ضعت في عينيه.. فاهتديت!!.. بقلم/ لحن اللافندر أحبتي هذه أول رواية لي من هذا النوع
آمل أن تنال إعجابكم مقدمة لابد منها هذه الحكاية صارت معي منذ سنتين.. سنتين كنت قبلهما شيئا، وصرت بعدهما شيئا آخر تماما.. مرحلة انتقالية في حياتي.. نقلتني تقريبا من الوحدة والخوف والضياع الى قمة السعادة..
كنت في السنة الأخيرة من الجامعة، وكنت وقتها أحس بالملل والكآبة التي لا تنتهي.. كنت قلقة حين اتخرج ماذا سأفعل.. كنت أقول في نفسي: "اكيد باندفن في البيت لا شغلة ولا مشغلة.. بين ابوي العصبي اللي يتخانق مع دبان وشو على ما يقولون وامي الحنانة وربعي اللي ما ينصادون على رحلات وشم هوا وسفر ووساعة صدر.. وانا يا عيني علي وعلى حظي المسخم والمفحم ومليان طين.. لا روحة ولا جية.. ولّا مِن زين المعدل اللي بيوظفني معيدة ويأهلني للماجستير "..
المهم ان هذه الخزعبلات المتضاربة كانت تجتاح عقلي بين حين وآخر.. وحالة الكآبة التي كنت أعيشها كانت تدمر كل متعة يمكن أن احس بها في الفترة الحالية.. وكنت لا اشكو همومي الا لصديقتي حصة التي كان حظها مثل حظي و "ماكلة....."
المهم.. كنت مثل بقية البنات.. ما يهمني الا التلفزيون.. ولقاء الممثل الفلاني ومسلسل كيت وكيت ونازلة طالعة اسمع في البومات راشد وعبد المجيد واليسا ونجوى.. بمعنى انني من متابعي الطرب الاصيل الخاص بالقرن الحادي والعشرين.. وطبعا هذا كله "بالخش والدس عن سي السيد]" ابي المحترم..
هذا كله تقديم حتى تعرفوا كيف كنت اعيش حياتي بلامبالاة وبسلام وروتين عادي جدا وأقل من عادي إلى أن أتى ذلك اليوم الذي قلب موازيني وحولني من بنت لا مبالية وحيدة بلا اهتمامات ولا حتى طموحات الى امرأة تضج بالعواطف والآمال العريضة.. انقلبت شخصيتي مئة وثمانون درجة وهزت اركاني مجرد جملة واحدة سمعتها في التليفون... غير مصدقين؟.. إذن تابعوني.. *** *** *** *** *** الفصل الأول: وجه وذكرى
لا أذكر من ذلك اليوم إلا انني كنت اثرثر في الجوال مع حصة.. وكالعادة انتهت بطاقة شحنها وانا انتهت بطاقتي حتى الثلاثة أصفار.. وكنا في "سالفة" مهمة حين انقطع بيننا الاتصال.. وطبعا انا متعودة لو أن الموضوع انتهى على هذا الشكل ان تتصل هي فورا على تليفوني الثابت المثبت في الصالة قدام سي السيد .. المهم رن في نفس اللحظة التي انقطع فيها اتصالنا رحت راكضة الى الصالة ولحسن الحظ لم اشاهد ابي متربعا كالعادة.. رفعت السماعة وانا اجلجل بصوتي: "ول عليك يا حصيص اش هالسرعة؟"
لكني انصدمت لما جاءني صوت رجالي هاديء يقول بوقار: "عمي راشد موجود؟"
صعقت ومن اللخمة "رقعت" بالسماعة ولم افق الا على صوت التليفون مرة ثانية ولشدة ارتباكي وحرجي رفعت مرة ثانية وانا اقول: "نعم".. بأدب هالمرة..
جاء نفس الصوت مرة ثانية وهو يقول: "عمي راشد موجود لو سمحتي"..
