الموضوع: فرسان الاسلام
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-19-2010, 01:07 AM
 














معركة اليرموك
معركة اليرموك (15 هـ - 636 م) بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية ، يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب ، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 632م بأربع سنوات.
قررت الجيوش الإسلامية الإنسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح ، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 250 ألف مقاتل.
وفي هذه الاثناء كانت تطورات سياسية سريعة تحدث في الجزيرة العربية ، حيث كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يزال ينشر الاسلام ، وبحلول سنة 630 كان قد استطاع بنجاح توحيد معظم الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة. وحين توفي النبي(صلى الله عليه وسلم) في حزيران 632 ، انتُخب ابو بكر (رضي الله عنه ) خليفة للمسلمين خلفاً للرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم). وحالما تولى أبو بكر الخلافة انبثقت مشاكل عندما ثارت جهراً العديد من القبائل العربية ضد ابو بكر (رضي الله عنه) ، والذي أعلن الحرب ضد المتمردين. والتي عرفت لاحقاً بحروب الردة.
بعدها أستطاع أبو بكر من توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة المركزية للخلافة الاسلامية ومركزها المدينة المنورة. حالما تم تطويع التمرد ، بدء أبو بكر عهد الفتوحات ، مبتدئأ بالعراق ، المحافظة الاغنى للإمبراطورية الفارسية. وبإرسالة اكثر جنرالاته عبقرية ودهائاً وهو خالد بن الوليد ، تم فتح العراق بسلسلة من الحملات الناجحة ضد الفرس الساسانيين. نمت ثقة أبو بكر، وحالماً تمكن خالد من تأسيس معقل قوي في العراق ، اعلن أبو بكر نداء التسلح لغزو الشام في شباط/فبراير من سنة 634.
كان الغزو الاسلامي للشام عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيداً والتي استخدمت الستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية. على أية حال تبين للجيوش الإسلامية بأنها اقل من الازم للتعامل مع الرد البيزنطي ، وطلبت قادتها التعزيزات. ارسل خالد من العراق إلى الشام مع التعزيزات ولقيادة الغزو. في تموز/يوليو 634 ، هُزم البيزنطيون على نحو حاسم في معركة اجنادين. وسقطت مدينة دمشق في أيلول/سبتمبر 634، وتبعها معركة الفحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. توفي الخليفة أبو بكر الصديق في سنة 634. وقرر خلفه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اكمال توسع الخلافة الإسلامية اعمق إلى الشام. بالرغم من أن حملات سابقة ناجحة قادها خالد بن الوليد ، إلا أنه تم استبداله بأبو عبيدة. بتأمين جنوب فلسطين ، تقدمت القوات الإسلامية الآن إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير و بعدها غزا المسلمون مدينة حمص بأوائل 636. وعليه اكمل المسملون غزوهم عبر الشام.
الهجوم البيزنطي المعاكس

وبأحتلالهم لمدينة حمص ، كان المسلمون على بعد مسيرة واحدة للوصول إلى حلب ، ومن المعقل القوي للبيزنطيين في أنطاكيا ، حيث يقطن هرقل. انذرت سلسلة النكسات على نحو خطير هرقل الذي حضر لهجوم مضاد لإستعادة المناطق الضائعة. في 635 يزجرد الثالث – امبراطور الفرس – ابتغى تحالفاً مع الامبراطور البيزنطي. بينما تحضر هرقل لهجوم عظيم في الشام ، كان من المفترض أن يقوم يزجرد بهجوم مضاد في نفس الوقت في العراق ، في ما كان من المفروض أن يكون جهداً منسقاً. على أية حال ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له بصارة في هذا التحالف ، حيث اشغل يزجرد الثالث في مفاوضات للسلام ، حيث دعاه بوضوح إلى اعتناق الإسلام. عندما اطلق هرقل هجومه في آيار/مايو 636 ، لم يتمكن يزجرد من التنسيق مع المناورة بسبب الظروف المضنية في حكومته. الامر الذي أضاع ما كان ليكون خطة محكمة. ربح عمر بن الخطاب نصراً حاسماً ضد هرقل في معركة اليرموك ، واستخدم ستراتيجية عظيمة في اشغال يزجرد وايقاعه في الفخ. وبعد ثلاثة شهور خسر يزجرد الثالث جيشه الامبراطوري في معركة القادسية في أيلول/سبتمبر 636، وانتهاء الحكم الساساني في غرب بلاد الفرس.
نشر الجنود

