الرد على ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني عن الداعية عمرو خالد الجزء الثالث من الرد على الشيخ أبو إسحاق الحويني
الخطأ الخامس : استنكاره للفنون
@ في فحوى كلام الشيخ استنكار مبالغ فيه لدعوة الأستاذ عمرو خالد إلى الاهتمام بكافة الفنون ، و اعتبارها وسيلة من وسائل النهضة المنشودة .. وفي الحقيقة ليس الشيخ أبو إسحاق وحده هو الذي يستنكر هذا ، فهناك نوع من الحساسية عند الجماعة السلفية عموما تجاه كلمة ( الفن ) على الإطلاق ، وكأنها تعني دائما المجون والخلاعة ، وهذا غير صحيح ..
فالفن في اللغة يعني النوع ؛ ومعناه اصطلاحاً : الوسيلة أو المهارة التي تحقق غاية جمالية وتعتمد على الموهبة والذوق العالي ..
والإسلام منذ قديم الأزل يحض على الفنون بشرط أن تكون هذه الفنون محترمة ، وتحض على شيء نبيل في ضوء تعاليم الدين ، والإسلام يحض على كل ما ينمي الذوق ويسمو بالعاطفة الإنسانية .. ومن الجدير بالذكر أن معجزة القرآن الأولى هي أنه جاء تحفة فنية لغوية عجز العرب عن مضاهاتها ؛ وهم أهل التميز في فنون الشعر والأدب ..
والرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير الدعوة إلى الفن الهادف المحترم ، وقد ظهر ذلك في أكثر من موضع في السنة النبوية ..
روي والإمام أحمد ، وبن ماجة ، والطبراني في الأوسط وغيرهم أن أم المؤمنين عائشة أَنْكَحَتْ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي قَالَتْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ
قلت : وهذا الحديث يدل على رعاية أعراف الأقوام المختلفة ، و اتجاههم المزاجي ، ولا يحكم المرء مزاجه هو في حياة كل الناس .
وروى البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حادٍجيد الحداء ، وكان حادي الرجال هو البراء بن مالك ، وكان أنجشة يحدو بأزواج النبي ( صلي الله عليه وسلم )، فلما حدا أعنقت الإبل – أي أسرعت في مشيها - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك يا أنجشةرويداً بالقوارير .
قلت : كان أنجشة ذو صوت موسيقي جميل تفعالت معه الحيوانات ، وقد قيل في شرح الحديث أن الحداء هو شِعراً تطرب له الأسماع وتخف له الإبل في سيرها، فكيف بالنساء والرجال الذين كانوا يستمعون إليه ..؟! ، وقد فرح بصوته الجميل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم ينكر عليه ما تغني به من مباح ، بل قال له " رويداً - وفي رواية - رفقا بالقوارير " والقوارير هي الأواني الزجاجية ؛ وقد شبّه النساء بها لرقتهن وضعفهن .
وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتدففان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَغشٍ بثوبه فانتهرهن أبو بكر رضي الله عنه فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال : « دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد» . رواه البخاري ؛ وفي بعض الروايات : « حتى يعلم يهود أن في ديننا فسحة » . رواهالجماعة
وقد أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده عليه الصلاة والسلام في أحد أيام الأعياد ، وكان يحرضهم ويقول :
« دونكم يا بني أرفدة » ! وأتاح لعائشة أن تنظر إليهم من خلفه ، و هم يلعبون ، ولم ير في ذلك بأساً و لا حرجاً.والحديث بقصته رواه البخاري ومسلم .
وروى ابن حزم بسنده عن ابن سيرين : أن رجلاً قدم المدينة بجَوَارٍ فأتى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهن فغنّت ، وابن عمر يسمع ، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : إني أبا عبد الرحمن ؛ غبنت بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ، فإما أن تعطيها إياه ، و إما أن ترد عليه بيعه ، فقال : بل نعطيه إياها .
قال ابن حزم : « فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية ، و هذا إسناد صحيح (1)» . وقد قال العلامة الْفَاكِهَانِيُّ : لَمْ أَعْلَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي السُّنَّةِ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ الْمَلَاهِي ، وَإِنَّمَا هِيَ ظَوَاهِرُ وَعُمُومَاتٌ يَتَأَنَّسُ بِهَا لَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ . ( انظر نيل الأوطار للشوكاني ).
والأستاذ عمرو خالد كثير الدعوة إلى الفن الذي يتفق مع تعاليم الإسلام .. فالفنون هي من مظاهر النهضة المنشودة ، لأنها تُرقي الحس وتسمو بالذوق .. وهي غاية يسعى لها الإسلام الحنيف ..
لذا وددت أن يجيبني الشيخ مباشرة على سؤالي هذا ..
يا شيخنا الجليل : هل حرَّم عمرو خالد موسيقى الجاز و"التنطيط" عليها ، وأجاز الرقص و"التنطيط" على موسيقى محمد عبد الوهاب لأنها "بتاعتنا ومن بيئتنا " كما قلتَ ضارباً المثال :
(( يعني مثلا : موسيقى الجاز لا يجوز استيرادها ، ولا إنك تطنطط عليها ، خلاص ؟ لكن موسيقى محمد عبد الوهاب حلوة ، هاه .. ليه ؟ لأنها بتاعتنا ، بتاعتنا إحنا ، ونابعة من البيئة بتاعتنا )) .
أم أن ما قلته أنت عليه ؛ تزيّدٌ منك على تزيد ، واستطالة في عرض أخيك المسلم ؟
وأنت تعلم أن النصوص النبوية - خلاف الآيات القرآنية - في التحذير من الخوض في عرض المسلم قد تبلغ حد التواتر المعنوي إن لم تكن بلغت التواتر اللفظي .
عمرو خالد يا شيخنا مع الفن الهادف المحترم ، المنضبط بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، ولم يدعو يوماً لفن فيه مجون أو خلاعة ، وإلا فعلى المدعى الدليل ! .
__________________ عاهدت أحبتي ما دمت حيا.... اني على وفائهم سأبقى.... ولو باعتنا الليالي دهورا.... فحبي لهم في الله يرقى.... اجوب لهم ذكريات اخاء.... وما مثل اخائهم يوما سألقى.... |