكت وقالت: يا للخيال.. كيف ولماذا ستكون بجوار منزلي؟..
قال بهدوء: كيف بسيارتي.. ولماذا.. ربما لرؤيتك.. وربما ل...
- لماذا؟..
قال بحنان مفاجئ: وربما لطلب يدك..
جاوبه صمت تام.. مما جعله يقول: وعد الا زلت على الخط.. اتسمعيني؟..
ازدردت وعد لعابها بصعوبه ولم يستطع الا سماع صوت تنفسها المتوتر.. فقال مبتسما: ما بك؟..لم اقل ما يخيف..
شعرت وعد يضربات قلبها المتسارعة تتعالى وكأنها ستصل الى مسامع طارق.. وازدادت قوة امساكها لهاتفها المحمول وهي ترى ارتجافة يدها وجسدها كله..واردف طارق بهدوء: وعد .. اترغبين برؤيتي حقا؟..
ازدردت لعابها مرة اخرى وقالت بصوت متلعثم: أ..أجل..
قال مبتسما: تمني هذا فقط؟..
قالت بحيرة: ماذا تعني؟..اتمنى ماذا؟..
- ان ترينني..
قالت بابتسامة باهتة: وهل تتحقق الامنيات؟..
- ربما.. فقط تمني انت ان ترينني وربما تتحقق امنيتك..
- لا اعلم ماذا افعل.. ولكن سأجاريك فيما تقوله..حسنا انا اتمنى رؤيتك..
قال بدهشة بغتة: يا الهي..كيف وصلت الى هنا؟..
قالت بدهشة: اين؟..
- انظري من أي نافذة تطل على الشارع الامامي لمنزلكم..
كادت ان تسأله لم؟..لكنها لم تفعل وهي تسرع خارجة من الغرفة وتنطلق الى الصالة العلوية لمنزلهم..لتطل منها الى الشارع الامامي.. وهنا شهقت بقوة وقالت: انها سيارتك..
قال بحنان وهمس: ارأيت ان الاماني تتحقق احيانا..
قالت متسائلة بدهشة: ولكن لماذا جئت؟..
ابتسم وقال: الم اخبرك سابقا؟..لرؤيتك..
قالت بقلق: اسرع بالمغادرة قبل ان يراك والدي وتقع في مشكلة..
شاهدته يخرج من سيارته في تلك اللحظة وهو يقول: ومن قال اني لا اريده ان يراني..
شاهدته يتجه الى المنزل وقالت وقلقها يتضاعف: طارق..اسرع بالابتعاد..لا تقترب اكثر..
رفع رأسه الى الطابق العلوي وهو يبحث بعيناه عنها في احدى تلك النوافذ المطلة على الشارع..وقال مبتسما: اهبطي لتفتحي لي الباب فسوف اطرقه بعد لحظات..
اسرعت تهبط درجات السلم نحو الطابق السفلي وقالت بهمس: ما الذي تحاول فعله؟..
- رؤيتك فحسب..
اسرعت تتجه نحو الباب الرئيسي.. وشاهدها والدها فقال بدهشة: الى اين يا وعد؟..
توقفت عن جريها واغلقت هاتفها بتوتر لتزدرد لعابها وهي تقول بارتباك: كنت متوجهة الى...
انقذها من ارتباكها صوت رنين جرس الباب..فقال لها والدها: افتحي الباب..
اومأت برأسها ايجابيا وتوجهت نحو الباب وهي تشعر بقدماها تتثاقلان عن التقدم..وعقدت حاجبيها وهي تفكر.. ما الذي يفكر فيه؟..ولماذا جاء؟..ألرؤيتي كما يقول؟ ..ولكن لن يفعل هذا علنا وبوجود والداي هنا..اذا فيم يفكر؟.. هل من الممكن انه قد جاء ل...
اعتراها الخجل عند تفكيرها الاخير.. وارتسمت ابتسامة متوترة على شفتيها وهي تقول وهي تفتح الباب: من؟..
ابتسم طارق عندما انفتح الباب وقال وهو يتطلع الى قلقها: صديق..
ابتسمت وقالت بصوت هامس: واي نوع من الاصدقاء تعني؟..
غمز بعينه وقال: الاوفياء بكل تأكيد..
ارتبكت فجأة وقالت: لكن ما الذي جاء بك الى هنا حقا؟..
قال بهدوء: لا تقلقي.. فقط اخبري والدك اني صحفي معك بالصحيفة وارغب في التحدث اليه..
- ولكن...
قاطعها قائلا: قلت لا تقلقي..
