الجزء الثاني من الرد على ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني عن الداعية عمرو خالد الجزء الثاني
من الرد على ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني عن الداعية عمرو خالد
نص كلام الشيخ عن عمرو خالد
ثم قال الشيخ - وأعتذر للقارئ سلفًا لأنني سأنقل الكلام بنصه بما جاء فيه من لهجة عامية دارجة قد يُلام عمرو خالد إذا تحدث بها - ما نصه الآتي :
"تذكرت هذا الكلام - يعني المقدمة السابقة عن الشيطان ومسالكه - وأنا بقرأ بعض الأوراق التي أعطاها لي بعض إخواننا في المعتكف أول امبارح ، وأنا بألِّب الأوراق بتاع الأسئلة إذا بي أجد تلات ورقات ، التلات ورقات دُول شفت التلات ورقات؟ -ثم أخذ الحضور في الضحك- هُمَّا بالضبط كده ، تلات ورقات فعلا ، التلات ورقات دُول لرجل يقال عنه : داعية .. كبير .. ومشهور .. وفي الفضائحيات -هكذا يسميها ولا أدرى لماذا يظهر عليها الآن- وفي الفضائحيات نجم من النجوم ، وهو مفتي الفنانات - ثم أخذ الشيخ في كلام جانبي مع طفل آتاه ثم استرسل قائلاً- فمفتي بقه الفنانات والفنانين والكلام ده ، العناوين :
أنا ضد اعتزال الفنانات !! خلاص ؟
الأستاذ عمرو خالد هو هذا النجم وهذا المتكلم ؛ فأنا بقرأ الكلام .. هذا كلام مستحيل يقول هذا الكلام رجل فتح كتابا شرعيا أبدا ، يعني مثلا لما يقولوله : الفنانات يعتزلوا ؟ يقول: لا لا لا لا لا، أنا لا أطالب الفنانات بالاعتزال بل بالعكس أنا عايزهم يفضلوا مكانهم ، لكن إحنا عايزين فن نابع من البيئة بتاعتنا ، لا يجوز استيراد فنون من بيئات أخرى
يعني مثلا : موسيقى الجاز لا يجوز استيرادها، ولا إنك تطنطط عليها. خلاص ؟ لكن موسيقى محمد عبد الوهاب -ضحك- لكن موسيقى محمد عبد الوهاب حلوة - يعلو الضحك ويتكاثر - هاه .. ليه ؟
لأنها بتاعتنا ، بتاعتنا إحنا، ونابعة من البيئة بتاعتنا ، يعنى يقولك عايزين الفن بلا إسفاف يعنى يقول مثلاً
هل النبي صلى الله عليه وسلم كان بيكره الفنون ، لا ، ها هو عبد الله بن رواحه و بين قوسين الفنان لأن الشعر فن الشعر فن ، فعبد الله بن رواحه " الفنان " وطبعا الفنان دي معرفش هي من الصحفي ولّا منه ؟لكنه بيقول والشعر فن من الفنون زى النحت وزى الموسيقى وزى أي حاجة ..فلما يجئِ عبد الله بن رواحه ويقول أمام النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأُلى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا " .
يقولك النبي صلى الله عليه وسلم كان بيردد الكلام ده ؛ إذاً النبي صلى الله عليه وسلم مكنش بيكره الفنون مرة النبي صلى الله عليه وسلم قابل جماعة من جواري المدينة قعدوا يغنوا والكلام ده فقال :
" الله يعلم أن قلبي يحبكن " .
وطبعا الحديث ده باطل والحديث اللي قبليه باطل والحديث اللي قبليه باطل ، راجل معندوش فكرة عن أي حاجة ، هوه بس قاعد في وسط الفنانين والفنانات يقول : انتو تفضلوا زي مانتو بس تقدمولنا القيم"، زي إيه مثلاً ..
زي مثلاً بنت بتحب ولد ، والكلام ده من عندي أنا من محاضرة أخري سمعتها أيام مكنت في الإمارات ، فـ " بنت بتحب ولد ، فتقوم البنت دي تحب ولد تاني بدون علم الأولاني ، وتقولك أنا كده مبخونش ، ده البنت بتقول ، هوه لما ذكر المثال ده لم يتعرض له ، قال يعني إيه مثلاً هما بيقولوا كده ؛ لكن إحنا عايزين الوفاء قيمة أخري " ..
