10-09-2010, 12:41 AM
|
|
[ استراليا .. الساعة الآن السادسة مساءً , متنزه قريب من شركة جوان ]
كانت جالسة على أحد المقاعد ممسكة بكوبٍ من القهوة الساخنة
اكتست بعض الحمرة وجنتيها و كذلك أنفها من برودة الجو
عضت على شفتيها حتى تمنع دموعها من الانهمار مجدداً , على الرغم من مضي أكثر من ست ساعات على رحيله إلا أنها لم تتوقف عن البكاء إلا منذ أقل من الساعة
و لا تريد السماح لتلك الدموع الخائنة بالفرار من سجن رموشها مجدداً
أطبقت جفنيها بشدة
لتسمع خطوات هادئة تقترب منها و صوتُ قلق هتف باسمها : جـوان
رفعت وجهها إليه و في عينيها تلك النظرة الحزينة لتتغير فوراً لنظرة استنكار كبيرة عندما رأت محدثها ..!
كان ينظر إليها بعينيه الجليديتين , لمحت بريق من القلق فيهما لتتأفف بداخلها : تباً أهرب من كاي ليلحق بي كريس و أهرب من كريس لأجد هذا أمامي .. ما الذي يفعله بـ استراليا ؟
عادت لتنظر في كوبها مردفةً في نفسها و في نفس الوقت متجاهلة الشاب الواقف : لا أنكر أنه صديق جيد , لكن نظرة الصديق من جهتي فقط , أما هو ...
تحدث أخيراً بذلك الصوت البارد : لماذا لستِ تحت حماية كاي في نيو ..؟
ردت و مازالت عيناها تراقبان تلك الدوائر التي تتسع شيئاً فشيئاً داخل كوبها حتى تتلاشى تماماً : ليس من شأنك
رمقها ببرود من رأسها لحذائها الشتوي و هو يقول في هدوء تام : شأن من إذن..؟
أشاحت جوان بوجهها بعيدا ليتنهد الشاب قائلاً و هو يمد يده ليمسك معصمها و يرفعها عن المقعد : هيا , سأعيدكِ للمنزل جوان
وقفت معه ثم قالت بصوتٍ حزين : لِمَ أنت هنا يوري ؟
هز يوري كتفيه في عدم اهتمام و هو يرد عليها ببساطة : كنت في مهمة و قررت زيارتكِ
ابتسمت بسخرية مكملة : إن علم كاي بوجودك هنا , فسيقتلك بلا شك
نظر إليها ببرود متسائلاً : كيف تعرفت عليه ؟
أخذت نفسً طويلاً قبل أن تقول : صديق طفولتي و .. حبيبي
قطب يوري حاجبيه , تكلم بعد فترة صمت قضاها الاثنان في الخروج من المتنزه : لِمَ لمْ يأخذكِ معه إذن ..؟
هنا صرخت فيه جوان : يوري توقف أرجوك , لا شأن لك بالأمر قلت
فتح لها باب سيارته و قد أغمض عينيه بطريقة رسمية قائلاً : تفضلي
نجح في تهدئتها فابتسمت و دخلت
دلف إلى السيارة ليجلس بجوارها قائلاً : مازلتِ عصبية كثيراً جوان
لم تتحدث في حينها بل شغلت نفسها بالمراقبة من خلف الزجاج لتقول فجأة قاطعة الصمت : أنا لستُ روسية , يوري
أجابها بسرعة أضحكتها : ولا أنا
و كان هذا آخر ما تبادلاه , فلم يقل يوري شيئاً بعد ضحكة جوان و لا هي
توقف أمام تلك الفيلا الأنيقة ليوصلها إلى بابها الكبير قائلاً : اهتمي بنفسكِ , جوان
- سأ..ــ
و قبل أن تكمل جملتها أدارها يوري إليه ليضع يسراه على بطنها بينما أحاط ذراعيها بيمناه مكملاً بهمس بارد : أنتِ حامل ؟!
تصلب جسدها جراء كلماته ليكمل بلا مبالاةٍ لردة فعلها و بنبرة خبث : كاي لا يعلم بالأمر , أليس كذلك ؟ -
أكمل و هو يُسند رأسه على كتفها بنبرةٍ قاسية – هذا الطفل لن يتنفس الهواء جوان .. تخلصي منه بطريقتكِ قبل أن
لم تدعه يكمل كلماته القاسية تلك بل أبعدته عنها بقوة و هي تصرخ : طفلي سيعيش يوري و لا شأن لك .. ابتعد عني
- سأخبر كاي .. هو من سيتصرف معك
هتفت بجزع و روحها تتألم لقسوتهم : لا .. لا تفعل
جثت على ركبتيها مرددةً : لا تفعل يوري , أرجوك – بدأت تشهق و هي تحاول كبت دموعها – لا تخبره بشيء أرجوك
اقترب منها لكنها سارعت و تعلقت به برجاء : لا تخبره
صرخ بها في عصبية : أ تريدين الموت , جوان ؟!
