بعد الغياب/الجزء السابع
#أنفاس_قطر#
على باب مصلى البنات/النشاط الطلابي/بنات
فاطمة ومنيرة ومها، خلصوا صلاة الظهر، ويلبسون جزمهم (أعزكم الله) .. وراحوا يجلسون على كنبات قريبة من المصلى
منيرة: أشرايكم بنات نروح نتغدى، قبل محاضرة الساعة 2؟؟
مها: أنا اسمحوا لي، جدول ريجيمي اليوم غير قابل للخربطة بتاتا..
فاطمة: عدال أشوف الأخت قالبة فصحى.
مها بعيارة: عشان تعرفون عن مستواي الفكري يتجاوز محدودية عقولكم التافهة.
منيرة تصنع الخوف: هالبنية من صبح وأنا أقول مسخنة، مسخنة، وأكيد سخونتها في مخها.
مها وهي تضرب منيرة على رأسها : والله مافيه حد مخه مفوت في الدوحة كلها مثلش، مفوت على سرعة 220، ولاقطته كل رادرات الدوحة من الخور لمسيعيد.
منيرة: أنا ما أدري أنتي متى بتعقلين وتركزين، بكرة الرجّال بيأخذس بيته بيتروع من خبالس.
مها: ماعليش منه، إزهليه.. يروع بلد..
فاطمة باستفهام: تايم آوت.. ترى فيه وحدة مسكينة بينكم مو قادرة تلحق على سرعتكم في الحكي، نعنبو.. بالعين روادو (جمع راديو)
مها ومنيرة يضحكون، منيرة: ماعليه سماح، المرة الجاية نجيب لس مترجم..
فاطمة: زين عقب المحاضرة بتروحون وإلا قاعدين..
منيرة: أنا بأنتظر أختي، وعقب بنطلع معا، أنا وياها..
مها: أنا ما أدري عن زام أخي متى يخلص اليوم، وهو اللي قايل أنه بيجيبني.. (الزام/ الدوام العسكري)
فاطمة: زين خلاص أنا أوصلج..
مها برفض: لا فديت عينش، تبين أخي المحترم يقص رقبتي..
فاطمة بزعل: ليه يعني، تذكرين السنة اللي فاتت، يوم رجعت معاج أنتي وأخوج المحترم، وإلا يعني أني ما أستحي؟؟
منيرة بهدوء: لا فاطمة عاد هذاك الموقف غير.. يعني لو كان أي وحدة منّا هي اللي صار لها نفس موقفس، كان راحت معاس.
الموقف اللي صار: أنه سيارة فاطمة اللي كان فيها السواق والشغالة، تعطلت على شارع قريب من الجامعة وهم طالعين قبل المغرب بشوي.. مها عرفت السيارة، وطلبت من أخوها يوقف، وحلفت على فاطمة وشغالتها يركبون معهم، والسواق يصلح السيارة براحته.. وأخوها أصلا كان عارف بيت فاطمة، لأنهم ساكنين تقريبا بنفس المنطقة، وكثير كان يودي أخته لبيت فاطمة.
فاطمة تتذكر بضحك: وإلا أخوج اللي مسوي روحه مستحي ويطالعني من تحت لتحت..
مها بضحك: حرام عليش كله ولا سعود، هذا مثل القطار، لا يلف يمين ولا يسار، أموت وأدري هو مر بمرحلة مراهقة مثل باقي خلق الله، من يوم عرفته وهو جد ومكشر.
فاطمة بخبث وعيارة: أنتي بس زوجيني إياه، وإلا لا أفكك كل عقده..
مها تمد لسانها لفاطمة: ليه خلصوا بنات الدوحة، أزوج أخي أشين وحدة في قطر..
فاطمة تتصنع الزعل: عشتوا.. يعني أنا وحيدة أمي وأبوي الدلوعة اللي بأوافق على أخوج المقرود.. أجاملج بس..
منيرة بملل: يا شينكم يالبنات لا جا طارئ العرس، تضيعون السنع..
مها بخبث: إيه هذا مهوب عندش إذا جا طاري سالم.. قام قلبش يرقع مثل طيران طقاقة..
منيرة بخجل مفاجئ: انطمي يا الوقحة...
فاطمة بفرح طفولي: إيه عفية مهاوي، صدتيها اللي مسويه روحها أم الثقل..
منيرة بزعل: لا يكثر حكيكم قوموا نتغدى قبل المحاضرة يا ملا الماحي..
