عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-05-2010, 05:21 PM
 
المفاسد المترتبة على هذا العمل القبيح عديدة، أهمها ثلاث مفاسد كبرى تكفي إحداها لرد من فعل ذلك عن غيه، وإعادته إلى رشده، ولأن كثيراً ممن يقارف هذا المنكر لا يدرك عواقبه، ولا يعي مخاطره عليه هو قِبَل الناس والمجتمع، وعلى من أهدى إليه هذه المواد المحرمة؛ فإنني سأذكر المفاسد الثلاث لتناقل هذه الصور أو الأفلام أو القصص الجنسية، مع ذكر الأدلة التي تبين حجم هذا الضرر:

المفسدة الأولى:

أن من أرسل الصور أو الأفلام أو القصص الجنسية إلى غيره فإنه يبوء بإثم صاحبه مع إثمه من غير أن ينقص من إثم من أُرسلت إليه شيء، ومن أدلة ذلك:

1 - قول الله ـ عز وجل ـ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]. وهذه المواد الإباحية من أعظم الضلال، ومن أرسلها إلى غيره فهو يضله، ويدعوه لمشاهدة المحرم، ويعينه عليه؛ بل يدفعه إليه دفعاً، وقد ينتج عن ذلك: وقوعه في الزنى أو عمل قوم لوط أو الاغتصاب أو الوقوع على ذات محرم، نسأل الله السلامة والعصمة.

ولا يمكن لأحد من الناس أن يقول إنها ليست من الضلال، وأن دفعها للغير ليس إضلالاً له؛ حتى لو كان عند المرسلة إليه مواد غيرها؛ فما يرسل إليه يزيده إضلالاً إلى ضلاله، ومعصية إلى معصيته، لا يختلف في ذلك مسلمان، ولا يجادل فيه مجادل.

بل إن كثيراً من الدول الكافرة التي تستبيح المحرمات، وتقر الزنى والشذوذ ونكاح المحارم؛ لا تسمح بتداول هذه المواد الجنسية إلا وفق ضوبط يضعونها، وأنظمة يشرعونها.

وإذا تقرر أنها من الضلال؛ فالذي ينشرها فهو ناشر للضلال، وإذا أهداها الشاب لزميله فهو يضله، وكذلك الفتاة إذا أرسلتها لصديقتها فهي تضلها، وكلاهما يحمل أوزار من أُرسلت إليهم عن طريقهما؛ كما هو نص الآية. قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: «أي: يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم»(1).

2 - قول الله ـ تعالى ـ: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]. قال مجاهد ـ رحمه الله تعالى ـ: «يحملون ذنوبهم وذنـوب مــن أطاعهـم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئاً»(2).

3 - قول الله ـ عز وجل ـ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5]، قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في معناها: «ما قدَّمتْ من سُنَّة صالحة يعمل بها من بعده فله أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، وما أخرت من سُنة سيئة يعمل بها بعده؛ فإن عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً»(3).

4 - حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له مـن الأجر مثل أجـور مـن تبعـه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً»(4).

5 - حديث جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : «من سن سنة خير فاتُّبِع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئاً»(5). قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ: «من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه»(6).

فدلت هذه الآيات والأحاديث على أن من هدى غيره إلى ضلالة فهو يحمل وزره مع وزره؛ ومن أهدى غيره صورة أو أفلاماً أو قصة جنسية فهو كذلك؛ وبحسب أعداد من أعطاهم هذه المواد المحرمة، وهم أعطوها غيرهم ما أعطاهم يحمل من أوزار، بحيث تصير أعدادهم بعد مدة أعداداً كبيرة جداً، تزيد ولا تنقص بسبب التطور الهائل في وسائل الاتصال وتبادل المواد بالهواتف الجوالة أو الإنترنت. والعاقل تكفيه ذنوبه؛ فكيف يرضى بحمل أوزار الآخرين، وبأعداد مهولة تزيد بتقدم الأيام؟

وقد يأخذ الفيلم من الشاب أو من الفتاة من يقع بسببه في الزنى، أو على ذات محرم، أو يفعل فاحشة قوم لوط، وما أغواه إلا صاحبه في حال ضعف وغفلة، وغلبة شهوة، وتسلط الشيطان الرجيم وجنده.

