عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-07-2010, 02:52 PM
 

الحرب الأميركية على الفلسطينيين
[ 01/10/2010 - 034 ص ]
د. عبد الستار قاسم


تشن الولايات المتحدة الأميركية حربا شعواء لا هوادة فيها على الفلسطينيين في الوسط الشرقي من فلسطين (الضفة الغربية)، وهي تستعمل أساليب صفيقة وحقيرة وصلفة من أجل تركيع الشعب وتذليله وإذلاله وإخضاعه، وتحويله إلى مجرد جثث هوجائية تحل في أجساد بشرية حيوانية لا تعرف حقوقا، ولا تثأر لكرامة، ولا تبحث عن عزة وشأن.

يتعرض الوسط الشرقي من فلسطين لخطر داهم على يد الولايات المتحدة الأميركية، وهو خطر أشد من الخطر الذي يمثله الاحتلال الصهيوني، ذلك لأنه يهدف إلى هدم الشعب وتحويله إلى أفراد مرتزقة يقايضون، بوعي أو بدون وعي وطنهم وأعراضهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم بحفنة بسيطة من المال، وبمصالح معيشية يومية غير دائمة.

الاحتلال يفرض التحدي، وفشل عبر السنين في تذويب شعب فلسطين، وفشل في قتل الحقوق الوطنية للشعب، لكن الأميركيين بالتعاون مع عملائهم الفلسطينيين من سياسيين وأكاديميين ومثقفين مزورين يحققون نجاحا متزايدا، ويعملون بدأب على تغييب الوعي وتمزيق الشعب وتفتيته.

المسألة لا تقف عند جرس إنذار لأن الجرس قد دُق مرارا وتكرارا، وتتعدى ذلك لتشكل خطرا إستراتيجياً مرعبا على مصير الشعب والوطن، ولتصنع من الشعب الفلسطيني مهزلة تاريخية تتندر بها الشعوب كمثال على السذاجة والعهر الأخلاقي وتغليب المصالح الذاتية على الأوطان والمقدسات والأعراض.

إننا أمام مهمة عظيمة وقاسية ومقدسة لا يمكن تجاوزها لصالح الفذلكات الدبلوماسية والسياسية، وهي تتطلب جهودا كبيرة من كل واحد منا: رجل وامرأة، شاب وشابة، عامل وفلاح، مهني وحرفي، مثقف وطني وغير مثقف.

نحن جميعا أمام اختبار تاريخي: فإما أن تتمزق بواقي ورق التوت وتتكشف عوراتنا تماما، أو نقف جميعا متلاحمين نقتسم الرغيف ويحمل كل منا الآخر، فترتفع أعناقنا لنعيد لشعب فلسطين هيبته وكرامته وإصراره على انتزاع حقوقه.

لهذه الحرب الأميركية ملامح رئيسية ومعالم وخطوات عملية نلمسها في الحياة اليومية للوسط الشرقي. لكن قبل أن آتي على عناوين هذه الحرب، أقدم اختزالا لمسارات السياسة الخارجية الأميركية الاستقطابية والمؤدية في النهاية إلى السيطرة.

تفضل الولايات المتحدة أن تتبع أسلوب تثقيف الأمم الأخرى على الطريقة الأميركية لكي يصبح أبناؤها أميركيين بالثقافة، ويعملون على تبني السياسة الأميركية بطريقة تلقائية بناء على تشريب تربوي. هذه مهمة يقوم بها أبناء الدول المستهدفة من المثقفين والأكاديميين الذين تغريهم الأموال والنعم الأميركية. وقد أقامت أميركا لهذا الهدف آلاف المراكز والجمعيات عبر العالم التي تسوق لها فكرها وثقافتها، وهي تغدق عليها أموالا بمئات الملايين من الدولارات سنويا.