************
في بيت نجلاء ..مازال مسلسل الذكريات المثيرة مستمر.. وقلب نجلاء بيوقف من الإثارة اللي تتزايد.. كأنها تشوف مسلسل أكشن من العيار الثقيل.....
نجلاء بشوق: ومن اللي كان عند الباب.. أكيد بطل الجبهة؟؟
جواهر بابتسامة: لا ........ كان خالي بو فهد، هو وزوجته الإماراتية اللي ما كنا نعرف أنه تزوجها، وعياله فهد وطلال ونورة وموزة، وكانت أم فهد حامل بحصة، وعشان كذا حصة غالية عندي وايد، لأنها عمرها من عمر عيالي.
نجلاء بحماس: وش كان إحساسج وقتها؟؟
جواهر بصوت هادئ: إحساس مرتبك، وقلق، خليط من الفرحة والتوجس، أنا ما كنت أعرف خالي فديت عمره وقتها، كان سر مجهول بالنسبة لي، كل اللي أعرفه أنه قتل واحد بالخطأ، وهله رفضوا الدية، فهرب برا قطر.
نجلاء باستفهام: طيب أشلون رجع، ماخاف من أهل القتيل؟؟
جواهر بنفس النبرة الهادئة المتأملة: جايتج في الحكي.. نسباء خالي الإماراتيين كانوا ناس واصلين وفيهم خير، سووا اتصالاتهم مع أهل القتيل لحد ما وافقوا على الصلح، وخالي ما أتصل بأمي أو بلغها بشيء، لحد ما يقدر يرجع، ما حب يعيشها في أمل على شيء يمكن ما يصير..
نجلاء بتفهم: صراحة حكاية غريبة وش صار عقب؟؟
جواهر بحزن: حزن خالي وايد على وفاة أبوي وعمي محمد، وعلى اللي صار لنا... وصار هو اللي متكفل فينا.. وسكن معانا لحد ما يبني بيته اللي بناه كبير وايد ..عشان نسكن معاه فيه.. واشترى جنب بيته عدة أراضي، لعياله، ولأمي ولي ولعبدالعزيز، الله يطول في عمره، وعلى أرض أمي بنى لنا البيت اللي إحنا ساكنين فيه، لما كبر عبدالعزيز شوي.. وبعد ما خلاني أصمم وأرتب كل شيء فيه على ذوقي.. خالي جاب لنا معاه الأمان، وبعض الفرح..
نجلاء تقاطعها باستفهام: أشلون يعني، نقلتوا قبل يرجع بطل الجبهة؟؟
جواهر: صج إنج مسبهة.. فيه بيت يخلص في أربع شهور، إحنا ما نقلنا للبيت الجديد إلا يمكن بعد سنة ونص.. تقريبا شهر 6 سنة 92..
نجلاء: طيب وأبو عيالج متى رجع من الجبهة؟؟
جواهر: بعد تحرير الكويت، في بداية شهر 3 سنة91..ويمكن ماكان رجع لو أن (أفضل) سواق عمي ما خبره أني حامل.. (كملت جواهر بحقد) رجع عشان يأخذ عيالي ويحرق قلبي عليهم، الله يحرق قلبه لو هو حي وإلا ميت...
نجلاء بدهشة: عمري ماسمعتج تدعين جواهر..
جواهر والدمعة خلاص بتنزل: حرق قلبي يا نجلاء حرق قلبي..
نجلاء قامت حبت تعطي لجواهر فرصة تأخذ راحتها، وراحت تسوي قهوة وشاي جديدة...
************
شهر 12 سنة 1990/ في معسكر المتطوعين على الحدود السعودية الكويتية
البرد كان قارص وحاد بشكل غير طبيعي، والمجندين كانوا لابسين فراو (جمع فروة/عباية ثقيلة) وطاقيات صوف على اللبس العسكري.. وأكثرهم في الخيام.. عدا الموكلين بالحراسة الليلية، واللي كان ممنوع عليهم إشعال النار، حتى ما ينكشف موقعهم..
مجندين اثنين قاعدين جنب بعض، وكل واحد منهم مسند رشاشه على كتفه، ويفرك إيديه ببعضهم عشان يتدفا..
الأول للثاني: أبو محمد
الثاني: لبيه
الأول: لبيت في منى.. أنت دارس؟؟
الثاني: توني مخلص دراسة من 6 شهور وجاي بقراطيسي من أمريكا..
