..
المغالطة الأولى
في فهم
"قوله صلى الله عليه وسلم : إنا أمة أميّة لا نقرأ ولا نحسب ..
الشهر هكذا وهكذا "
أمة النبي صلى الله عليه وسلم أوسع من قومه .. قال الله تعالى :" هو الذي أرسل فيهم رسولا منهم " فهو رسول عام لكلِّ الناس .فهل جميع الناس أميين ؟
فما معنى الامية هنا .. ؟ ولماذا أتى بها النبي صلى عليه وسلم في هذا الحديث ..؟
وهل هي صيغة للمدح .. أي يمدح الامية .. ويحث على الجهل ..؟
كيف نفهم هذا الحديث ..؟ الذي فهمه الناس خطأ .. وقالوا نحن أمة أمية .. وهذه خاصية لنا عن غيرنا من الامم ..؟ هذا يقبل هذا الكلام ..؟
والاجابة على هذه التساؤلات .. والمغالطات ان نقول :
في قوله صلى الله عليه وسلم " أمة أمية " فيه معنى أن الشريعة راعت في بداية التنزيل حال المخاطبين .. في التخاطب معهم .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قاد هذه الأمة من الأمية الى الأمة الكاتبة .
فخرج بذلك الحديث مخرج وصف الحال وبيان الغالب .. مع ان العرب كان فيهم الاطباء منهم الحارث بن كلدة صاحب المقولة المشهورة والتي نُسبت الى النبي صلى الله عليه وسلم :" المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ".
كما كان مشهور عندهم علم الأنواء وهو العلم بمساقط النجوم عند غروبها مع الفجر ومايطلع في مقابلها في المشرق .. وعلم الرياح وهبوبها .. والقيافة والعيافة
و كان فيهم كتبة مهرة ولكنهم قلّة .. ودليل ذلك كتابة المصحف .. وكتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حيث أخذوا الكتابة من أهل الأنبار..
وقد صنفهم الكاندهلوي تحت باب " كتّاب الوحي والرسائل " وعددهم 40 كاتبًا .
وكان عند العرب الكثير من العلوم , فجاء القرآن الكريم وأقرَّ صحيحها .. ونبَّه الى باطلها .
وقد قال ابن عباس :" القرآن فيه من لا يعذر أحد بجهله .. وفيه قسم من كلام العرب .. وفيه قسم تعرفه العلماء وفيه قسم استأثر الله بعلمه ."
ومن مراعاة حال المخاطب أن يكون بلسانها .. و ان يكون بيانا لها .. لكي يكون بالغا لكل الناس .. قال تعالى في وصفه للقرآن الكريم :" هذا بلاغ للناس "
والبلاغ كالبلاغة .. كلاهما مصدر والتاء للنقل من المصدر الى الاسم .. او تسمى تاء المبالغة .. والبلاغة كما عرفها أهلها :" جعل الكلام مطابقًا لحقيقة وحال ومقام المخاطب ."
( وجعلوا بلاغة الكلام طباقه لمقتضى المقام )
فالله تعالى راعى في قرآنه أمية المخاطبين .. وعربيتهم فقال :" هذا قرآن عربي "
أي لكي تفهموه .. وتطبقوا ما فيه .
ووظيفة القرآن الاولى هي " البيان " قال تعالى :" لتبينه للناس "
وشرط البيان ان يكون بلغة من يبين لهم .. والشرط الثاني اتحاد اللغة .. والشرط الثالث لاتكفي اللغة فقط بل يكون المعهود في المعاني قريبا من مدرك المتخاطب .. وهذا هو المراد بالأمية ..
فالأمية هي اصطلاح .. المعنى منه مخاطبة الشريعة لجمهور الناس على معهدهم لتحقيق مقصد الافهام .. وتخاطب النخبة من الناس لاثبات التحدي وذلك بطريقة انتزاع الاعتراف من الأدنى بحيث يقولون : اذا كانت النخبة لا تقدر على القرآن وبلاغته .. فكيف نحن ..؟
والتسكين هو الخطوة الأولى في مرحلة التبليغ وهو أسلوب القرآن حيث أبرز المكارم وعدلها .. سكن حالهم لكي يفهموا الخطاب بعد الاستقرار والراحة النفسية .. وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عندما رأى الرجل يبول في المسجد فقال : اتركوه .. وبعد ان سكّنه علمه الخطاب ..
وهذا التسكين له ملامح كثيرة رائعة في الاسلام وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .. ومنها ابواب التدرج في الاحكام والأمثلة كثيرة .
وأضرب هنا مثلا طريفًا من مراعاة حال المخاطبين في قوله تعالى :" طلعها كانه رؤوس الشياطين " وفي قوله تعالى عن عصا موسى :" كأنها جان "
والعرب لاتعرف الشياطين ولا الجان ولا رؤوسها ..!!
ولكنها كانت تعرف نوعا من الحيّات يسمونها شياطين وهي قصيرة وسريعة .. وهذه الرؤوس مستقبحة عند العرب ..فالقرىن خاطبهم بالمعهود عندهم .. فهو لم يقصد الشياطين بعينها بل ما يراه المخاطبون وعلى حسب فهمهم مراعاة لحالهم .
نعود للحديث :" نحن امة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا "
لو كان هذا الوصف للمدح .. لجاء نص في تحريم القراءة والكتابة , وعلى العكس تماما بل أول نص نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :" اقرأ "
فكما قلنا .. الحديث هنا لتقرير الحال .
والحمد لله رب العالمين
بانتظار الآراء والمشاركة والنقد ..