اكثر الحسابات الاسلامية قدماً تضع حجم الجيوش الإسلامية ما بين 24.000 و 40.000 وحجم القوات البيزنطية بين 100.000 و 200.000 . حسابات حديثة لحجم كلا الجيشين تتنوع: تقديرات للجيش البيزنطي غالباً ما بين 80.000 و 120.000 ، مع بعض التقديرات تصل إلى 50.000 و 15.000 – 20.000 . وتقديرات الجيش الإسلامي بين 25.000 و 40.000. تأتي هذه الارقام من القدرات المنطقية للمقاتلين، واستدامة اساسات العمليات ، على اية حال، الاجماع على أنه الجيش البيزنطي وحلافئه يفوقون جيش المسلمين بهامش ضخم.
جيش المسلمين

اثناء عقد مجلس الحرب ، نقل أبو عبيدة قيادة جيش المسلمين إلى خالد وجعله القائد الاعلى لجيش المسلمين. قام خالد بعد توليه القيادة بتنظيم جيش المسلمين إلى 36 كتيبة مشاة واربعة كتاب للخيالة ، وتولى هو قيادة صفوة الخيالة المتحركة وجعلها كقوة احتياطية. نظم خالد الجيش على تشكيل الطابعة وهو تشكيل دفاعي قوي لقوات المشاة. اصطف الجيش الاسلامي على طول 12 كيلومتر مواجهة الغرب ، وجناحه الأيسر إلى جهة نهر اليرموك على مسافة ميل واحد من بداية اودية وادي العلن. قام خالد بإرسال عدة جوالة لأبقاء البيزنطيين تحت المراقبة. في اواخر تموز/يوليو 636 ، ارسل ماهان جبلة بن الايهم مع قوته الخفيفة من العرب المسيحيون للقيام باستكشاف اجباري لجيش المسلمين إلا انه تم صد هذه القوة من قبل الخيالة المتحركة. بعد هذه المناوشة لم تحدث اي مناوشات اخرى خلال الشهر.
الجيش البيزنطي

نشر ماهان جيشه الامبراطوري مواجهاً الشرق ، مع خط امامي بطول 13 كيلومتر، حيث اراد ان يغطي كل المسافة بين منخفض اليرموك في الجنوب والطريق الروماني المؤدي إلى مصر في الشمال ، وتركت مسافات كبيرة بين كتائب الجيش البيزنطي . ضم الرومان فرق الخيالة الثقيلة ، فرقة الدرع ، التي وزعت بالتساوي بين الجيوش الرومانية الاربعة ، ووضع كل جيش المشاة في المقدمة ، والفرسان كقوة احتياطية في الخلف. نشر فاهان جيش العرب المسيحيين والذي يمتطي الخيول والجمال كقوة للمناوشات ، التي تحجب الجيش الرئيسي لحين وصوله.
ذكرت مصادر إسلامية قديمة بأن جيش غريغوري كان قد استخدم سلاسل لربط اقدام الجنود الذين اخذو عهداً بالموت. كانت السلاسل بطول عشر رجال واستخدمت كدليل على الشجاعة التي لا تهز، كسمة من سمات الرجال ، والذين اظهروا بذلك رغبتهم في الموت وعدم الانسحاب ابداً. عملت هذه السلاسل أيضاً كضمان لعدم حدوث أي ثغرة ممكن ان تحدث من قبل فرسان العدو. على كل حال ، فقد ذكر مؤرخين معاصرين بأن الجيش البيزنطي تبنى التشكيل العسكري المسمى تستودو Testudo الروماني، حيث يقف فيه الجنود كتفاً لكتف وتُمسك الدروع إلى الاعلى ونسق من 10-20 رجل بحيث يكونون محميين من كل الجوانب من مقذوفات العدو ، ويوفر كل جندي غطاء للجندي المجاور له.
أرض المعركة وجيش المسلمين

