الموضوع
:
الحقوق الدستورية للمرأة العراقية في ظل الدستور العراقي الجديد
عرض مشاركة واحدة
#
4
09-21-2010, 05:27 AM
الاستاذة بسمة
حقوق المراة التونسية وفقا للقوانين ومدى تطبيقاتها على ارض الواقع .
أحوال المرأة في تونس ليست كأحوالها كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي. ولكن ليس لأمر يتعلق بالتشريعات والقوانين التي تحمي حقوق المرأة وتضمن مساواتها فحسب، بل بسبب عامل آخر لا يقل أهمية هو: ثقة المرأة نفسها بجدارتها بتلك الحقوق. ومن هذه ينشأ جل الفرق بين اوضاع المرأة التونسية وأوضاع قريناتها في العالمين العربي والإسلامي.
الحرية والمساواة في تونس ليست مجرد معطى قانوني تقدمه الدولة للمرأة، وانما معطى قيمي وثقافي تتبناه المرأة ويتبناه المجتمع على حد سواء.
وهذا هو المسار الذي سلكه التحديث الإجتماعي الذي قاده الرئيس زين العابدين بن علي من اجل تحرير المرأة وتوطيد مكانتها في الأسرة والمجتمع.
وهو مسار فتحت به دولة الاستقلال مشروعها الإصلاحي إيمانا من المضطلعين بأعباء الحكم في هذا البلد سنة 1956 بأن خروج الاستعمار ليس نهاية المطاف، وبأن الاستقلال الحقيقي والتحرير الفعلي هو تحرير المجتمع من التخلف وسطوة الجهل والأمية ومظاهر الغبن والحيف التي تنخر كيان المجتمع، وبالدرجة الأولى العناية بالمرأة التي يُنظر اليها على انها نصف المجتمع ومربية النصف الآخر
.
وقد وجد هذا الإيمان صداه على أرض الواقع السياسي والاجتماعي التونسي قبل خمسين سنة من خلال فتح تشريعي جريء وغير مسبوق في الفضاء العربي الإسلامي يتمثل في "مجلة الأحوال الشخصية" التي كرست حقوق المرأة ونظمت العلاقات داخل الأسرة التونسية وفقا لرؤية اجتهادية تحديثية جسدت مع بواكير مسيرة البناء الوطني (13 آب- أغسطس 1956 تاريخ إصدار المجلة أي بعد أشهر قليلة من الاستقلال في 20 آذار- مارس 1956) إلتقاء إرادة النخبة السياسية ممثلة بالأخص في الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس المستقلة بتطلعات رموز الإصلاح الفكري والديني بما أتاح الارتقاء بالطروحات والرؤى الاجتهادية التي عجت بها ساحات تونس وأصقاع العالم العربي الإسلامي من مستوى الخطاب الثقافي والفكري إلى مرتبة القانون الملزم الذي كان له الأثر العميق ضمن سيرورة البناء السياسي والتنموي والمجتمعي في تونس
.
وليس من قبيل المبالغة في شيء القول بأن تلك المجلة تعد نصا "تأسيسيا" ينطق بجرأة الفكر وتقدميته.. نص آثر عدم الاستكانة لدعوات الشد إلى الوراء التي لم يخل منها أي مجتمع من المجتمعات في كل العصور ولم يتهيب تبعات زعزعة البنى الاجتماعية التقليدية وزعزعة ما بها من جمود وحيف ونشد التأسيس لواقع مجتمعي جديد أكثر عدلا وتوازنا يحلق فيه المجتمع بجناحيه.. الرجل والمرأة ولا يظل فيه نصف المجتمع معطلا مشلولا
.
