09-20-2010, 03:33 AM
|
|
معركة نهاوند سُميَّت : فتح الفتوح معركة نهاوند عن السائب بن الأقرع قال : زحف للمسلمين زحف لم يُرَ مثله قط ، زجف له أهل ماه وأصبهان وهمذان والري وقومس ونهاوند وأذريبجان ، قال : فبلغ ذلك عمر فشاور المسلمين. فقال علي : أنت أفضلنا رأياً وأعلمنا بأهلك. فقال : لأستعملن على الناس رجلاً يكون لأول أسنّة يلقاها ،-أي أول من يتلقى الرماح بصدره ،كناية عن شجاعته- ياسائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مُقرِّن ، فليسر بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، وأنت على ما أصابوا من غنيمة ، فإن قُتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن قُتل حذيفة فجرير بن عبد الله ، فإن قُتل ذلك الجيش فلا أراك. لما انتصر المسلمون في القادسية على الفرس كاتب يزدجرد أهل الباب والسند وحلوان ليجتمعوا فيوجهوا ضربة حاسمة للمسلمين ، فتكاتبوا واجتمعوا في نهاوند. وأرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر : (بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل ، فإن جاؤونا قبل أن نبادرهم الشدة ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك). وأرسل عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس لملاقاة الفرس ، فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر بخطورة الموقف شفاهة ، فجمع عمر المسلمين في المدينة ، وخطب فيهم وشرح لهم خطورة الوضع ، واستشارهم ، وأشاروا عليه أن يقيم هو بالمدينة ، وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم. ثم قال عمر : أشيروا عليّ برجل يكون أوليه ذلك الثغر غداً ، فقالوا : أنت أفضل رأياً وأحسن مقدرة ، فقال : أما والله لأولين أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة – أي : أول من يقابل الرماح بوجهه – إذا لقيها غداً ، فقيل : من يا أمير المؤمنين ؟ فقال : النعمان بن مقرن المزني، فقالوا : هو لها. ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي ، فلما قضى صلاته بادره عمر : لقد انتدبتك لعمل ، فقال : إن يكن جباية للضرائب فلا ، وإن يكن جهاداً في سبيل الله فنعم. وانطلق النعمان عام (21) للهجرة يقود الجيش ، وبرفقته بعض الصحابة الكرام. وطرح الفرس حسك الحديد – مثل الشوك يكون من الحديد – حول مدينة نهاوند ، فبعث النعمان عيوناً فساروا لايعلمون بالحسك ، فزجر بعضهم فرسه فدخلت في يده حسكة ، فلم يبرح الفرس مكانه ، فنزل صاحبه ونظر في يده فإذا في حافره حسكة ، فعاد وأخبر النعمان بالخبر، فاستشار جيشه فقال : ماترون؟ فقالوا : انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب منهم ، فيخرجوا في طلبك ، فانتقل النعمان من منزله ذلك ، وكنست الأعاجم الحسك فخرجوا في طلبه ، فرجع النعمان ومن معه عليهم ، وقد عبأ الكتائب ونظم جيشه وعدده ثلاثون ألفاً ، وجعل على مقدمة الجيش نعيم بن مقرن ، وعلى المجنبتين : حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن ، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ، ونظم الفرس قواتهم تحت إمرة (الفيرزان) ، وعلى مجنبتتيه (الزردق) و(بهمن جاذويه) الذي ترك مكانه ل(ذي الحاجب). اجتمع المسلمون حول نهاوند واجتمع الفرس فيها وأميرهم "الفيرزان". أرسل أحد قواد الفرس واسمه "بندار" إلى جيش المسلمين : أن أرسلوا إلينا رجلاً نكلمه ، فذهب إليهم داهية المسلمين "المغيرة بن شعبة" بمنظر رهيب وشعر مسترسل طويل ، فلما وصل إليهم استشار "بندار" أصحابه بأي هيئة نأذن له ؟ هل بشاراتنا وملكنا وفخامتنا ؟ حتى نرهبهم بقوة ملكنا أم بالتقشف حتى يزهدوا بنا ولا يطمعوا في ملكنا ؟ فأشاروا عليه : بل بأفضل ما يكون من الشارة والعدة ، فتهيؤوا له بأفخر الأثاث والثياب. دخل المغيرة ، فقرّبوا إلى جسمه ووجهه الحراب والنيازك يلتمع منها البصر وجند "بندار" حوله كي يزيدوا المنظر رهبة ، أما "بندار" فعلى سرير من الذهب وعلى رأسه تاج نفيس. قال المغيرة : فمضيت فصاروا يدفعونني ويزجرونني. فقلت : الرسل لا يُفعل بهم هذا. فقالوا: إنما أنت كلب. يقول المغيرة : فقلت : لأنا أشرف في قومي من هذا في قومه - وأشار إلى بندار - فانتهره الجند وقالوا: اجلس. فجلس فتكلم "بندار" وتُرجم للمغيرة ، ومما قاله : إنكم معشر العرب أبعد الناس من كل خير، وأطول الناس جوعاً ، وأشقى الناس شقاءً ، وأقذر الناس قذراً ، وأبعدهم داراً ، وما منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشّاب إلا