أعاد خالد تنظيم الجيش بعد توليه لقيادة الجيش ، فجعل ربع جيش المسلمين من الخيالة ، وكانوا حوالي 10 آلاف فارس ، وقسم الجيش إلى 36 كتيبة من المشاة وزعت على أربعة ألوية مشاة (اثنان في القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وجناحان الميسرة بقيادة يزيد بن أبي سفيان والميمنة بقيادة عمرو بن العاص). وتشكل كل لواء منهم من تسعة سرايا كانت منظمة على أساس التجمع القبلي أو العشائري ، بحيث يقاتل كل واحد إلى جانب أخيه المسلم من عشيرته أو قبيلته.
المعركة في سطور

دامت المعركة ستة أيام ، كان المسلمون فيها يردون هجمات الروم في كل يوم ، حيث كان خالد بن الوليد يستخدم "سرية الخيالة المتحركة السريعة" التي يقودها بنفسه ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته.
وجرى الأمر كذلك خلال الأربعة أيام الأولى كانت فيها خسائر الروم بالأعداد أكبر من خسائر جيش المسلمين ، وفي اليوم الخامس لم يحدث الشيء الكثير بعد رفض خالد "هدنة ثلاثة أيام" التي عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم "نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا" حسب النسخة الإنجليزية من هذه الصفحة.
وفي اليوم السادس تحولت إستراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم ، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم واستخدام الأسلوب العسكري الفريد من نوعه آنذاك وهو الاستفادة الصحيحة من إمكانيات "سرية الفرسان سريعة التنقل" ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم.
وقاتلت نساء المسلمين من خلف الجيوش (في معسكرات المسلمين الخلفية) في هذه المعركة ، وقتلن عدداً كبيراً من الروم وقتلت خولة بنت الأزور على سبيل المثال ، وكن يضربن من انهزم من المسلمين بالحجارة ويزجرنهم ، وفق تعليمات خالد عند قدومه وتنظيمه لجيش المسلمين ، ويصرخن قائلات: "أين تذهبون وتدعوننا للعلوج"، وعندئذ يرجع المنهزمون، وقد تكرر ذلك في كل يوم من أيام المعركة ، حتى قيل أن بعض المقاتلين عندما كانوا يهمون بالفرار إلى الخلف كانوا يقولون "مواجهة الروم ولا مواجهة نسائنا" وبعدها يكر المسلمون لشن الهجوم المعاكس.
من احداث اليوم الأول
بدءت المعركة في يوم 15 آب/اغسطس 636. مع حلول الفجر اصطف كلا الجيشين للقتال يفصلهما اقل من ميل واحد. قد سجل في يوميات المسلمين بأنه قبل أن تبدأ المعركة اتجه جورج القائد في فرقة الوسط الأيمن في الجيش البيزنطي إلى جيش المسلمين ودخل الإسلام ، وثم وقتل في نفس اليوم محارباً إلى جانب المسلمين. كانت البداية بإرسال البيزنطيين ابطالهم مع المبارزين المسلمين في قتال ثنائي. كان المبارزين المسلمين مدربين بشكل خاص على السيوف والرماح لقتل اكبر عدد ممكن من قادة العدو من اجل تثبيط عزيمتهم. وفي منتصف النهار، وبعد خسارة عدد من القادة في القتال الثنائي ، امر فاهان بهجوم محدود من ثلث قوات جيشه من المشاة لتجربة قوة استراتيجية جيش المسلمين ، وإذا ما امكنه احداث ثغرة في اي منطقة ضعيفة في المعركة. على اية الحال ، افتقد الهجوم البيزنطي إلى الاصرار؛ الكثير من جنود الجيش الامبراطوري لم يكونوا معتادين على القتال ولم يتمكنوا من لممارسة الضغط على الجنود المسلمين المحنكين. كان القتال بصورة عامة معتدل ، بالرغم من انه في بعض الاماكن كان شديداً. لم يقم فاهان بدعم مشاته المتقدمين، حيث بحلول الغروب كسر كلا الجيشين التماس عاد كلاً إلى مخيمه.
من أحداث اليوم الثاني
قرر ماهان شن الهجوم المباغت عند الفجر، عندما يكون جيش المسلمين غير مستعد ولكن خالد كان قد وضع نقاطا دفاعية قوية متقدمة خلال الليل سراً مما افقد عنصر المفاجئة التي كان يخطط لها البيزنطيون ، ودارت المعركة وتراجع كل من جانبي الجيش حيث تدخل خالد بفرقته السريعة التنقل مرة في الميمنة ليوقف تقدم الروم ، وبعدها في الميسرة،حيث قسم خالد هنا وحدته المتنقلة السريعة ليرسل قسما منها بقيادة ضرار بن الأزور إلى قلب جيش الروم من الجهة اليمنى له ، حيث تمكن ضرار في هذا الهجوم من قتل القائد البيزنطي دريجان رغم أن ألفين من الفرسان الروم البيزنطيين كانوا بحراسته.
وترك مقتل دريجان وفشل خطة ماهان الأثر المدمر على نفسية المقاتلين الروم بينما كان لنجاح خالد بصد الهجوم الأثر الأقوى لتعزيز معنويات الجند المسلمين.
من أحداث اليوم الثالث

