\\ [ اليوم هو الخامس عشر من مارس , الساعة الآن الخامسة عصراً , منزل رالف جرازياني – غـرفة روكسان]
فتحت عينيها الخضراوات ببطء شديد ,نظرت يمين ثم يسار و أغلقتهما مرة أخرى , رفعت يدها لتبعد خصلات شعرها القصير عن وجهها
فكرت : لن أقصه مرة أخرى سأتركه ليطول قليلاً , إنه مزعج
استقامت جالسةً على السرير و هي تمسك رأسها : أشعر بصداع
التفتت لترى تيا نائمة على مقعد بجوارها و رأت حقنة و سائل مهدئ على المنضدة الصغيرة بجانب تيا
همست و قد امتلأت عينيها و كذلك نبرة صوتها حقداً : تباً
أبعدت الغطاء عنها بحدة و دخلت الحمام صافقة الباب خلفها في قوة لتفتح تيا عينيها بملل قائلة بنفسها : يا لها من فتاة مدللة .. مدللة كثيراً يا نايجل
خرجت روكسان بعد دقائق طويلة و قد ابتلت بعض خصلات شعرها الأمامية بينما مازالت الخلفية جافة مما يدل على أنها غسلت وجهها بقوة , كانت بشرتها بيضاء شاحبة ما عدا أنفها فقد اكتسب بعض اللون الوردي و كذلك وجنتيها , رمقت تيا ببرود و قالت بلهجة آمرة : أخرجي
نظرت لها تيا مطولاً ثم نهضت قائلة بهمس : لا تبكي , فلا شيء يستحق البكاء
صرخت بها روكسان : قلت لكِ اخرجي
خرجت تيا لتتوجه روكسان نحو سريرها بخطوات بطيئة واهنة , جلست عليه بتثاقل ثم استلقت بجسدها كله عليه
تعيد ترتيب أفكارها و السؤال الأهم : لماذا كانت تيا هنا , عندها بالغرفة , لا و نائمة أيضاً ؟ !
زفرت و هي تغمض عينيها في محاولةٍ للتذكر , ثم تتالت المشاهد أمام عينيها فجأة لتبتسم ثم تتحول ابتسامتها تلك لـ ضحكات عالية ختمتها بشهقة و بدأت عيناها تذرف
الدموع , لا تريد ذكريات لورا و لا ذكائها و لا ابن أخت زوجها و لا أي شيء يخص تلك السيدة , تريد نفسها و حسب , تريد أن تعيش حياتها بعيداً عن البرد
تذكرت أمر دراستها ليغزو القلق ملامحها و تنهض من سريرها متوجهةً لخزانة ملابسها بخطواتٍ عصبية , أخرجت بنطالاً باللون الأسود , كذلك كان القميص القطني ذو الأكمام الذي ارتدته و معطف باللون الرمادي الغامق و وضعت بعض الكحل الأسود ليحدد عينيها الخضراوات و ملمع شفاه
قالت تيا بمجرد أن فتحت روكسان الباب : إلى أين تذهبين ؟
ردت روكسان ببرود : إلى الشركة .
ابتسمت تيا بخبث و لحقت بها
توجهت روكسان لدراجتها النارية التي أتت بها من عند نايجل , تلك الدراجة السوداء اللامعة , قفزت تيا ورائها برشاقة لتهمس روكسان و هي تجز على أسنانها : ابتعدي عن دراجتي
ضحكت تيا فاستفزت روكسان لتهتف باسمها في غضب : تيـــااا
قالت تيا ببرود و هي تحيط خصر روكسان بيديها في إحكام : أوامر السيد ألا أتركك تغيبين عن ناظري , تريدين مني أن أبتعد تعالي و اركبي في السيارة , أما غير ذلك فـ آسفة يا صغيرة
زمت روكسان شفتيها قائلة بحدة : لا تقولي صغيرة
- حسناً يا صغيرة
انطلقت روكسان بالدراجة حتى صرخت الإطارات من سرعتها و مع ذلك كانت تيا متشبثة بها في هدوء غير مبالية بتلك السرعة العالية أبداً مما زاد من قهر روكسان
و حين وصلوا لمقر الشركة ترجلت تيا و هي ما تزال على نفس وضعيه التشبث تلك حتى لامست قدمي روكسان الأرض لتتركها و تخرج هاتفها , اتصلت على السائق لتأمره
بإحضار السيارة و عندما التفتت لروكسان لم تجدها !
