~ اليوم التالي
\\ عودة لـ جيسي ~
وقفت في منتصف المطبخ عاقدة ساعداي أمام صدري , أخذت نفساً طويلاً لأني إن لم أفعل فسأنفجر من هذا المنظر , بدأت عملية التنظيف , سأنتقم من كايسي يوماً ما لفعلته تلك , منزلي ليس نادياَ له و لأصدقائه
ارتطمت يدي بكيس به مايونيز وعليه قطع من الشوكولا
امتعضت ملامحي و أبعدتُ يدي على الفور واضعةً إياها تحت مياه الصنبور النظيفة لأتمتم بعصبية : تباً لك كايسي , سأردها إليك يوماً , تباً تباً
سمعت طرقات متتالية على الباب , فخرجت من المطبخ
أخذت الجرائد الصباحية و شكرتُ فتى التوصيل , نظرت للصفحة الأولى بشرود و على شفتي ابتسامة :في يوم , ستنشر مقالاتي في هذه الصفحة
انتبهتُ أني لم أغلق الباب بعد , و قد رحل الفتى
توجهت ناحية كايسي و علامات الشر على وجهي , قذفت الجرائد عليه صارخة : كـايـسـي ويـنر , انهـض
فزع كايسي و نهض من السرير فوراً لتلتف قدمه حول الغطاء و يقع على أنفه صارخاً بألم
لم أستطع أن أقف من كثرة الضحك فتوجهت للصالة و جلستُ على أحد الأرائك قائلة له : كان علي تصوير هذه اللحظة , كان عليك رؤية نفسك
خرج من الغرفة ماسكاً أنفه , مقطباً حاجبيه بألم مما دفعني لبدء نوبة ضحك جديدة
صرخ : لم فعلت ذلك جيس .. جيسيكا
توقفت عن الضحك فوراً ما إن نطق بـ جيس تلك , ثم رمقته بحقد بعدما عدلها , تمنيت ألا يفعل ليكون موته على يدي اليوم
قلت ببرود و كأني اكتسبت هذه الصفة من نايجل : منزلي ليس نادياً يا كايسي
صمت لبرهة ثم رد علي : أنتِ لستِ حانقة لأني سهرت مع أصدقائي البارحة هنا , أتِ مقهورة لأني لم أبحث عنك عندما تأخرتِ – أكمل بنبرةٍ باردة – و لكن ماذا أفعل أنا إذا تأخرت أختي الكبرى الراشدة خارج المنزل بضع ساعات –تحولت لهجته للصراخ- ماذا أفعل إن ظهر لي بصيص من الأمل أن أختي الوحيدة أخيراً وجدت لها صديقاً , فلماذا أزعجها ؟ !
تركني و دخل الحمام , تركني مصدومة من كلماته : هل هذه أفكاره ؟!
خرج , ألقى علي نظرة ثم سأل : إن لم تكوني مع صديق , فأين كنتِ كل هذا الوقت ؟
رفعت عيناي الدامعة له , حافظت على تلك الدموع كل لا تسيل أمامه و أنا أقول بنبرةٍ حادة : حتى إن كنت مع صديق , ألا يجب عليك أن تعرف هذا الـ .. صديق , ألا يجب أن تهتم .. ؟ أنت لم تعد كايسي مذ دخلت تلك الثانوية اللعينة .
أخذت حقيبتي الشخصية و رددت بخفوت : لم تعد كايسي , لم تعد أخي الذي أعرفه
و قبل أن أخرج من الشقة سمعته يتمتم : يا إلهي , متى تجد صديقاً تلهو معه لترحمني من تلك المحاضرة اليومية
ابتلعت غصتي و أغلقت الباب : أخي ينتظر الفرصة ليتخلص مني , أخي الوحيد و كل عائلتي بهذا العالم , معقول ؟
بمجرد أن قابلتني أشعة الشمس الدافئة تمنيتها تكون نايجل , ليسمعني
حقاً أود أن أتحدث و إلا انفجرت !
مضى اليوم و لم يأتي و لم أتحدث مع أحد , لم أحس بشيء كهذا من قبل
يبدو أني مصابة بالاكتئاب
عدتُ و وجدتُ كايسي يجلس مع صديق له , لم أتبينه , يشاهدان مباراة لـ كرة السلة
لم أبالي و دخلتُ لغرفتي , لم أتناول أي شيء , لم أفعل أي شيء , أكره تلك الحالة من الجمود , كم أتمنى لو اخرج لأشبع كايسي ضرباً ليعلم أي حياة يعيش ؟
أ يتذمر من حياته المستقرة معي ؟ , تباً لهذا الصغير الطائش !