ولو لم يكن في تبادل هذه المواد المحرمة إلا هذه المفسدة لكانت كافية في امتناع كل من عنده ذرة من إيمان وعقل عن إعطائها لغيره مهما كان قريباً إليه، عزيزاً عليه.

ولو نقلت هذه الحقيقة المرعبة إلى الشباب والفتيات لكف كثير منهم عن غيه، وخافوا تكاثر الذنوب بتداول هذه الصور.

المفسدة الثانية:

أن في إعطاء هذه المواد المحرمة للغير مجاهرة بالذنب، وخروجاً من المعافاة التي يُحرَم منها المجاهرون.

إن من نعمة الله ـ تعالى ـ على العاصــي أن يســتره ربـه، فلا يفتضح أمره أمام الناس، ولا سيما من يشتد حياؤه منهم كوالديه وأقاربه وأساتذته. والفتاة أو الشاب الذي يقتني صوراً محرمة عاصٍ لله ـ عز وجل ـ والله ـ تعالى ـ قد ستره في معصيته تلك؛ فإذا أطلع غيره على ما يحمل من صور محرمة فقد هتك ستر الله ـ تعالى ـ عليه، وجاهر بعصيانه، وبقدر توزيعه لتلك المواد المحرمة تكون مجاهرته حتى تبلغ الآفاق. والمجاهر بعصيانه حري أن لا يعافى في الدنيا من العقوبة أو من الإقلاع عن ذنبه.

فليعلم من يتناقلون الصور المحرمة أنهم حريون بالخروج من ستر الله ـ تعالى ـ إلى المجاهرة بعصيانه، ويُخشى عليهم الحرمان من المعافاة في الدنيا والآخرة؛ مما ينذر بسوء الخاتمة، وشؤم العاقبة، نسأل الله العافية. ودليل ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه»(1).

قال ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ: «المجاهرون الذين يجاهرون بالفواحش ويتحدثون بما قد فعلوه منها سراً، والناس في عافية من جهة أنهم مستورون وهؤلاء مفتضَحون»(2).

وقال ابن الأثير: هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى(3).

وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ: «والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من (جاهر بكذا) بمعنى جهر به، والنكتة في التعبير بـ (فاعَلَ): إرادة المبالغة، ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة، والمراد: الذين يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي، وبقية الحديث تؤكد الاحتمال الأول. وقال أيضاً: «الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المُجَّان، والمجانة مذمومة شرعاً وعرفاً، فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين: إظهار المعصية، وتلبُّسه بفعل المُجَّان(4).

فمن أعطى غيره هذه المواد الفاسدة فهو حري أن يحرم المعافاة في الدنيا والآخرة؛ لأنه مجاهر بذنبه، دال عليه غيره:

1 - أما في الدنيا فهو مستحق للعقوبة بالتعزير، وقد يعاقبه الله ـ تعالى ـ في نفسه أو عرضه، وقد يعاقب بانطماس قلبه، وعدم رجاء توبته، وأسره بالمعصية. نسأل الله العافية من ذلك كله.

قال ابن القيم وهو يعدد أضرار المعاصي: «ومنها أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه، وهو عند أرباب الفسوق غاية التفكه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان! عملتُ كذا وكذا، وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب»(5).

وقال ابن بطال ـ رحمه الله تعالى ـ: «في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم - وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها من إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حداً»(6).

قلت: لا يحصل العاصي على المعافاة الواردة في الحديث إلا بحصوله على الستر، ولا يتأتى له الستر إلا إذا ستر هو على نفسه، فلم يُطْلِع غيره على معصيته، ومن أخبر غيره أنه يملك صوراً أو أفلاماً أو قصصاً جنسية لم يكن ساتراً على نفسه، بل هو فاضح لها؛ فكيف بمن زاد على ذلك بإطلاعهم عليها، أو إعطائهم إياها؟

قال الحافظ ابن حجر: «ستر الله ـ تعالى ـ مستلزم لستر المؤمن على نفسه؛ فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره، ومن قصد التستر بها؛ حياء من ربه ومن الناس منَّ الله عليه بستره إياه»(7).

2 - وأما في الآخرة فهو حري بالمؤاخذة على عصيانه، بعيد عن عفو الله تعالى؛ ودليل ذلك ما رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ حيث قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»(8).

قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: «المستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبر المحدث للناس به؛ فهذا بعيد من عافية الله ـ تعالى ـ وعفوه»(1).