كانت تعبر تلك الردهة الطويلة المؤدية لمكتب رالف بخطوات سريعة بعد أن تذكرت أمراً في غاية الأهمية و قبل أن تطرق الباب , فُتِح ليخرج منه ماكس
رفعت حاجباً باستنكار ثم قالت ببرود : هل منحك رالف رخصة الإقامة هنا أم ماذا ؟
ابتسم ماكس ثم بعثر شعرها بأصابعه قبل أن يتركها تشتعل بمعنى الكلمة , تمتمت بداخلها : أ يظنني طفلة أم ماذا ؟ , ذلك الوغد !
دخلت دون أن تطرق و هذا المعتاد ! , لتجد ابتسامة شنيعة على وجه رالف لم تتبدد عندما رأتها بل ازدادت اتساعاً مما ولد شعوراً بالخطر لدى روكسان
قالت أخيراً بنبرةٍ باردة : لقد تم تحويل ورقي لجامعة أخرى , أريد أن أعيده لجامعتي القديمة .
أجابها ببساطة : مرفوض
نظرت له بحده و هي تكمل : لماذا ؟
أجاب ببرود : هكذا .. اخرجي فلدي عمل
تقدمت خطوتين حتى وصلت لمكتبه لتضرب عليه بِـ كلتا يديها و يرفع رالف وجهه إليها عندما هتفت بعصبية : أريد أن انقل من تلك الجامعة , لن أذهب إليها , سأسرب أخباراً برفضك هذا للصحافة و
قاطعها رالف عندما نهض و عينيه تلمعان بـ شر قائلاً بهدوء مثير : تسربين .. أخباراً !
أطلق ضحكة مجلجلة قبل أن يبترها بغتة و هو يكمل : حاولي أن تفعلي شيئاً كهذا يا روكسان و سيكون موتكِ على يدي , لا يعني أنكِ ابنتي أن تدمري عملي فأنتِ لستِ أهم منه , أخرجي الآن .. أين تيا ؟ , تلك الغبية !
استدارت روكسان لتغادر و قبل أن تخرج قال : نسيتُ أمراً , ماكس سينقل أوراقه لجامعة إينربون أيضاً حتى يبقى معكِ – أكمل بنبرة عدم اهتمام ظاهرة – سيكون هذا جيداً , تبدوان مناسبين لبعضكما
صفقت روكسان الباب و بدأت دموع حارقه تتجمع في عينيها و لكنها أطبقت جفنيها بشدة حتى لا تهرب
لا تريد أن تراه , ما تعرفه أن ليو و كاي سيذهبان للجامعة مع آني
و هي لا تدري ماذا أخبرهم نايجل عن غيابها , و لكن لابد أن الجميع علم بعودتها لكنف رالف مرة أخرى و السبب مجهول طبعاً , لكن كيف علم رالف بكل هذا ؟
هل كانت حماية نايجل لوجودي عنده ضعيفة لهذا الحد
لا أدري , منظمة الدفاع تلك لا أظنها ضعيفة لدرجة أن يتمكن رالف من مراقبتي و معرفة كل شيء بتلك الطريقة المريبة !
كما و أنهم لو يعرفون شيئاً فلماذا إلا الآن لم يقولوا شيئاً عن ليوناردو
أو عن كيفية وصولي لـ نايجل ؟
تباً تلك الأفكار تعصف بي منذ أن علمت , و لكن كيف خُدعت من قبل تيا تلك , تبـاا
- روكسان , ما بكِ ؟
رفعت روكسان وجهها لترى ماكس يقف أمامها بالضبط , فكرت ببعض الحنق : كيف لم ألاحظ وجوده ؟ - انتبهت أنها خارج الشركة الآن فأكملت بداخلها – يا إلهي , ماذا أفعل مع
هذا الماكس الآن ؟!
برقت برأسها فكرة : لو أنني أصبحت جيدة معه , فلابد أن يرضى رالف عني .. يبدو أنه منحاز لصفه و لا أدري لم ؟! –ابتسمت بخبث- هكذا سأكسب وده سريعاً و يطلعني على
المزيد من أسرار شركته .. حينها أبعث بما أعرف لـ نايجل و .. – بترت عبارتها لدى تذكرها الوضع الذي هي فيه لتردف بداخلها – و هل سأستطيع أن أرسل لنايجل شيئاً من الأساس ؟ .. لا يهم الآن , لأستمتع !