هل كان يتمنى لو بقي مع أبي أو مع أمي ؟!
كل ليكون أفضل له بالطبع , فكلٍ منهما في عالمِ آخر و لن يزعجاه " إلى أين أنت ذاهب ؟ , لماذا تأخرت ؟ اذهب و ذاكر الخ الخ الخ
تنهدتُ و أنا أنتهي من تغيير ملابس العمل لـ تلك الخاصة بالنوم , تمددتُ على سرير , أريد أن أصفي ذهني قبل أن أنام بتلك الأفكار المزعجة , أخذتُ أحدق بالسقف تارة و بديكور غرفتي العملي تارة أخرى
دون أن أشعر وجدتُ نفسي أقارنها بغرفة نايجل , و لمرة أخرى تمنيت أن يكون معي و لكن هذه المرة أريده أن يمسح شعري و .. يحتويني
احمر وجهي , طبعاً لم أر ذلك لكني شعرت بالحرارة في وجهي كله إذا فقد احمرتا !
تنهدتُ - مرة أخرى – نهضتُ من سريري و وقفتُ بجوار نافذتي
الحي الذي أعيش فيه هادئ نوعاً ما , لأنه بعيد عن الشوارع الرئيسية بالمدينة , لكن ضجيج السيارات بها يصل إلينا , صوت صرير السيارات , ضحكات رجل مخمور , كانت قريبة , صوت قطط تتشاجر تحت المنزل
أتعبني الوقوف , فأحضرتُ كرسياً و وضعته قرب النافذة , جلستُ و أسندتُ رأسي على حافتها و .. غفوت
تذكرت تلك الحادثة , هؤلاء الرجال يطاردونني , يريدون التخلص مني , ظهور نايجل , غيابي عن الوعي
دموعي تبلل وجنتاي
شخص ما يحتضنني , شعرت بالدفء فجأة و اختفت تلك الخيالات عندما قبلني ذلك الشخص على جبيني بهدوء
لابد أنه نايجل .. نـايجـل
استيقظتُ في الصباح على رائحة شيء يحترق , قفزتُ من السرير قفزاً و هرعت للمطبخ لأجد المقلاة تشتعل
تشتعل بالمعنى الحرفي للكلمة , أمسكتُ بمنشفة و وضعتها عليها , ثم خرجت لأبحث عن أي شيء آخر قد أضعه
زفرت ُ براحة عندما اختفت تلك النيران لتخلف ورائها أشياء متفحمة
لا أريد أن أعرف ماذا كانت على أي حال فقد فقدتُ شهيتي
خرجت من المطبخ لأستعد للذهاب للجامعة و لأول مرة منذ أن استيقظت لاحظت أن كايسي يتحدث مع صديقة من نافذة الصالة !
إذا فهـو من كـان بالمطبخ ذلـك الـ..
لم تكتمل السبة بعقلي إذ اسرعتُ بالصراخ عليه : كـايسي أيها الأحمق الكبير , كدت تقتلنا
أمسكتُ بكتفيه ليعود بضع خطوات للخلف ثم ركلت قدمه ليقع , فهو أطول مني و لن أتمكن منه إلا إذا أوقعته
و لحسن حظي فقد وقع على بطنه محاذياً للنافذة , قبضتُ على ذراعه و لويتها
تحدث أخيراً ببلاهة على الرغم من نبرة الألم في صوته : أوه جيس لقد استيقظتِ أخيراً
ازددتُ من ضغط يدي على ذراعه عندما قال جيس
لقد كنتُ غاضبة و لكني الآن أشتعل غضباً
صرخ بألم : دعيني أيتها الحمقاء , ألا تجيدين سوى الضرب , لهذا ليس لديكِ صديق
رفعت يده ثم ضربتها بعموده الفقري و نهضت من فوقه , لأخذ حقيبتي و أغادر المنزل
خرجت من البناية و أنا في قمة العصبية , غاضبة من أشياء كثيرة , علي أن أتدرب على جعل هذا الأمر عادي
و لكنه اسمي أنا , حسناً أنا لا أقول لـ كايسي,كيس .. أوو – تعبير عن القرف - لَفْظُهْ هكذا يجلب الاشمئزاز
لا أستطيع أن ألا أغضب عندما يناديني أحد بهذا الاسم المختصر المقررف
- مهلك جيسيكا , توقفي
التفتت لأجد نايجل يمشي بخطى سريعة خلفي , قال عندما اقتربت المسافة بيننا :فيم كنتِ تفكرين , دعوتكِ أكثر من مرة .. لقد قلقت
ابتسمت بسعادة لأني رأيته لكني سرعان ما عبست وأنا أسأله : لماذا لم تأتِ البارحة ؟
فقدت عينيه حماسها و غامت قليلاً و هو يجيبني : لقد حدثت مشكلة و كان يجب أن أبقى بالمنزل طوال اليوم
بطريقة ما فهمت قصده فسألت لأتأكد : هل هو أنجل ؟
أومأ لي برأسه فعدت أسأل : ماذا حدث ؟
زم شفتيه و أشاح بوجهه قائلاً : سأخبركِ في الطريق ؟
أمسك بيدي و بدأ بالمشي فقلت بهلع : هيي هيي نايجل لدي عمل
أجابني بهدوء : لقد أخذت إذن لكِ اليوم , لا تقلقي .