طب الوفاء بين ولد وبنت كيف يكون ؟ .
طبعا أنا جلست أقرأ التلات ورقات وأنا مش مصدق إن إنسان يتكلم بإسم الإسلام ممكن أن يقول مثل هذا الكلام ، ده نموذج من الدعاة ، إذا كانْ بيتبعه عدة ملايين بيسمعوله ، هؤلاء الملايين هذا هو الذي ينير لهم الطريق ، فأيَّ طريق يضيئه ؟
فإحنا في كارثة ، زي منا قلت المرة اللي فاتت : منهج رديء وسيئ ويطيل الطريق على دعاة الإصلاح ؛ لأن إحنا بالنسباله مش متشددين بس، دا إحنا بالنسباله يعني عايزين ضرب النار... ليه ؟ لأن إحنا عقدنا الدنيا وعقدنا الحياة ". انتهى
هذا الكلام نقلته كما سمعته بنصه لأدع للقارئ التعليق معي حتى لا أصادر أفكاره وخواطره ، ولكن أريد أن أوجه بعد سردي لكلام الشيخ الجليل - حفظه الله - بعض النصائح من باب : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " (1) ، وهو على ثغر من ثغور الإسلام ، وله جمهوره وعلمه وفضله ؛ وذلك لما أثاره هذا الشريط بين الشباب من مجادلات وهجوم على الأستاذ عمرو خالد ، وخصوصا أن بعد العودة إلى كلام الشيخ أبو إسحاق الحويني عن الأستاذ عمرو خالد أستطيع أن أقول أن الشيخ - حفظه الله - وقع في عدة أخطاء دعوية وعلمية ، هي أدنى من أن يقع في مثلها محدث كبير في وزن الشيخ ، فمن أخطاءه الدعوية مثلا خروجه عن مسار النقد المعتدل واستنكاره للمباح ، ومن أخطاءه العلمية – ولو عن غير قصد – تضعيفه لأحاديث صحيحة ؛ لذا سأتحدث في كل نقطة باختصار لعلي أزيل هذه الشبهات، وأصل مع القارئ اللبيب من حال الشك إلى حال اليقين .. ولعل الله يهدي النفوس المريضة التي مازالت تسير بين الناس تروج الأكاذيب وتنشر الغش .. فتعكر على النجباء صفو حياتهم …
الخطأ الأول : عدم تتبع السند
@ ما كان يليق برجل في وزن الشيخ الجليل أبو إسحاق الحويني أن يعتمد السماع أو النقل في تقييم الرجال عن طريق " تلات ورقات"، وخصوصا إذا كان هو العالم المتبحر في علم الرجال وعلوم الحديث ، فما يدريه أن يكون الناقل للكلام سها أو أخطأ أو حمله كرهه للمنقول عنه أن يزيد في الكلام ما ليس منه ، وهو يحفظ قول الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [ الحجرات : 6 ] .
ثم ما الذي منعه أن يتصل بالأستاذ عمرو خالد ويسأله عن صحة هذا الكلام ، أو أن يسمع من تسجيلاته مباشرة على الأقل إن أراد الصحة في النقل ، فكما يقال : على المدعي الدليل ، وعلى الناقل الصحة .
لاسيما أن وسائل الإعلام اليوم ، خصوصا "الفضائحيات" - كما سماها هو -لم تترك لنا عذرا ؟ فالقاضي لا يحكم إلا إذا تبين من المتهم ؛ فخطؤه الأول اعتماده في الحكم على عمرو خالد على ورقات من صحيفة ( لم يذكر حتى اسمها ) ، ثم راح يتحدث عن ما قالته هذه الصحيفة كما لو كانت هذه الصحيفة قد زكاها البخاري ومسلم ، وشهد لمصداقية العاملين فيها ( يحيى بن معين ) !! .
ومن المعلوم أن الصحافة سيئها أكثر من حسنها ، فهم يعتمدون أغلب الحالات على أسلوب جذب الأنظار ، والدعاية ، والترويج ، حتى ولو كان هذا بأساليب ملتوية مثل : الكذب والتلفيق ، أو تأويل الكلام وتشويهه عن مقصده الأصلي أو ترويج الإشاعات ، فتلتفت الأنظار إليها ؛ ويصدق السُذج ما تنشره ! .