والدارس المتمعن لمضامين "مجلة الأحوال الشخصية" في تونس من أهل المعرفة والاختصاص ليس بوسعه سوى الإقرار بأن تلك "المجلة" التي توخى واضعوها منهجا قوامه حلول تلائم العصر واعتمدوا التأويل المبني على المقاصد مسايرة لروح الإسلام السمحة لم تخالف نصا صريحا في القرآن الكريم والسنة النبوية وذلك انسجاما مع ثوابت تونس المستقلة التي ينص دستورها على ان الإسلام هو دين الدولة والمصدر الأساسي للتشريع
.
ومع تأصلها في تربتها الحضارية والثقافية انطبعت هذه المجلة القانونية بروح التحديث مبنى ومعنى عبر توخيها صياغة تشريعية عصرية وتركها المجال مفتوحا لمزيد التطوير بواسطة الاجتهاد القضائي مع توحيد التشريع وتوحيد القضاء بالنسبة إلى كل التونسيين. كما تبرز حداثة هذا التشريع من خلال المضمون وذلك بفرض حضور القانون الملزم في الزواج والطلاق والتشديد على حماية حقوق المرأة مثلما يتجلى من خلال تحديد السن الدنيا للزواج ومنع تعدد الزوجات وتأسيس الطلاق بالتراضي
.
وتعد أحكام هذه "المجلة" التي عاشت مراحل عديدة من التطوير والتحسين مسايرة للتحولات المجتمعية بمثابة علاج قانوني اجتماعي لوضعيات متأزمة إذ أنها عالجت أوضاع المرأة والطفل والأسرة عند قيام رابطة الزوجية وانحلالها بفرض المحاولة الصلحية. وفي هذا الباب تعد "المجلة" أول تشريع عربي إسلامي أوجب المحاولة الصلحية البت في آثار الطلاق بالنسبة إلى الزوجة والأطفال وخاصة التعويض عن الضرر الناجم عن الطلاق وجراية المطلقة
.
وتأكيدا لطابعها التأسيسي وأبعادها الشمولية كان لـ"مجلة الأحوال الشخصية" أثرها الكبير على سائر مكونات المضمون التشريعي التونسي باتجاه ضمان تلاؤمه مع الأحكام التي أتت بها إذ تم تعديل التشريعات السابقة لصدورها مثل مجلة الالتزامات والعقود والمجلة الجزائية كما أعطت من روحها للتشريعات اللاحقة كقانون الحالة المدنية وقانون الجنسية ومجلة حماية حقوق الطفل وقانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين
.
ومن ابرز خصائص هذا التشريع التقدمي الذي عرف على مدى سنوات نصف القرن الماضي محطات عدة للإثراء والتطوير أنه يتميز بتناغمه مع التشريعات الدولية في مجال حقوق الإنسان وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتكرس منظومة التشريعات التونسية ذات الصلة مكاسب البشرية في مجال الحقوق الفردية والجماعية ومنها حقوق المرأة إذ صادقت تونس على الاتفاقيات الدولية التي تمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة وأرست مبادئ حماية الطفولة وضمنت حقها في الرعاية الصحية والتعليم والعمل وحرية الزواج مثلما وفرت لها الحماية من الاعتداءات الجنسية
.
وقد مثلت حقوق المرأة والمكاسب التي خولتها لها تشريعات دولة الاستقلال وثمار تجربة العقود الثلاثة الأولى من الفعل التنموي ثابتا أساسيا أعلن تغيير 7 تشرين الثاني- نوفمبر 1987 الدستوري بقيادة الرئيس بن علي تمسكه به بأن رفع شعار "لا للتراجع" عما تحقق للمرأة التونسية من حقوق ومكاسب ونعم لـ"المراجعة" في اتجاه تطوير تلك الحقوق والمكاسب وإثرائها وضمان تلاؤمها مع المنزلة الهامة التي أضحت تحتلها المرأة في كل ساحات العمل والإنتاج والإضافة ومواقع القرار والمسؤولية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا
.