قلت "نعم لحظة"..
لا ادري كيف رحت لابي وقلت له "واحد يبغاك على التليفون".. لكن الذي اذكره اني لم أكن انظر إلى وجه ابي، خفت ان يرى حرجي مصبوغا على وجهي..
وهرولت الى غرفتي بسرعة وانا اسب حصة والجوال والثابت وما جعلني ارد ..
لكن منذ تلك اللحظة وصوته يرن في اذني حين قال الجملة الاولى كان مندهشا.. اكيد طبعا من هجومي الرشاش بصوتي وانا اقول "ول عليك يا حصيص".. كان الذي قهرني انه في الجملة الثانية كان يقولها وكأنه يغالب ضحكة مكتومة.. هذا قتلني قهرا واحراجا ..
وليت المسألة قد انتهت هنا.. المصيبة ان امي بعد ساعة جاءتني تقول: "سلوى كل ذا نوم قومي ساعديني"..
قمت وانا غارقة في افكاري: "نعم خير".. قالت حتى تأتيني الصاعقة الثانية: "محمد ولد عمك عثمان توه متصل بيجي يزور ابوك قومي سوي القهوة"..
قلت وانا فاتحة فمي لحده اللانهائي: " محمد مين؟ ولد مين؟ متصل؟"
قالت وهي تمسك فوطة في يدها: "ايه بروح على السريع اشوف وضع المجلس وانتي سوي القهوة يالا.."
قعلا احسست اني صرت الكترونية ساعتها.. ذهبت الى المطبخ وانا "وجهي طايح في الارض من قمة الفشيلة".. آخر الأمر يكون المتصل هو الدكتور محمد الذي رجع توا من المانيا ليسلم على ابي.. "شيقول عني الحين؟؟ هبلة ولا بقرة .. يالبقرة هو ما يستعمل هالمصطلحات كل اللي ممكن يقوله اني اتكلم باسلوب غير حضاري.. انا شجابني ارد على هالمثقف ما اخترت ارد الا انا؟.. يا الله!!!.."
بقيت على هذا الحال طوال وقت تحضير القهوة وانا "اتفشل واسفل في نفسي وفي اسلوبي.. تذكرت اني ما شفت محمد هذا من لما كنت صغيرة.. كان هو بعد صغير بس اكبر مني.. ولانه شاطر على طول درس الطب وخطب بعدين ابتعث للخارج علشان يكمل ماجستير وهو في سن صغير الكل كان ما يسميه الا الدافور بو اربع عيون.." كنت أقول هذا في نفسي..
"اتذكرت الحين وجهه ونظاراته اللي كان على طول يرفعهم بصبعه بدون اي انفعال.. وابتسم لنفسي.. بعدين اكشر ويطيح وجهي مرة ثانية لان محمد ما عاد الولد الصغير اكيد الحين صار شاب مشورب على ما يقولون وانا الهبلة اللي ما نقيت غير ارد عليه.."
اخيرا انتهيت من القهوة ويخفق قلبي بقوة لاني سمعت في نفس اللحظة جرس الباب.. وكنت سأهرب الى غرفتي حين جاءت امي وهي تقول:" بسرعة ركض حطي القهوة قبل ما يفتح ابوك له باب الشارع.." طويت شفتي بين اسناني وانا احمل القهوة بسرعة وجسمي يرتعد ووصلت اخيرا وخرجت من المجلس في زمن قياسي..
لكن من نافذة المجلس التي تطل على تهوية البيت لمحت ابي يضع يده على كتف محمد ويقول له: "اقلط حياك الله الساعة المباركة اللي شفناك فيها.. "
اما محمد فكان يبتسم بهدوء ووقار جعل وجهي يسقط للارض السابعة اذا لم يكن بعدها قاع.. وتخيلت نفس هذا الانسان وهو يقول لي كاتم الضحكة: "عمي راشد موجود؟"
|