تنجُّساً لجيفكم فإنكم أرجاس ، فإن تذهبوا تركناكم ، وإن تأتوا نريكم مصارعكم. قال المغيرة : فحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت : والله ما أخطأت من صفتنا شيئاً ولا من نعتنا ، إن كنا لأبعد الناس داراً ، وأشد الناس جوعاً ، وأشقى الناس شقاءً ، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله - عز وجل - إلينا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة فوالله ما زلنا نتعرف من ربنا منذ جاءنا رسوله الفتح والنصر، حتى أتيناكم ، وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبداً حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نُقتل بأرضكم ، وإني أرى عليكم بِزّةً وهيئة ما أرى مَن خلفي يذهبون حتى يصيبوها. قال المغيرة : فقلت في نفسي : لو جمعتُ ثيابي فوثبت وثبة فقعدت مع هذا العلج "بندار" على سريره لعله يتطير؟ قال : فوجدت غفلة فوثبت فإذا أنا معه على سريره ، فصرخ "بندار" خذوه ، فأخذه الجند وصاروا يطأونه بأرجلهم ، فقال المغيرة : هكذا تفعلون بالرسل ! فإنا لا نفعل هكذا ولا نفعل برسلكم هذا. شعر "بندار" أن المغيرة بدأ يحطم من معنويات جنده ، لأنه بدأ يُظهر عزّته الذي هذّبه بها الإسلام ، وظهرت سوء أخلاقيات الفرس، فأراد أن يقطع هذه المناظرة فقال: إن شئتم قطعتم إلينا، وإن شئتم قطعنا إليكم[. فعاد المغيرة واستشار قائد الجيش النعمان ، فقال النعمان : اعبروا.. أنشب النعمان القتال يوم الأربعاء ، ودام على شكل مناوشات حادة إلى يوم الخميس ، والحرب سجال بين الفريقين ، وكان الفرس خلالها في خنادق. وخشي المسلمون أن يطول الأمر فاستشار النعمان أصحابه ، فتكلم قوم فردت آراؤهم ، ثم تكلم طليحة فقال : أرى أن تبعث خيلاً مؤدبة ، فيحدقوا بهم ، ثم يرموا لينشبوا القتال ، ويحمشوهم – أي يغضبوهم – فإذا أحمشوهم واختلطوا بهم وأرادوا الخروج أرزوا – أي انضموا- إلينا استطراداً – أي خديعة -.. وأقر الجميع هذا الرأي فأمر النعمان القعقاع أن ينشب القتال فأنشبه ، فخرج الفرس من خنادقهم ، فلما خرجوا نكص القعقاع بجنده ، ثم نكص ثم نكص ، وخرج الفرس جميعاً فلم يبق أحد إلا حرس الأبواب ، حتى انضم القعقاع إلى الناس ، والنعمان والمسلمون على تعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار ، وأقبل الفرس على الناس يرمونهم حتى أفشوا فيه الجراحات ، والمسلمون يطلبون من النعمان الإذن بالقتال، وبقي النعمان يطلب منهم الصبر. فلما جاء الزوال وتفيأت الأفياء وهبت الرياح أمر بالقتال ، كل ذلك إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار هذا الوقت للقتال ، وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين على القتال ، ثم قال : فإن قتلت فلأمير بعدي حذيفة ، وإن قتل فلان.. وعد سبعة. وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ، ثم قال : اللهم اعزز دينك وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك ، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عزالإسلام ، أمنوا رحمكم الله. فبكى الناس. وكبر النعمان التكبيرة الثالثة ، وبدأ القتال، وأثناء تقدم القائد بدأ الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض المعركة ، فصرع بين سنابك الخيل ، وجاءه سهم في جنبه ، فرآه أخوه نعيم فسجاه بثوب ، وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان فأخذها ، وقال المغيرة : اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم ؛ لئلا يهن الناس. ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه بقليل من الماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال النعمان : من أنت ؟ قال : أنا معقل بن يسار، قال : ما فعل الناس ؟ قال : فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت روحه. ولما أظلم الليل انهزم الفرس وهربوا دون قصد فوقعوا في واد ، فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة ، فمات في هذه المعركة مائة ألف أو يزيد ، قتل في الوادي فقط ثمانون ألفاً ، وقتل ذو الحاجب ، وهرب الفيرزان ، وعلم بهربه القعقاع فتبعه هو ونعيم بن مقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال وحمير محملة عسلاً ذاهبة إلى كسرى ، فلم يجد طريقاً فنزل عن دابته وصعد في الجبل ليختفي ، فتبعه القعقاع راجلاً فقتله.
وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم الجديد حذيفة ، ودخلوا نهاوند عام 21هـ بعد أن فتحوها
__________________ |