اومأت برأسها في ارتباك.. وقالت وهي تتنحى عن الباب قليلا: تفضل بالدخول.. ريثما ابلغ والدي بما تريد..
سار الى الداخل بخطوات هادئة وواثقة وقال وهو يلتفت لها: منزلكم جميل على الرغم من بساطته..
ابتسمت بهدوء ولم تعلق على عبارته وهي تتجه الى حيث يجلس والدها وقالت بصوت مرتبك: هناك من يريد رؤيتك يا ابي..
ترك الصحيفة من يده وقال متسائلا: ومن هو؟..
اشاحت بنظراتها بعيدا وقالت بصوت متوتر بعض الشيء: انه ..الصحفي طارق جلال .. زميل لي بالصحيفة.. ويرغب في التحدث اليك..
قال والدها وهو يعقد حاجبيه: وفيم يحدثني؟..
هزت وعد رأسها وقالت: لست اعلم.. لم يخبرني بشيء..
- فليكن ابلغيه ان يحضر الى حجرة المعيشة واطلبي من الخادمة ان تعد لنا كوبين من العصير ومن ثم اصعدي الى غرفتك..
أومأت وعد برأسها ايجابيا ومن ثم توجهت الى طارق مرة اخرى وقالت بتوتر: والدي ينتظرك.. تقدم معي..
ابتسم طارق وقال: فليكن آنستي..
سار الى جوارها وقال مردفا: ما الذي يدعوك الى كل هذا القلق؟..
التفتت له وقالت: قدومك المفاجئ هذا..
وضع كفيه في جيبي بنطاله وقال مبتسما: اظن انك انت من تمنى رؤيتي وهاقد تحققت امنيتك..
فتحت له باب غرفة المعيشة وقالت وهي تنظر اليه بحنق: لم اكن اعلم انك تقف بجوار المنزل منذ البداية والا لما تمنيت هذا..
- ولم لا؟..
قالت وهي تراه يدلف الى غرفة المعيشة: لانك ستضع نفسك في المشاكل الآن..
التفت لها وقال: اقولها لك للمرة الثالثة..لا تقلقي..
تنهدت وقالت: افعل ما تشاء.. فلم اعد افهمك..
قالتها واغلقت الباب.. لتتوجه الى المطبخ وتقول للخادمة: اعدي كأسين من العصير.. وخذيهما الى غرفة المعيشة..
اومأت الخادمة برأسها.. في حين التفتت وعد لتتطلع الى باب غرفة المعيشة.. وتقول متحدثة الى نفسها: ترى لماذا جئت اليوم الى هنا يا طارق؟.. ألسبب ما يتعلق بك؟..ام لأمر يتعلق بي انا؟..
(( ربما لرؤيتك.. وربما لطلب يدك))
انتفضت بغتة وهي تتذكر عبارة طارق .. ترى اجاء الى هنا من اجل هذا السبب حقا؟...
**********
ابتسم هشام وقال وهو يتحدث الى احد الموظفين في ادارة المرور: حسنا هل تقوم بهذه الخدمة لي؟..
تطلع الموظف الى الورقة التي منحها له هشام منذ دقائق ومن ثم قال: سيد هشام.. انت تمنحني رقم السيارة ونوعها والاسم الاول فقط من اسم مالكتها.. ولكن لن تستفيد شيئا لو ان السيارة ليست باسمها..
قال مبتسما: وسأستفيد كثيرا لو كانت كذلك..
هز الموظف رأسه وقال: لو لم يكن صديقك زميلا لي .. لما قمت بهذا العمل..
هز هشام كتفيه وقال: ولم لا تقوم به؟..
عقد الموظف حاجبيه وقال: اشعر انك تريد معلومات عن هذه الفتاة..لسبب شخصي..
ابتسم هشام بزاوية فمه وقال: حسنا وان كان الامر كذلك.. ما الذي سيضرك في الامر؟..
- لا شيء ولكن كما اخبرتك.. لم اكن لأستخرج معلومات عن صاحب هذه السيارة لولا ان صديقك هو من طلب مني ذلك..
- حسنا اذا.. استخرج مالديك من معلومات.. ومن ثم امنحني اياها..
واردف بصوت منخفض: دون ان تمثل دور المثالي..
اخذ الموظف يبحث في اجهزة الحاسوب المختلفة.. واستمر بحثه لعدة دقاءق.. قبل ان يقول وهو يقوم بطباعة ورقة ما: هذا كل ما لدينا بشأن مالك السيارة..
مد له يده بالورقة.. فاختطفها هشام في سرعة وقال بابتسامة: لا بأس.. شكرا لك..وسلم لي على صديقي..
