الحلقة الرابعة
قرطاجـة وحضارتها
*المحطـة التجاريـة التـي تحولـت إلـى إمبراطوريـة:
واصل القرطاجيون النشاط التجاري الذي بدأه الفينيقيون، وحرصوا على ان تكون علاقاتهم سلمية مع الشعوب التي اتصلوا بها ضمانا لرواج تجارتهم. ولم يترددوا في الإبحار بعيدا عن عن بلادهم بحثا عن أسواق جديدة، فاجتازوا مضيق جبل طارق و غامروا في المحيط الأطلسي، و قد نوَّه المؤرخون برحلتين في القرن الخامس قبل الميلاد هما:
1-رحلــــة هملكــــون:
نسبة إلى البحار القرطاجي الذي وصل إلى الجزر البريطانية طلبا لمعدن القصدير.
2-رحلـــة حنّــــــــون:
نسبة إلى بحار قرطاجي آخر قاد رحلة قرطاجية-ليبية مشتركة، هدفها إقامة مدن ليبية-قرطاجية(بونيقية) على الساحل الغربي لإفريقيا، وبلغ خليج غينيا.
*السلـــم لتحقيـــق المصلحـــة:
أسس الفينيقيون على الساحل التونسي مدينة قرطاجة سنة814ق.م، وظلت تابعة لهم حتى القرن الخامس قبل الميلاد، ولما استولى البابليون على فينيقيا استقلت قرطاجة بأمورها، و أصبحت عاصمة لإمبراطورية تشرف على مجموعة كبيرة من المدن الساحلية التي كانت محطات تجارية، ومراكز للتحكم في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.
كان نظام الحكم في قرطاجة أول الامر ملكيا، ثم تطور فأصبح جمهوريا، يتولاه حاكمان يتم تعيينهما لمدة عام من طرف مجلس الشيوخ ومجلس الشعب.
لم يكن لقرطاجة جيش نظامي، بل كانت في وقت الحرب تستنجد بفرسان نوميديا وتجند المرتزقة الأجانب، مما جعل جيشها غير منسجم، وكانت قوة الجيش الحقيقية تكمن في القيادة الماهرة، واستخدام أسلحة متقدمة غير معروفة لدى الرومان، كالفيلة والعربات المصفحة والأسطول سريع الحركة والمناورة.
كان موقف قرطاجة من سكان المغرب القديم ودِّيًّا، فلم تشأ أن تتوسع على حساب أراضيهم، بل حالفت ملوكهم وعملت على استرضاء رعاياهم بتشغيلهم لديها وتجنيدهم في جيوشها، والسماح بالزواج المختلط بين مختلط العناصر، لأن ما يهمها هو الأمن الذي يضمن المبادلات ويسمح بالإزدهار التجاري، وكانت نتيجة العلاقات السلمية التي توثقت روابطها لقرون واندماج السكان في الحضارة القرطاجية، فاخذوا عنها عقائدها وتقاليدها الزراعية، وكتابتها، وبعض العادات الإجتماعية.
*نهايـــة مأساويــــة:
وصل التنافس التجاري بين الشعوب من اجل السيطرة على الأسواق والطرق التجارية إلى توتّر العلاقات وإعلان الحروب.
فقد كانت الجزر، مثل صقلية وسردينيا، ميدانا لصراع طويل بين قرطاجة و اليونان في الفترة الممتدة بين القرن السادس والرابع قبل الميلاد، ثم للصراع بينها وبين روما، التي أخذت تنازعها السيادة على البحر المتوسط وشمال إفريقيا، ودخلت معها في حروب طويلة، امتدت من سنة264إلى146ق.م وعرفت بالحروب البونية، وقد كانت هذه الحروب على ثلاث مراحل:
-الأولــــى:264-241ق.م:
بدات هذه الحروب عندما أرسلت روما قواتها إلى صقلية لتحول دون احتلال قرطاجة لمرفأ مِسّينا، واستمرت المعارك طيلة 23سنة، و بالرغم من شجاعة القائد القرطاجي هملكار وبراعته في فنون القتال، فقد انتهت بتراجع قرطاجة وفقدانها لبعض المراكز الهامة كصقلية وكورسيكا وسردينيا. و إثر ذلك حاول هملكار أن يعوض خسارة بلاده بالتوسع في إسبانيا، ولكنه توفي بها في إحدى المعارك.
-الثانيـــة:218-202ق.م:
بعد وفاة هملكار خلفه ابنه حنّبعل في قيادة جيوش قرطاجة، وقد كان مثل ابيه يكره الرومان، لذلك جهز جيشا قويا وساربه نحو إيطاليا عبر إسبانيا وفرنسا الجنوبية مخترقا جبال البريني والألب و الأبنين، وحقق عدة انتصارات على الرومان، حتى أن مدينة روما نفسها أصبحت في متناول يده، وكان بإمكانه الإستيلاء عليها، لكن تردده مكن الرومان من استعادة قوتهم، ونقْل الحرب إلى شمال إفريقيا مما اضطرّه إلى رفع الحصار عن روما والعودة على عجل لإنقاذ وطنه، غير ان معركة زاما بنوميديا، على بع
0كم جنوب قرطاجة وضعت حدا لآماله و اجبرت قرطاجة على قبول شروط روما الجائرة، ومنها تسليم اسطولها، ودفع غرامة مالية كبيرة لمدة50سنة، وعدم قيامها بأي حرب إلا بموافقة روما.
-الثالثـــة:149-146ق.م:
بع
0سنة من الحرب الثانية، استعادت قرطاجة قوتها و ازدهارها، الأمر الذي أقلق الرومان، فقرروا القضاء عليها نهائيا.وبعد حصارها واستماتة اهلها في الدفاع عن انفسهم دمّروها وباعوا سكانها كعبيد، و حوّلوا ممتلكاتها إلى ولاية رومانية.
وبالقضاء على قرطاجة تأهبت روما لاحتلال شمال إفريقيا، وأصبحت وجها لوجه امام الممالك الأمازيغية.
سنتابع باقي الأحداث في الحلقات القادمة وكيف سيتواجه سيغزو الليبيون مصر وكيف سيتواجه الرومانيون مع الأمازيغ ومن سينتصر...