بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول من الرد على ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني بخصوص الأستاذ عمرو خالد .
هذه الشبهة تدور حول ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني(1) ، ولكن قبل أن أنتقد كلام الشيخ أحب أن أشير إلى أن شيخنا الجليل حافظ كبير ، وهو رجل من ذوي السهم النافذ في علم الحديث ، وله غوصات في بحر الحديث يخرج منها بدرر ثمينة ولآليء ذاخرة يصعب على غيره الوصول إليها ، وعندي بعض من كتبه في علم الحديث ولعلى أذكر منها مثلاً : الثمر الداني في الذب عن الألباني ، بذل الإحسان بتخريج سنن النسائي أبي عبد الرحمن ، تحقيق الناسخ والمنسوخ لابن شاهين ، سد الحاجة إلى تخريج سنن بن ماجه ، إتحاف الناقم بوهم الذهبي والحاكم ، النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة ، تنبيه الهاجد إلي ما وقع من النظر في كتب الأماجد ، بالإضافة إلى تسجيلاته الصوتية القيمة التي يشرح فيها بعض كتب السنة ، ويشرح فيها علوم الحديث . الإنصاف الذي تعلمناه
فما أجمل ( حَدثَنا ) إذا خرجت من لسانه ، وما أعذب ( أخبرنا ) إذا كانت بصوته ، ولكن حينما أقوم بتحليل كلام الشيخ وأضعه في ميزان النقد فهذا لا يعني أنني أنتقص من قدره شيئا - معاذ الله - فمن أنا حتى أفعل هذا ؟! ولكني أقوم – فقط – بتبيان الحق ، وميزان الرجال عندي إذا ما قورن بالحق فإنه لا يساوي إلى الحق شيئا ، وغاية ما في الأمر أن كلام الشيخ عن الأستاذ عمرو خالد قد أوقع الناس في حيص بيص ..
إنهم يسمعون الأستاذ عمرو خالد يقول كلاما عذباً ، مُطهِرا للقلوب ، مهذباً للأخلاق ،كلاماً يقع في القلوب موقعا ترتجيه الفطرة ، وتسمو معه النفس ؛ ويرونه يدعو إلى أنشطة من شأنها أن تنهض بأمتنا على المدى القصير أو البعيد ، ثم يدعو الأشتات إلى التعايش ، ويدعو الفرقاء إلى الاتحاد ، ثم يدعو الشباب إلى البذل والجد والعطاء من أجل قيام النهضة الإسلامية المنشودة .
وكر المصيبة
ثم بعد ذلك يأتي الشيخ أبو إسحاق في درس من دروسه - بكل بساطة كما سيأتي – يُحَرِم هذا كله ، ويصفه بأنه العداء الظاهر للـدين ، وخاصة أن الذي يقول هذا - على حد تعبيره - " نجم من نجوم الفضائحيات ، وداعية ومفتي للفنانات!! " وقد بدا هذا الكلام جلياً في مقطع مقتطف من أسئلة أتته حول الداعية عمرو خالد سأضع رده عليها بالحرف الواحد ، وسأجعلكم أنتم الحكم على ما قاله ، لنرى من المخطئ ومن المصيب ، لأن المصيبة أن بعض طلبة العلم لدى الشيخ أبا إسحاق – للأسف – يعتبرونه معصوما من الخطأ ، وإن كانت العصمة ليست لأحد ..
فإن قال الشيخ : فلان عالم .. قالوا : آمين ..
وإن قال الشيخ : فلان جاهل ، أوسعوه شتما ، وتفسيقاً وتجهيلاً ، وهذا الأمر لم يعد يقتصر علي الداعية عمرو خالد وفقط ، بل تعدي إلي الشيخ محمد الغزالي ، والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم من الأعلام ، وبعضهم يأخذ كلامه وكأنه وحي من السماء لا يجوز مراجعته !! .
ونسوا أو تناسوا قول الله عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " [سورة المائدة : 8] .
قال الشيخ سيد قطب رحمه الله في تفسيرها : " كونوا قوامين بالقسط ، شهداء لله حسبة لله ، وتعاملا مباشراً معه ، لا لحساب أحد من المشهود لهم أو عليهم ، ولا لمصلحة فرد أو جماعة أو أمة ، ولا تعاملاً مع الملابسات المحيطة بأي عنصر من عناصر القضية ، ولكن شهادة لله ، وتعاملاً مع الله ، وتجرداً من كل ميل ، ومن كل هوى ، ومن كل مصلحة ، ومن كل اعتبار " .
نحن ننتظر الإنصاف
لقد طال غياب الإنصاف والغوغاء كثيرون ، ينتشرون بين الناس يتناقلون الكلام ، في جهل عميق وتقليد مذموم .
يقول أحدهم : إن عمرو خالد ضال مضل ..
فإن قلت له : و كيف عرفت هذا ؟!
يقول : سمعنا الشيخ أبو إسحاق وغيره يرددون ذلك .
