عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 08-20-2010, 11:49 AM
 
بعد الغياب/ الجزء السادس والثلاثون

#أنفاس_قطر#


الليلة الأخيرة من حياة عزوبية اثنين لم يمر أي منهما بحياة زوجية حقيقية..
ومقبلين على حياة زوجية غير حقيقية..

عبدالله بعده نايم.. رغم أنه أولاده حاولو يصحونه كثير للصلاة.. بس بدون فايدة.. كان ماكل 3 حبات بنادول نايت.. وهو أصلا كان منتهي من التعب..

الوقت صار بعد العشا وهو بعده نايم.. نوف بتجن.. تبي فلوس منه...: ( زين ياعبدالله ارقد براحتك.. خلاص الحين كل شيء بيسكر.. بس إذا ما استلمتك من الصبح ما أكون بنتك نوف بنت عبدالله)

جواهر صحت على صلاة المغرب.. وهي حاسة بهم كبير كاسر ظهرها.. قلبها مقبوض.. وخاطرها ضيق..

صلت المغرب بإيمان كبير.. ودعت الله سبحانه يشرح صدرها ويفرج همها..

عملت شوي اتصالات مهمة وضرورية لعدد من الناس اللي يهمها معرفتهم بزواجها بكرة: رئيس قسمها، نجلاء، موزة بنت خالها..وأم فهد..
رغم إن موزة وأم فهد كانوا يعرفون بالخبر.. بس هي حبت أنهم يسمعون منها.. ماحبت حد يشك إن رجعتها لعبدالله كانت غصبا عنها..

جلست جواهرفي غرفتها والهواجس تطحنها..
وبنتها نوف كل شوي تتصل عليها.. في راسها ألف مخطط..

جواهر حتى ما كانت منتبهة بنتها وش تقول وراسها عورها من حنتها.. كانت تبي ترضيها وبس....

قالت لها جواهر: أهم شيء ما تعزمين حد.. بس أبي يكون موجود بيت خالي ونجلاء وأنتي وبس.. وغير كذا سوي اللي تبينه بدون ما تستشيريني..

نوف بحماس: أكيد مامي.. موب عقب تسوين لي سالفة

جواهر بحب: ماراح أسوي لج شي

(في قلبها: أنا مارجعت لأكره إنسان على وجه الأرض الا عشانكم..فأي شي بتسوينه ويكون بيفرحج سويه)


******************


الساعة 9 مساء..

سارة تترك منيرة جالسة مع أمهم تحت.. وتطلع تتسحب لغرفتها وتقفل الباب عليها بالمفتاح.. وتتصل بصديقتها وضحى...

بعد السلامات المعتادة..

سارة بعيارة حزينة: وضحى أنا أبيس تعرسين..

وضحى كحت: وشفيس يالمجنونة؟؟ وش عرسه ذا... توني تملكت الشهر اللي طاف..

سارة: يالغبية أبيس تمثلين أنس بتعرسين..

وضحى اللي مو فاهمة شيء: روحي نامي شكلس تخرفين..

سارة: يالغبية: تذكرين في ملكتس، لما مالقيتي فستان تلبسينه.. خذتي فستان أختي مناري حق عرس ولد خالتي وكان يجنن عليس..

وضحى: وطيب؟؟

سارة: أبيس بكرة تروحين معي أنا ومناري.. على أساس أنس تبين نروح معس، تاجرين فستان أو تشترين حسب المتوافر لأن عرسس تحدد بسرعة وما عندس وقت تسوين فستان.. وإنس تبين مناري هي اللي تقيس الفستان عشان تشوفينه عليها.. وتقررين..

والفستان اللي أنا بأحس إنه دخل مزاج مناري..بأشر لس عليه.. وأنتي صممي إنس تبغينه مهما كان سعره..

وضحى بدهشة: وليش ذا كله..

سارة بحزن: أنا باقولس..


*****************


الساعة صارت 11 بالليل..

سعود واقف بسيارته في مواقف المستشفى..

سعود صلى المغرب ورجع وقف في المواقف ، صلى العشا ورجع للمواقف.. على أساس إنه بيتشجع وينزل يزور الدانة..

كان واقف..كأن فيه مغناطيس يشده لذا المكان..
موب قادر يبعد عنه..
تلقى عشرات الاتصالات.. من ربعه..من أمه..من محمد.. الكل يسأل عنه.. وينه مختفي..
قال لهم في الشغل.. مع أنه في إجازة لمدة أسبوعين..

وهو غارق في التفكير: سمع حد يدق على شباك سيارته، ألتفت كان من أمن المستشفى، اللي قاله بنبرة احترام لكن بنظرة شك: يا أخوي.. صار لك ساعة واقف.. والزيارة انتهت من زمان.. ياليت تحرك سيارتك..

