بعد الغياب/ الجزء السادس/
#أنفاس_قطر#
في مكتب (...) استكمالا لحواره مع أفضل
- (هو) يقاطعه، مو قادر يستحمل بقية الوصف: خلاص أفضل خلاص...... قل لي شنو صار يوم رحت لبيت أم العيال؟؟
- أفضل بحزن عميق: ما لقيته..
- (هو) بصدمة بالغة: شنهو؟؟
- المنطقة كاملة انشالت، وانبنى مكانها مدارس وملائب(ملاعب) وئمارات(عمارات)، مالقيت هد (حد) أساله، زليت (ظليت) أدور مسل(مثل) المجنون في المنطقة، إحساسي بالزنب يزبهني (بالذنب يذبحني) من اللي سويته قبل 12 سنة، قلت خلاص جات اللحزة(اللحظة) اللي أكفر فيها عن زنبي. بس الله يبي يئاقبني (يعاقبني) على اللي سويته..
- خلاص يا أفضل خلاص، الله رايد كذا، لو فيه نصيب بنلاقيها، مع أني خايف على عيالي، أدري أكيد إنها تزوجت وعندها درزن عيال، وما أبي أدخل عيالي في دوامة.. بس اللي الله كاتبه بيصير.....
- وأنت شدراك أنها تزوجت؟ (أفضل بتشكيك)
- أنا متأكد، وحدة مثلها لا تعليم ولا شغل وش بتسوي غير إنها تتزوج. يعني بتقعد 17 سنة بدون زواج (هو بلهجة واثقة) اللي أنا كنت خايف منه، أنه لو احنا لقيناها، أشلون أقدم لعيالي أمهم الجاهلة اللي عندها درزن عيال غيرهم..
أنت أكثر واحد عارف أني حرمت نفسي من كل شيء عشان عيالي، وعشت حياتي ناسك، ومارضيت أتزوج عشان ما أدخل عليهم مرت أبو، وحكاية أنه أمهم اللي يظنونها ميتة تطلع لهم هي وزوجها وعيالها، شيء بيأثر في نفسيتهم وبيربك حياتهم ويعقدها، ما أدري الله وش كاتب، بس الله لا يكتب إلا خير.
*********
في بيت نجلاء/ بعد صلاة الظهر بشوي
جواهر جالسة وعلى رجلها حمودي تلاعبه باللعبة اللي هي جايبتها له.
نجلاء بحماس: هاه حجية، حطي حمودي جنبج وكملي لي.
جواهر تحضن حمودي بحب: لا خليه بحضني وأنا بأسولف لج، يالموذية.
نجلاء بلهفة: وراح أخونا رشدي أباظة للجبهة.. وش صار عقب؟؟
جواهر بحزن: في ذيك الليلة، طلع بدون ما يقول لي شيء، وغاب يومين، وكنت أحسب أنه لما قال لي أنه خلاص ماراح تشوفين وجهي أنها كلمة ساعة غضب، بس لما مر يومين مارجع بدا القلق ينهشني، وينهش أمي.. اللي كانت تسألني كل شوي: هو قال لج لما كان بغرفتج أنه بيروح مكان، وانا أقول لا ومستحية أقول إنها هرب عشان اللي صار، وأمي ماتبي تكلم أبوه، تخاف تخرعه.
بس ثالث يوم، جانا أبوه...
الشايب يتسند على أفضل اللي دخله المجلس، وجلسه في مكانه، ينادي أفضل بصوت عالي: يا أهل البيت، ئمي(عمي) بو(...) يبيكم.
جواهر من اسمعت اسمه، نطت من مكانها، لبست جلالها، وركض للمجلس..
لقت عمها جالس في الزاوية، وفي وجهه ملامح حزن عمرها ما شافت مثلها، حزن الكِبر والوجيعة واليأس والفقد
- تعالي يا بنتي، اجلسي جنبي (حست جواهر كأن صوته صوت إنسان ميت، خالي من الحياة، وحست كأن قلبها انعصر بيد هائلة)
- نعم عمي (بصوت خافت)
- أنتو عليكم قاصر؟؟
- جعل عمرك طويل، ماخلنا علينا (...) قاصر.
