عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 08-31-2010, 06:19 AM
 
اعتكاف المرأة في المساجد.

مسعود صبري

عرّف الفقهاء الاعتكاف بأنه: لزوم المسجد بنية العبادة لله تعالى. ومن المعلوم شرعًا أن الشرائع الأصل فيها التساوي بين الرجل والمرأة، إلا ما نصّ الشرع على المفارقة بينهما. وفيما يخص المسجد بشكل عام؛ فإن الإسلام أوجب على جماعة المسلمين إقامة الصلوات في المساجد، من باب فروض الكفايات، مع أن الصلاة في المسجد من السنن المؤكدة، لكنها في حق الأمة فرض كفائي يجب على البعض، ولكن لا يجوز أن يترك المسلمون جميعًا المساجد دون الصلاة.

وفيما يخص المرأة فإن الإسلام أجاز لمعشر النساء الذهاب إلى المساجد، ولكنه لم يوجبه عليهن، فقال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن". وهذا يعني أن ذهاب المرأة إلى المسجد مباح شرعًا، وأنها تنال بالصلاة في المسجد ثواب الجماعة.

وعلى هذا الأصل؛ وهو ذهاب المرأة إلى المسجد.. كان الاعتكاف للنساء مباحًا، على رأي جمهور الفقهاء؛ لأنه لما جاز الخروج لها للمسجد، جاز لها الاعتكاف فيه، وإعمالاً لمبدأ المساواة في أجر العمل الصالح بين الجنسين؛ مصداقًا لقوله تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]. وفي الحديث عن عروة، عن عائشة "أن رسول اللهكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله تعالى". زاد الشيخان: "ثم اعتكف أزواجه من بعده".

وقيل لابن القاسم: ما قول مالك في المرأة تعتكف في مسجد الجماعة؟ فقال: نعم. قيل: أتعتكف في قول مالك في مسجد بيتها؟ فقال: لا يعجبني ذلك, وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله.

ولكن الفقهاء اشترطوا أن يكون الاعتكاف بإذن الزوج، وهذا من باب المحافظة على مؤسسة الزوجية، ولحاجة البيت إلى الزوجة أكثر من الزوج؛ فالزوج قد لا يستغني عن زوجته، والأولاد لا يستغنون عن أمهم؛ فغياب الزوجة غير غياب الزوج، وإن كان كلاهما وجوده غاية في الأهمية.

على أن المرأة لو لم يكن عندها ما يشغلها عن بيتها؛ ففي ظني أن اعتكافها أولى، وخاصة أن الاعتكاف مدرسة رُوحيَّة، وفي ظل زخم الحياة المادية تحتاج المرأة -كما يحتاج الرجل- إلى تجديد العلاقة بالله تعالى، والانقطاع ولو لبضعة أيام عن مشاغل الدنيا التي لا تنتهي، وإن كان الرجال في حاجة إلى هذا المعنى؛ فالمرأة أيضًا في حاجة إليه.

إن وظيفة المسجد الروحية من تجديد معنى العبودية لله تعالى، ومن مراجعة النفس، وشغلها بكثير من الطاعات.. تعطي للمرأة شحنة إيمانية تدفعها لتصحيح مسارها في الحياة، وإن كانت الدنيا كلها تسعى الآنَ لأنْ تُعطي المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فإن حق المرأة من أن تخلو بنفسها بينها وبين ربها، وأن تجدد العلاقة معه سبحانه لا يقل أهمية عن بقيَّة الحقوق.

على أن يكون الاعتكاف للنساء في مسجد خاص بهن؛ لطبيعة التعايش بين النساء؛ فاختلاط الرجال بالنساء يفقد الاعتكاف الثمرة المرجوة من ورائه، إذ المقصود منه أن تختلي المرأة بنفسها، أمّا الاختلاط فإنه يوقظ مشاعر الميل بين الجنسين؛ مما يخرج الاعتكاف عن مقصوده.

ومن جميل ما قاله السادة الأحناف أن اعتكاف المرأة يكون في مسجد بيتها، يعني في المكان الذي تصلي فيه باستمرار في البيت؛ حيث كانت النساء تجعل لنفسها حجرة للصلاة، وهذا الرأي يجعل المرأة لا تحرم نفسها من الاعتكاف؛ فللمرأة التي يمنعها زوجها من الاعتكاف في المسجد أن تستأذنه في الاعتكاف في مسجد بيتها.

وفي الجمع بين رأي الجمهور ورأي الأحناف تأكيد على دور الاعتكاف في حياة المرأة المسلمة، وأنه من المستحسن أن يأخذ طريقه في حياتها، وأن يكون جزءًا من نشاطها الديني في حياتها[1].
__________________