الهجوم البيزنطي
بعد أحداث اليوم السابق ومقتل دريجان أحد كبار قادة الروم ، تركز في هذا اليوم هجوم الروم على نقطة محددة لفصل الجيش الإسلامي ، وهي النقطة بين الميمنة التي كانت تحت قيادة عمرو بن العاص يقابله "قناطر" قائد السلاف ، وقلب الجيش الإسلامي من الجانب الأيمن تحت قيادة شرحبيل يقابله ماهان ، وبدأ الهجوم على لواء عمرو بن العاص الذي استطاع في البداية الصمود قبل أن يلعب التفوق العددي للروم دوره ليتراجع جنود عمرو بن العاص إلى الوراء بإتجاء معسكرهم ، كما بدأ جنود شرحبيل في اللواء المجاور بالتراجع .
من أحداث اليوم الرابع

تم صد هجوم مماثل على الجهة نفسها ، بسبب إنهاكها في اليوم السابق ، كما فكر وخطط ماهان ، فقد تراجع شرحبيل أمام جيش الأرمن المدعم بشكل قوي من الخيالة العرب المسيحيين بقيادة جبلة ، كما تراجع عمرو بن العاص أمام جيش "قناطر" السلافي. وتعرض شرحبيل للضغط الشديد وبدأت علائم الإنهاك على جنده.
الهجوم البيزنطي في اليوم الرابع
وقبل أن يتدخل خالد بفرقته السريعة التنقل ليشارك برد الزحف الرومي أمر أبا عبيدة بن الجراح ويزيد ببدء الهجوم على الجيش لإشغاله في القطاعين المقابلين لهما القسم الأيمن من القلب والميمنة الرومية وعدم تمكينهم من القيام بالهجوم الشامل.
وتمكن خالد بن الوليد من القيام بمناورات ذكية أدت إلى تراجع الأرمن ، ودام ذلك طوال بعد الظهر، وبعد فقدان الدعم الأرمني تراجع كذلك السلاف بقيادة "قناطر" ليعود الجميع إلى أماكنهم.
على الجانب الآخر استعر قتال الروم مع جيشي أبي عبيدة بن الجراح ويزيد وتعرض الجند المسلمين إلى رمي عنيف بالنبال أدى إلى فقدان الكثير لبصرهم نتيجة إصاباتهم في عيونهم، منهم: أبو سفيان والمغيرة بن شعبة وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وقيس بن مكشوح والأشتر النخعي ، وسمي ذلك اليوم بيوم خسارة العيون، وتراجع الجيشان المسلمان ، جيش عبيدة وجيش يزيد إلى الخلف.

هجوم المسلمين المعاكس
ولاحت علائم الهزيمة ولكن عكرمة بن أبي جهل نادي مجاهدين للقسم على النصر أو الشهادة ، فلبى نداءه 400 من المقاتلين المجاهدين وقاتلوا محاولين وقف الروم ، وأوقفوا زحف الروم بعد مقتلهم جميعاً ، ولكنهم قتلوا عدداً أكبر بكثير من 400 مقاتل بيزنطي ، وأصيب عكرمة وإبنه عمرو إصابة مميتة في هذه الوقعة ، وعرف عكرمة بنجاح المسلمين بصد الهجوم وحمد الله قبل أن يموت متأثراً بجراحه ، ليحل الظلام وينتهي ذلك اليوم.
من أحداث اليوم الخامس