سعود ببروده الاعتيادي: مادريت أن الوقفة في ملك الحكومة ممنوع..

الأمن اللي ارتبك شوي من برود سعود: حرك حرك يا أخوي..

سعود كان في خاطره يفرغ التوتر اللي فيه في السكيورتي..
لكنه تنهد وقال في نفسه: وذا المسكين وش ذنبه..

حرك سيارته للبيت.. ولغرفته اللي صار يحسها قبر موحش بدون دانة، وخصوصا إن أغراض دانة القليلة المتناثرة في غرفته.. تثير في داخله جرح شديد العمق..


**************


جواهر موب قادرة تنام... الهم محاصرها.. متوترة وحاسة بجرح كبير في روحها..

عبدالله بعده نايم...

نوف وحصة ما وقفت الاتصالات بينهم.. رغم إن الوقت تاخر..

عبدالعزيز الصغير هو الوحيد اللي كان ينام بعمق وسعادة بعد ماسوى اللي في رأسه..


****************


الساعة 4 الصبح

عبدالله صحا مفزوع وهو يطالع الساعة: أعوذ بالله منك يا أبليس فاتني المغرب والعشا.. خلني أصلي قبل الفجر..

صلى الصلوات الفايته..

وعقب راح صحى عبدالعزيز وراح وياه المسجد.. كان ناسي موبايله في البيت بس ما أهتم..( مين اللي بيتصل فيني ذا الوقت يعني؟؟)..

رجع للبيت وهو يحس بنشاط كبير بعد ماخذ نوم كفاية..

الموبايل بعده مرمي عالكوميدينو.. ما أهتم..

لبس تريننغ رياضة.. وراح يركض حوالين البيت كعادته بعد صلاته الفجر.. ويحاول يفرغ من التوتر اللي هو حاس به للحدث اللي بيصير اليوم.. وحاسه هم كبير كل ما يتذكر كلام جواهر اللي مثل السم

رجع للبيت على الساعة ست.. دخل للحمام يأخذ شاور.. والموبايل بعده مرمي على الكوميدينو..

أول ما طلع من الحمام وهو بعده بالفوطة الملفوفة على خصره..ضرب عينه على الكوميدينو.. شاف موبايله يولع ويطفي دليل إن حد يتصل فيه..

استغرب من اللي بيتصل هالحزة..

مشى ناحيته وتناوله بقلق.. بس كان الاتصال سكت..

لينصدم عبدالله بعدد الاتصالات التي لم يرد عليها...

68 مكالمة لم يرد عليها..

59 اتصال من رقم واحد.. وهو الرقم اللي كان يدق أخر شيء

اتصالات من أرقام مختلفة..


59 اتصال من شخص واحد / من ماجد..


*****************


عبدالله يتصل بسرعة بماجد قلبه انشغل عليه، أو ماوصله صوت ماجد اللي يقول بلهفة : ألو..

رد عليه عبدالله بقلق كبير: عسى ماشر يا بو فيصل؟؟ اشغلتني..

ماجد بلهجة غامضة: أبي أشوفك الحين..

عبدالله رغم استغرابه رد بترحيب كبير: هلا والله تفضل في المجلس الخارجي، بأنتظرك هناك...

عبدالله سكر من ماجد، اتصل في المقهوين اللي في المجلس الخارجي، وطلب منهم يجهزون القهوة..
وباله مشغول على ماجد..


****************


الساعة 7 صباحا: عبدالله وماجد في المجلس..

ماجد جالس يفرك ايديه ببعض.. شكله مهموم.. داخل على عبدالله متلطم.. بدون عقال..

عبدالله اللي حس بهم من منظر ماجد: أبو فيصل وش فيك جعلني ما خلا منك..

ماجد بلهجة حزينة: تذكر ياعبدالله قبل 18 سنة وإحنا على الجبهة..

عبدالله بنبرة رجولية فيها اعتزاز وكثير من الحزن: ومن ينسى ياماجد من ينسى؟؟


قبل 18 سنة

كانوا خمسة متطوعين على مدرعة عسكرية.. ينقلون مؤن للمعسكر..

عبدالله هو اللي كان يسوق، وماجد جنبه..
ورا مع المؤن..

عبدالله وماجد كانت بدت تربط بينهم علاقة حميمة زادها كونهم من بلد واحد ومن عمر متقارب..

لكن الثلاثة اللي ورا كانوا أول مرة يشوفونهم ماجد وعبدالله..
وهم يعبرون منطقة صحراوية للوصول للمخيم المعزول في الصحراء..

انضربت المدرعة بصاروخ.. الصاروخ ضرب الجزء الخلفي من المدرعة..

الثلاثة اللي ورا استشهدوا فورا، عليهم رحمة الله وغفرانه..