وإني لأعجب غاية العجب من نقله منها وبناء حكمه على الداعية عمرو خالد علي أساس كلامها ، وهو من المتشددين في علم الحديث .. ويعلم جيدا ضرر الأخبار الضعيفة والمقطوعة السند على الثقافة الإسلامية ، فكيف يقع في خطأ فادح كهذا ؟!!
إننا يا سادة إلى الآن لا نعرف اسم الصحيفة التي قُطعت منها الورقات الثلاثة التي تحدث عنها الشيخ .. كما أننا إلى الآن لا نعرف من هو الصحفي كاتب هذه الورقات .. فكيف سنحكم على الخبر بالصحة أو الضعف ؟! .
أين ( حَدَثَنا ) وأين ( أخبرنا ) وأين ( عن ) وأين ( ثنا ) ؟!!أين السند يا شيخ ؟!
لذا أقولها علي حياء هذا ، كان خطؤه الأول والذي لا يليق أن يقع فيه محدث مثله له في الأسانيد باع !! .
الخطأ الثاني : عدم الإنصاف والموضوعية .
@ إن القرآن الكريم يا سادة قد علمنا الإنصاف والموضوعية ، فعندما يتحدث القرآن عن أهل الكتاب - ولا أقول المسلمين فضلا عن داعية مسلم - يتكلم بصيغة التبعيض ، ويمدح فريقاً منهم ويذم فريقاً ، فتجد الله عز وجل يقول{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً .. } [آل عمران:75] .
ويقول أيضا :{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ }[آل عمران : 78 ].
ويقول الله عز وجل عز الخمر وهي أمُّ الكبائر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة :219 ] .
وفي السنة النبوية مئات الأحاديث التي تشير إلي الإنصاف ولعل أكثرهم وضوحاً هذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَكُنْتُ أَحْفَظُهَا فَأَتَانِي آتٍ مِنَ اللَّيْلِ ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِطْلَاقِهِ وَعَوْدِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَى أَنْ قَالَ : قُلْتُ – أي لهذا السارق - : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " دَعْنِي، فَإِنِّي لَا أَعُودُ ، وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ فِرَاشَكَ فَاقْرَأْ بِهَذِهِ الْآيَةِ { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255] حَتَّى تَخْتِمَهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ - : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، أَتَدْرِي مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
قلت : لما علّم الشيطان أبا هريرة شيئاً واحداً من أمور الدين ، قدّم النبي صلي الله عليه وسلم في نقده للشيطان الصفة الاستثنائية " صَدَقَكَ " علي الصفة الدائمة والملازمة له وهي " كَذُوبٌ " ليعلمنا تقديم الصفات المحمودة على الصفات المذمومة حتى وإن كنا نتحدث عن ألّد الأعداء .. فيا للعجب ..!!! .
إنني بالفعل وأنا أضع هذه النصوص لحضراتكم ظللت أقول سبحان الله ؛ ربُنا – سبحانه وتعالي - أنصف قوماً كافرين فلم ينعتهم جميعاً بالسوء وقال " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " ولم يقل كل أهل الكتاب ، وأنصف المحرمات فأظهر الجانب الخّير فيها فقال " وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ " وإن كان الإثم فيها قد غلب خيرها ؛ وأنصف نبيه صلي الله عليه وسلم الشيطان وهو من ألّد أعدائنا فقال عنه " صَدَقَكَ " وإن كان هو طيلة حياته كذوب .
ثم نعود بعد هذا كله فنجد أن بعض الدعاة من هذه الأمة لا ينصفون أحدا من بني دينهم وجلدتهم أثناء حديثهم عنهم، فالشيخ طوال نقده للداعية عمرو خالد لم يذكر ميزة واحدة له ، وكأن الأستاذ عمرو كله سيئات وسوءات ، وقد تعجب الشاعر من مثل من صنع صنيعه فقال :
إذا مَحَاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بها كانت ذنوبًا فـبـالله قـل لي : كـيف أعتذر؟!! .