قال ابن بطال ـ رحمه الله تعالى ـ: «وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه؛ فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك»(2).

فإذا انضم إلى ما سبق أنه يعطي غيره هذه المواد المحرمة، ويدعوه إلى الاستمتاع بها؛ فإن إثمه أشد؛ لأنه صار داعية إلى الإثم مع مقارفته للمعصية، ومجاهرته بها. نسأل الله أن يعافينا وإخواننا المسلمين.

قال المناوي ـ رحمه الله تعالى ـ: «وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه، وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده؛ فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به؛ فإن انضاف إلى ذلك: الترغيب للغير فيه، والحمل عليه؛ صارت جناية رابعة، وتفاحش الأمر؛ فيكشف ستر الله ـ عز وجل ـ عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقـامـة الحـد؛ وهـذا لأن مـن صفـات الله ـ تعالى ـ ونعمه: إظهار الجميل، وستر القبيح؛ فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله»(3).

مسألة مهمة: لو أخبر بمعصيته أحداً من أهل العلم والصلاح لا مجاهرةً بها؛ لكنه يريد أن يشير عليه بما يكون سبباً في الإقلاع عنها، والتوبة منها، أو الدعاء له؛ فهل هذا الفعل يُعَدُّ مجاهرة أم لا؟

الجواب: يسأل من يسأل لا على أنه صاحب المعصية؛ فإن كان الجواب لا يتأتى إلا بأن يصرح بذلك صرح به، ولا يأثم به؛ لأنه مسترشد لا مجاهر؛ ودليل ذلك حديث الذي جامع أهله في نهار رمضــان، فأخـبر النبي -صلى الله عليه وسلم - فلم ينكــر عليـه إخباره له، ولا عده مجاهراً بذنبه، وبين له ما يجب عليه.

وقد بوَّب الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ على ذلك فقال: (باب من أصاب ذنباً دون الحد، فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتياً) قال عطاء: «لم يعاقبه النبي -صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن جريج: ولم يعاقب الذي جامع في رمضان»(4).

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ: «واستُدل بهذا على أن من ارتكب معصيــة لا حــد فيهـا وجــاء مسـتفتياً أنه لا يعزَّر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية؛ وتوجيهه: أن مجيئه مستفتياً يقتضي الندم والتوبة؛ والتعزير إنما جُعِل للاستصلاح، ولا استصلاح مع الصلاح، وأيضاً فلو عوقب المستفتي لكان سبباً لترك الاستفتاء وهي مفسدة، فاقتضى ذلك أن لا يعاقب؛ هكذا قرره الشيخ تقي الدين»(5).

ونقل المناوي عن النووي ـ رحمهما الله تعالى ـ قوله: «يُكره لمن ابتُلي بمعصية أن يخبر غيره بها، بل يُقلِع وينـدم ويعـزم أن لا يعود؛ فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها، أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له، أو نحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة. ثم نقل عن الغزالي قوله: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء، بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان، فجاء فأخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليه»(6).

المفسدة الثالثة:

إن في تناقل الصور أو الأفلام أو القصص الجنسية إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا؛ وقد قال الله ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

قال البغوي ـ رحمه الله تعالى ـ: «يحبون أن تشيع الفاحشة: يعني: يظهر ويذيع الزنى»(7).

وقال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: «هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها؛ فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها؟»(8).

وقال الرازي ـ رحمه الله تعالى ـ: «لا شك أن ظاهر قوله: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ} يفيد العموم، وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة(9).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: «ولهذا نهى الله ـ تعالى ـ عن إشاعة الفاحشة، وكذلك أمر بستر الفواحش... فما دام الذنب مستوراً فعقوبته على صاحبه خاصة، وإذا ظهر ولم ينكر كان ضرره عاماً؛ فكيف إذا كان في ظهوره تحريك لغيره إليه؟!»(10).

وقال أيضاً: «كل عمل يتضمن محبةَ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخلٌ في هذا، بل يكون عذابه أشد؛ فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل؛ فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل؟! بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة، والقذف بها، وإشاعتها في الذين آمنوا، ومن رضي عمل قوم حشر معهم كما حشرت امرأة لوط معهم ولم تكن تعمل فاحشة اللواط؛ فإن ذلك لا يقع من المرأة لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم، فمن هذا الباب قيل: من أعان على الفاحشة وإشاعتها مثل القوَّاد الذي يقود النساء والصبيان إلى الفاحشة لأجل ما يحصل له من رياسة أو سحت يأكله، وكذلك أهل الصناعات التي تنفق بذلك مثل: المغنين وشَرَبة الخمر وضُمَّان الجهات السلطانية وغيرها؛ فإنهم يحبون أن تشيع الفاحشة ليتمكنوا من دفع من ينكرها من المؤمنين»(1).

