عرض مشاركة واحدة
  #119  
قديم 09-06-2010, 01:07 AM
 
من عجائب سورة الكوثر .. مزايا ونكات بلاغية
تاريخ المقال : 20/6/2010 | عدد مرات المشاهدت : 1503



قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (3).
نبدأ بملاحظات عابرة تتعلق بتناسبات صوتية وحرفية الهدف منها إشعار القارئ أن سورة الكوثر تخفي خلف كلماتها العشر أمورا كثيرة وكثيرة جدا:
كلمات السورة استنادا إلى الخط والرسم عشر:
{إِنَّا- أَعْطَيْنَاكَ- الْكَوْثَرَ- فَصَلِّ- لِرَبِّكَ- وَانْحَرْ-إِنَّ- شَانِئَكَ- هُوَ- الْأَبْتَرُ}
- الآية الأولى نسيج حرفي مكون من حروف عشر-بدون اعتبار المكرر منها-:
ا-ن-ع-ط-ي-ك-ل-و-ث-ر.
- الآية الثانية هي أيضا مبنية من عشر حروف-بدون اعتبار المكرر دائما-:
ف - ص-ل-ر-ب-ك-و-ا-ن-ح.
-الآية الأخيرة –كما قد يتوقع القارئ-كأختيها أعني العدد نفسه باعتبار نوع الحرف لا أفراده:
ا-ن-ش-ك-ه-و-ل-ب-ت-ر.
ولعل إشارة أخرى تقلل من فرضية الصدفة وهي أن عدد الحروف التي لم تستعمل إلا مرة واحدة عشرة أيضا وهي:
ع-ط-ي-ث-ف-ص-ح-ش-ه-ت.
• أن قوله تعالى : (إنا أعطيناك الكوثر) دل على عطية كثيرة مسندة إلى معطٍ كبير، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده، وأراد بالكوثر الخير الكثير، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته، من غير ما وعد به الله وأعطاه في الدارين، من مزايا التعظيم، والتقديم، والثواب ما لم يعرفه إلا الله، وقيل إن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من العسل وعلى حافته أواني الذهب والفضة كعدد النجوم.
• أنه جمع ضمير المتكلم، وهو يشعر بعظم الربوبية فالعطاء يتناسب مع مقام الربوبية المشار إليه بضمير التعظيم.
• أنه صدر الجملة بحرف التوكيد مجرى القسم.
• أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية وتحقيق.
• أنه أورد الفعل الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة، ودلالة على أن التوقع من سيب (عطاء ) الكريم في حكم الواقع.
• جاء بالكوثر محذوف الموصوف، لأن المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الإيهام والشياع، والتناول على طريق الاتساع، لذا وردت الأقوال الكثيرة عن العلماء في تفسير الكوثر، فمن قائل نهر ومن قائل الأتباع ومن قائل الذكر.. والكوثر يشمل كل ذلك ويزيد، فهو الخير الكثير الموهوب من الرب العظيم.
• اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة (على وزن فوعل).
• أتى بهذه الصفحة مصدّرة باللام المعروفة بالأستغراق لتكون ما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.
• وفاء التعقيب في الآية الثانية مستفادة من معنى التسبب لمعنيين:
ـ جعل الإنعام الكثير سبباً للقيام بشكر المنعم وعبادته.
ـ جعله لترك المبالاة بقولة العدو.
فإن سبب نزول هذه السورة: ما روي أن العاص بن وائل قال إن محمد صنبورـ والصنبور الذي لا عقب له ـ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه السورة.
• قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله.
• أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات : الأعمال البدنية والصلاة قوامها، والمالية ونحر البدن ذروة سنامها، للتنبيه على ما للرسول صلى الله عليه وسلم من الأختصاص في الصلاة التي جعلت فيها قرة عينه، ونحر الإبل التي كان لا يجارى فيه، فقد روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من ذهب.
• حذف اللام الأخرى لدلالة الأولى عليها. فلم يقل وانحر له أو لربك.
• مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صفة البديع إذا ساقه قائله مساقاً مطبوعاً بعيداً عن التكلّف.
• قوله (لربك) فيه لطيفتان: وروده على طريق الألتفات التي هي (أم) في علم البلاغة. وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه إظهار لكبرياء شأنه وإثباته لعز سلطانه.
• علم بهذا أن من حقوق الله التي تعبّد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه.
• وفي الآية الثالثة علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الأحتفال بشانئيه على سبيل الآستئناف الذي هو حسنُ الموقع، وقد كثرت في التنزيل مواقعه.
• ويتجه أن نجعلها جملة الاعتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة والاعتراض كقوله تعالى: (إن خير من استئجرت القوي الأمين)[القصص: 26]. وعني بالشانئ العاص بن وائل.
• إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في مثل حاله.
• صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبّر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق، ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد، وعين البغضاء، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد.
• جعل الخبر معرفة وهو (الأبتر) والشانئ كذلك، ليعلم أنه المعروف لدى الناس يقال له الصنبور).
• الجمل في سورة الكوثر:
لأهل اللغة تقسيمات كثيرة لأنواع الجملة في اللسان العربي لكن المثير للدهشة أن سورة الكوثر الكريمة قادرة على إعطاء مثال عن كل نوع ، وتزداد الدهشة أكثر عندما ندخل في الحسبان أن عدد جمل السورة أربعة فقط. ولكنها "الكوثر": اسما ومسمى.