مط الموظف شفتيه وهو يراقب هشام الذي ابتعد وهو يمسك بالورقة في يده.. ويتجه ليغادر ادارة المرور..ومن ثم يسير بخطوات سريعة بعض الشيء الى حيث اوقف سيارته.. وما ان احتل مقعد القيادة..حتى اسرع يلتهم كلمات تلك الورقة.. وارتسمت على شفتيه ابتصامة انتصار وهو يقول: هه.. ان السيارة باسمها بالفعل كما توقعت..
واخذ يقرأ بصوت مسموع بعض الشي: الاسم (غادة ابراهيم)..تاريخ الميلاد 1985..
واردف وابتسامته تتسع:عنوانها مسجل بالكامل ايضا..هذا يجعل الامور اسهل بكثير..وكذلك رقم هاتفها هي ووالدها ورقم المنزل كذلك..وهي لا تزال طالبة في الجامعة..كل هذا يجعل الامور ابسط مما تخيلت..
والقى بالورقة على المقعد المجاور له.. قبل ان ينطلق بسيارته ويقول وهو يبتسم بزاوية فمه: ها هو ذا اللقاء قد يتجدد بيننا يا غادة.. من قال ان القدر لم يضعك في طريقي عمدا؟..لتتغير حياتي قليلا.. ولأنسى ما اعانيه من آلام قليلا...
**********
صمت والد وعد طويلا بعد ان استمع الى طارق الذي انتهى من قول كل ما اراد قوله .. وانتظر تعليقا من والد وعد.. ولكن هذا الاخير ظل صامتا.. حتى ان طارق شعر بأن في الامر سر ما.. وقال متسائلا: ما الأمر يا سيد عادل؟.. لقد شرحت لك كل ظروفي.. واخبرتك اني امتلك منزل اسكن فيه انا واسرتي.. وبامكاني ان اوفر مسكن آخر ان اردت.. كما وان راتبي لا بأس به ابدا و...
قاطعه والد وعد قائلا بهدوء: ليس لدي ادنى اعتراض عليك يا بني..فأنت تبدوا لي منذ النظرة الاولى.. بأنك رجل بكل معنى الكلمة.. وانا أفخر لو كان لي ابن مثلك ولكن...
اذا في الامر سرا ما كما توقع..ولكن ماذا هناك؟ ..واسرع يتسائل بما خطر في ذهنه: اذ ما الامر يا سيد عادل؟..
قال والد وعد وهو يزفر بحدة: معذرة يا ولدي.. ولكن ..ولكني لا استطيع ان اقبل بزواجك من ابنتي..
وكأن صاعقة اصابت طارق..ووجد نفسه يقول بذهول: ولكن لماذا؟..
قال والد وعد بابتسامة باهتة: لو انك جئت قبل يومين لكان الامر مختلف.. كنت سآخذ رأي وعد على هذا الزواج.. وبعدها كنت سأوافق دون ادنى اعتراض .. ولكن الآن الامر قد اختلف..
قال طارق وهو يكور قبضته بقوة: اخبرني ما الامر؟ .. ما الذي يدعوك الى الرفض؟.. اخبرني بالله عليك..
حاول والد وعد ان ينطق هذه العبارة بهدوء ولكنها خرجت بالرغم منه متوترة وهو يقول: ان ابنتي مخطوبة..
تطلع له طارق غير مصدقا .. وقال بحدة : مخطوبة.. أي كلام هذا.. انها لا ترتدي أي خاتم للخطوبة.. كما وانها لم تتحدث عن أي امر يتعلق بهذه الخطوبة المزعومة..
عقد والد وعد حاجبيه وقال: ان وعد لا تعلم شيء عن امر هذه الخطبة.. انها بيني وبين عمها فقط..
قال طارق وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره في عصبية: هل لك ان توضح الامر قليلا لي؟..
- استمع الي يا استاذ طارق.. لقد جاء عم وعد لطلب يدها لابنه هشام قبل يومين.. وبما اننا دائما نرى هشام ووعد على وفاق وانهمامناسبان لبعضهما وخصوصا وانهما ابناء عم قد تلقيا التربية معا منذ الطفولة..ادركنا انهما سيوافقان على امر هذه الخطبة ولن يعارضاها.. لهذا فقد وعدت اخي بأن كل شيء سيتم كما يريد.. وان وعد ستتزوج هشام ابن عمها كما طلب..
قال طارق وعيناه متسعتان: ولكن هذا ظلم لكلا الطرفين .. فقد لا ترغب وعد بالزواج من هشام.. وقد لا يرغب هو بهذا الزواج..