المسار الثاني يتعلق بالهيمنة الاقتصادية والمالية، وفحواها أن أميركا تتباكى بداية على الأحوال الاقتصادية للناس فتقدم لهم المنح أو القروض، خاصة من خلال المؤسسة الاستعمارية المعروفة بالبنك الدولي. وتبدأ أميركا بإغراق الحكام ببعض المال، وربط مقدرات البلاد بالاستثمارات المالية الأميركية، وخطوة خطوة تغرق البلاد المعنية بالديون، ويتحول اقتصادها إلى مجرد تابع لا يقوى على الحركة بدون التخطيط والتوجيه الأميركيين. وتعمل أميركا بداية على إقامة مشاريع تسر الحكومة والناس، لكنها في النهاية تمص اللحم والعظم.

تعمل أميركا على استبدال زعماء بآخرين إذا لم تجد تجاوبا. إنه من السهل عليها أن تطيح بزعامات لأنها تخترق أمن الدول، وتملك أموالا كثيرة لتجنيد العملاء، ووسائل قتالية متنوعة لتقديم الدعم العسكري إن لزم.

تتوجه أميركا بعد ذلك إلى العقوبات الاقتصادية والحصار إن لم تتمخض السياسة الاقتصادية عن تبعية، آملة من خلال ذلك تركيع النظام القائم وإجباره على التنازل عن إرادة الأمة السياسية. وإن لم ينجح ذلك، تلجأ أميركا إلى تقييم إمكانية القيام بعمل عسكري، وتهاجم إذا رأت ذلك ضروريا ومفيدا.

في فلسطين، تحقق أميركا نجاحا من خلال التالي:

رعاية التنسيق الأمني
أميركا هي التي ترعى التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال المنسق الأمني الأميركي الذي يتبدل اسمه الشخصي بين الحين والآخر، وهي حريصة تماما على مراجعة أعمال الفلسطينيين الأمنية لتطمئن على أنهم يتقيدون تماما بمتطلبات الأمن الإسرائيلية. وتشارك أميركا إسرائيل في تقييم وضع الأجهزة الأمنية الفلسطينية من نواحي التسليح والجهوزية والرواتب والتثقيف وأسس قبول الأشخاص في الأجهزة، ومقتضيات إنهاء خدماتهم. ومعا يعملان على تقييم المرشحين لقيادة الأجهزة الأمنية ومعاونيهم ومساعديهم المباشرين، وتقييم الضباط القائمين على عمليات خاصة.. إلخ.

تصر أميركا باستمرار على التزام السلطة الفلسطينية بمعايير وإجراءات ملاحقة الإرهاب والإرهابيين (أي المقاومة الفلسطينية)، وهي تحرض دائما على اعتقال أفراد المقاومة أو الذين يمكن أن يقاوموا من مختلف التنظيمات الفلسطينية بما فيها حركة فتح، وتقدم دائما النصائح والإرشادات، وتصدر أحيانا أوامر لأجهزة أمن السلطة. وفوق ذلك، يقوم ضباط أميركيون وإسرائيليون بالتفتيش على مقار الأجهزة الأمنية في مختلف مناطق الضفة الغربية للتأكد من حسن التزام الفلسطينيين.

أمركا تعمل بجد واجتهاد على تحويل الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى فرقة من المرتزقة في روث الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهناك من السياسيين والأكاديميين والعسكريين الفلسطينيين من يساعدها في ذلك، ويبرر لها أعمالها.

الإشراف على الأمن الفلسطيني
لا تكتفي أميركا بالتأكد من التزام الفلسطينيين بمتطلبات الأمن الإسرائيلي، بل تعمل على الإمساك بالأمن الفلسطيني ليكون في قبضتها تماما فتسيره كيفما تشاء. وفي سبيل ذلك تعمل على: تقديم تمويل للأجهزة الأمنية خارج إطار ميزانية الدول المانحة التي توفر النفقات الجارية بصورة عامة.