عبدالله تصوب إصابة شديدة في رجله..وجروح مختلفة.. ماجد كان مصاب بعدة شظايا.. ووضعه غير معروف..

عبدالله ما فقد الوعي مثل ماجد..
فزحف خارج المدرعة
وسحب ماجد برا ومدده بعد ما تطمن إنه حي..

ثم توجه يبي يشوف اللي ورا.. تألم ألم عمره.. لما شافهم ثلاثتهم استشهدوا..
ما كان يعرفهم.. لكن الحرب والجرح.. تقرب الناس لدرجة تلاصق الأرواح..

سحبهم عبدالله برا المدرعة.. و رجله المكسورة تئن بألم خرافي..
لكنه كان يتحامل على رجله السليمة لحد ما طلعهم كلهم..

راح يبي يشوف ماجد ويتأكد من وضعه.. لكن ماجد توعى بروحه.. وكانت إصاباته بسيطة مجرد رضوض..

ماجد وعبدالله تساعدوا يسحبون الجثث لمكان بعيد من المدرعة، لأنهم كانوا عارفين إن النار إذا وصلت خزان الوقود.. بتنفجر المدرعة..

وفعلا خلال دقايق انفجرت المدرعة انفجار مدوي..

عبدالله خلاص كان منتهي ونزف كثير.. وبدأ يفقد وعيه..

عبدالله نزع شارته اللي عليها اسمه عن صدره.. وعطاها عبدالله لماجد مع شارات الشهداء الثلاثة... وقال له بصوت ضعيف لكن حازم: سلم الشارات للقائد، عشان يبلغون أهلنا.. وأرجوك يا ماجد ادفننا.. لا تخلينا كذا تأكلنا الطيور والذيابة..

ماجد رد بحزم: أنت واحد مجنون وماينرد عليك.. إحنا يا نعيش سوا يا نموت سوا..

قام ماجد وحفر 3 قبور، ودفن الشهداء فيهم..
وحاول يحط عليها علامات واضحة.. على اساس إن أهلهم يمكن يرجعون يبون يدفنونهم في اماكن ثانية..

بعدها سمى ماجد بسم الله..
وحمل عبدالله اللي كان فاقد الوعي على كتفه..
عبدالله كان أطول منه ، بس وقتها كان نحيف كثير..

ماجد شال عبدالله على كتفه.. ورجع يتبع أثار عجلات المدرعة..
وسار به لساعات.. وهو شوي يمشي.. وشوي يطيح.. وشوي يسحبه.. وشوي يشيله..

لحد ماوصل للشارع العام.... كان ماجد اللي يحركه الباقي من حلاوة الروح.. فأول ما وصل الشارع انهار بالكامل..

شافوهم سواقين السيارات اللي شالوهم للمستشفى.. والاثنين كان حالتهم صعبة..
بس ماجد تشافى أسرع.. لأنه كان اللي فيه رضوض وإرهاق..
بينما عبدالله رجله مكسورة ونزف كثير..

أول مافتح عبدالله عينه شاف ماجد، سأل بصوت ضعيف: أنا وين؟؟

ماجد بمرح: لا تستانس ما بعد رحت الجنة.. عادك في الدنيا لا وأنا معك.. تبي تخلص مني بس مافيه فكة..

عبدالله بضعف واستغراب: أشلون احنا كنا بعيد عن الطريق والمخيم بعده بعيد..

ماجد بنفس المرح: نعنبو خلعت كتفي.. شال نخلة موب آدمي..

عبدالله وقتها من التاثر حضن ماجد وبكى، كانت هذي من المرات القليلة جدا اللي بكى عبدالله فيها..


عبدالله بضعف وحزم ورجولة: جميلك يا ماجد في رقبتي.. أنت كان ممكن تخليني أنا كنت شبه جثة وماكان حد بيلومك.. في الحرب يا كثر الضحايا.. جميلك في رقبتي لأخر يوم في عمري.. ووعد علي أرده لك ولو على قطع رقبتي..

ماجد بمرح: خلك من البربرة أنت ووعودك.. أنا ماسويت كذا عشان ترده لي..

لكن عبدالله كان مصر.. 8 سنة وهو دايم يكرر الموضوع على ماجد.. اللي ما عمره فكر يطلب من عبدالله شيء.. لحد اليوم..

ماجد بصوت ميت: عبدالله أنت مستعد ترد لي ديني اللي أنت بنفسك كنت مصر ترده..

عبدالله بحزم كبير ورجولة بالغة: لو تبي روحي ماتغلى عليك..

ماجد بنفس اللهجة الميتة: ما أبي روحك.. أبيك تنسى سالفة الزواج من جواهر بالكامل..

#أنفاس_قطر#
__________________
أفضل تعـريف لذاتك ..
أنك لست أفضل من أحد ، ولسـت كأي أحد و لست أقل من أحد!