عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-15-2010, 01:03 AM
 
رد الكاتب
من أسوأ مايفعله الانسان بحياته هو ان يتكتم رغباته الحقيقية‏..‏ ويتجنب التعبير عنها بكل الوسائل ويكابدها في أعماقه وحده‏.‏ فيشتد ضغطها عليه في بعض الأحيان‏..‏ ويحاول هو من جانبه ان يتخفف من هذا الضغط فيجد نفسه لا اراديا يندفع الي إنكار هذه الرغبات ونفيها ويتمادي في ذلك أحيانا الي حد ابداء الرغبات المعاكسة لها‏,‏ ومحاولة اقناع نفسه والآخرين بانها هي الرغبات الحقيقية له وليست تلك التي يتحرج من اعلانها والاعتراف بها‏!‏
وأحسب أن هذا هو ماتفعلينه الآن بنفسك ياآنستي وماتكررين به نفس الخطأ القديم الذي ساهم في تعقيد هذه المشكلة منذ البداية‏.‏ فلقد كنت تكابدين حبك الصامت لابن عمك من قبل ان يبدي رغبته في الارتباط بشقيقتك الراحلة يرحمها الله‏..,‏ ولم يكن من العسير عليك في ذلك الوقت ان تشعري أقرب الناس اليك وهما والدتك وشقيقتك الراحلة باهتمامك بأمره حتي ولو لم يكن لذلك من أثر علي تغيير موقفه منك‏..,‏ إذ كان ذلك في حد ذاته كفيلا بتفادي الكثير من اللحظات العصيبة التي كابدتها خلال فترة تقدمه لطلب يد شقيقتك وبعدها وربما كان قد ادي الي تحفظ شقيقتك في قبول الارتباط به مراعاة لمشاعرك وتجنبا لايلامك‏,‏ وسياق القصة لا يوحي من الأصل بأنه كانت ثمة قصة حب عميق قد جمعت بينهما قبل الزواج ويكاد يؤكد ان الامر لم يكن يتعدي حدود التقارب المألوف بين شباب العائلة الواحدة في سن الزواج‏,‏ وفي مثل هذه الظروف لم يكن من العسير علي اخت بارة بشقيقتها ان ترفض شابا اعجبت به اذا علمت بحب شقيقتها له‏..‏ فإن لم تذهب الي حد ذلك‏,‏ فلقد كان من الممكن علي الأقل ان يراعي الجميع مشاعرك عند قبولها الارتباط به‏,‏ وان تتجنب والدتك علي سبيل المثال ان تصدم مشاعرك صدمة هائلة وأنت تترقبين سماع نبأ طلبه ليدك فإذا به يطلب يد أختك‏.‏
لكن آفة الانسان في بعض الاحيان هي تكتم احاسيسه ورغباته حتي عن أقرب الناس إليه‏,‏ ولو صارحهم بها أو اكتفي حتي بالاشارة المتحفظة إليها لربما استطاعوا إعانته علي التعامل معها‏..,‏ وتفادوا إيلامه من حيث لايريدون‏.‏
وماأكثر الآلام واللحظات العصيبة التي ماكان المرء ليكابدها لو كان قد اعتمد في حياته اسلوب الصراحة في المشاعر والرغبات بغير ان يخجل منها ويتكتمها عن الآخرين وكأنها من الخطايا والآثام‏!‏
وماأكثر ماتذكرني بعض مواقف الحياة المماثلة بما قاله الروائي الفرنسي الراحل البير كامي في تقديمه لروايته الشهيرة سوء تفاهم من أنه‏:‏ ـ لو أن كلمة واحدة قد قيلت لما وقعت هذه المأساة‏!‏ لكن آفة الانسان انه قد لاينطق أحيانا بالكلمة التي تجنبه الآلام والمعاناة في الوقت المناسب‏!‏
وهاأنت تكررين الآن ياآنستي هذا الخطأ البشري القديم‏!‏
وتتظاهرين أمام نفسك قبل الآخرين‏,‏ بالتردد أمام قبول طلب ابن عمك الارتباط بك‏,‏ وتفضلين انكار رغباتك الحقيقية ونفيها الي حد التظاهر امام النفس بعدم الرغبة فيها‏,‏ ففيم كل هذا العناء ياآنستي‏..‏ وإلام تستمرين في التظاهر بعكس ماترغبين وماتشعرين به؟