امتقع وجهي و سألته مجدداً : إذن مِمَن ؟
هز كتفيه و هو يرد ببساطه : من مايكل , أليس هو المشرف على مشروع تخرجك ؟!
سألته بفضول و قد لمعت عيني ببريق الخبث : أجل هو , هل تعرفه معرفة شخصية ؟
أخرج صوتاً ينم عن السخرية ثم أجابني : معرفة شخصية , إننا صديقان حميمان يا جيسي , أعرفه من قبل أن يتزوج
شهقت و أنا أضع يدي على فمي من الصدمة و رددتُ وراءه : مايكل متزوج !!
رأيت نظرة الاستنكار في عينيه , أتبعها بقوله : هل هناك ضرر ؟
ضحكت لنبرة الاستياء الذي استخدمها و قلت بهدوء : كلا , و لكن أصابتني الدهشة .. لم أتوقع أن يكون مايكل الوسيم متزوج – سألت بطريقة كما لو أنني متلهفة لسماع الإجابة حقاً – هل لديه أطفال ؟
صرخ بي : كلا و كُفّي عن السؤال عنه
شددت على يده أكثر و أنا أضحك ثم أميل على كتفه فأسند رأسي و أهمس : هل تغار , نايجل ؟
نظر إلي بعينيه الزرقاوتين تلك و كأنه نفذ لأعماقي بهما فتصلب جسدي بالكامل تحت تأثير نظرته
ثم تكلم : أجل , و لماذا لا أغار على حبيبتي و زوجتي و أم أولادي ؟
حينها احمر وجهي و نظرت للأرض هرباً , سمعتُ ضحكته العالية فأدركت أنه تعمد هذا و لكني أُحرجت كثيراً فتركت يده و تقدمته في المشي
بعد عدة خطوات شعرت بنفسي في الهواء ثم أجلسني بهدوء على المقعد الأمامي لسيارته
استند على بابها قائلاً بسخرية : ها قد أحضرت سيارة أتمنى أن تنال إعجابكِ ؟
ابتسمت و قلت له و قد احمر وجهي : الأمر ليس كذلك نايجل , و لكن .. انه فقط , محرج
جلس بجواري ثم بدأ يقود بهدوء , لم يتحدث و كذلك أنا , لكن في كل ثانية تمر يقفز سؤال من عقلي لـ لساني و أبلعه بقوة
قلت أحيراً : نايجل
أجابني بابتسامة واسعة : اسألي
زممت شفتي بغضب و أشحت بوجهي من النافذة , عاد و كرر إجابته : هيا جيسيكا أخاف أن يُمرضكِ الأمر , تكلمي .
تأففت ثم قلت : لا شيء
تكلم بجدية : جيسيكا وينر , إن لم تسألي الآن فـ سوف أسألك
قلت بتهور : اسأل
بدأ أول أسألته بنبرة باردة : من هو آخر صديق لكِ ؟
هززت كتفي و قلت بلا مبالاة : لا أذكر
نظر إليّ باستنكار فهتفت : انتبه للطريق
و ما فعله كان عكس ما توقعته تماماً
__________________ أفضل تعـريف لذاتك ..
أنك لست أفضل من أحد ، ولسـت كأي أحد و لست أقل من أحد! |