الشايب من سمع اسم ولده، كأن الحمل الثقيل اللي على ظهره كسر ظهره، بدأت دموع صامتة تسيل على خدوده اللي حفرتها تجاعيد سنينه الطويلة..
جواهر لما شافت دموع عمها، حست انه خلاص قلبها وقف، شنو اللي صار خلا عمها يبكي، يكون (...) صار له شيء؟؟ نفضت جواهر رأسها، كأنها تحاول تحميه حتى من مجرد أفكار شر صابه.
جواهر بقلق: وشفيك يا عمي فديتك؟؟
عمها بأسى عميق: (....)راح الجبهة..
جواهر مو قادرة تستوعب: الجبهة ؟؟وين قلت؟؟
عمها: حدود الكويت يا بنتي.
جواهر حست انه قلبها انتزع من مكانه وكأنها تيتمت للمرة الثانية، وبشهقة هائلة قالت: راح عشان يموت يا عمي.. لهالدرجة يكرهني..
بعدها انخرطت جواهر في بكاء طفولي حاد، وانكبت على يد عمها تحبها: تكفى يا عمي تكفى، خلاص خله يطلقني، بس لا يروح هناك يموت.
عمها بهدوء مرير: يا بنتي قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، و(...) لو مات بيكون شهيد وكلنا بنفتخر فيه..
جواهر بين شهقاتها: ما أبي أفتخر فيه ميت..أبيه حي، تكفى عمي، خلاص قل له يطلقني...
عمها بغضب: ما أبي اسمع كلمة طلاق على لسانج يا بنت منصور، انتي بتظلين مرت (....) لين أخر يوم بعمري.
والحين رخصي لي أروح.. أفضل بيمركم كل يوم، خلي عزوز يطلع عليه، ويقول له كل طلباتكم، وميرة البيت كاملة بتوصلكم.
طلع عمها، وجواهر جالسة وحيدة في المجلس، دموعها على خدها، وإحساس جديد باليتم يتضاعف في قلبها
نجلاء تقاطع سيل الذكريات باستفهام: يعني وقتها جواهر الطفلة، كانت تحب أخينا إشارة المرور، مو مثل الحين، اللي حتى اسمه مو طايقة تقوله؟؟؟
جواهر بتأمل: تدرين وقتها كنت مراهقة صغيرة، قلبي طري، مثّل هو لي الأمان والزوج والحبيب والأبو اللي راح، كانت شخصيته جذابة، وشكله حلو،يعني ينفع حق حب مراهقات.. وأكيد لقيت أنه أحتل جزء كبير من تفكيري... والقدر راد أنه يكون الأول والأخير بحياتي.
نجلاء بجدية: مو القدر اللي راد، أنتي اللي تبين، برفضك لكل اللي تقدموا لك..
جواهر: وشرايج أكمل لج.. وبلاها سالفة العرسان..
نجلاء بحماس: إيه كملي كملي بليز
جواهر ونظرها يروح بعيد: مر أكثر من شهر على روحته الجبهة، وعمي مو مخلي علينا قاصر، وسواقه كان يجيب لنا كل اللي نبيه، ويودي عزوز للمدرسة ويجيبه
بس أنا أمي مارضت تخليني أرجع المدرسة، قالت لي زوجج ما ندري حي ولا ميت، وموب زينه بحقنا وحقه تطلعين من البيت.
حسيت الدنيا تضيق فيني، والحزن عشش في قلبي الصغير، حزن اليتم، وفقدان الحبيب، والحرمان من الدراسة.
وفكت أمي الحداد والغايب بعده غايب، وسوينا لها عشاء، وأنا أركض بين الحريم ، أقهوي هذي، وأقعد هذي.. على أخر الليل، حسيت خلاص موب قادرة، وطحت مغمى علي على طريقة الأفلام المصرية.
أمي تخرعت، أتصلت بعمي، عشان يرسل سواقه لنا، وودتني للمستشفى، كشفت علي الدكتورة، وسوت لي تحليل دم وبول، والدكتورة وجهها معتفس، وكل شوي تقول عيدوا التحليل..