وقال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} «أي: الأمور الشنيعة المستقبحة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع للقلب والبدن؛ وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم؛ فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب؛ فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟!»(2).

فليتق الله ـ تعالى ـ في نفسه كل من تلطخ بهذا الإثم المبين، وليبادر بتوبة نصوح قبل أن يدهمه الموت وهو على هذه الحال السيئة.

ومن ابتلي بهذه القاذورات حتى صار أسيراً لها فلا أقل من أن يستتر بستر الله تعالى، ولا يكون عوناً للشيطان الرجيم على شباب المسلمين وفتياتهم، وليقصـر هــذا الإثــم على نفســـه ولا يعدِّيه إلى غيره؛ فمن فعل ذلك رُجيت له التوبة، وهو حري أن يُعتق من أسر تلك الخطيئة المردية، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله»(3).

■ التكفير عما سلف:

كثير من الفتيات والشباب قد يعزمون على التوبة من هذا الإثم العظيم، لكن يبقى في صدورهم حرج مما فعلوا في السابق من توزيع لهذه المواد المحرمة، ونشر للفاحشة على أوسع نطاق، وقد يكون ذلك سبباً في صدودهم عن التوبة، واليأس من عفو الله ـ تعالى ـ ورحمته؛ وهذه وسوسة من الشيطان ليرد بها المقبل على التوبة عن توبته، ومكافحة هذه الوسوسة بما يلي:

1 - ليعلم أن الله ـ عز وجل ـ تواب رحيم يفرح بتوبة عبده إذا تاب، ويمحــو ذنـــوبه مهما كانت، والتائب من الذنب كمــن لا ذنب له.

2 - أنه إذا صدق في توبته بدَّل الله ـ تعالى ـ سيئاته إلى حسنات، وهذا فضل من الله ـ عز وجل ـ على عباده، وهو من أكثر الحوافز التي تحفز المذنب إلى المبادرة بالتوبة، وقـد قال أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاًِ منها: رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا منه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكــذا كــذا؟ وعمـلت يـوم كــذا وكذا كذا وكذا؟ فيقـول: نعــم! لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب! قد عملت أشياء لا أراها ها هنا! فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه»(4).

3 - أن يجعل من ندمه على ما وزَّع من صور أو أفلام أو قصص جنسية قبل توبته سبباً لنشاطه في مكافحتها بكل الوسائل الممكنة، ومراسلة كل من أرسلها إليهم يرجوهم أن يزيلوا ما وصلهم منها عن طريقه، مع نصيحتهم بالإقلاع عن اقتنائها أو توزيعها، ويجتهد في هذاالسبيل؛ ليكفـر عـن ماضـيه، فلعل الله ـ تعالى ـ يعافي على يديه كثيراً ممن ابتُلوا بهذا الداء الخبيث.

وعلى كل أب وأم أن يتعاهدوا أولادهم ذكوراً وإناثاً بالنصيحة والتوجيه بالرفق واللين، والكلمة الطيبة، مع بيان مخاطر سوء استخدام التقنيات المعاصرة، وإقناعهم بذلك؛ ليكون الواحد منهم رقيباً على نفسه، مراقباً لله ـ تعالى ـ في سره وعلنه، عسى الله أن يصلح أولادنا وأولاد المسلمين، وأن يكفيهم شرور أنفسهم وشرور شياطين الإنس والجن، إنه سميع مجيب.

ولا سبيل لحفظ المسلمين من هذا البلاء الماحق إلا بتحصين أبنائهم وبناتهم بالدين القويم، وملء قلوبهم بمحبة الله ـ تعالى ـ ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم - ومحبة ما يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم - ، وبُغض ما يبغضه الله ورسوله، مع تقليل وسائل الشر والفساد قدر الإمكان، وتحصين البيوت منها، وإيجاد البدائل النافعة، وإشغال الفتيات والشباب بما يعود عليهم بالنفع عاجلاً وآجلاً.