كما ذكرنا سابقاً فقد رفض خالد عرضا لـ "ماهان" بوقف القتال بضعة أيام ، وعرف خالد بن الوليد أن عزيمة الروم على القتال لم تعد كالسابق ، وكان المسلمون حتى الآن قد إتخذوا إستراتيجية دفاعية في الأعمال القتالية ، فقرر الآن خالد التحول إلى الهجوم ، وأجرى تغييرات على تشيكلاته ، حيث جمع كافة فرق الخيالة إلى سرية قتالية موحدة ، وجعل وحدته السريعة في قلبها ، وخطط خالد باستخدام هذه السرية الجديدة لمهاجمة الفرسان الروم بغرض عزلهم عن المشاة الروم ، بحيث يصبح المشاة الذين يشكلون نواة الجيوش البيزنطية دون أي حماية من الفرسان تقيهم من الهجمات الجانبية والخلفية ، وفي نفس الوقت خطط لشن هجومٍ على الميسرة البيزنطية لردها بإتجاه الجرف إلى الغرب.
من أحداث اليوم السادس

بينما بدأت ميسرة جيش المسلمين بقيادة يزيد بن أبي سفيان والقسم الأيسر من القلب بقيادة أبو عبيدة بن الجراح بالقتال على جبهتيهما هاجم خالد بسرية الخيالة الموحدة الميمنة البيزنطية ، وفي الوقت نفسه شطر قِسماً من مجموعة الخيالة لمهاجمة الطرف الأيسر من الميسرة البيزنطية .
المرحلة الأولى من الهجوم
بينما قام عمرو بن العاص ، قائد الميمنة ، في الوقت نفسه بشن الهجوم على الميسرة الرومية البيزنطية ذات الأكثرية السلافية التي كانت بقيادة قناطر.
وقد صمدت الميسرة البيزنطية بقيادة قناطر أمام الهجومين من الأمام ومن اليسار ، ولكن بفقدان الدعم من فرق الخيالة البيزنطيين ، الذين إنشغلوا بصد هجوم الفرسان المسلمين، تراجعت قوات قناطر بإتجاه القسم الأيسر من قلب الجيش الرومي حيث يقاتل الأرمن بقيادة ماهان.
بعد رؤية هذا التحول إستغل عمرو بن العاص قائد الميمنة الإسلامية تلك اللحظات ليشن هجوماً على الجانب الأيسر من قلب جيش الروم من جهته اليسرى ، فوقع القسم الأيسر من قلب الجيش البيزنطي باختلال في التوازن بسبب ضغط أعداد الجنود السلاف المتراجعين.
المرحلة الثانية من الهجوم
وفي الوقت نفسه شدد شرحبيل بن حسنة قائد القسم الأيمن من قلب الجيش الإسلامي من هجومه على القلب البيزنطي من الأمام.