لقد وقعت المأساة ولم يكن لك شأن في وقوعها‏..‏ ولا كان بمقدورك لوأردت ذلك ان تمنعيها‏,‏ وزوج شقيقتك الراحلة لن يمضي بقية حياته أرمل مترهبا بلا زواج وبلا زوجة تشاركه رعاية طفله الصغير‏,‏ وأنت لا تتوجهين بمشاعرك الي أحد سواه وترغبين في الارتباط به‏,‏ ومازال هو يحتل في قلبك وفي اعماقك نفس المكانة التي كانت له منذ قديم الزمان‏,‏ فماذا يمنعك من الارتباط به ورعاية طفل شقيقتك الصغير معه‏,‏ وإعانة أبويك ونفسك قبل الجميع علي الخروج من ظلام هذه المأساة العائلية الحزينة؟
ان رفضك للارتباط بزوج شقيقتك لن يغير من حقائق الحياة شيئا ولن يعيد الراحلة العزيزة الي دنيا الأحياء مرة أخري للأسف‏,‏ كما أن قبولك له علي الناحية الأخري لن يغير من الأمر الواقع شيئا ان لم يخفف الكثير والكثير من آثاره المؤلمة علي أبويك والطفل الصغير ووالده ونفسك‏.‏
ولهذا فإن ترددك أمام مطلب ابن عمك ليس في حقيقته سوي رد فعل لا ارادي للخجل النفسي الداخلي في اعماقك من ان تظهري أمام نفسك وكأنك قد استفدت ـ معاذ الله ـ من رحيل شقيقتك عن الحياة في تحقيق أمنيتك القديمة في الارتباط بمن احببته حبا صامتا طوال السنين‏..‏
لكن الحوار المنطقي الهاديء مع النفس كفيل بان يعينك علي التغلب علي هذا الخجل النفسي‏,‏ وعلي التسليم بأن قبولك للارتباط بابن عمك لا يتعارض مع حزنك الصادق علي رحيل شقيقتك عن الحياة ولا يعد خيانة للمشاعر الأخوية الصادقة التي جمعت بينكما‏..‏
ولهذا فلا مبرر للرفض ولا التردد حتي ولو كنت قد استسلمت خلال السنوات الماضية وفي بعض اللحظات لأحلام اليقظة التي كثيرا ماتراودنا وتجمعنا في دنيا الخيال الوردية مع من تحول دوننا ودونهم الأسباب والمقادير‏..‏ فمن رحمة ربنا بنا أنه لايحاسبنا علي الأمنيات الصامتة ولا علي أحلام اليقظة حتي ولو تعارضت مع الأعراف والتقاليد‏,‏ مادمنا لانفعل شيئا عمليا ييسر تحقيق هذه الأمنيات أو يقربها من دنيا الواقع‏.‏
وأنت لم تفعلي شيئا‏..‏ لتحقيق امنيتك القديمة‏..‏ أو للتعبير عنها ثم شاءت الاقدار التي لا راد لها ان تحولها الي واقع‏..‏ وان تيسر الطريق اليها في ظروف درامية لا شأن لبشر بها فماذا يمنعنا من القبول بها‏..‏ حتي ولو تحفظنا رعاية لمشاعر الآخرين في اعلان ترحيبنا بها‏..‏ والابتهاج لها‏!‏
اننا ننصح من تواجه مثل هذا الموقف الذي تواجهينه الآن بألا تقبل بالارتباط بزوج شقيقتها الراحلة لمجرد الحرج العائلي الذي يفرض عليها رعاية اطفالها من بعدها‏,‏ إذا كانت تخطط لحياتها مع انسان آخر ترغب في الارتباط به‏..‏ أو إذا كانت لا تستشعر مجرد القبول النفسي لزوج الشقيقة الراحلة‏.‏
وهذان الشرطان غير قائمين في حالتك ياآنستي‏..‏ فلست تخططين لحياتك مع انسان آخر ترغبين فيه‏,‏ ولست أيضا تنفرين من زوج شقيقتك الراحلة وانما علي العكس من ذلك‏,‏ ترغبين فيه وتكنين له أعمق المشاعر‏,‏ لكنك فقط تخجلين من الاعتراف لنفسك بذلك‏..‏ وتستشعرين الحرج الانساني والعائلي المفهوم في ابداء هذه المشاعر‏..‏ وهذه الرغبة فماذا يحول بينك وبين اسعاد القلوب الحزينة من حولك وأولها قلبك أنت بالارتباط به‏..‏ واحتضان طفله الصغير الحائر؟
__________________



حسبنا الله ونعم الوكيل
رد مع اقتباس