رددت بقوى خائرة : أرجوك
ثم فقدت الوعي , كل ما مرت به اليوم كان أكبر من تحملها
أكبر من تحملها .. بكثير
ليزفر يوري بصوتٍ عال لـِ عناد هذه الفتاة التي أسرته و هو ينحني ليحملها برفق عن الأرض الجافة و يدخلها للمنزل .,| بعد ساعة
جسده الطويل مستند على أحد أركان النافذة , يتلاعب النسيم بخصلات شعره الأشقر في هدوء , تقطيبه خفيفة تعلو حاجبيه دلالة على تفكيره العميق \~
" حماية جوان رايموند من بعض الشركات المنافسة التي تخطط لقتلها "
كان هذا طلب من عمها رونالد شخصياً , حين قدم لمؤسستهم في استراليا و قد طلبه مقابل مبلغ من المال
كان هذا طلباً خاصاً لأن هذه المشاحنات و التهديدات لا تضر الأمن العام
و لكن خوف رونالد كان مبالغ فيه ليستدعي عملاء سريين لحماية ابنة أخيه
لسوء حظه أنه كان في مهمة في استراليا مع سيجي في ذلك الوقت و تطوع للقيام بها نظراً لأهمية بقاء أخوه مع عملاء استراليا
لم ينسى تلك النظرة الحادة التي وجهتها إليه عندما عرفت بهويته
كم من مرة أشارت بأصبعها ناحية الباب لكي يسخر منها و يجلس على مكتبها دون أدنى اهتمام لرأيها
لم يشعر بأي شعور غريب إلا عندما انتهت مهمته و أصبحت جوان في أمان و عاد لـِ آلاسكا
ليشعر بالحنين لهواء استراليا الحار و لشمسها الاستوائية و .. لعينيها الفيروزيتين
و تلك الابتسامة الحلوة التي تعلو ثغرها و .. ~/
جفل لينتشل نفسه من تلك الذكريات التي دفنها عميقاً بداخله مفكراً بقسوة : هذه فتاة كاي , كاي صديقي و أنا لن أخونه أبداً .
في تلك اللحظة فتحت جوان عينيها الفيروزيتين لترى تلك الستائر الشفافة الفاخرة التي تحيط بسريرها و
ذلك الضوء الهادئ المتسلل بنعومة من النافذة و يوري الواقف أمام النافذة مزيحاً بعضاً من ستائرها و يختلس النظر للخارج
تحركت فأصدر السرير صوتاً نتيجة لذلك , التفت لها يوري و على وجهه تعبير جامد لكن عينيه كانتا تنسجان
قصة حب وئدت في مهدها و هو يغرقها بتلك النظرة الشاردة
قالت بهدوء و هي تمسك بغطاء السرير بكلتا يديها و هي تتذكر ما حدث قبل أن يتلاشى وعيها : يوري , لا تخبره
قال بهدوء مماثل لهدوئها رغم معرفته اليقينية بأن موقف كهذا لا يحتمل أي نوع من المخاطرة : لن أفعل ..
لكن ستكونين أنت و هذا الطفل تحت ناظري طوال الوقت , أي مؤشر يدل على أن حياتكِ باتت في خطر فسأحكم عليه بالموت حتماً .. حياة الأم أهم
أطلق صوت ينم عن سخرية بعد نطقه بالعبارة الأخيرة و هو يردف بقسوة : كان عليكِ إخبار كاي بمرضكِ قبل كل شيء جوان , تعلمين جيداً أن أي علاقة يمكن أن تؤثر عليك و تموتين فكيف بحمل طفل – هتف بغضب – حمقاءٌ أنتِ لرغبتكِ تلك , ألا تهتمين لنفسك ؟!
عض على شفتيه مفكراً و هو يشيح بوجهه عنها بعد أن رآها تضع يدها على بطنها و توشك على ذرف الدموع مجدداً : جوان .. أم !
لم تنطق جوان بحرف ليردف يوري و هو ينظر للخارج باهتمام : كريس و تينا سيكونان هنا بعد أقل من خمس دقائق , سأغادر
خرج من غرفتها مسرعاً لتعود جوان لوضعية الاستلقاء و تلف جسدها بالغطاء : " لا أريد أن أرى أحداً , يكفي ..دعوني و شأني "
وضعت يدها على صدرها مكملة بحنق في نفسها : " لماذا ؟! , لماذا لا يحتمل قلبي أن أحمل طفلاً في أحشائي .. لماذا ؟ "
بدأ تنفسها يعلو شيئاً فشيئاً , أبعدت الغطاء بذراعها و هي تحاول أخذ أكبر كمية من الأكسجين حتى تبعد هذا الشعور بالاختناق عنها
شعرت بكل جسدها يتخدر و بالرؤية تنعدم فجأة ..!
لـِ تسقط في عالم آخر .. بلا ألوان
__________________ أفضل تعـريف لذاتك ..
أنك لست أفضل من أحد ، ولسـت كأي أحد و لست أقل من أحد! |