المرحلة الثالثة من الهجوم
الآن تقهقر الجناح الأيسر للجيش البيزنطي وراح المسلمون يستغلون ذلك ويتابعون تقدمهم ، هنا ، أوعز خالد للفرسان بترك القتال الرئيسي الدائر والعودة إلى الوحدة الرئيسية لعزل الخيالة البيزنطيين عن مشاتهم وإبعادهم عن الجيش البيزنطي بشكل كامل بإتجاه الشمال.
المرحلة الرابعة من الهجوم
عندما رأى ماهان ذلك دعى كافة الخيالة الروم للتجمع خلف قلب الجيش البيزنطي لتنظيم هجوم معاكس ضد الخيالة المسلمين ، ولكن ماهان لم يكن سريعاً بالشكل الكافي فقد تقدم خالد سريعاً لمهاجمة الخيالة أثناء تجمعهم وذلك من الجهتين الأمامية والجانبية بينما كانوا في مناورات التحضير للهجوم المعاكس ، وكان الفرسان المسلمين المسلحين بشكل خفيف مؤهلين أكثر بل متفوقين من حيث سرعة التحرك والمناورة ، حيث كانوا يستطيعون الهجوم والتراجع بسرعة والعودة للهجوم مرة أخرى ، وسارع الخيالة البيزنطيين إلى الهرب بإتجاه الشمال في وسط من الفوضى والعشوائية تاركين المشاة لمصيرهم ، وكان بينهم كذلك قوات جبلة الراكبة ، حيث تشتت بإتجاه دمشق.
المرحلة الخامسة من الهجوم
بعد تشتت فرق الخيالة البيزنطيين ، تحول خالد إلى نواة جيش الروم البيزنطيين ، الأرمن بقيادة ماهان ، لمهاجمتهم من الخلف. وكان الأرمن من المقاتلين الأشداء الذين كانوا على وشك النصر على المسلمين قبل يومين عندما قاموا بإختراق جيش المسلمين ، ولكن تحت هجمات من إتجاهات ثلاثة في آنٍ واحد ، فرقة الخيالة بقيادة خالد من جهة الخلف ، وجنود عمرو من اليسار وجنود شرحبيل من الأمام وبدون دعمٍ من الفرسان الروم ، إضافة إلى الإختلال الذي أحدثته في صفوفهم جنود السلاف بقيادة قناطر المتراجعة ، لم يكن للأرمن أي فرصة بالصمود فهزموا.
مرحلة الحصار
بعد هزيمة الأرمن هُزمت الآن كافة الجيوش البيزنطية، فتشتت البعض بشكل عشوائي مرعوبين، والبعض تراجع بإنتظام بإتجاه الغرب نحو وادي الرقاد.
ولكن عندما وصلت قوات البيزنطيين إلى المعبر الضيق على النهر واجهت مجموعة من فرسان المسلمين بقيادة ضرار بن الأزور بإنتظارهم. كجزء من خطة خالد كان قد أرسل في الليلة السابقة سرية من الخيالة ً تقدر بـ 500 رجل لسد المعبر الضيق الذي يبلغ عرضه 500 متر فقط. في الحقيقة فقد كان هذا الطريق هو الذي كان يرغب خالد بن الوليد للروم أن يسلكوه في تراجعهم في حال نجحت خطته.
المرحلة النهائية وحسم المعركة
والآن يتقدم جنود المشاة المسلمون من الشرق وفرسان خالد بن الوليد من جهة الشمال ليصلوا إلى الوحدة الخيالة المسلمين التي تراقب المعبر الضيق من جهته الغربية. وإلى الجنوب كان هناك الجرف العميق التابع لنهر اليرموك والتي تراجعت إليه القوات البيزنطية وبدأ الإنحصار.
وبدأت المرحلة النهائية من المعركة عندما اندحر القسم الأكبر من القوات البيزنطية بإتجاه الجرف تحت تأثير القتاك من جهة الأمام، بينما كانوا يتراجعون بإتجاه المركز نتيجة الهجوم من الجانب، حيث نجم عن ذلك اختلال التوازن في الجيش.
عند ذلك فقد الجيش البيزنطي المتحالف كل المعلومات والإرتباطات ، ووصل إلى النقطة التي يتجنبها كل القواد العسكريين ، وهي عندما تصبح وحداتهم عبارة عن حطام أو ركام مُسلح ، فقد إنحصر الجيش البيزنطي بشكل لم يعد يستطيع فيه الجنود استخدام سلاحهم بشكل طبيعي ، ولذلك فقد هزموا بسرعة محاولين إيجاد طريق للهرب عبر الجرف وبدون نجاح ، فبعضهم هوى في الجرف، بينما سقط الآخرون قتلى أو أسروا لتنتهي بذلك معركة اليرموك.
لم يتواجد خالد بن الوليد مساء اليوم السادس بعد إحراز النصر وانتهاء المعركة في معسكر المسلمين، بل شوهد مساء اليوم التالي في المعسكر، فقد تابع خالد بن الوليد وفريقه فلول ماهان المتجهة إلى دمشق واشتبك معهم ليقتل ماهان على يد أحد المقاتلين المسلمين ، فقد قطع رأسه وصرخ والله قد قتلت ماهان. وكانت العادة السائدة آنذاك أن المعركة تنتهي بهرب الجيش المنكسر، ولذلك فكان آخر ما توقعه هامان وجنوده المنهزمون هو متابعة خالد لهم.
عاقبة المعركة