فإن قلت له : و هل كانت حُجة الشيخ أبو إسحاق قوية .. ؟؟
يقول : نعم لقد قال كذا وكذا ، واستدل بوريقات من هنا ومن هنا على إدانة صاحبكم .
فإن قلت له : وهل أخضعت كلام الشيخ أبو إسحاق إلى ميزان التأكد والبحث العلمي والعقلي المحترم ؟
يقول : ويحك .. !! أسنبحث خلف الشيخ أبو إسحاق ..؟!! إنه أعلم أهل الأرض ..
قلتُ : سبحان الله وأين أنت من قول الله " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " [سورة يوسف : 76]
لقد قال فيها حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس : " أي يكون هذا أعلم من هذا ، وهذا أعلم من هذا ، والله فوق كل عالم " ، وعن بشير الهجيمي قال : سمعت الحسن البصري وقد قرأ هذه الآية يومًا ثم وقف فقال : " إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه ، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه " .
وخلاصة القول أنه لا يوجد من هو أعلم أهل الأرض ولو كان نبياً مرسلاً ، بل ولو كان من أولي العزم من الرسل ، فقلد كان فهمُ نبي الله سليمان أكثر من نبي الله داود - عليهما السلام – حينما أفتى كل واحد منهم في مسألة واحدة أتتهما ، حتى أن الله قد مدحه فقال : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ... } [الأنبياء79 ] .
@ وقد أطلع الله الهدهد على أخبار مملكة تعبد الشمس من دون الله ، في حين أن نبي الله سليمان لم يكن على علم بخبرهم فأتاه الهدهد يقول له { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [النمل22].
@ وفي صحيح البخاري ومسلم أن نبي الله موسى - عليه السلام – قد سئل يوماً هل يوجد في الأرض من هو أعلم منك ؟ فقال نبي الله موسى : لا يوجد من هو اعلم مني ؛ فعاتبه ربه أنه لم ينسب العلم إليه ودله على الخضر عليه السلام حيث أنه كان أعلم منه ؛ ليذهب ويتعلم منه .
@وفي غزوة بدر كان الحباب بن المنذر - رضي الله عنه – علي علم بلون من ألوان الحرب لم يكن عند رسول الله فبعد أن عسكر المسلمون أمام آبار المياه ذهب إلي النبي وقال له : يا رسول الله ، أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة » ، فقال الحباب : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا ، ثم احفر عليه حوضا ، فنقاتل القوم فنشرب ولا يشربون ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال : « قد أشرت بالرأي ».
وهكذا يا سادة يتبين لنا بجلاء أن الأنبياء الذين هم أعلم من العلماء لم يحيطوا بكل العلوم بل كانوا في أمس الحاجة إلى علم غيرهم ، فكيف يدعى عاقل بعد هذا أن فلان مهما وصل علمه ومهما ذاع صيته أنه أعلم أهل الأرض إن هذا لشيء عجاب !!! .
المهم
وجدت ذات يوم على جهاز الكمبيوتر الخاص بأحد إخواني مقطعاً مرئياً للشيخ أبو إسحاق الحويني بعنوان: "الرد على عمرو خالد مفتي الفنانات" ، كما وجدت المقطع ضمن إسطونات تباع في الميادين العامة لاسيما في القاهرة بعنوان " الرد على الرويبضة عمرو خالد " وساقني تطلعي يوما أن أبحث عن الشريط على شبكة الإنترنت فوجدته على موقع ( يوتيوب ) كمقتطفات بعنوان " التحذير من عمرو خالد " و " المشكلة في فكر عمرو خالد ".
فقلتُ أستمع لعلي أعرف خطأً ما وقع فيه الداعية عمرو خالد فأرشده إلى تصحيحه بحكمة وموعظة حسنة .. فنحن لا نعرف في تاريخنا إلا معصوماً واحداً ، هو محمد بن عبد الله صاحب الرسالة الخاتمة ، لذا اقتضت مشيئة الله عز وجل أن يخطئ البشر كلهم - إلا الانبياء – وما أكثر الأخطاء التي وقع فيها مجتهدون من كبار الأئمة والعلماء والدعاة ، ومع ذلك تجد بناءهم العلمي شاهق ، والخير الذي انفجر منهم دافق ، فلا تهدمهم قذاة ، أو تسقطهم كبوة !
فاستمعت – بهذه الرؤية السابقة - للمحاضرة التي ألقاها فضيلة العلامة أبو إسحاق الحويني فإذا بالشيخ يقدم مقدمة أكثر من ثلاث دقائق عن مسالك الشيطان مع الإنسان ، وكيف أنه يُرَضِّي الإنسان عن نفسه إذا كان عاصيا ، وإن كان عابداً زينَ له أن يزيد في العبادة ما ليس منها فيكون مبتدعًا ، وقد استفدت شخصياً من هذه المقدمة جداً ..
تابع الجزء الثاني من الرد