وقد برهنت تلك الإرادة التي تحظى بحضور بارز في الخطاب السياسي للرئيس بن علي على أن تغيير 7 نوفمبر كمشروع سياسي ومجتمعي يعد بالدرجة الأولى امتدادا لموروث الفكر الإصلاحي الوطني ومدارس الفكر الاجتهادي المستنير عربيا وإسلاميا ومن رموزها الأعلام خير الدين التونسي وأحمد ابن أبي الضياف ومحمد عبده وقاسم أمين وعبد العزيز الثعالبي وصولا إلى الطاهر الحداد الذي يعتبر مؤلفه الشهير "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادر في ثلاثينات القرن الماضي المرجع الأساسي الذي نهلت منه تجربة تحرير المرأة في تونس واستندت إليه "مجلة الأحوال الشخصية
"
.
ومن شواهد هذه الإرادة التي تقطع الطريق أمام أي ارتداد عن المبادئ وتعمل على الحيلولة دون انتكاس التجربة أو النكوص عن خيارات الإصلاح مبادرة بن علي بإدراج "مجلة الأحوال الشخصية".. الوثيقة والتجربة والرمز ضمن نص الدستور التونسي في تنقيح 1997 وعزز مكانتها القانونية في التنقيح الدستوري الجوهري لشهر حزيران- يونيو 2002 بأن كرس تلك المجلة إلى جانب مبادئ أخرى مشتقة من إنجازات التحرير والتنوير والتحديث مثل حقوق الإنسان والتسامح والتضامن قيما دستورية عليا يحتم على الجميع دولة ومجتمعا مدنيا واجب احترامها وصيانتها ومسؤولية ترسيخها وتنميتها
.
وفي هذا الباب بالذات ارتقت تونس بمقتضى التنقيح الدستوري المؤرخ في 27 تشرين الأول-أكتوبر 1997 بمجلة الأحوال الشخصية إلى مرتبة الدستور تأكيدا لإلزامية التقيد بها من قبل كل الأطراف الوطنية ولاسيما تلك المعنية بالشأن السياسي. ووفقا لهذا التعديل أصبح الفصل الثامن من الدستور التونسي ينص على ما يلي "تساهم الأحزاب السياسية وتنظم على أسس ديمقراطية وعليها أن تحترم سيادة الشعب وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان والمبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية وتلتزم الأحزاب بنبذ كل أشكال العنف والتطرف والعنصرية وكل أوجه التمييز
..".
وقد تجلت إرادة إثراء مكاسب المرأة وتطويرها في عهد بن علي في زخم من المنجزات التشريعية والمؤسساتية لعل من علاماته الكبرى التعديلات الهامة التي أدخلت على "مجلة الأحوال الشخصية" في 12 تموز-يوليو 1993 وهو تعديل أكد الدور المركزي للأم في الأسرة وأحاطها بالحماية مهما كان الوضع الذي تمر به الأسرة في حالتي التماسك والتمزق فجعل الأم شريكة للأب في الولاية على الأبناء ومكنها من حضانة الأبناء القصر وتصريف شؤونهم. كما كرّس التعديل مبدأ التعاون بين الزوجين في الواجبات المالية وغير المالية من أجل حماية أجيال المستقبل
.
وفضلا عن ذلك جاء تنقيح تموز-يوليو 1993 ليضفي نفسا حداثيا أكبر على مجلة الأحوال الشخصية بأن أرسى مفاهيم ورؤى جديدة داخل العائلة تتماشى والتغيرات الهيكلية التي شهدها المجتمع التونسي إذ غير مفهوم رئاسة العائلة وألغى التنصيص على واجب الطاعة وأقر واجب التعاون والشراكة ومساهمة الزوجة في الإنفاق على الأسرة.
