الموضوع: مفتاح النجاح
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 01-25-2011, 05:55 PM
 
الفصل الثالث
أعرف نفسك
ومعنى ذلك أن تتعرف على مواهبك التي منحك الله، فتوظفها في بابها، سواءً علماً أو عملاً أو مهنة، فإن لكل مذهباً ومشرباً صنوان وغير صنوان، وقد علم كل أناس مشربهم، ولكل وجه هو موليها، والناس أجناس، فحق على العاقل أن يمهر فيما يجيد، وكل ميسر لما خلق له، ومن يلاحظ حياة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يجد أن كل واحد منهم أجاد في بابه، فأبو بكر ضرب في كل غنيمة بسهم ولكنه برز في الخلافة والقيادة مع العدل والزهد والإخلاص والصدق...
وعمر قوي في ذات الله شديد على أعدائه، عادل في حكمه، وعثمان رحيم شفوق ذو تهجد وصدقات وبر وحياء ورقة، وعلى شجاع صارم خطيب نجيب فقيه...
وأبي سيد القراء، ومعاذ إمام العلماء، وخالد رمز الأبطال، وابن عباس ترجمان القرآن، وحسان مقدم الشعراء، وزيد بن ثابت كبير علماء الفرائض، وأبو هريرة شيخ الرواة، وهكذا...
فاكتسب معارفك بنفسك بمهارتك وتجاربك ومزاولتك للأعمال ومباشرتك للحياة...
إن الكتب تلقن الحكمة، لكنها لا تخرج الحكماء، وإن الذين امتازوا في العلوم والفنون لم يتعلموا في المدارس فحسب بل تعلموا في مدرسة الحياة ومصنع التجار ..
إن كتاباً في فن السباحة يعطي مفاتيح في هذا الباب لكن لا يمنع الجاهل بالسباحة من الغرق، لكن أفضل طريقة له أن يهبط إلى النهر ليتعلم فيه مباشرة ً...
ومثله الخطيب البارع فإنه لم يمهر ويتميز لأنه قرأ مجلدات في فن الخطابة، بل لأنه صعد المنابر وأخطأ وأصاب، وفشل ونجح، وجرب وتدرب، حتى بلغ الغاية في هذه الموهبة...
فإذا أردت البراعة في أي علم أو عمل أو موهبة فاغمس نفسك فيه وانصهر في معاناته، واحترق بحبه، والشغف به إلى درجة العشق وللناس فيما يعشقون مذاهب، وكما قال الشاعر:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
فلا تظن أن النجاح سوف يقدم لك هبة على طبق من ذهب وإن أقبح نصر هو ما كان عن هبة:
وأقبح النصر نصر الأغبياء
فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
لكن النجاح الغالي هو ما حصل بجهد وعرق ومشقة ودموع ودماء وسهر وتعب ونصب وتضحية وفداء، وكما قال أبو الطيب:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
إن الناس لا يرحمون الفاشل، وإن الساقط مغضوب عليه وكما قيل: إذا وقع الجمل كثرت سكاكينه، لأن الناس لا يحترمون إلا كل ناجح متفوق، فتراهم ينظرون إليه خاشعة أبصارهم، إذا كنت عالماً أو نابهاً أو غنياً أو مرموقاً أو مصلحاً، أما البليد الغبي الفاشل الساقط فلا تلمحه العيون، لأنها لا تراه أصلاً:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
فعليك بطريق التعب والمشقة حتى تصل: )وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) .. وإياك ثم إياك والكسل والتواني والتسويف والأماني فإنها رؤوس أموال المفاليس: )رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ )(التوبة: من الآية87) ..
إن الله يحب المجاهدين ويكره العجزة الفاشلين، وإن ألذ خبز هو ما حصل بعد عرق الجبين، وإن أهنأ نوم ما كان بعد تعب، وإن أحسن شبع ما سبقه جوع، وإن الورد لا يفوح حتى يعرق، وإن العود لا يزكو حتى يحترق:
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف نفخ طيب العود
إن الماء الراكد يأسن ويتغير طعمه، لكن إذا جرى وسرى طاب وعذب، وإن الكلب الجاهل حرام صيده، لكن صيد الكلب المدرب حلال، لأنه أتى بعد جهد ودربه ومعرفة، يقول الشاعر:
تريدين إدراك المعالى رخيصة
ولا بد دون الشهد من إبر النحل
فالبدار البدار قبل تقضى الأعمار فلا راحة مع الليل والنهار:
ولا تقل الصبا فيه امتهال
وفكر كم صبي قد دفنتا