عرض مشاركة واحدة
  #143  
قديم 10-04-2010, 02:51 PM
 
الحلقة الثالثة
الحضارة
الفينيقية

*البحـــر بديـــل عـــن البـــرّ:
شملت فينيقيا أراضي لبنان الحالية و اجزاء من سوريا و فلسطين، يتكون سطحها من جبال تكسوها غابات الأرز، و سهول ساحلية ضيقة معزولة عن بعضها البعض، لا يكفي إنتاجها حاجة الناس، و سواحل متعرجة بها خلجان و رؤوس وجزر صغيرة تشكل موانئ طبيعية. بالإضافة إلى ذلك فهي ملتقى طرق بين مصر و بلاد ما بين النهرين و آسيا الصغرى و اليونان.
*ثمــــن الإنقســــام الإحتـــلال:
قامت على طول الساحل الفينيقي مدن مستقلة عن بعضها أشهرها: جُبيل، صيدا، صور. لكن هذا لم يمنع قيام إتحاد مؤقت بينها لمواجهة الأخطار الأجنبية التي تعرضت لها، إنَّ فينيقيا باعتبارها منطقة اتصال بين الدول الكبرى ومنفذا للتجارة، كانت على الدوام محل صراع. و لهذا فقد احتلت على التوالي من طرف المصريين و الآشوريين والبابليين والفرس واليونان، واجهت المدن الفينيقية، هذا الإحتلال المتعدد الأطراف بمهادنة الغزاة وتقديم الضرائب لهم مقابل احتفاظها بالإستقلال الداخلي و حرية التجارة.
*ملاحــــون و تجّــــار:
برع الفينيقيون في صناعة السفن التجارية المزودة بالإشرعة والمجاذيف، وفي أول الامر كانوا يتجنبون الإبحار ليلا مخافة الضياع، و يتنقلون بمحاذات الساحل لضمان امنهم، ولما أصبحت سفنهم قوية واهتدوا إلى تحديد الإتجاهات بواسطة النجم القطبي صاروا يقومون بالرحلات طويلة المدى و في كل الاوقات.
قامت التجارة الفينقية على تصدير منتوجاتهم من الاخشاب و الزيتون والخمور و المنسوجات الأرجوانية الرفيعة، و الزجاج، وعلى استيراد معدن النحاس من قبرص و الفضة من سردينيا و القصدير من بريطانيا و الحبوب من مصر وصقلية، و العطور والبخور و الحرير من الشرق الأقصى، و الذهب والعاج والجلود من شمال إفريقيا، ثم إعادة توزيع هذه البضائع على الأسواق، و لتسهيل عمليات التبادل التجاري مع السكان انشأ الفينقيون محطات تجارية على سواحل البحر المتوسط وجزره، من اهمها قرطاجة التي ستلعب دورا كبيرا في تاريخ المغرب القديم.
*مكســــب حضـــاري عظيـــم:
إن اعظم ما قدمه الفينيقيون للإنسانية هو اختراعهم للحروف الأبجدية التي كانت أساس الكاتبات الحالية.
كان الفينيقيون تجارا، اقتضى منهم عملهم تسجيل الربح والخسارة و القرض والفائدات و المراسلات(مواصفات السلع، عقود البيع و الشراء، و إبرام الإتفاقيات التجارية). و بالطبع لم تكن الهيروغليفية او المسمارية لتلبي هذه الإحتياجات بالكيفية المُرضية و بالسرعة المطلوبة، فأوجدوا كتابة خاصة هي الأبجدية، التي تألفت من22حرفا، وكان لها انتشارا واسعا في العالم.
و كان ايضا من نتائج نشاطهم التجاري الواسع في البحر، أنهم اتاحوا للشعوب فرصة الإطلاع على منجزات بعضها البعض، و الإستفادة من خبراتها، بما نقلوه من بضائع من منطقة إلى أخرى.
و فيما عدا هذا من الجوانب الحضارية، فإن الفينيقيين في مجال الفنون و المعتقدات مثلا، كانوا غالبا مقلّدين ومقتبسين عن غيرهم، ولم يصلوا إلى مستوى إبداع المصريين وشعوب مابين النهرين.

رد مع اقتباس