فلا أدرى ما الذي منع الشيخ أثناء نقده للداعية عمرو خالد أن يقوم بإظهار محاسنه وما أنجزه للدعوة الإسلامية في وقت يسير ، فكلنا بنو آدم ، وكل بني آدم خطاء ، ومَنْ مِن العلماء - فضلا عن الدعاة - ليس له أخطاء ؟! .
فكان هذا أيضا من أخطاء الشيخ أثناء نقده للداعية عمرو خالد لأنه ابتعد تماما عن الإنصاف والموضوعية في الكلام عنه .
الخطأ الثالث : الظن السيئ بالمخالف
@أحب أن أشير أن شيخنا الجليل عندما اتُّهم بأنه ممن يكفرون المسلمين المرتكبين للكبيرة ، جاء في رده على من اتهموه بهذه الفرية أنه قال :
"وما من أحد تصدر لتعليم أو تدريس أو وعظ إلا افترى بعض الناس عليه ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أكثر الناس بلاء بهذا ، ولعلي لا أبالغ إن شاء الله إذا قلت : إن الحسنات التي كسبها شيخ الإسلام ابن تيمية بافتراء أعدائه عليه لعلها تساوي الحسنات التي كسبها بعلمه وجهاده " .
قلت سبحان الله : لماذا لم يطبق هذا الكلام على الداعية عمرو خالد ..!! وخصصه لنفسه فقط ؟!
فأعداء الناجحين فى كل زمان ومكان ، من قبل عصر النبوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فليس بن تيمية فقط هو الذي نال منه أعداؤه ، فلقد نوه علي هذا العداء أيضا العالم الفقيه بن الجوزي فقال :
" لقد كان خصوم أبي حنيفة يتصيدون له الأخطاء حتى يوسعوه تفسيقاً وتبديعاً وتجهيلاً ، وما دفعهم إلي ذلك إلا لنجاحه البالغ وقبول الناس على مذهبه " .
بالإضافة إلي تحذير العالم الفقيه الحافظ بن عساكر كل من سار علي نهج انتقاص وانتقاد الدعاة قائلاً :
" اعلم يا أخي وفقني الله وإياك إلى مرضاته ، وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، لحوم العلماء مسمومة، وإن عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ، وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب " .
إذا فمنهجية انتقاص ونقد أقوال الدعاة والعلماء موجودة منذ قديم الأزل ، والافتراء عليهم كأس ذاق مرارته العلماء القدامى ، فكنت أحب من شيخنا الجليل أبو إسحاق أن يبني هذا الكلام - الذي دافع به عن نفسه - على الأستاذ عمرو خالد أيضاً ، وخصوصا أن العداء للناجحين -كما ذكرت آنفا - منذ عصر النبوة إلي قيام الساعة .
وقد قال الله على مثل ما قد أشرتُ إليه :
" لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ " .
وقد قال أئمة التفسير في معني كلمة بأَنْفُسِهِمْ : أي بإخوانهم .
لذا أقول إن خطأ الشيخ الثالث هو إساءته الظن بالداعية عمرو خالد ، فكان عليه عند نقله لكلام مثل هذا – خاصة إذا كان من صحيفة – أن يظن بنفسه – أي بأخيه – خيراً .
الخطأ الرابع : قوله ببطلان الأحاديث الصحيحة .
@ لقد قال الشيخ في معرض انتقاده وتجهيله للأستاذ عمرو خالد : (( يعنى يقولك عايزين الفن بلا إسفاف ، يعنى يقول مثلاً هل النبي صلى الله عليه وسلم كان بيكره الفنون ، لا ، ها هو عبد الله بن رواحه وبين قوسين الفنان لأن الشعر فن الشعر فن ، فعبد الله بن رواحه " الفنان " وطبعا الفنان دي معرفش هي من الصحفي ولّا منه ؟لكنه بيقول والشعر فن من الفنون زى النحت وزى الموسيقى وزى أي حاجة ..فلما يجئِ عبد الله بن رواحه ويقول أمام النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأُلى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا " .
يقولك النبي صلى الله عليه وسلم كان بيردد الكلام ده ؛ إذاً النبي صلى الله عليه وسلم مكنش بيكره الفنون مرة النبي صلى الله عليه وسلم قابل جماعة من جواري المدينة قعدوا يغنوا والكلام ده فقال : " الله يعلم أن قلبي يحبكن " .
وطبعا الحديث ده باطل والحديث اللي قبليه باطل والحديث اللي قبليه باطل ، راجل معندوش فكرة عن أي حاجة )) .
قلت : لقد وقع هنا الشيخ في خطأ علمي فادح لا يقع فيه رجل له مثل وزنه في علم الحديث ، لقد ضعف الشيخ حديثين صحيحين .. بل زاد في التضعيف فقال :
(( وطبعا الحديث ده باطل والحديث اللي قبليه باطل والحديث اللي قبليه باطل )) .
وكلمة ( باطل ) هي أعلى درجات الضعف كما تعلمنا ..
في حين أن الحديثين هما :
أولهما : حديث البخاري عن البراء رضي الله عنه .. قال : ( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ، وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا ، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ، وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا ، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ) وهو حديث متفق عليه ..
وثانيهما : قوله صلى الله عليه وسلم في جواري بني النجار : الله يعلم إن قلبي يحبكن وهذا الحديث قصته أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن : نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار فقال لهن النبي صلى الله عليه وسلم : الله يعلم إني لأحبكن .
وهذا الحديث قد أخرجه ابن ماجه ( 1/578 ) ،وأخرجه البيهقي في الدلائل وابن أبيالدنيا في منازل الأشراف ، وأبي بكر بن الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واللفظ المشار إليه لفظ البيهقي أما لفظ ابن ماجه فهو" الله يعلم إني لأحبكن وأخرجه بلفظ " اللهم بارك فيهن" ابن السني في عمل اليوم والليلة وأبو نعيم فيالحلية وأبو يعلى في مسندهوصححه العراقي في محجة القريب ص 243، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائدابن ماجه (2/106) : هذا إسناد صحيحرجاله ثقات وبعضه من الصحيحين من حديث عائشة وفي البخاري وأصحاب السنن الأربعة من حديث الربيع بنت معوذ ؛ وقال الشوكاني في الفتح الرباني ( 10/5230 )رجال سنده ثقات ، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 3154: إسنادهحسن ؛ وقال في صحيح سننابن ماجه برقم 1553:صحيح .
لذا دعوني أقول في عجب وحيرة .. :
كيف يقع الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني في خطأ كهذا وهو رجل من المحدثين العظام في هذا الزمان ؟؟ بل كيف يتهم الأستاذ عمرو خالد بالجهل وعدم المعرفة قائلاً عنه :
(( راجل معندوش فكرة عن أي حاجة ))
وهو مع ضخامة علمه لا يعرف مدى صحة حديثين مشهورين يعلمهما من يحفظ حديث بني الإسلام على خمس !! وأتعجب كيف يضعف الشيخ حديثاً في صحيح البخاري متصل السند ومتفق عليه - أي في أعلى درجات الصحة - وهو بالأمس القريب قد شن حرباً شعواء على الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي لكونه قد ضعف حديث المعازف المعلق المنقطع السند (1) ، و هو حديث أقرب إلى الضعف من الصحة ..
لكني سألتمس العذر له ولن أكون مثل المتشدقين متصيدي الأخطاء .. فأقول .. لربما زل لسانه عن غير قصد ، فالمحاضرات المرئية والمسموعة تكون أخطاؤها غير محسوبة ، و الخطابة عرضة لزلات اللسان ..
ومن هنا أيضا أقول : يجب على الكل أن يلتمس نفس العذر لبقية الدعاة والشيوخ والعلماء .. فإن الخطابة عرضة لزلات اللسان عن دون قصد ..فلا داعي لتفسيق الناس ، وتجهيلهم في الصبح والمساء بغير حسبان ..
تابع الجزء الثالث
فى الرد على كلام الشيخ أبو إسحاق الحويني
__________________ عاهدت أحبتي ما دمت حيا.... اني على وفائهم سأبقى.... ولو باعتنا الليالي دهورا.... فحبي لهم في الله يرقى.... اجوب لهم ذكريات اخاء.... وما مثل اخائهم يوما سألقى.... |