تحرك خالد بن الوليد شمالاً حالماً انتهت العملية ملاحقاً الجنود البيزنطيين المنسحبين ؛ حيث لاقاهم قرب دمشق وقام بمهاجمتهم. وهنالك قُتل القائد العام للجيش الامبراطوري فاهان والذي كان قد هرب من المصير المحتوم الذي لاقاه بقيه جنوده اثناء المعركة. وفتح بعدها خالد مدينة دمشق ويقال أن سكانها رحبوا به. وعندما وصلت اخبار الهزيمة المأساوية إلى هرقل في مدينة أنطاكية، اصبح محطماً غائظا والقى باللوم على السيء من افعاله كزواج ابنه اخته مارتينا الذي اجبرها عليه سبباً لخسارته. ولو امتلك هرقل الموارد الازمة ربما لقام بمحاولة اخرى لإستعادة فتح الحافظات التي خسرها. ولكنه لم يعد بعد يملك الرجال ولا المال الكافي ليدافع عن مناطقة. وبدلاً عن ذلك قام بالانسحاب إلى كاتدرائية أنطاكية طالباً الشفاعة. وقام بإستدعاء مستشاريه في الكاتدرائية للتمعن في اسباب الهزيمة، حيث اُعلم بالاجماع بأن الخسارة هي قرار من الرب ونتيجة لذنوب الشعب، وهو من ضمنهم ، وقد قبل بهذا التفسير. وبعدها نُقل هرقل على متن سفينة إلى القسطنطينية ليلاً، وقيل بأنه القى توديعةً اخيرةً إلى الشام عندما ابحرت سفينته، حيث قال: "الوداع، وداعاً اخيراً يا سوريا، يا محافظتي الجميلة، انت درة العدو الكافر الآن، فالتنعمي بالسلام يا سوريا، اي ارضٍ جميلة ستكونين لهم" هجر هرقل سوريا آخذاً معه الاثر المقدس - الصليب الحقيقي True Cross -، مع آثار اخرى من اجل الحفاظ عليها من العرب الغزاة ، والتي كانت محفوظة جميعها في مدينة القدس . حيث نقلها بارثيا Parthia القدس سراً عبر البحر. وقيل بأن الامبراطور كان يخشى البحر، لذا بنوا له جسراً عائماً عبر بحر البسفور للوصول إلى القسطنطينية. وبعد أن تخلى عن الشام، بدء بتجميع ما تبقى له من قوات من اجل الدفاع عن الاناضول ومصر بدلاً عنها. ولم يبذل المسلمون جهوداً تذكر لإحتلال الاناضول، إلا انها ظلت تخضع لغارات سنوية، مما ادى إلى تدمير النشاطات الاقتصادية الاجتماعية لمنطقة شرق الاناضول. وسقطت أرمينية البيزنطية على يد المسلمين سنة 638-39 والتي قام بعدها هرقل ببناء منطقة صدّ في وسط الاناضول بعد أن امر باجلاء جميع الحصون الواقعة شرق مدينة طرطوس. واخيراً وفي سنة 639-642 قام المسلمون بغزو وفتح مصر البيزنطية، بقيادة عمر بن العاص – قائد الجناح الايمن لجيش المسلمين في معركة اليرموك.
بعد المعركة

كانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية ، وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي ، فقد لقي جيش الروم (أقوى جيوش العالم يومئذ) هزيمة قاسية ، وفقد زهرة جنده ، وقد أدرك هرقل الذي كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته ، فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا، وقد ترتب على هذا النصر العظيم أن استقر المسلمون في بلاد الشام ، واستكملوا فتح مدنه جميعا ، ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الإفريقي.
تقييم

