..
المغالطة الثالثة
هل في القرآن كلامٌ أعجمي ؟
كثير من الناس يتعنت لفكرة أن القرآن ما فيه أي كلمة أعجمية
ونرى كثيرا من الخطباء يتحدون على المنابر .. أن كل مافي القرآن كلام عربي ..!!
إن شاء الله سنتكلم عن هذه المغالطة .. ونرى أن وجود كلمة أعجمية في القرآن لا تعدُّ قدحا في القرآن من ناحية اعجازه .. بل على العكس تمامًا ..هي دليل آخر على إعجازه ..وفائقيته ..
فنقول :
ذكر الإمام السيوطي في بداية كتابه (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرّب) اختلاف الأئمة في هذه المسألة، فالأكثرون ـ وهم من أبرز أعلام الأمة ـ
ومنهم الإمام الشافعي، وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوع المعرّب فيه، واحتجوا بقوله تعالى: (قُرآناً عَرَبياً)
وقوله: (وَلَو جَعَلناهُ قُرآناً أَعجَمياً لّقالوا لَولا فُصِّلَت آَياتُه ءاَعجَميُّ وَعَرَبيُّ). وشدد الشافعي النكير على القائل بذلك.
وذهب آخرون إلى وقوع المعرّب في القرآن، وأجابوا عن قوله تعالى: (قُرآناً عَرَبياً) بأن الكلمات اليسيرة غير العربية، لا تخرجه عن كونه عربياً،فالقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية،
وعن قوله: (ءآعجَميٌّ وَعَرَبيٌّ) بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف بعض الكلمات نحو:إبراهيم للعلمية والعجمة.
و قد اختار الإمام السيوطي أن القرآن الكريم كان فيه من كل اللغات، وهذا أدلّ على إحاطته بكل شيء، وحكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء،واستدل بقوله تعالى: (وَما أَرسَلنا مِن رَّسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِهِ) فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو ..
وذهب قوم مذهباً جمع بين قول من قال إن في القرآن كلمات أعجمية، والقول الآخر الذي ينفي، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام، حيث قال: (والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية، كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال: إنها عجيبة فصادق)
أقول:
والدليل على أن العرب عرّبت هذه الكلمات أنك تجد لها أصولاً في المعجمات العربية، فمثلاً كلمة (ناشئة) تجدها في القاموس المحيط، قال (نشأ): كمنع وكرُم، نشْئاً ونشوءاً ونَشَاءً ونَشْأة ونَشاءةً: حَيِيَ...
ومصدر الشبهة بالتفصيل ما قاله المشتككون
: " كيف يكون القرآن عربيًّا مبينًا ، وبه كلمات أعجمية كثيرة ، من فارسية ، وآشورية ، وسريانية ، وعبرية ، ويونانية ، ومصرية ، وحبشية ، وغيرها ؟ وتأكيدا لهذه الشبهة ذكروا الكلمات الأعجمية حسب زعمهم التى وردت فى القرآن الكريم وهى: آدم أباريق إبراهيم أرائك استبرق إنجيل تابوت توراة جهنم حبر حور زكاة زنجبيل سبت سجيل سرادق سكينة سورة صراط طاغوت عدن فرعون فردوس ماعون مشكاة مقاليد ماروت هاروت الله.
و نردُّ عليهم بقولنا :
إن وجود مفردات غير عربية الأصل فى القرآن أمر أقر به علماء المسلمين قديماً وحديثاً. ومن أنكره منهم مثل الإمام الشافعى كان لإنكاره وجه مقبول ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت فى القرآن غير عربية الأصل ، مثل: مِنْسَأَة بمعنى عصى فى سورة " سبأ " ومثل " اليم " بمعنى النهر فى سورة " القصص " وغيرها.
- إن كل ما فى القرآن من كلمات غير عربية الأصل إنما هى كلمات مفردات أسماء أعلام مثل: " إبراهيم ، يعقوب ، إسحاق ، فرعون " وهذه أعلام أشخاص ، أو صفات مثل:" طاغوت ، حبر" ، إذا سلمنا أن كلمة " طاغوت " أعجمية.
- إن القرآن يخلو تمامًا من تراكيب غير عربية ، فليس فيه جملة واحدة إسمية أو فعلية من غير اللغة العربية.
- إن وجود مفردات أجنبية فى أى لغة سواء كانت اللغة العربية أو غير العربية لا يخرج تلك اللغة عن أصالتها ومن المعروف أن الأسماء لا تترجم إلى اللغة التى تستعملها حتى الآن. فالمتحدث بالإنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته ، يذكره برسمه ونطقه فى لغته الأصلية ومن هذا ما نسمعه الآن فى نشرات الأخبار باللغات الأجنبية فى مصر ، فإنها تنطق الأسماء العربية نُطقاً عربيّا ولا يقال: إن نشرة الأخبار ليست باللغة الفرنسية أو الإنجليزية مثلاً ، لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى. والمؤلفات العلمية والأدبية الحديثة ، التى تكتب باللغة العربية ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر الأسماء الأجنبية والمصادر التى نقلوا عنها ، ويرسمونها بالأحرف الأجنبية والنطق الأجنبى لا يقال: إنها مكتوبة بغير اللغة العربية ، لمجرد أن بعض الكلمات الأجنبية وردت فيها ، والعكس صحيح.
إن هذه المفردات غير العربية التى وردت فى القرآن الكريم ، وإن لم تكن عربية فى أصل الوضع اللغوى فهى عربية باستعمال العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه.. وكانت سائغة ومستعملة بكثرة فى اللسان العربى قبيل نزول القرآن وبهذا الاستعمال فارقت أصلها غير العربى ، وعُدَّتْ عربية نطقاً واستعمالاً وخطاًّ.
إذن فورودها فى القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيست بعدد كلمات القرآن لا يخرج القرآن عن كونه " بلسان عربى مبين "
ومن أكذب الادعاءات أن يقال: إن لفظ الجلالة " الله " عبرى أو سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين. إذ ليس لهذا اللفظ الجليل " الله " وجود فى غير العربية:
فالعبرية مثلاً تطلق على " الله " عدة إطلاقات ، مثل ايل ، الوهيم ، وأدوناى ، ويهوا أو يهوفا. فأين هذه الألفاظ من كلمة " الله " فى اللغة العربية وفى اللغة اليونانية التى ترجمت منها الأناجيل إلى اللغة العربية حيث نجد الله فيها " الوى " وقد وردت فى بعض الأناجيل يذكرها عيسى عليه السلام مستغيثاً بربه هكذا " الوى الوى " وترجمتها إلهى إلهى.
ختامًا أذكر بعض الكلمات الاعجمية المعربة :
هيت لك : بنطية بمعنى هلمّ _ مشكاة : حبشية بمعنى الكوة _ معاذيره : بلغة عمان الستور _ ابراهيم , اسماعيل : كلدانية من اللغات السامية
والحمد لله رب العالمين
..