وقد كان من ثمار "المغامرة" الإصلاحية التي أسندتها إرادة سياسية ثابتة على عهدي بورقيبة وبن علي أن حازت المرأة في تونس سبقا أكيدا على نظيراتها في جل دول العالم العربي الإسلامي وربما أكثر من هذا المجال الجغرافي الحضاري الثقافي لا على صعيد التشريعات والقوانين المنظمة لحقوقها ولمكانتها في الأسرة والمجتمع فحسب وإنما أيضا على مستوى الواقع الوطني التونسي حضورا فاعلا وقدرة على الإضافة ودورا حقيقيا في مسيرة البناء الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي
.
الناظر في واقع تونس اليوم يدرك حجم النقلة النوعية التي أدركتها المرأة التونسية في سائر المجالات كما ونوعا وهي نقلة تترجمها أرقام موثقة ومؤشرات عميقة الدلالة تنبئ عن إدراك هذا البلد العربي بجوهر التقدم الاجتماعي والاقتصادي تضعه في مدارات أقرب ما تكون إلى المستويات التي بلغتها الدول المتقدمة العريقة على صعيد التحديث الاجتماعي والسياسي
.
فالمرأة في تونس لا يقل اليوم حضورها عن الثلث في بعض المهن والقطاعات التي كانت مع بدايات الاستقلال حكرا على الرجل من ذلك أن حضورها السياسي قد بلغ نسبا عالية في مجلس النواب (البرلمان) وداخل المؤسسة التشريعية الوليدة "مجلس المستشارين" وفي اللجنة المركزية للحزب الحاكم في تونس "التجمع الدستوري الديمقراطي" وفي المجالس البلدية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي
.
وعلى مستوى اقتحامها فضاءات العمل والإنتاج المادي والمعرفي تمثل المرأة حاليا نسبة 51 بالمائة في سلك التعليم الابتدائي
8 بالمائة في التعليم الثانوي
0 بالمائة في التعليم العالي
2 بالمائة في المهن الطبية (فاقت 70 بالمائة في بعض الاختصاصات مثل طب الأسنان والصيدلة)
1 بالمائة من المحامين
7 بالمائة من القضاة وقرابة 57 بالمائة من مجموع طلبة الجامعات والمعاهد العليا ونسبة 32 بالمائة في قطاع الفلاحة والصيد البحري
3 بالمائة في الصناعات المعملية
.
ومن مؤشرات تعزيز حضور المرأة في الفضاء العام ضمن هياكل ومؤسسات المجتمع المدني الارتفاع المطرد لعدد الجمعيات النسائية التي تنشط في مجالات الثقافة والعلوم والهندسة والاتصالات والتقنية والاقتصاد والتصرف إلى جانب تكثف البرامج والخطط التي تستهدف دعم انخراط المرأة في مجتمع المعرفة والمعلومات وإتاحة الفرص أمامها لتوظيف كفاءاتها في المجالات المستحدثة والمجددة التي ترتكز على استخدام التكنولوجيات والمعلوماتية. وفي هذا المضمار وتأكيدا لمكانة التعليم بمختلف مستوياته كبوابة لاقتحام مواقع جديدة متقدمة شهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تطور عدد المختصات في تكنولوجيا الاتصال من 28 بالمائة من مجمل الطلبة سنة 1999 إلى 40 بالمائة سنة 2004 وتعزيز موقعها في منظومة البحث العلمي والتكنولوجيا إذ يفوق عدد النساء العاملات في هذا الميدان 1180 امرأة أي ما يمثل 27 بالمائة من مجموع موظفي
القطاع. وتحتل المرأة مواقع التسيير والقيادة في هيكلة المؤسسات الخاصة الناشطة في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال
.
وقد تواترت على مدى العقود الماضية وخاصة خلال السنوات العشرين الأخيرة شواهد التقدير عربيا ودوليا لتجربة تونس في مجال النهوض بالمرأة وتكريس حقوقها وإثراء مكاسبها على مختلف الأصعدة
__________________
الاستاذة بسمة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى الاستاذة بسمة
البحث عن المشاركات التي كتبها الاستاذة بسمة