الأول: ووش اللي رماك هنا؟؟
الثاني بحزن: الواجب أولا.. والهم الثاني.. يافرج
فرج باستفهام: الواجب وفهمناها، الهم وشو له توك صغير على الهم يا أبوك..
(هو) بحزن عميق: الهم ما يعرف صغير وكبير..
فرج في محاولة للابتهاج: إذكر ربك يا ابو محمد، الله يرزقك بمحمد، الأخوان قالوا لي أنك توك عريس مالك إلا كم شهر..
(هو) بانقباض ذكره بمأساته: إيه طال عمرك، لي خمس شهور متزوج..
فرج متفاجئ شوي: يعني ما قعدت عند عروسك إلا شهرين، وجيت تتطوع، الله يكتب لك الأجر، والله اللي مثلك قليل، وأنا أشهد أنك رجّال ولد رجّال..
(هو) بابتسامة: ماعليك زود..
وهم في حوارهم، دوى صوت انفجارات من بعيد
فرج يقفز ومعاه (...): وش إزعاج تالي ذا الليل ذا، قم قم ياولدي خلنا نقوم كتيبتنا من النوم ونستعد..
*************
في قصر فخم جدا في منطقة من أرقى مناطق الدوحة، كانت نوف جالسة في الصالة الواسعة اللي مفتوحة على صالات ثانية بارتفاعات مختلفة، كل صالة فيها طقم جلسة مختلفة، وكل جلسة تمثل قمة الذوق والتفرد بتناسق متميز.. تنتظر أبوها وأخوها يرجعون عشان يتغدون سوا..
كانت نوف تحط الكوشية ورا وظهرها وتعدل جلستها..كانت تعبانة شوي، كانت تشتكي من اضطراب في الدورة الشهرية متعبها، ما تقدر تقول لأبوها، وكانت تنتظر خالة أبوها الدكتورة عائشة ترجع من مؤتمر طبي في تورنتو، عشان تطلب منها توديها للدكتورة..
نوف تهمس لنفسها بحزن: مو لو عندي أم مثل باقي البنات، كان ما أحتست هالحوسة، وقعدت أنطر خالتي عائشة اللي مشتغلة لي أم بربع دوام..
موبايلها يرن برنة أبوها الخاصة، تلقط التلفون بسرعة، وترد بحب واحترام: هلا يبه..
............
طيبة فديت عمرك
..........
لا مابعد وصل..
............
يمكن شحن موبايله فاصل كالعادة
............
أبي سلامتك طال عمرك
سكرت الاتصال مع أبوها، وبالها مع أخوها عبدالعزيز الطيب والمهمل لأبعد حد..
***************
في بيت نجلاء /بعد الغدا اللي جواهر تقريبا ما كلت منه شيء
نجلاء بحنية: شنو جيجي ماكلتي شيء،، الطبخ ماعجبج؟؟
جواهر بنعومة: لا والله.. بس من الصبح وأنت تزغطيني، خلاص والله مافيه مجال أكل شيء
نجلاء بجدية: والله ماكلتي شيء..
جواهر: والله موب مشتهية.. لو أبي أكل بأكل ماني مستحية منج..
نجلاء رجعت لها حالة الحماس: يالله كملي لي، وش صار لما رجع حسين فهمي من الجبهة؟؟
جواهر بهدوء: من يوم التحرير 28/2/1991 ، وأنا عايشة في حالة ترقب قاتل، كل حد يدق الباب عندي أنه هو، وأنه دقايق ويدخل علينا
وقتها كنت في بداية الشهر السادس، كنت أبيه يشوفني وأنا حامل، أبيه يشوفني وأنا مره/ أنثى كاملة، وكانوا قالوا لي في السونار أني حامل بتوأم.. كنت مبسوطة وايد مبسوطة، مبسوطة رغم حالتي الصحية المتدهورة..
كان يوم 7/3/1991 ..بعد صلاة العصر.. جا أفضل لخالي في المجلس، وبلغه أن بطل الجبهة على قولتج وصل، وبيجي يزورنا بعد ساعة، جاء عزوز ركض وبلغنا، حسيت وقتها أنه قلبي بيوقف وأني مو قادرة أتنفس، وكانت هالساعة كأنها قرن.. مو راضية تمر، حسيت أني بأجن من الانتظار..
بعد ساعة نادانا خالي في المجلس.. دخلت المجلس وأنا قلبي يرقع.. كنت متوقعة أي شيء.. أي شيء..
إلا اللي أنا شفته...
#أنفاس_قطر#