كيف تنجح فى رمضان(2) والأسباب والأمثلة كثيرة للغاية ولكن إليك: قواعد مهملة في تغيير النفس 1) ابحث في نيَّتِك واحرِصْ على تَحسينها؛ فإنَّ النّيَّة مفتاح التغيير ومفتاح التوفيق، والعامَّة تقول: (النية مطيَّة)، وحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمَنْ كانَتْ هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسولِه، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ رواه البخاري ومسلم: 1907 وغيرهم. فالبعض منَّا يتجه إلى تغيير بعض أموره بنية غير خالصة لله، مثل: محاولة إرضاء من حوله أو لأسباب صحية أو عملية أخرى، وربَّما يلجأ لفكرة التغيير استجابة لعموم أفكار الناس، لكن عليك أن تراعي أن تقوم بعملية التغيير لديك فيما يتعلق بأمور الدين من أجل الله جل وعلا فقط لا غير، وأمَّا غيْرُ أمور الدِّين فعليْكَ مُحاولة تَغييرها بسببٍ يَتعلَّق بكَ أنْتَ، وبإرادتِك أنت بعد عون الله، وليس من أجْل الآخرين. فكرة شَيْطانيَّة مُضادَّة قد يقول الشيطان لك: ها.. إذًا لا يمكن أن تُحاول تغيير نفسك إلا بنية صافية لله.. وهذا شبه مستحيل.. وإذا قمت بذلك فستكون منافقًا.. إذًا اترك هذا الأمر كله، ولا تحاول التغيير حتى لا تصبح منافقًا. وليخسأ الشيطان؛ فقد سأل الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – سؤالاً يشبه هذا فأخبرهم أنَّ الشَّكَّ في النيَّة والوساوس الشيطانيَّة دلالة على صريح الإيمان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أتكلم به، قال: ((ذلك صريح الإيمان))؛ أحمد: 2/ 397، رقم 9145. فكلَّما خاف الإنسانُ من النِّفاق كان عنه أبعد؛ فعليْك أن تُرْغِمَ أنفَ الشَّيْطَان، وأن تُجاهِدَ نفْسَك في التَّغْيِير لِلأفْضَلِ في كلِّ شَيءٍ حتَّى في نيَّتك؛ فالنية تتغير كما يتغير السلوك، فعليك بصيانتها والحرص على صفائها، ودعاء الله جل وعلا أن يجعلها خالصة له وأن يحميك من النفاق، قال الفضيل بن عياض – رحمه الله تعالى -: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما". واعلم أن صلاح النية بِحسب المستطاع – فالكمال لله – وصلاحها أو محاولة إصلاحها سبب في توفيق الله جل وعلا لك مهما طال الطريق وشق وصعب، وفي هذا قال الله جل وعلا عن مَن لم يخرجوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحَد الغزوات: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]، فهؤلاء لم يكن في باطنهم نيَّة الخروج للجهاد، ومن ثَمَّ أحبط الله هِمَمَهُم أن يَخرجوا؛ لأنَّهم لو خرجوا خرجوا لغير الله جلَّ وعلا، وكانوا ضررًا على المسلمين فلم يوفِّقْهُم الله للخروج. إذًا كلَّما جاهدت أن تكون نيَّتك خالصةً كلَّما وفَّقك الله في تَحقيق التَّغيير المطلوب، وكُنْتَ مُثابًا من الله سبحانه. 2) هل لديْك نيَّة حقيقيَّة جازمة للتغيُّر؟ الكثير منَّا يدَّعي رغْبَتَه في التَّغيُّر، ولكن في حقيقة حاله يفتقر للجدية في هذا الجانب، ولهذا علاج ناجع بإذن الله... ألا وهو الذِّكرى والمعرفة، فإذا كنت ممن تراوده نفسه أن يتغير في بعض شأنه للأفضل مِثْل الاهتِمام بالصلاة، والتحكم باللسان وصيانة الأعراض، غض البصر، إحسان العشرة مع النَّاس، والسَّيطرة على الغضب، إفشاء السلام أو ما شابه ذلك فَلَكَ أن تَفْرَح بذلِك؛ لأنَّها علامةُ خيْرٍ لك، فالهمّ بِخيرٍ والتَّفكير فيه، وإن كان غير كافٍ، لكنَّه يدل على رغبتك في الخير في بواطن نفسك، بل أبشرك أنَّ لهذا التفكير والنية أجرًا بإذن