تنقسم الجمل عند أهل اللسان –عند أهل البيان منهم خاصة-إلى نوعين:
جمل خبرية وجمل انشائية. وإذا تدبرت سورة الكوثر وجدت فيها النوعين معا:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ.
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.
جملتان خبريتان.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ.
وَانْحَرْ.
جملتان إنشائيتان طلبيتان .
تتعاقب الجمل في الكلام العربي وفق نظام الوصل والفصل وقد أفرد علماء المعاني هذا النظام بمبحث خاص سموه باب الوصل والفصل واعتبروه أم البلاغة وقلبها.... ويعنينا هنا أن سورة الكوثر قادرة على إعطاء مثالين للمفهومين:
فجملة "انحر" معطوفة بالواو على جارتها " فَصَلِّ لِرَبِّكَ." وهذا الوصل.
وهي منقطعة عن الجملة اللاحقة إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. وهذا الفصل.
يقسم أهل النحو الجملة العربية إلى قسمين: جمل اسمية وجمل فعلية.
وقد اشتملت السورة الكريمة على النوعين كما لا يخفى على أحد . والجمل التي ذكرناها عن الخبر والإنشاء تمثل باعتبار آخر الاسمية والفعلية.
استطراد -قد يكون نافعا-:
القسمة ثنائية عند الجمهور فالجمل عندهم إما فعلية وإما اسمية... وقد حاول بعض النحاة قديما وحديثا أن يزيد قسما ثالثا ولكن هذه الزيادة لم تكن مقنعة:
يقسم أهل اللغة الجملة باعتبار بنيتها إلى قسمين: بسيطة ومركبة وقد يعتمدون اصطلاحا مغايرا- قريبا وليس مرادفا- فيقولون:جملة صغيرة وكبيرة. قال في المغني: الكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو" زيد قام أبوه" و"زيد أبوه قائم" والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين.
ولك أن تعجب من سورة الكوثر فهي لم تقدم مثالا عن كل نوع فقط بل قدمت مثالا ثالثا لجملة تحتمل النوعين بحسب وجهة النظر:
- إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ:جملة مركبة أو كبرى ف أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ جملة صغيرة في محل رفع خبر للجملة الأصلية.
- فَصَلِّ لِرَبِّكَ.جملة تامة صغيرة فيها إسناد واحد.
أما جملة: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ..... فهي من المرونة بحيث تضعها حيث شئت: فلو اعتبرت "هو" ضمير فصل و"الأبتر" خبرا عن الشانئ فالجملة بسيطة لا محالة. ولو اعتبرت "هو" مبتدأ و"الأبتر" خبره ومجموعهما خبرا للشانئ فالجملة كبرى ضرورة. فلله در هذه السورة.
• الضمائر في سورة الكوثر:
استوعبت سورة الكوثر كل أنواع الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الأحوال الإعرابية المختلفة وهذا من العجب العجاب لأننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد مفرداتها لا تتجاوز عدد أصابع الإنسان، وتفصيله:
1-الضمائر بارزة ومستترة:
فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك".
ومن مستترة ما كمن في فعل "صل "أو" انحر".
2-الضمائر متصلة ومنفصلة:
ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر.
ولك في جملة هو الأبتر مثال آخر على الضمير المنفصل.
3-الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب.
ولا تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل:
-فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا".
-وضمير المخاطب في" أعطيناك" و"ربك" و"شانئك" صريحا، و في"صل" و"انحر"مقدرا.
-وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانئ مقدرا، فتأمل هذه التناسبات اللطيفة.
4-باعتبار مقولة العدد:
جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة. وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك".
5-الضمائر باعتبار محلها من الإعراب:
جاءت الضمائر في السورة متنوعة بحسب المحل الإعرابي:
-ضمير في محل رفع: (أعطيناك) الضمير الأول فيها فاعل مرفوع.
-ضمير في محل نصب: (أعطيناك) الضمير الثاني فيها مفعول به منصوب.
-ضمير في محل جر: (ربك) الكاف فيها مضاف إليه مجرور.
ومن لطائف السورة في هذا السياق أن الكلمات الدالة على الرب عز وجل ثلاث هي:
- اسم إن.
- فاعل أعطى.
- الرب.
وجاءت على التوالي:
- منصوب
- مرفوع
- مجرور.
وعلى نفس الترتيب الإعرابي جاءت الكلمات التي تدل على الرسول صلى الله عليه وسلم.
- "كاف" أعطيناك منصوبة
- "صل"الضمير المستتر مرفوع.
- "كاف" ربك مجرور.
• الأفعال في السورة:
لم يأت في السورة من الأفعال إلا ثلاثة: "أعطى"-"صلى"-"نحر".
لكنها على قلتها مثلت من المقولات الصرفية والتركيبية عددا كبيرا:
1- الفعل الصحيح: نحر
2- الفعل المعتل: أعطى.
3- الفعل المضعف: صلى.
4- الفعل المجرد: نحر.
5- الفعل المزيد: أعطى.
6- الفعل اللازم: صلى.
7- الفعل المتعدي إلى مفعول واحد: نحر.
8- الفعل المتعدي إلى أكثر من مفعول: أعطى.
فلله درها من سورة.... والله أسال أن يعفو عما كان من خطأ أو تقصير...... وصلى الله على محمد صاحب الحوض والكوثر وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
رد مع اقتباس