توظف أميركا أموالا لبناء معسكرات ومقرات للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وللإنفاق على التدريب سواء داخل فلسطين أو في الأردن، أو أحيانا في إسرائيل والولايات المتحدة. وتساعد في تكاليف النفقات العسكرية، وتتأكد من أن السلاح الفلسطيني لا يعمل بكفاءة في مواجهة الإسرائيليين، وأنه كاف لمواجهة الفلسطينيين.

طبعا أنا لا أشك لحظة في أن أميركا لا تكتفي بعملائها المباشرين الذين يزودونها بالمعلومات، وهي تزرع مختلف المقار الأمنية الفلسطينية بمختلف أنواع أجهزة التنصت الدقيقة والحساسة، والتي لا تكاد العين المجردة تدركها. ومن المحتمل جدا أن هذه الأجهزة موجودة في خلطات مواد البناء وأساسات الأبنية.

أميركا تستعين أيضا بمراقبين أوروبيين وكنديين، وخاصة في مجال الشرطة لتتأكد من أن ممارسات الشرطة لا تستثير الناس العاديين، وفي نفس الوقت تلتزم بالمعايير التي لا تتناقض مع الرغبات الإسرائيلية.

الإمساك بأموال السلطة الفلسطينية
عملت أميركا منذ اللحظة الأولى لتطبيق اتفاق أوسلو، وجنبا إلى جنب مع إسرائيل، على التحكم في مصادر دخل السلطة الفلسطينية حتى لا تكون للسلطة، فيما إذا وقعت بأيد لا ترضى عنها أميركا، قدرة على اتخاذ القرار. أميركا تدرك أكثر من غيرها، ومن خلال تجاربها المتكررة في دول كثيرة أن الإمساك بالمال يعني الإمساك برقاب الحكام وشل قدرتهم على اتخاذ القرار. ولهذا عملت على إغراء العديد من القادة المدنيين والعسكريين بالمال بطرق متعددة لا تبدو الأمور فيها وكأنها رشوة، ودفعت باتجاه تضخيم الطواقم الإدارية في السلطة لزيادة أعداد الناس الذين يعتمدون على الرواتب المرتبطة بالدول المانحة.

قدمت أميركا الأموال لجهات عدة، وقدمت مع الدول الأوروبية آلاف السيارات الفاخرة وغير الفاخرة حتى يسهل على الفلسطينيين مقايضة الحقوق الفلسطينية. لقد أنشأت طبقة من المستفيدين المباشرين في الجهازين المدني والعسكري وأثارت حسد العديد من الشعب الفلسطيني، كما أثارت احتقار عديدين آخرين. هذه طبقة موجودة الآن وتمسك بزمام الأمور الإدارية، وترى في نفسها قيادة حقيقية يجب أن يحسب لها ألف حساب على المستوى الشعبي. لقد أتت بأنواع متعددة من السيارات الحديثة الأميركية الصنع واليابانية والألمانية، وقدمت الكثير من التسهيلات في التنقلات الداخلية والخارجية.

شجعت أميركا السلطة الفلسطينية على توظيف أكبر عدد ممكن في الأجهزة الأمنية والإدارية حتى بلغ عدد الموظفين حوالي 200,000، (لا أعلم العدد الآن بالضبط لأن هناك تكتما عليه)، وهو عدد لا تحتاجه فلسطين. وقد بلغ عدد أفراد الأجهزة الأمنية حوالي 90,000، وهو رقم لا يحتاجه الوسط الشرقي بتاتا. الوسط الشرقي (الضفة) لا تحتاج إلا قوة شرطة متواضعة لحفظ الأمن الداخلي، أما الأمن الوطني فلا تستطيع القيام به إلا تنظيمات سرية تعمل بتكتم شديد ضد الاحتلال.

صحيح أن الدول المانحة هي التي تصرف الأموال للسلطة الفلسطينية، لكنها لا تستطيع ذلك بدون إذن أميركا وإسرائيل. أميركا وإسرائيل تعطيان الإذن، المرتبط أصلا بمدى اقتناع الدولتين بأداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
__________________
رد مع اقتباس