الله، ويدلُّ عليه قول الحبيب – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق))؛ رواه مسلم، فحتَّى التَّفكير بالغزْوِ كان سببًا في رفع الحرج وصفة السوء عن الإنسان. فإذا كُنْتَ من هذا الصّنف فعليك أن تعمل على رفع مستوى هذا الهاجس وهذه النية إلى مستوى أقرب للجدية، وهذا يكون بالمعرِفة واستِماع الذكرى، فالذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمنين، وكلُّ القرآن تذكير، وعليك التَّركيز على أشْرِطة وكُتُب تَجعَلُك تُحِسُّ بالإيجابيَّة نَحو ما تُريد أن تتغيَّر نحوه.. وإليك أمثلة في هذا الشأن: - إذا كُنْتَ تُريد أن تَجعل مستوى إيمانك أكثر فاقرأِ الكُتُب التي تذكِّرُك بِفَضْل الإيمان عمومًا وبأحوال النَّاس في القَبْرِ ويوم القيامة، وسيرة أَقْوِياء الإيمان وما شابه ذلك. - إذا كُنْتَ تُريد أن تُحسن صلاتك أو أن تبدأ في الصلاة فعليك أن تقرأ الكتب التي فيها أجر الصلاة وعظمتها وكافَّة الأمور المتعلِّقة بِالصلاة. - إذا كُنْتَ تُريدُ أن تكون واصلاً رحِمك فعليْكَ قراءة أبْحاث تتعلَّق بذلك والقصص حول ذلك. - إذا كنتَ تُريدُ أن تكون حافِظًا لسانَك فعليك أيضًا بالقِراءة في هذا الشأن وفضل حفظ اللسان وحال الكثيرين معه، وكيف يمكنك ذلك. - إذا كنتَ تُريد أن تتعلَّم كبح الغضب فلا بد أن تقرأ حول هذا الشأن وفضل كظم الغيظ وما جاء فيه من قصص وأخبار، وعن أساليب ذلك وخطواته. تنبيه: الكثير من الناس يقول: مللت من التنظير والتفكير، وأريد حلولاً عملية، وأنا أعتقد أن بداية الحل العملي هو تكوين نيَّة صادقة وإرادة جازمة وهذه لا تَحصُل إلا من خلال معرِفَتك لِما يُحفِّزك على التَّغيير ويدفع هِمَّتك إلى الأعلى. والتَّغيير مَهْما كان شأنه رحلة شاقة؛ لأنَّ العادات تحكم الإنسان فعليك بالزاد الذي يدفعك إلى الصبر والمضي قدمًا. حرِّضْ نفسَك لبلوغ السمو اجعل حفز النفس هدفًا رئيسًا لك وحديثًا دائمًا بينك وبين نفسك، فحدِّثْها بالسُّمُوّ ومعانيه، وبالأفضل الذي تَسعى إليْه، ولا يَكُنْ تَحريضُ النَّفس مثيرًا للإحباط لديك بل انتقد نفسك بِما يَدفعك إلى الأمام لا بِما يُشْعِرك بالعجز واليأس، وإذا قالت نفسك: لا أستطيع، ناقِشْها حولَ ما استطاعَتْ في أمور وشؤون أخرى، فإنْ قالتْ: لا أستطيع القيام لصلاة الفجر، فقُلْ لَها: وما بالك إن كانت هناك رحلة طائرة أو التزام برحلة بَرٍّ أو ما شابه ذلك استيقظت بدون منبِّه، وإذا قالت: لا أستطيع أن أصلي 8 ركعات بعد العشاء؛ فهو متعب، فقل لها: وما بالك تلْعَبِين وتَمرحين بِما يفوق ذلك من تعب، فالشباب يلعبون الكرة والنساء يقطعن الأسواق. واعلم أنَّ من وسائل تَحريض النفس تخيل نتائج العمل الذي ترغب الوصول إليه، فتخيل أن تتعلم أن يكون لسانك عفيفًا، وكم سيكون طعم هذا حلوًا على نفسك، وتخيل أنك استطعت الاستمرار على قيام الليل؛ فكم سيعود عليك هذا بنفع عظيم في الدنيا من هدوء وطمأنينة وسعة بال وقوَّة إيمان وفي الآخرة بأجر عظيم ومنازل عالية، بل وبقوة نفسية هائلة في مواجهة يومك وحياتك. فائدة: النفوس ثلاثة: 1 – نفس مطمئنَّة بالطاعات والإيمان. 2 – نفس لوَّامة تلوم المؤمن على خطئه. 3 – نفس أمارة بالسوء. فاعمل على أن تحول نفسك الأمَّارة بالسوء إلى نفس لوَّامة تلومك على التفريط، وابذُلْ كلَّ سبب لذلك؛ فإنَّ وراء علوِّ رتبة النفس سعادةً دنيويةً وسعادةً أخرويةً، ثم اعمل على بلوغ مرتبة النفس المطمئنة، وذلك نعيم الدنيا والآخرة، رزقنا الله ذلك أجمعين..! |