قال والد وعد وهو يزفر بحدة: اخبرتك سابقا اننا على علم انهما لن يعارضا هذا الامر وانهما تقريبا موافقان.. خصوصا وان هشام ابن عمها قد لمح لوالده عدة مرات برغبته بالزواج من وعد..
عقد طارق حاجبيه وقال: وماذا عن وعد؟.. هل هي الاخرى لمحت بالموافقة على هذا الزواج..
- تقريبا .. اجل..
توتر جسد طارق ووجد والد وعد يردف:ان هشام شاب يصعب على أي فتاة ان ترفضه.. فهو مهندس ويمتلك راتبا ممتازا وذا شخصية مميزة ووسيم الطلعة.. ولا اظن ان وعد ترفض شاب كهذا.. الست معي في هذا؟..
تطلع طارق للحظات الى والد وعد ومن ثم قال ببرود:اجل.. من الصعب عليها ان ترفض شاب يتملك كل هذه الصفات.. وخصوصا وانه ابن عمها وهو احق بها..
واردف وهو ينهض من مكانه: اظن ان علي المغادرة الآن يا سيد عادل.. وتشرفت بالتعرف عليك..
قالها ومد يده مصافحا الى والد وعد.. الذي صافحه وقال بابتسامة باهتة: الفتيات كثيرات يا بني.. ستجد من تصلح لتكون شريكة لحياتك من بينهن..ولا تدع رفضي يؤثر عليك..
قال طارق بشحوب: صحيح يا سيد عادل.. الفتيات كثيرات .. ولكن واحدة منهن فقط هي وعد.. ولا اعتقد اني سأجد شريكة لحياتي كما تمنيتها..فقد خسرتها .. ومرتين..
تطلع له والد وعد وقال بهدوء: هل ابنتي تعني لك الكثير الى هذه الدرجة؟..
قال طارق وهو يجاهد لرسم ابتسامة على شفتيه: بأكثر مما تتصور..
- اعذرني يا بني.. هذا الامر ليس بيدي.. فلقد منحت عمها كلمة.. ووعدته بالموافقة على هذا الزواج..
هز طارق رأسه وقال: لا داعي للاعتذار.. فأنا اتفهم هذا الموقف..وربما كما قلت ستوافق وعد على ابن عمها.. ولن ترفضه..
قال والد وعد بابتسامة باهتة وهو يرى آثار الحزن وخيبة الامل جلية في عينيه: انت صحفي رائع.. وانا اقرأ معظم مقالاتك .. اكمل المشوار الذي بدأته.. ولا تتوقف امام أي عقبة ..مهما كانت ..
تنهد طارق وقال: حتى لو كانت هذه العقبة.. هي ضياع الحلم الذي سعيت لتحقيقه طويلا.. حتى لو كانت خسارة حلم حياتي بأكمله..
ربت والد وعد على كتفه وقال: انت لا تزال شابا يا بني.. والحياة ممتدة امامك..
تنهد طارق مرة اخرى وقال: عن اذنك الآن يا سيد عادل.. مع اني كنت اتمنى ان اناديك بلقب عماه..
تطلع والد وعد الى طارق الذي غادر غرفة المعيشة.. واتجه الى الباب الرئيسي ليغادر المنزل.. لكنه لم يلبث ان توقف حين سمع صوتها وهي تناديه قائلة: طارق.. توقف.. الى اين انت ذاهب؟..
قال بسخرية مريرة: لم يعد لبقائي أي داع..
قالت وعد بدهشة: ماذا تعني؟..انت لم تخبرني حتى بسبب قدومك الى هنا..
التفت لها وقال بنظرة رأت فيها وعد.. الألم والغضب في آن واحد: لماذا لم تخبريني من قبل بأنك مخطوبة؟..
مخطوبة..مخطوبة..هل يعنيني انا؟.. هل يمزح؟..متى تمت خطبتي؟.. لم يخطبني احدهم ابدا..ورأته يغادر المنزل وهو يغلق الباب خلفه في حدة.. وتجمدت قدما وعد وهي تتطلع الى النقطة التي اختفا فيها طارق..وعادت عبارته لتتردد في ذهنها .. لماذا لم تخبريني من قبل بأنك مخطوبة؟..ولكن.. ولكني.. لست مخطوبة.. لست كذلك ابدا.. ارجوك .. عد وافهمني بالامر كله يا طارق.. لا ترحل هكذا .. وتتركني في دوامة من الاسئلة والحيرة..ارجوك عد ...
*********