دخلت روكسان لمكتب رالف و هي تشعر بالتوجس إزاء ذلك الاستدعاء المفاجئ منه
بمجرد أن أغلقت الباب حتى قال بنبرته الباردة التي اعتادتها : اجلسي يا روكسان
رمقته بحدة بطرف عينها و هي تقول بلا مبالاة : سأجلس دون أن تدعوني
لم يبدو أنه غضب لما قالته و لكنه نظر للأوراق التي أمامه , ثم أعطاها لـ تيا و قال و هو يشيح بعينيه بعيداً عن روكسان : لا أستطيع أن أفعل هذا
أخذتها تيا و وضعتها أمام روكسان بهدوء قائلة : تفضلي يا .. ابنة رالف
لم تهتم روكسان بتعليقها , بل لم تنتبه له , أمسكت بالورق وقالت في نفسها : " إنه تحليل DNA !! "
أكملت قراءة الورقة الأولى لتنهض بحدة من على مقعدها و تهتف : ما هذا ؟ , أ تمزح معي ؟!
هز رالف رأسه و قال بنبرة حملت الكثير و الكثير من الأسى : كلا , أنا أسف روكسان , أعتذر على الألم الذي سببته لكِ .. أنتِ ابنتي حقاً
هتفت به روكسان باستنكار : و لم تفكر بعمل هذا التحليل إلا الآن ؟!
أجابها بصوتٍ متحشرج : لو نظرتِ لتاريخ التحليل فستجدينه منذ سنتين , لقد قمت بهذا قبل أن أبدأ بـ ..
صمت , لم تدرِ روكسان لماذا لم يستطع إنهاء جملته , هل يشعر ذلك الرجل بتأنيب الضمير ؟!!
فأكملت هي بدلاً عنه و قد حملت نبرتها سخرية مريرة : قبل أن أصبح حقل تجارب !
قال لها و قد استعاد صوته هدوءه فجأة : روكسان كنتِ تثيريني دائماً بتعليقاتك , و في اليوم الذي أجريت فيه التحاليل , تشاجرتُ معكٍ و لم أر نتائجها
أكملت تيا : ولهذا بدأنا بالتجربة
صرخت روكسان : اخرسي , هذا لا يبرر له فعلته القذرة , أ تفعلها بابنتك يا رالف ؟ , أنت لا تعلم كم الألم الذي قاسيته طوال تلك السنتين , لا تعلم مقدار العذاب الذي كنتُ أعانيه كل ليلة
ألقى رالف قنبلته : أنا شاكر لـ نايجل و فريقه على ما فعلوه معكِ
جفلت روكسان و بدت ملامح وجهها أقرب للفزع من الصدمة و كأنها تقر بما قال
و مع ذلك قالت بصوتٍ مرتجف : نـ نايجل
ابتسمت تيا ابتسامة خبيثة عندما وجهت روكسان عينيها إليها , كأنها تستجديها و عكس توقعاتها تماماً قالت تيا : بالمناسبة , ليس لي أي علاقة بـ نايجل هذا و لم أره يوماً
عادت روكسان لتجلس على المقعد فأكمل رالف : أعتذر روكسان فقد حدث هذا قبل أن أرى الأوراق , كنت أعرف أنكِ قضيتِ كل هذه المدة في مبنى الدفاع المدني , و ما أتوقعه أنك جُندتِ هناك أيضاً
صمت لثوانٍ و هو يراقب ملامح روكسان و التي بدت له مصدومة بل في أشد حالات الصدمة
أكمل بهدوء : أمرت تيا أن تحاول الإيقاع بك على أنها هي أيضاً جاسوسة – و ضغط على الكلمة و هو يقولها من بين شفتيه – مثلكِ , لكي أتأكد من الأمر , لن أخفي عليكِ , كنتُ أنوي الاستمرار في هذه المسرحية و لم أكن لأسمح لكِ بالاطلاع على أي مشروع من مشاريعي الخاصة
تبدلت نبرته للفرح و شيء من الحماسة و هو يقول : لكنكِ ابنتي حقاً , على الرغم من امتناني لما فعله نايجل و أنه تمكن من السيطرة على جينات لورا بداخلكِ إلا أنني أريدكِ أن تنضمي إلى فريق العمل , بالنهاية أنا من حولكِ لهذا
لم تتغير الابتسامة الخبيثة من على وجه تيا بينما صمت رالف ليرى ردة فعل روكسان
و لم يتوقع هذا أبداً فقد استدارت و غادرت المكتب و كأنه كان يلقي عليها محاضرةً و انتهت
خرجت و هي تشعر أن كل شيء حولها ينهار , لم تعد تفهم أي شيء
لا تفهم أي شيء ..!