يمكن النظر إلى معركة اليرموك كمثال في التاريخ العسكري عندما تستطيع قوة عسكرية صغيرة تحت قيادة حكيمة التغلب على قوة عسكرية تفوقها عدداً. لقد سمح قادة الجيش الامبراطوري لعدوهم بأختيار أرض المعركة التي يريدها. وحتى ذلك الحين لم يكن لديهم ضعف تكتيكي كبير. لقد عرف خالد منذ البداية بأنه أمام قوة كبيرة جداً وحتى اليوم الاخير من المعركة ادار خطة دفاعية فعالة ملائمة لمصادره المحدودة نسبياً. وعندما قرر الهجوم في اليوم الأخير من المعركة ، فقد قام بذلك على درجة من التخيل وبعد النظر والشجاعة الامر الذي لم يتصوره أي من القادة البيزنطيين. وبالرغم من انه قاد قوة صغيرة عددياً وكان بأمس الحاجة إلى كل الرجال الذين يمكن جمعهم ، كانت لديه الجرءة وبعد النظر لشطر فرقة من خيالته في الليلة التي سبقت هجومه لتأمين الطريق الحيوي لأنسحاب عدوه.
كان خالد بن الوليد واحداً من أجود قادة الفرسان في التاريخ ، حيث اظهر استخدامه للقوة الراكبة طوال المعركة مدى فهمه لإمكانيات وقوة جنود الفرسان. حيث قامت فرقة خيالته المتحركة بتحركات سريعة من نقطة إلى أخرى ، محوّلةً دائماً مجرى الاحداث في المكان الذي تقدم عليه ، وثم تعدوا بسرعة إلى مكان آخر من ارض المعركة لتغير بشكل فعال المسار الذي تذهب إليه المعركة.
لم يتعامل فاهان ولا قادته العسكريين ابداً بشكل فعال مع قوة الفرسان، حيث لم تلعب فرق خيالتهم اي دور مهم في المعركة بل حُفظت كقوة احتياطية ساكنة معظم أيام المعركة. ولم يدفع البيزنطيين ابداً بهجوم حاسم حتى عندما حققوا ما كان ممكن ان يكون اختراقاً حاسماً في اليوم الرابع، ففشلوا في استغلاله. فقد ظهر جلياً افتقاد جميع القادة البيزنطيين القدرة على إيجاد الحلول ، ويعود السبب إلى الخلافات الداخلية فيما بينهم والتي اوجدت صعوبات في القدرة على قيادة الجيش. واكثر من ذلك ، فإن كثيراً من جنود القوات العربية المساندة في الجيش البيزنطي كانوا قد جُندوا كعملٍ بديلٍ عن دفع الضرائب ، بينما كان الجيش العربي الإسلامي مكوناً في الجزء الاكبر منه من مقاتلين متمرسين.
لقد احتاجت الاستراتيجية الاصلية لهرقل للقضاء على جنود المسلمين في الشام السرعة في التنفيد وفي نشر الجنود ، لكن لم يلتزم القادة على الارض ابداً بهذه المقومات. ومن المثير للسخرية أن خالداً قاتل بقوة تكتيكية صغيرة الحجم وهي خطة هرقل التي لم تنفذ ، وذلك من اجل الحصول على سرعة في نشر الجنود وسرعة في المناورة. لقد استطاع خالد جمع قوة كافية مؤقتاً في اماكن محددة على ارض المعركة من اجل هزم الجيش البيزنطي كل جزء على حدة. بينما لم يتمكن فاهان ابداً من الاستفادة من تفوقه العددي ، ويعود ذلك إلى حد ما إلى التضاريس الغير ملائمة والتي منعت الميزان الكبير في نشر الجنود. على اية حال ، فإن فاهان لم يحاول في اي مرحلة من المعركة جمع قوة كبيرة لاجل تحقيق اختراق حاسم في صفوف الجيش المسلم. على الرغم من أنه كان في حالة الهجوم طوال الأيام الخمسة الاولى ، بحيث أن خط جنوده بقي مستقر على نحو كبير. بينما حدث ذلك وفي مقارنة تامة في الخطة الناجحة جداً التي قام بها خالد في اليوم الاخير من المعركة. عندما اعاد تجميع عملياً كل خيالته وقادهم عبر مناورة عظيمة والتي ادت إلى الظفر بالنصر. وقد وصف جورج نافزيكر George F. Nafziger في كتابه الاسلام في الحرب المعركة ، قائلاً: "بالرغم من أن معركة اليرموك لا تحظى بشهرة كبيرة اليوم ، إلا أنها واحدةٌ من اكثر المعارك الحاسمة في تاريخ البشرية..... ولو حققت قوات هرقل النصر، لكان العالم الحديث مختلفاً جداً وغير محدد المعالم"

__________________
رد مع اقتباس