بعد كم ساعة، نادت الدكتورة أمي، وقالت لها بصوت غامض، فيه رنة خوف: أنا مش عارفة أئول لك إيه يا حجة، أصلو حاجة ما تتئالش.
أمي بخوف: بنتي وش فيها يا دكتورة؟؟
الدكتورة بنفس النبرة المرتبكة الخائفة: أنتي ئلت لي عندها كم سنة؟؟
أمي: يعني قدها بتكمل 12 وتدخل 13..
الدكتورة برعب: حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل.. أنا والله مش عارفة أئول لك إيه، بس أنا لازم أئول وانتي تتصرفي براحتك..........بنتك حامل..
أمي من سمعت الدكتورة تقول أني حامل، نطت عليها تبوس فيها، وهي تقول الله يبارك فيج الله يبارك فيج، والدكتورة مبققة عيونها مو مصدقة اللي يصير..
أتصلت أمي على طول في عمي المسكين اللي كان قاعد سهران قلق عند التلفون، وبشرته.. (ابتسمت جواهر للذكرى اللي مرت ببالها) الله يرحمه ويغمد روحه الجنة ويجعلها منزله وداره..عمري ماشفته مبسوط مثل ذيك المرة، كانت عيونه تلمع بفرحة غريبة وكأنه رجع عشرين سنة ورا، دخل علينا ثاني يوم، ومعاه بشارة أمي.. وش ظنج أنها كانت البشارة؟؟
نجلاء بحماس: شنو؟؟ ذهب؟؟
جواهر بابتسامة صافية: لا –الله يرحمه- سوبربان أسود موديل السنة الجديدة 91، وقفه قدام البيت، عطا أمي مفتاحه، وقال لها: أدري أنه ما عندكم حد يسوقه.. بس خلوه واقف قدام البيت، خل الناس كلهم يشوفون بشارتي في حمال بنتي.. والبشارة الأكبر يوم تبشريني بالولد وبسلامتها
نجلاء بتموت خلاص من الحماس: وصدق شنو عطا أمج بشارة في التوأم، يعني مو واحد، اثنين ماشاء الله؟؟
جواهر بحزن حقيقي وعميق: الله يرحمه، مات بعدها بشهر، لا شاف ولده، ولا عيال ولده.
شهقت نجلاء بحزن: حرااااام والله حرام.. الله يرحمه، والله أني حبيته من كلامج عنه.. وأنتو وش سويتو عقبه؟؟
جواهر بألم: حسيت أني تيتمت للمرة الثالثة، الحزن وقتها يا نجلاء عبا قلبي وروحي، كنت تعبانة نفسيا وجسديا، الحمل كان تاعبني جدا، حجمي صغير، والحوض عندي وقتها كان صغير، ووزني قليل.. بس الله ما ينسى عبيده..
سواق عمي ظل يمون البيت بكل شيء، الله يجزاه خير، كان يقول أنه عمي وصاه علينا لين يرجع اللي في الجبهة، وأن الخير وايد، وعمي ترك فلوس وايد عنده..
بس المفاجأة الكبيرة صارت بعد حوالي 3 أسابيع من وفاة عمي.....
نجلاء قاطعتها بلهفة: حرام عليج جواهر هالأكشن اللي تسوينه فيني..
جواهر بهدوء: يعني خلاص كفاية عليج اليوم.
نجلاء بحماس كبير: شنو خلاص، اليوم مافيه إفراج لين تكملين لي القصة... شنو اللي صار عقب وفاة عمج بثلاث أسابيع؟؟
كانت الساعة 12 في الليل، وكنا نايمين، سمعنا صوت دق قوي على باب الحوش الخارجي، خفنا كلنا، وأمي خذت التلفون واتصلت على سواق عمي، بس ما حد رد..
قلت لأمي: خلينا ندق على 999.
بس أمي قالت بعد تفكير: لو حرامي أو واحد نيته شينة ماكان دق الباب، كان نط من فوق السور. أنتو اقعدوا هنا وأنا باروح أشوف من.. بس أنا وعبدالعزيز مارضينا، ورحنا كلنا معاها.
وكانت المفاجأة الحقيقية في الشخص اللي كان واقف عند الباب......
#أنفاس_قطر#