ماذا تفعل الآن و لم يعد معها الدليل ؟
أي دليل على أنها عملت مع منظمة دفاعية بحق
دخلت الحمام الخاص بالدور و أغلقت على نفسها , وقفت أمام المرآة , فتحت الصنبور و غسلت وجهها , عادت لتنظر في تلك المرآة
كأنها تراه , تلك العينان الباردتان , عينيها .. عيناه
كـلا , كــلا لستُ ابنته لست ابنةً لذلك الكائن عديم الرحمة
- بدأت تضحك بهستيريه - بالنهاية هو من حولني !!
هل يفتخر بالأمر ؟!
- ختمت ضحكاتها الأخيرة بشهقات و هي تفكر - ليـوناردو , كم أشتاق لأرمي نفسي بين ذراعيك , لتحضنني و تخبئني عن الجميع
أمسكت بطرف الحوض في محاولة لتبقى واقفة و لكن قدميها خانتاها فجلست على الأرض بانهيار تام
تريد حضنا و حناناً و بسمة دافئة , تريد أن ترتاح ,ضربت أرضية الحمام بيديها
فُتِح الباب فجأة و ظهر أخر شخص تتوقعه
هتف ماكس بجزع حقيقي و هو يراها في تلك الحالة : روكسان
أمسك بكتفيها و لكنها ضربته فتركها , لتنهض هي دون مساعدته و تصرخ فيه بطريقة هستيرية بها لهجة استنكار واضح : ماذا تفعل ؟ , هذا الحمام للفتيات .. أخرج
قالت كلمتها الأخيرة و هي تدفعه خارجاً و تغلق الباب , عادت لتضع رأسها تحت مياه الصنبور
اختلطت دموعها بمساحيق التجميل التي تضعها و التصقت خصلات شعرها بوجهها ,لم تنظر لنفسها في المرآة بعد ذلك , بل أخرجت محارم من جيب سروالها و مسحت به المياه
و خرجت \\ بالجهة الأخرى
خرج ماكس و قد احمر وجهه : في النهاية أطرد من حمام الفتيات !
وضع يده على وجهه محرجاً من الأمر برمته و لكن ماذا يفعل إذ أصابه الخوف عندما رآها تمر من أمامه مسرعة و على وجهها ذلك التعبير الغريب
هذا جزائه للحاق بها , بالأساس تعب من هذا الأمر , يبدو أنها متعلقة بذلك الشاب كثيراً !
أحس بها عندما فتحت الباب لتتسع عيناه بشدة , فمظهر روكسان كان مروعاً
اتجه إليها و هو يخرج محرم آخر من جيبه , أمسك بوجهها و بدأ يمسح آثار الكحل عن وجهها و هو يقول بتذمر : يا لكِ من فتاة متعِبه
ضربت يده لتبعدها : أنا أيضاً تعبت منك , ابتعد عن طريقي , ماكس .. ابتعد عني لأني سأجعلك تندم على تصرفاتك هذه
فتح فمه ليقول شيئاً و لكنها أسكتته بصرختها : أ تفهم ؟! , إن تماديت معي فلا تلم إلا نفسك ماكس وارنر
ثم تركته واقفاً أمام حمام الفتيات و توجهت للمصعد
وقفت أمامه تراقب ذلك الزر المنير الذي يُشير للأعلى , دلفت للمصعد بمجرد أن فُتحت أبوابه , استطاعت أن تلمح ماكس و هو يستند بظهره على الحائط و قد أمال رأسه للأمام , لكنها لم تبالي
خرجت من مبنى الشركة لتوقف سيارة أجرة و تخبره بعنوان المنزل
__________________ أفضل تعـريف لذاتك ..
أنك لست أفضل من أحد ، ولسـت كأي أحد و لست أقل من أحد! |