أطلقت زفرة طويلة ليسألها ماكس مجدداً بنبرة قلق : روكسان , ماذا بكِ ؟
ابتسمت قائلة بدلال : لا شيء , مـاكس
تغيرت ملامح ماكس للبلاهة عندما نطقت اسمه و قبل أن يعلق كانت روكسان تردف : هل أنت متفرغ؟
أومأ برأسه لتقفز داخل السيارة قائلة : هيا بنا إذن
رفع ماكس حاجبيه دهشة من تصرفاتها الغريبة جداً بالنسبة له اليوم و قال متهكماً : ما المناسبة اليوم ؟
ردت ببساطة و قد فهمت عليه : لا توجد مناسبة , مزاجي جيد فقط
تمتم : أتمنى أن يكون جيداً دائماً
ضحكت روكسان عندما وصلتها تلك التمتمة الخافتة و قالت بنفسها : أما أنا فلا أتمنى
رمقها ماكس بتعجب و هو يجلس في مقعده محادثاً نفسه : : منذ دقائق كانت لا تطيقني , ماذا قال لها السيد رالف يا ترى ؟ , لا أعلم كيف لرجل مثله أن تكون له ابنة كـ روكسان
سألته بهدوء : لِمَ أنت صامت ؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة و هو يجيبها : أفكر
أمسكت خصلة من شعرها لتلعب بها وهي تسأل مجدداَ : بماذا ؟
اتسعت ابتسامته و هو يجيبها بمكر : الأجدر أن تقولي بمن ؟
فهمت روكسان ما يرمي إليه فابتسمت بخبث و أكملت بدلال : تفكر بي !
ثم رمشت بعينيها ليضحك ماكس قائلاً : يا لكِ من فتاة مسلية
زمت شفتيها باستياء مرددةً وراءه : أنا مسلية
أومأ ماكس و هو يكمل : و بريئة .
حينها تبدلت ملامح روكسان للضيق و أشاحت بوجهها للنافذة
عض ماكس على شفتيه مفكراً : ستصيبني بالجنون المبكر !.. يبدو أنها متقلبة المزاج جداً
ظل الصمت سيد المكان قبل أن يتوقف ماكس بسيارته أمام أحد المتنزهات , قائلاً: هلا وضحتِ لي ماذا بكِ ؟
جفلت روكسان و نظرت إليه بتعجب , و كأنها أول مرة تراه : ماذا بي ؟
أكمل حديثه بجدية : تتصرفين بغرابة روكسان , كلما رأيتني كنتِ إما تصرخين بي أو تتجاهليني و الآن تبتسمين بوجهي ! .. ألا يحق لي التعجب ؟!
أمالت روكسان رأسها قائلة : يلى .. و يحق لي التعجب من انتقالك للجامعة التي أدرس بها بدون سبب واضح , ملاحقتك لي , إقامتك بالشركة طوال وقت العمل لتراني !
ابتسم ماكس ساخراً : و هل علمتِ كل هذا وحدكِ ؟
رفعت حاجباً و هي تقول بنبرة يشوبها الملل و هي تدير عينيها في كل شيء بالسيارة عداه : لا تحتاج لذكاء
ضحك ماكس لنبرتها تلك , ثم أنهى ضحكة بتنهيدة طويلة قبل أن يكمل بنبرة جدية يشوبها التهكم : و هل تقبلين بـ صداقتي الآن ؟!
التفتت روكسان له بحدة قائلة : صداقتك !!
تحولت ملامح ماكس للاستياء و الضجر و هو يكمل : ما السر وراء تصرفاتكِ الطفوليه إذن ؟..بمعنى آخر , ماذا تريدين ؟
صمتت روكسان لشعورها بضجره منها و تساءلت في نفسها : ما به ؟ , لماذا يحدثني هكذا و كأني من أجري وراءه و ليس هو ؟
أطلقت تنهيدة إحباط و هي تستعد لفتح الباب , لتمتد يد ماكس و تمنعها من فتحه
سألها باستنكار : لم تغادرين ؟
رفعت رأسها إليه , على الرغم من قربه الشديد منها إلا أنها لم تتأثر بذلك و هي تجيبه بنبرة تحدي : لأني أريد ذلك
رفع حاجبه الأيسر دهشة و سألها : ألستِ أنتِ من ركبت للسيارة وحدها ؟! .. هل علمكِ والدك ألا تحترمي رغبات الآخرين لهذه الدرجة ؟ .. يا لكِ من فتاةِ مدللة
رفعت روكسان عينيها لماكس في برود و رددت : علمني ؟؟ .. رالف علمني !!
ثم انفجرت ضاحكة بطريقة هستيرية
جذبت المارة و قلة من رواد المتنزه نحو السيارة
توقفت روكسان عن الضحك فجأة لتفتح باب السيارة و تخرج منها قاصدة بوابة المتنزه , و كما توقعت تماماً , لحقها ماكس
__________________ أفضل تعـريف لذاتك ..
أنك لست أفضل من أحد ، ولسـت كأي أحد و لست أقل من أحد! |